مراجعة فيلم الأنمي «Lu Over the Wall»: عمل مُحرك للقلوب ومُبهج للسرائر
5 د
حسنًا، هناك الكثير ليُقال في افتتاحية مراجعة اليوم. اليوم نحن لسنا أمام أنمي مطول حيث يمكن للكاتب أن ينسج خيوط حبكته بروية، أو مجموعة أوفات متصلة يمكن لها أن “تُطبخ” بهدوء. نحن اليوم أمام فيلم أنمي من أبدع وأجمل وأبهج ما رأيت في حياتي حصرًا. فيلم اختزل كل مشاعر الإنسانية في ساعتين فقط دون الحاجة إلى حلقات وأسابيع طويلة. أكتب هذه الكلمات الآن ونشوة السعادة تغمر كل شبر في جسدي من إخمص القدم حتى منبت الشعر. فيلم Lu Over the Wall – Yoake Tsugeru Lu no Uta هو أحد إبداعات المخرج ماساكي يواسا – Masaaki Yuasa الذي قدم لنا سابقًا أعمال أنمي قوية مثل Devil man: Crybaby وTatami Galaxy. افتتح المُخرج الاستوديو الخاص به منذ فترة قريبة ليأخذ بذلك منعطفًا جديدًا في مسيرته الفنية. وهذا الفيلم بكل تأكيد لبرهان واضح وجليّ على أن ذلك المخرج يُخبئ في جعبته الكثير. الآن هيا بنا نتحدث عن ذلك العمل البديع قليلًا.
مراجعة أنمي Lu Over the Wall
القصة
ألم تشعر يومًا بالانطوائية والحزن؟ ألم تكن أبسط وأتفه الأشياء في حياة البشر قادرة على إبهاجك بشدة وتكون بالنسبة لك الملاذ من هذه الحياة القاسية؟ إذا كانت إجابتك نعم، فهذا الفيلم يناسبك بكل تأكيد.
تتحدث القصة عن الفتى الهادئ وقليل الكلام كاي أشيموتو – Kai Ashimoto. الذي في أوقات خلوته يخرج حاسوبه ويبدأ بصنع النوتات الموسيقية الدافعة للرقص دون شعور. نفسه الحقيقية تظهر في الموسيقى. فبالنسبة له الموسيقى هي الحياة، حتى وإن قال بصريح العبارة أنه يصنعها ويعزفها من أجل قتل الوقت. وتلك الموسيقى على وجه الخصوص هي التي ستقلب حياته رأسًا على عقب. ففي بلدته توجد أسطورة شهيرة بأن حوريات البحر يأكلن البشر ويتغذين عليهم بالأعماق السحيقة. وأن ما يجذبهن للفرد هي الموسيقى التي يعزفها بمرح وسعادة. الآن “كاي” يعزف كالعادة لكن تظهر أمامه حورية أشبه بالطفل الصغير، وعلى غير المتوقع لم تأكله. لذا، فما حكاية تلك الحورية؟ وكيف لتلك الأسطورة أن نشأت بذلك الشكل المجحف؟ الكثير من الأسئلة والعديد من الإجابات تنتظركم في هذا الفيلم الرائع.
لماذا هذا العمل مميز؟
أهم ما يُميّز الفيلم هو أسلوب الرسم والإخراج. فدائمًا كل أعمال المخرج يكون فيها أسلوب الرسم طيّعًا ليجعلك لوهلة تعتقد أنه أسلوب سيء ومُدمر لجمال القصة. لكن عندما تتوغل قليلًا في الأحداث تدرك أن العبقرية تكمن في ذلك الأسلوب البسيط. فعبره استطاع التركيز على نقاء الألوان، زوايا الكاميرا، وأفعال الشخصيات نفسها. فعندما يكون الرسم خارقًا والمؤثرات البصرية قوية جدًا، تنبهر أنت كمشاهد بكل ذلك ولا تدرك بعض ثنايا وخبايا القصة. فبفصل ذلك العنصر عن العمل الفني، تستطيع أن تصبّ تركيزك على ما يُريد منك المخرج أن تلاحظه فقط. وهذا سر عبقرية “ماساكي يواسا”.
العنصر الآخر المميز هنا هو البهجة! نعم البهجة!
