Mildred Pierce .. عندما تصبح الأمومة لعنة
5 د
الكل يُقدّر مشاعر الأمومة، يرى واجب على كل أم أن تعطي أولادها كل ما تملك، أن تقدّم روحها وجهدها ومالها على طبق من ذهب لأبنائها، لكن ماذا لو كان كل ذلك لا يكفي هؤلاء؟ فمن غير المنطقي أن نتصور كل الأبناء شاكرين مقدرين لجهود أمهاتهم، بل هناك من يطلب المزيد، من يرى أن كل هذا لا يليق بمستواه، وكلما أخذ أكثر، كلما زاد طمعه وجشعة، وباستسلام الأم لمشاعرها تدخل في دوامة قد لا تخرج منها سالمة ابداً.
هذا السيناريو الكابوسي تم تقديمه في رواية Mildred Pierce عام 1941 وعلى غير توقع كتبها رجل هو جيمس م. كين، حيث تخيّل حياة أم مخلصة لفتياتها تعيش كالشمس تمدهن بالدفء والنور، ولكن لا تحصل سوى على المزيد من الطلبات لتخرب حياتها قطعة بعد الأخرى، ونجحت هذه الرواية نجاح كبير أدى إلى تحويلها لفيلم سينمائي عام 1945، ثم تم إعادة إنتاج الرواية مرة أخرى عام 2011 على شكل مسلسل قصير من خمسة حلقات إنتاج HBO وبطولة كيت وينسلت.
يبدو أن تعقيد دور الأم ميلدريد بيرس يؤدي إلى أن تُظهر الممثلة التي تقوم به أقصى مواهبها، لتفوز عن أدائها لهذا الدور جوان كروفورد بجائزة الأوسكار عام 1946 وأيضاً تفوز عنه عام 2012 كيت وينسلت بجائزة الجولدن جلوب كأفضل ممثلة في مسلسل تلفزيوني قصير، وسنتحدث هنا عن الرواية والفيلم والمسلسل والفروقات التي بينهم.
رواية Mildred Pierce
على الرغم من اشتهار جيمس م. كين بكتابته لروايات بوليسية مثيرة إلا إنه اختار في هذه الرواية أن يقدم قصة تعتمد على الدراما النفسية بصورة كبيرة، وبطريقة مختلفة عن المنتشر في الأدب الروائي بالأربعينات.
فالبطلة ملدريد أم وربة منزل من الطبقة الوسطى تعيش خلال الثلاثينات اثناء فترة الركود الاقتصادي، حيث يعاني زوجها من البطالة، وتساعد في إعالة عائلتها عن طريق خبزها للكعك والفطائر، ولكن اهتمامها الأكبر هو بتلبية حاجات ابنتها الكبرى “فيدا” التي ترغب في الحصول على كل ما هو نفيس وأنيق دون الاهتمام بمصدره، وتحدث مشادة حول ذلك الأمر مع زوجها، لتقرر أن ابنتيها أهم إليها من حياتها معه، وتنفصل عنه.
تبدأ ملدريد حياة جديدة وحيدة مع فتياتها، تبحث عن عمل وتفشل في ذلك لضعف خبرتها وللحالة الاقتصادية المتردية للبلاد، لتبدأ العمل بعد طول بحث كنادلة في إحدى المطاعم، وهو العمل الذي تخفي حقيقته عن ابنتها الكبرى خوفاً من رفضها لهذا الوضع الاجتماعي الذي قد تراه غير مناسب لها.
وبعد قليل تكافح ملدريد حتى تفتتح مطعم باسمها يحظى بنجاح باهر، وتغدق على ابنتها بكل مظاهر الرفاهية، لكن ايضاً هذا لا يكفيها، حيث تنظر لوالدتها دوماً نظرة دونية بسبب عملها لتحصل على المال، وكونها ليست من أسرة ذات أصول اجتماعية عريقة، لتدفع الأم لتأخذ الكثير من الخيارات الخاطئة التي كادت أن تحطم حياتها.
