مسلسل Mindhunter … آخر مفاجآت نيتفليكس الجميلة

مسلسل Mindhunter
هدى اشنايبي
هدى اشنايبي

6 د

كعادتها فاجَأتنا شبكة نيتفليكس Netflix مرة أخرى بمسلسل تمكّن بسرعة شديدة من لفت الانتباه إليه وإثارة إعجاب النقاد والجماهير الذين فاق العمل توقعاتهم، أتحدث هنا عن مسلسل Mindhunter  الذي تم إصدار الموسم الأول منه كاملًا في الثالثة عشر من هذا الشهر، والذي – في حالة لم تكن تعلم ذلك – يشكل المخرج دافيد فينشر إضافةً إلى النجمة شارليز ثيرون أحد منتجيه، نتحدث هنا عن منتج مسلسل House of cards الرائع، عن مخرج روائع Se7en و Fight Club و Zodiac و Gone Girl، وعن ملك التشويق والإثارة المعاصرين، الذي قام كذلك بإخراج مجموعة من حلقات المسلسل، وبالتالي فبإمكانك توقع كم المتعة التي تنتظرك.


بطاقة تعريفية بالمسلسل:

عنوان المسلسل: Mindhunter

تصنيف: جريمة، دراما، تشويق.

تاريخ الإصدار: 13 أكتوبر 2017

مبني على: كتاب Mind Hunter: Inside the FBI’s Elite Serial Crime Unit لمارك أولشاكر وجون إي. دوغلاس.

بطولة: جوناثان غروف، هولت ماكالاني، هانا غروس، آنا تورف، وكوتر سميث

عدد المواسم لحد الآن: 1

عدد الحلقات: 10

مدة الحلقة الواحدة: من 34 إلى 60 دقيقة

شبكة العرض: Netflix

تنفيذ الإنتاج: دافيد فينشر، شارليز ثيرون، جوش دونين، وسيان شافين.

“كيف يمكننا التفوق على المجانين إذا لم نفهم كيف يفكر المجانين؟”

تم اقتباس هذه الجملة من حوار بين الشخصيات خلال الحلقة الأولى من مسلسل Mindhunter وقد اخترتها تحديدًا؛ لأنّها تلخص بوضوح الفكرة التي يقوم عليها المسلسل بأكمله!

تدور أحداث المسلسل المبنية على أحداث واقعية تم اقتباسها تحديدًا من كتاب Mind Hunter: Inside the FBI’s Elite Serial Crime Unit لمارك أولشاكر، وجون إي. دوغلاس. في منتصف سنوات السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المتزامنة مع بدايات البحوث في مجال سايكولوجيا الإجرام والتنميط الجنائي، حول هينري فورد و بيل تينش.  عميلين في الجناح التعليمي لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI، يحاولان التوصل إلى أعماق الأفكار الإجرامية وفهم طريقة عمل عقول القتلة والمغتصبين المتسلسلين عن طريق محاورتهم، بهدف استخدام هذه المعطيات في تسهيل عملية القبض على مجرمين آخرين، وذلك من خلال التوصل إلى إحابة شافية لسؤال: ما الذي قد يدفع الإنسان إلى القيام بعمل مماثل؟ مستعينان بدكتورة علم النفس ويندي كار، في الوقت الذي يعانيان فيه من البيروقراطية المتجذرة في مكتب التجقيقات الفدرالي، وهو ما يبطئ من سرعة تحقيقهم لأهدافهم بل وحتى الحصول على الإذن من أجل السعي وراءها.

لعل أكثر جانب أثار إعجابي خلال مشاهدتي للمسلسل هو تناقض الشخصيتين الرئيستين،  وقبل أن أشرح السبب دعني أسألك: هل حدث معك مرة خلال حضورك درسًا لمادة الفلسفة أو خلال مشاهدتك لحوار مع محلل نفسي أن ابتسمت وأنت تفكر في “تفاهة” ما تسمعه، وفي المبالغات الهائلة التي ينطق بها المتحدث، وعدم مطابقة كلامه ورؤيته للأمور بأي شكل من الأشكال مع الواقع؟

لا يهم إن كان رد فعلك خاطئًا أم صائبًا إلّا أنّني متأكدة أنّ هذا قد حدث معنا جميعًا في وقت من الأوقات … حسنًا، هذه هي شخصية بيل تينش (المقتبس عن العميل روبيرت كي. ريسلر)، ففي حين نجد العميل فورد (المقتبس عن العميل جون إي. دوغلاس) ذي الخلفية العلمية، الذي يرى الأمور بنظرة تحليلية عميقة تؤهله لمعرفة هوية المجرم العامة بشكل تقريبي (سنه و عرقه وحتى طبيعة حياته ككونه فقيرًا أم غنيًا، مرتبطًا أم منفصلًا) بمجرد تحليل ساحة الجريمة، بالإضافة إلى ميله لتحليل كلمات، حركات وملامح المجرمين الذين يحاورهم، ومحاولة استنباط الأسباب المؤدية لتصرفاتهم مما عاشوه في ماضيهم، ومحاولة تفسير كل أفعالهم من منظور علم النفس وعلم الإجرام وعلم الاجتماع. كذلك، نجد أنّ بيل مختلف تمامًا، فهو عقلاني وواقعي جدًا يشبه “عامة الناس” في طريقة تفكيره، ويرى أنّه ليس كل ما يحدث محتاج لتحليل معمق وعلمي، وليست لكل الجرائم خلفيات معقدة ينبغي دراستها، بل يمكن أن يكون لبعض الأفعال أسباب بسيطة جدًا، وربما تكون بلا سبب حتى، وهو اختلاف نفهمه ونلاحظه بشكل أكبر في عدة مشاهد تنعكس فيها طريقة تفكير العميلين على طريقة عملهما.

