أفلام تساعد على تجاوز فقدان الحب، والتعافي من الألم

يقولون أن لا شيء يعادل جمال بدايات قصص الحب، لكن في عالم السينما الذي يعتمد على الدراما الإنسانية المؤثرة، لا شيء يعادل النهايات، بكل مآسايها، وقصصها المؤلمة، الحزينة، الصامدة، التي تكشف لنا عن جروح قديمة، أوتساعد في علاج جروح جديدة.

لأفلام نهايات قصص الحب، ونسيان الأحباء، طابعها الخاص المفضّل لدى الكثيرين، خاصة الذين يعانون من ذات المآساة في حياتهم بشكل أو بآخر، تتقابل المواقف المشتركة بين خيال الأفلام وواقع المشاهد، فتمنحه شعوراً مسكّناً لكل هذا الألم الذي يعترم داخله، قد يشعر بالمساندة، فكرة أن هناك أشخاص آخرين يتألمون مثله تشعره أنه ليس وحده في هذا الأمر، أو قد تساعده على اكتشاف علاج ما لهذا الألم، وكيفية تجاوزه، أو حتى باستيعاب حقيقة أن كل شيء يمر، وأن لا شيء “فعلاً” يستحق المعاناة.

ملاحظة: يحتوي المقال على بعض المعلومات والمشاهد المتعلقة بأحداث الفيلم

هذا هو الفيلم الأول على هذه القائمة بالطبع.. النسيان، ياله من حل جميل ومثالي للتغلب على ألم الفراق، أراهن أن جميع من شاهدوا هذا الفيلم تمنوا لو كانت هذه الآلة التي يستخدمها الطبيب في نزع ذكريات بعينها من عقل مرضاه حقيقية وموجودة، كم الذكريات، الأعباء، التي يحملها البشر داخل عقولهم ضخمة جداً، ماذا لو حذفنا صورة الحبيب الأول، الحب الراحل، أي شخص عزيز نعلم أننا لن نراه من جديد، بهذه السهولة؟

كلمنتين تعرف أنها لن تستطيع نسيان جول بهذه السهولة، لذا تلجأ للحل البسيط من وجهة نظرها، وهو حذفه تماماً من عقلها، يقترب جول من الجنون بعد أن تنكر كلمنتين معرفته، لكنه يفهم ما حدث، ويلجأ لذات الاختراع.

في منتصف العملية، يشعر جول بالندم على فعلته، نسيان كلمنتين يبدو في نظره أسوأ بكثير من معاناة الفراق، بصورة فانتازية هائلة، ننتقل إلى عقل جول الذي تنهار ذكرياته شيئاً فشيء، ومع انهيارها، يدرك جمال التفاصيل الصغيرة التي جمعته بحب عمره ذات يوم، ويقرر في النهاية الجلوس والاستمتاع بلحظاتهما الأخيرة معاً، لكنه يفهم جيداً أن النسيان ليس هو الحل المثالي.

***********************

رغم بطء الأحداث، والملل الذي يصيبني أنا شخصياً في هذا الفيلم، إلا أنه يظل واحداً من الأفلام التي تعبر بدقة عن هذا الوضع العبثي المؤلم، عندما يقرر أحد الطرفين إنهاء العلاقة فوراً وبدون أسباب، الاختفاء، التجاهل، والقرارات الفردية التي لا تعبأ بكم الألم الذي يسببه للطرف الآخر، كلها يستعرضها الفيلم الذي لا أعتبره قصة حب، بقدر ماهو رصد دقيق للمشاعر.

 سمر، فتاة أنانية جداً، عندما تقرر استغلال توم في علاقة معقدة غير مصنفة، رغم علمها بحبه العارم لها، ثم التخلي عنه دون حتى أن تمنحه نهاية محترمة.

يشعر توم بالضياع، بالحيرة، لا يعرف كيف يمكنه التغلب على كل هذا الألم الذي سببته له سمر، يدخل في مراحل الإنكار، الغضب،الكراهية، الحزن، ثم الاستسلام، عندها فقط تقرر هي الظهور وشرح أسبابها التي تجدها منطقية.

رغم الكيمياء الكبيرة التي قد تجمع بين طرفين، إلا أنه دائماً ما تكون العلاقات العاطفية حاصلة بين نوعين مختلفين من البشر، النوع الأول، الذي يظل مخلصاً لحب عمره دون أن يحاول نسيانه، قد يتجاوزه، قد يتناساه، لكنه لا ينساه فعلياً.

والنوع الثاني، هو الذي يستطيع العيش والاستمرار بلا مشاكل، التجاوز لديه يحدث بسرعة ودون معاناة كبيرة، ربما شعر بالذنب، بالضيق، ببعض الألم، لكنه في الواقع ألم أناني جداً، ألم يدور حول نفسه أيضاً، شعوره بأنه شخص سيء أوشرير يثير ضيقه، لكنه لا يعبأ فعلاً بفكرة أن هناك شخصاً آخر يحترق الآن من فرط الاشتياق، والحب.