فيلم Mildred Pierce عام 1945
لحصول الممثلة جوان كروفورد على دور ملدريد بيرس قصة طريفة، فقد كان لها سمعة سيئة في هوليود كمغرورة كبيرة، ورفض مخرج الفيلم مايكل كورتيز أن تقوم جوان بدور البطولة في فيلمه القادم، ولكنها أصرت على الدور، وعرضت أن تقوم باختبار للكاميرا كأي ممثلة مبتدئة، وبالفعل نجحت في الاختبار ببراعة ليرضخ المخرج في النهاية.
وقد كانت فترة التصوير مليئة بالمشاحنات بينها وبين المخرج على العديد من التفاصيل الكبيرة والصغيرة، ليخرجا في النهاية صديقين، وتم تأجيل عرض الفيلم لبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليكون الجمهور مهيأ لهذا النوع من القصص.
قامت بأداء دور “فيدا” آن بليث التي برعت أيضاً وترشحت عنه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور مساعد، وكالمعتاد هناك الكثير من الاختلافات بين الرواية والفيلم، فأحداث الرواية تمت في تسعة سنوات، تغيرت فيها المرحلة العمرية لكل من فيدا وملدريد بصورة واضحة، بينما في الفيلم تمت الأحداث خلال أربعة سنوات فقط، وايضاً تم إهمال العديد من الشخصيات، والموهبة الفنية لفيدا التي كانت واحدة من أهم محركات الأحداث في الرواية.
وايضاً تم إضافة جريمة قتل على أحداث الفيلم لتجعل القصة أكثر تشويقاً وملائمة للأفلام التي يتم انتاجها في هذه الحقبة الزمنية.
فازت جوان بجائزة الأوسكار عن دور ملدريد، ولكنها لم تحضر الحفل خوفاً من الشعور بالمهانة في حالة عدم فوزها، لكنها سمعته في الراديو وما أن عرفت بفوزها حتى استدعت المسؤولين عن تجميلها وتهيأت لأن تستلم الجائزة في سريرها بأبهى صورة ممكنة.
ترشح الفيلم أيضاً لجوائز أوسكار أفضل ممثلة في دور مساعد “إيفا أردين”، أفضل ممثلة في دور مساعد “آن بليث”، أفضل نص، وأفضل تصوير بالأبيض والأسود.
مسلسل Mildred Pierce عام 2011
لو عقدنا مقارنة بين أداء الممثلتين الرئيسيتين في الفيلم والمسلسل لوقعنا في حيرة شديدة، فكل من الممثلات قدمن أداء ممتازاً بحق وهو ما أعطى العملين قيمة كبيرة وأهمية بالإضافة للقصة المثيرة بالطبع.
وفي المسلسل على مدار الخمسة حلقات كان أداء كيت وينسلت رفيعاً بحق، لتظهر شخصية ملدريد بيرس بكل قوتها وضعفها ومخاوفها وحبها الشديد لابنتها فيدا، وقد قرر المخرج والمؤلف تود هاينس أن تكون الأحداث كلها بعيون البطلة ملدريد ما يعني ظهور كيت في كل مشاهد المسلسل خلال مدة تصوير ثمانية عشر أسبوعاً، لتعتبره العمل الأصعب في مسيرتها الفنية بعد تايتانيك.
والتزم تود هاينس بالرواية بصورة تامة تقريباً، لتظهر الكثير من الأحداث المختلفة عن الفيلم، واستطاع أن يقدم سيناريو ملائم لزمن الأحداث الذي تدور فيه المسلسل، لكن أيضاً مشوقاً مختلفاً عن ذلك الخاص بالفيلم الكلاسيكي.
فازت كيت وينسلت بجائزة الجولدن جلوب، وترشح المسلسل لجوائز أخرى هي أفضل مسلسل قصير، أفضل ممثلة عن مسلسل قصير في دور مساعد “إيفا راتشيل وود”، أفضل ممثل عن مسلسل قصير في دور مساعد “جاي بيرس”.
في النهاية شاهد الفيلم أو المسلسل أو اقرأ الرواية، وتأكد إنك ستستمتع بوقتك تماماً مع دراما من نوع خاص، اقتربت بشكل مختلف من الأمومة واستحقت التخليد بهذه الأعمال المميزة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.