فمثلًا، نجد أنّ فورد يحاول دائمًا أن يبحث في البداية عن الدافع وراء الجريمة، وعن السبب الذي جعل المجرم يقوم بفعلته بهذا الشكل بالتحديد دون غيره، ومن ثم فإنّه يقترب شيئًا فشيئًا من هويات الأشخاص الذين من الممكن أن يكون لديهم هذا الدافع مما يضيق احتمالات البحث، أمّا بيل فلا يهتم كثيرًا بالدافع، فكما قلنا هو يرى أنّه لا يوجد دافع وسبب بالضرورة لكل ما يحدث في العالم، وبالتالي فإنّه يبحث عن الفاعل من خلال الطرق التقليدية، أمّا البحث عن الدافع فلا يأتي إلّا بعد القبض على الفاعل.

صورة من مسلسل Mindhunter

يشكل هذا التناقض في رؤية الأمور أحد أجمل وأمتع عناصر هذا العمل المشوق نظرًا لاستفادة كل منهما من الآخر، حيث نلاحظ مع الوقت تأثرهما ببعضهما البعض بشكل إيجابي يخدم  الغاية المشتركة لهما، بالإضافة إلى دفعه المشاهد بدوره إلى التفكير من منظور كل بطل على حدة؛ نظرًا لعدم إمكانية اختيار التوجه الخاطىء من الصائب، وإلى تعلم الاستماع إلى الآخر ومحاولة فهم وجهة نظره وإن اختلف معه، فربما قد يحمل رؤيةً مميزةً قد تفيده في يوم من الأيام.

من ناحية أخرى أود أن أشير أنّني بدايةً لم أقتنع بدور فور؛ نظرًا لتكرار جوناثان غروف لنفسه مرة أخرى في دور الرجل اللطيف المرهف الأحاسيس الذي يكره العنف، خصوصًا أنّ الأمر يتعلق بعميل فيدرالي من المفترض أن يكون خشنًا بعض الشيء، مما جعلني أحس أنّ الشخصية سخيفة نوعًا ما، إلّا أنّني سرعان ما فهمت لاحقًا أنّ الدور نفسه كان محتاجًا لهذه العناصر، فالفرق الوحيد هذه المرة يكمن في كون بطلنا ليس ساذجًا كما يبدو عليه، بل على العكس يتمتع هولدن فورد بذكاء بالغ يجعل منه قابلًا للمقارنة بشكل أو بآخر مع شارلوك هولمز (إذا حذفنا عدة عناصر كالعجرفة و الكلام المتحاذق)، وهو ما يمكّنه من كسب ثقة محاوريه سواءً كانوا مساجين أو مجرمين يحتفظون برهائن، وينبغي عليه التفاوض معهم من أجل إنهاء الأمر دون أي ضحايا، مستعينًا في ذلك بشكله اللطيف وكلامه الناعم الذي لا يشبه بأي شكلٍ ما يبدو عليه رجال الشرطة المحليين عادةً، فما بالك برجال الإف بي آي.

وأخيرًا، لا أريد أن أفسد عليكم متعة الاستمتاع الكاملة بهذا العمل من خلال حرق جميع مفاجآته ووضعها على الطاولة، إلّا أنّني أعدك بأنّك ستشاهد عددًا من الأدوار الشريرة الأكثر متعة وإثارة للإعجاب في الفترة الأخيرة، وأذكرك مرة أخرى أنّ ما ستشاهده قد حدث بالفعل وأنّ أغلب المجرمين الذين سيظهرون في المسلسل قد تم بناء شخصياتهم انطلاقًا من مجرمين قد عاشوا بالفعل في تلك الفترة!

بالنسبة للإخراج، وكما هو متوقع، فإن لمسة دافيد فينشر حاضرة بكل ثقلها في هذا المسلسل، ويتجلى ذلك في الإضاءة والكادرات والموسيقى التصويرية، والجو العام البالغ التشويق الذي لا ينبغي تفويته لمحبي هذا النوع من الأعمال.

الخلاصة هنا هي أنّه لدينا مسلسل جريمة وإثارة وتشويق مبني على أحداث واقعية لا يقدم أحداثًا مشوقةً فقط، وإنّما يقدم الكثير من المعارف للمهتمين بعلم النفس أو علم الإجرام، إضافةً إلى تقديمه لمجموعة من الشخصيات التي تم تأديتها بشكل بالغ الإمتاع، وصدقني إذا كنت مهتمًا بهذا التصنيف تحديدًا، فإنّك ستجد نفسك قد أدمنت مشاهدة  مسلسل Mindhunter بسرعة كبيرة.

هل شاهدتم مسلسل Mindhunter أم ليس بعد؟ إذا كان الجواب بلا فماذا تنتظرون؟ وإذا كان الجواب بنعم فما رأيكم به؟ شاركونا في التعليقات.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

عمل أكثر من رائع ..
اسلوب التحقيق في خفايا السلوك البشري الاجرامي العشوائي ودوافعه ،هي مادة جديدة كليا .
اتمنى ان تدرّس في عالمنا العربي البائس قريبا ، فهناك ارض خصبة للوصول لنتائج مذهلة في هذا البحث…