فيلم ماكو: إهدار لقصة قيّمة ومؤثرات بصرية قوية
“من رحم المعاناة والألم يولد الإبداع.”
في العادة يميل المتلقي لتفضيل الأعمال ذات الطبيعة الحزينة والضاغطة أكثر من الرومانسية مثلًا، ويعود ذلك إلى قدرة تلك الأعمال على إثارة المشاعر بشكل أكبر، تجعل من عملية التوحد مع أحزان الأبطال أمر يسير. لذلك عندما يكون لديك قصة مأساوية تراجيدية عنيفه عن حادث غرق عبارة سالم اكسبرس يكون لديك قماشة خام لعمل درامي ممتاز، ومع وجود مؤثرات بصرية ذات مستوى عال جدًا تضمن لك تنفيذًا جيدًا لمشاهد الحركة عليك أن تقدم عملًا يحترم عقلية المشاهد على الأقل، هل قدم لنا ماكو هذا؟
قصة عبارة سالم المحزنة للغاية التي لم يتم استغلالها بأحسن صورة، مؤسف!
فيلم ماكو من إخراج محمد هشام الرشيدي وتأليف أحمد حليم، من بطولة جماعية لـ بسمة، نيكولا معوض، عمرو وهبة، ناهد السباعي، محمد مهران، فريال يوسف، سارة الشامي وظهور خاص للنجم التركي مراد يلدريم. يدور الفيلم حول شركة إنتاج أفلام وثائقية تملكها رنا بهجت وزوجها شريف مع طاقم عمل بين التصوير والإنتاج، تقترح غرام على المجموعة فكرة فيلم جديد تدور حول الطاقة السلبية التي اشتهرت بها حطام عبارة سالم اكسبريس التي غرقت في عام 1991 قرب ميناء سفاجا. تشرع المجموعة في الغطس بمساعدة الغطاس الشهير مراد، وبعد الوصول للحطام يهاجمهم سمكة قرش تجبرهم على التفرقة والاختباء داخل الحطام ومنها تتعقد الأحداث حتى يموت الفريق بأكمله بطرق غير مبرره أحيانًا، ومضحكة أحيانًا أخرى.
من المؤسف للغاية أن تكون تلك الحبكة الضعيفة، القصة المملة والتطور غير المنطقي في الأحداث هو أول عمل مصري يتناول قضية عبارة سالم المفجعة. في العادة تشتق فكرة من الواقع وتضيف عليها بعضًا من الخيال حتى تصلح لتقدم في عمل فني أيًا كان نوعه. ومع قصة عبارة سالم لا تحتاج لأي من الخيال حتى تقدم قصة تراجيدية مأساوية محكمة، فبمجرد معرفة قصة 1500 راكب تقريبًا معظمهم من العمال والفقراء ركاب السطح القادمين من جدة للقاهرة، تم نجاة 470 فقط منهم في مشهد يقشعر له الأبدان. تعتبر غطسة عبارة سالم من أكثرهم صعوبة ليس بسبب عمقها الشديد مثلًا أو بعدها عن الشط، بالعكس فهي على بعد 12 ميلًا من ميناء سفاجا وعلى عمق 12 مترًا تقريبًا.
لكن تكمن صعوبتها في الحطام الموجود، تشعر وكأنها مدينة مهجورة فقدت كل مظاهر الحياة بموت كل أفرادها بشكل مأساوي، تخيل المعاناة والرعب الذي شعروا به هؤلاء الركاب في الدقائق الأخير لهم قبل الغرق، عائلته وذويهم الذين ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر حتى يجتمعوا، الأطفال ينتظرون عودة أبيهم بالدراجة التي وعده بها أو بدلة الضابط والعروسة. قرر الفيلم أن يهمل كل تلك الخطوط الدرامية الغنية ويركز على صراعات غير منطقية.
لحظة! تناول الفيلم بالفعل في خط درامي -إن جاز أن نطلق عليه هذا- قصة طفلة ناجية من العبارة من دون والديها، والحقيقة لو حاول الفيلم تقديمها بشكل كوميدي لم يكن سينجح في إضحاكنا بهذا الشكل.