 هكذا كان توم، وهكذا كانت سمر. وهكذا سيظل الآلاف والملايين مثلهما في العالم.

***********************

الفيلم المقتبس عن القصة الشهيرة لإليزابيث جيلبرت، يعد من ضمن أكثر الأفلام المفضلة لدى النساء، أعتقد أنه ساعد بالفعل، إلى جانب الرواية، الآلاف منهن على تجاوز أزماتهن الشخصية، والعودة من جديد إلى الحياة.

ليز جيلبرت تعاني من طلاق مؤلم وقاس، فتقرر وضع برنامج خاص للتعافي. الألم داخلها ناتج عن فراغ ضخم وعميق، هناك ثقب كبير يتخلل روحها، فكيف وبما تملئه؟

تقرر ليز التوجه إلى إيطاليا وملأ هذا الفراغ بالطعام، تأكل  كل ما لذ وطاب من المأكولات دون القلق من اكتساب الوزن أو أي شيء آخر، الشكل والمظاهر والعلاقات لا تهمها أبداً، هي لا ترغب سوى في تناول الطعام، في التلذذ به، في الإحساس بكل لقمة ونكهة تتذوقها.

بعدها تريد أن تملأ الفراغ الثاني، المعنوي هذه المرة، بالعبادة، الصلاة، التأمل، المناجاة، ليس هناك مكان أفضل من الهند لهذه الأمور.

الفراغ الثالث والأخير هو فراغ الحب، لا يفل الحديد إلا الحديد، ونسيان حب يتطلب حباً أقوى منه، تتوجه ليز إلى بالي، وهناك تقابل هذا الحب العارم الكاسح، الذي يزيل كل ما خلفه، ويستمر إلى ما لا نهاية.

***********************

فيلمي المفضل الشخصي في العشر سنوات الأخيرة، أحب كثيراً هذه الأفلام ذات القصة البسيطة، لكنها مفعمة بالمشاعر الإنسانية المؤثرة، بعض الضحك، بعض الحزن، بعض الجنون، لا داعي للمبالغة في التعبير عن حزنك وآلامك، يكفي بعض الكلمات والإيماءات التي تشرح ذلك دون حكي.

بات يعاني من مشاكل نفسية بعد ضبطه لزوجته وحب حياته وهي تخونه، يظل في المصحة النفسية فترة طويلة قبل أن يخرج إلى بيت والديه محاولاً أن يستعيدها من جديد، يريد فقط أن يصل إليها ولو برسالة، لكن لا أحد يمنحه هذه الفرصة، خصوصاً بعد حصول زوجته على أمر رسمي بعدم التعرض.

في نفس الوقت، يقابل تيفاني، الفتاة التي تعاني من مشاكل نفسية أخرى بعد وفاة زوجها وحب حياتها، تريد تيفاني التغلب على أحزانها بالاشتراك في مسابقة رقص سخيفة بمساعدة بات، ويريد بات أن تساعده تيفاني على إيصال رسالته إلى زوجته، الإثنان يقررا مساعدة بعضهما البعض، لكنهما يكتشفا طريقة أخرى للتعافي معاً.

***********************

تظل نظرة سيلين إلى جيسي في بداية الجزء الثاني من الثلاثية الشهيرة، Before Sunrise-Before Sunset-Before Midnight، هي النظرة الأكثر تعبيراً عن الحب المؤلم، المفقود، وسعادة اللقاء الثاني، المباغت الصادم المؤثر في ذات الوقت، بعد سنوات.

منذ 7 سنوات كاملة، ترك جيسي سيلين على وعد بلقاء لم يحدث، الإثنان يحاولان النسيان والاستمرار في العيش، لكنهما يظلا دائماً على أمل بلقاء ثان، يتحقق عندما يتوجه جيسي الذي أصبح كاتباَ شهيراً إلى باريس لتوقيع كتابه، كتابه الذي يقص حكايتهما.

تقرر سيلين مواجهة جيسي والتحدث بوضوح عما جرى لحياتها بسببه، جيسي بدوره، يحاول التعايش مع حقيقة أنه أخيراً وجد سيلين، يجلس معها، يحادثها، يتأمل تفاصيل وجهها، لكن بعد فوات الآوان، هو الآن متزوجاً ولديه ابن.

على الرغم من أن حب جيسي لسيلين كان الأقوى والأوضح، إلا أنه استطاع التعايش والنسيان بشكل أو بآخر، وإكمال حياته كأي شخص، يتزوج، ينجب، ينجح في العمل، أما هي، فتدرك أنها لا تستطيع الاستمرار في أي علاقة، بسبب طيف جيسي الكامن في عقلها طيلة الوقت.