ففي أغلب المشاهد –حتى الحزينة منها- تجد أن توزيع الألوان في المشهد بحد ذاته، مدموجًا مع التفاصيل الدقيقة للموجودات الماديّة حول الأبطال. وذلك هو الذي خلق فيك بهجة غير ملحوظة. إذا كنت من محبي استوديو غيبلي الشهير فيجب أن تكون قد لاحظت تلك النقطة هناك أيضًا وبشكلٍ صارخ. فمُخرج الاستوديو “هياو مايازاكي” دائمًا ما يعمد لغمر المشهد بالتفاصيل الصغيرة والآلات الضئيلة التي تضفي جوًّا من البهجة والعشوائية عليه. ببساطة عندما تشاهد هذا الفيلم تدرك أن شركتيّ ديزني ودريم ووكرس ليستا الوحيدتين في مجال صناعة الأفلام ذات القدرة على الإبهاج عن طريق أصغر الصغائر.
هذا الفيلم سيجعلك تبكي من أعماقك في مشهد النهاية. سيجعلك تدرك كم أنت هشّ، ضعيف، وتحتاج إلى من يحبك. وكيف أن الحب ليست سلعة نادرة كما يقولون. الفيلم يبرهن أن الحب طاقة فطرية موجودة في كل شخص فينا، لكن يتم التعبير عنها بطرق مختلفة من شخص لآخر. حتى لو كان ذلك الشخص غريبًا عنك تمامًا في الطباع، الأوصاف، والتفكير. حتى لو كان ذلك الشخص حورية بحر.
الشخصيات
الشخصيات بكل تأكيد تجعلك تتذكر عالم ديزني البديع وشخصياته المخملية التي لا تنضب. فكل شخصية بالفيلم مبتكرة ومميزة على طريقتها الخاصة. خصوصًا جميع الكائنات البحرية التي ظهرت بالفيلم حصرًا. والشخصيات البشرية التي تبدو في بداية الأحداث مجرد عوامل تثبيط لعزيمة البطل، تجدها في النهاية موجودة لغرض نبيل وسامي. ذلك المزيج بين بداية ونهاية الفيلم عبر الخيط الرفيع المتمثل في الشخصيات، لهو عنصر جذب انتباهي حقًا. بجانب أن الشخصيات التي لم يكن لها شأن بذلك الخيط، كان لها ماضٍ محبوك ببراعة وليست مجرد كيانات تساعد البطل تارة، أو تقلل من شأنه أخرى. من أفضل الشخصيات بالنسبة لي هي شخصية والد لو. شخصية مميزة من المظهر، وأيضًا من الجوهر كما ستظهر بالأحداث.
الرسم والتحريك
أسلوب “ماساكي يواسا” معروف. أن ترسم بطريقة تجعل المشاهد يصب تركيزه على العمل والفكرة ليس إلا. ولا مانع بالقليل من الفانتازيا الموزونة هنا وهناك. كل مرة أشاهد فيها عملًا للمُخرج أغرم أكثر فأكثر بذلك الأسلوب حتى عندما أرى أعمال أنمي أخرى أقول لنفسي: “لماذا لا يتعلم هؤلاء من يواسا؟!”. المناظر الطبيعية الشاسعة رُسِمَتْ ببراعة، بجانب التفاصيل الصغيرة للموجودات حول الأبطال أنفسهم. ففي بعض الأحيان فاق رسم الصغائر رسم الشخصيات نفسها. وذلك بالطبع يؤكد على أن المخرج يحب خلق وترسيخ الحالة الشعورية عبر التفاصيل الدقيقة. أما بالطبع التحريك مناسب لأسلوب الرسم وليست لدي عليه أدنى ملاحظة.
الموسيقى
أكتب لكم هذه المراجعة الآن وأنا أستمع إلى أغنية نهاية الفيلم. وكلما توقفت، أعدتها من البداية مجددًا. فأغاني الفيلم كلها، بجانب الموسيقى التي صدحت في خلفية مشاهد عديدة، لهي حقًا نوتات ومجهودات فنيّة تستحق الإشادة. الموسيقى خلقت بداخلي حالة شعورية لا أستطيع وصفها بالكلمات، ولن تدركوا مغزاي إلا عند مشاهدة الفيلم فعلًا. بالأعلى تركت لكم أغنية النهاية التي أسمع إليها الآن تحت عنوان “Kazuyoshi Saitou Utautai no Ballad”.
رأي شخصي
أنمي Lu Over the Wall رائع بكل المقاييس الفنية والشعورية. يُعتبر فرصة ثمينة يجب اقتناصها لكل من يريد أن يبتهج قليلًا ويُدرك أن للحياة معنى، ومعناها في أن تجد الحب الذي قد يتمثل في أصغر الصغائر. أنصحكم به جميعًا وأتمنى لكم رحلة ممتعة في رحاب مشاهده البديعة والخلابة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.