ماكو: عقد درامية بلا هدف
“طول عمري في المواجع مش عارف أمتى راجع لسه المشوار طويل”
موال طول عمري في المواجع- محمود الحسيني
شخصية غرام في فيلم ماكو تأتينا برعاية تلك الجملة من أسطورة محمود الحسيني الغنائية، تعاني غرام من -أو من المفترض أن تكون- اضطراب كرب ما بعد الصدمة PTSD بسبب أنها كانت السبب في موت والدها ووالدتها على العبارة بالخطأ، ظلت تعاني من إحساس الذنب طوال عمرها بالإضافة إلى إحساس الوحدة فتقرر العمل في شركة الأفلام الوثائقية حتى يتسنى لها الفرصة لجمع فريق كامل لتصوير حطام العبارة لتزور مقبرة والديها المائية فتحرر من الإحساس بالذنب. مجهود و “فرهدة” بلا هدف، كان من الممكن أن تقوم بالغطس وحيدة مع الوسيم مراد الذي يقوم بالأمر بشكل غير قانوني هي من اقترحت طلب المساعدة منه في الأساس، أو الأسهل وكان سيكلفها مئة وخمسون جنيها فقط للجلسة الواحدة مع أحد الأطباء النفسيين المهرة في عيادات مدينة نصر ويساعدها على تخطي الصدمة النفسية بدون كل هذا القلق.
هناك أيضًا خط درامي آخر لا داعي له عن الأخوين زياد وتيمور يقدمهما محمد مهران وعمرو وهبة، زياد شال مدمن شرير، تيمور الأخ الطيب المحترم الذي بالمناسبة يلقي إفيهات كوميدية سيئة تجعلك ترغب في اقتلاع عيناك مثل الأب سمعان الخراز أو قطع أذنك مثل فنسنت فان جوخ. في النهاية نكتشف قتل تيمور لأحد أعضاء الفريق عن طريق أخذ أنبوبة الأكسجين الخاصة به بلا أي مبرر درامي واضح أو خفي، فقط حتى يتنسى لمهران قول عبارة درامية مبالغ بها من نوعية “مش انا لوحدي اللي وسخ كلكم اوساخ”.
وعن المبالغة لم يقصر الفيلم في إظهارها، حيث يعتمد الأبطال على نظرات شريرة تذكرنا بأفلام الأبيض والأسود من إنتاج أربعينات القرن الماضي. ينتهي الفيلم بموت كل أبطال العمل بداية من مراد يلدريم الذي امتد وجوده على الشاشة عشرة دقائق فقط وأخيرًا، وأسيا وزياد، ليكون الناجي الوحيد هي رنا بعد فقدان ذراع، وتتسلم الجائزة التي تحلم بها مع جمل تملأها الحكمة الفارغة.
موسيقى هشام خرما ومؤثرات طنطاوي وشحاتة ظُلمت حقًا!
لا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكار التجربة البصرية الرائعة التي قدمتها لنا شركة ترند في ماكو من خلال محمد طنطاوي وأحمد شحاتة، فعل عكس المتوقع لم تكن المؤثرات البصرية ضعيفة كحال معظم الإنتاج المصري فتم تنفيذ مشاهد القروش والتوغل في العبارة بشكل جيد للغاية يراضيك قليلًا عن سوء السيناريو والتمثيل.
وعلى صعيد آخر شريط الصوت الخاص بالفيلم المسؤول عن تركيب الجمل الحوارية في المشاهد المصورة تحت الماء سيئ للغاية وغير متناغم بالمرة. قدم الموسيقى التصويرية للعمل المبدع هشام خرما المعروف مؤخرًا بموسيقى مسلسل النهاية، فـ موسيقاه في الفيلم تعبر عن الحالة التي من المفترض أن يضعك بها الفيلم من غموض وتشويق وإحساس مستمر بالضيق. ولكن كلها مجهودات تضيع هباء في سيناريو ضعيف.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
معظم المواقع المصرية تهلل للفلم. لكن تحليل هذا الموقع أعجبني جدا. قال ما شعرت به من إحباط و غم و لكن بإسلوب مؤدب.
سأتابع هذا الموقع الصادق بالتأكيد