يتعامل الفيلم مع الموقف المعقد بالكثير والكثير من الحوار والنقاش كعادة هذه الثلاثية، لكنه ينتهي بأمل ما في التغلب على كل المعوقات، مع الأحداث الإنسيابية التي تصر على اجتماع شتيتان، بعدما ظنا كل الظن أنهما لن يلتقيا.

***********************

في هذا الفيلم نوعان من الفراق، النوع الأول، الفراق الأناني العبثي لطرف يقرر إنهاء علاقته بالطرف الآخر.

 ديكستر، الشاب المستهتر الذي يخشى الإعتراف بحبه لإيما، صديقته المقربة، والمرأة الوحيدة التي تتحمله وتحبه فعلاً، بلا مصلحة، بلا أسباب، لكنه يقرر الإبتعاد والإنغماس في حياته السريعة الممتلئة بالبشر والعمل والاحتفال.

إيما تحاول جاهدة نسيان حب عمرها، والتعايش مع الأمر، لكنها تستلم له صاغرة، في كل مرة يعيد جذبها إليه من جديد، رغم علمها التام بأنه سيتخلى عنها مرة تلو الأخرى.

بعد أن يتركها ديكستر عدة مرات، تقرر إيما هذه المرة أن تتخلى عنه، هي تحبه فعلاً، لكنها لم تعد “تهواه” بهذا الشكل.

هنا تقرر الطبيعة الإنسانية التدخل، عندما يكتشف ديكستر مقدار حاجته لإيما كل يوم وكل دقيقة دون أن يجدها متاحة كما العادة، وعندما يكافح من أجل الغفران، وعندما ينجح في اكتساب حبها من جديد، يخفي لهما القدر نهاية أخرى.

هذا الفيلم بكل بساطة، يكشف عن الحقيقة المروعة التي يتجاهلها الغافلون دائماً، اللحظات، الدقائق، الساعات، الأيام، عزيزة جداً، تذهب ولا تعود، كل هذه المناورات والألاعيب والخوف من الإلتزام، وعدم القدرة على إتخاذ القرارات الصحيحة بسبب الجبن، الاستسلام للظروف،  ستصيبك بالندم عندما يقرر الزمن وضع بصمته على الأمر، وإنهاء القصة بطريقته، دون حتى أن يمنحك الفرصة للتدخل.

***********************

الكثيرون يتعاملون مع هذا الفيلم باعتباره فيلم رومانسي خفيف، كوميدي قليلاً، ربما يناسب سهرة ممتعة في عطلة نهاية الأسبوع، دون أن يكتشفوا كمّ المرارة والألم الذي يملأ قلب بطلته.

تعيش جوليان على أمل واحد، وهو الإجتماع بحب حياتها وصديقها المفضل بعدما تواعدا على الزواج عند وصولهما لسن محدد، لكن قبل أن يحدث هذا بأيام، يقرر مايكل الزواج من امرأة أخرى يحبها وتحبه، لتكتشف جوليان أنها أضاعت عمرها كاملاً هباء منثوراً.

محاولات جوليان الكوميدية لإيقاف الزواج قبل حدوثه، ليست كوميدية فعلاً، المرأة اليائسة تحاول باستماتة القتال من أجل حبها، لكنها تفشل بطبيعة الحال، مشهد المطاردة في النهاية،  بعد هرب العروس كيمبرلي، ومطاردة مايكل لها، ثم مطاردة جوليان له، ربما يكون من أكثر المشاهد العاطفية إذلالاً وألماً، ولكنها بعده تقرر الاستسلام للواقع، وتجرع أحزانها وحيدة في حفل زفاف حبيبها الدائم.

***********************

الموت هو أسوأ أنواع الفراق، لا يمكن التراجع عنه، أو اكتشاف الخطأ بعد فوات الآوان، خاصة عندما يكون موت الشخص الوحيد الذي يمكن أن يساعدك على تجاوز الألم، مثلما تشعر هولي الآن بعد وفاة زوجها آلان بعد رحلة مع المرض.

آلان أيضاً كان يعلم جيداً أنه هو الشخص الوحيد القادر على مساعدة هولي، لذا يقرر التخطيط بعناية قبل وفاته بفترة، لتصلها العديد من الرسائل الموقعة المساندة، في محاولته للتخفيف عنها حتى بعد موته.

هذه الرسائل التي يعتقد أصدقائها بأنها تبقيها سجينة الماضي، هي في الواقع الشيء الوحيد الذي يجعلها قادرة على التعافي، والنهوض من جديد.

***********************

ربما كانت مشاهدة هذه الأفلام نوعاً من أنواع العلاج والتعافي بعد نهاية الحب، وربما أثارت المزيد من الحزن داخلك وأيقظت بعضاً من الجروح البعيدة الملتئمة، لكنها على كل الأحوال، تستحق المشاهدة، فمن الصعب تقديم أفلاماً رومانسية عن فقدان الحب بهذه الجودة السينمائية والاحترافيّة المؤثرة.