فيلم My Sister’s Keeper .. رحلة مع الألم، المرض، والكثير من الحب
9 د
قراءة شاملة في فيلم My Sister’s Keeper
عُرض فيلم My Sister’s Keeper الأمريكي عام 2009، مُقتبس عن رواية أدبية بنفس العنوان للكاتبة (جودي باسويلت)، إخراج (نيك كازافيتيس)، وبطولة: كاميرون دياز (سارة/الأم)، جاسون باتريك (براين/الأب)، أبيجيل بريسلين (آنا)، صوفيا فاسسالايف (كايت)، إيفان إلينجسون (جيسي)، وأليك بالدوين (كامبل/المحامي).
أنت طفل، إذاً أنت لا تعرف ما هو الأفضل سواء لك أو لغيرك.
بهذه الجُملة يُمكن اختصار الكثير مما جاء في فيلم My Sister’s Keeper فهو يحكي عن أسرة صغيرة مكونة من (سارة) و(براين) وأولادهما (جيسي) و(كايت) الأول في الخامسة من عُمره بينما الثانية في الثالثة، يعيشون جميعهم حياة طبيعية وسعيدة إلى أن يتم اكتشاف إصابة كايت بسرطان الدم.
يُخبرهم الطبيب أن ما من مُتبرع مناسب لكايت سواء الأم، الأب، أو الأخ، ما يجعله يقترح عليهم – بشكل غير رسمي – اللجوء للتلقيح الصناعي من أجل إنجاب شقيق/ة لكايت يتطابق معها في الأنسجة/نخاع العظام ليصبح بمثابة (قطع غيار) للابنة المُصابة، كُلما احتاجت أن يتم التبرع لها بشيء ما.
يتردد الأب قليلًا غير أن الأم – بما تملكه من رغبة في إنقاذ حياة ابنتها أيًا كانت الطريقة – توافق في الحال، هكذا تأتي (آنا) التي تبدأ بالفعل رحلة العمليات والتبرع لأختها بدايًة من الخامسة من عُمرها، وحين تجد نفسها في الحادية عشر مُطالبة بالتبرع لأختها بكليتها إجباريًا، تُقرر الذهاب إلى مُحامي شهير لتُقاضي والديها ويتم منحها الوصاية الصحية على جسدها.
وذلك كان حتى لا يُجبرها أحد على تدمير صحتها أو فِعل ما يُمكن أن يكون له عواقب سيئة عليها شخصيًا، وعلى الرغم من أن ما من قانون بالولاية ينُص على ذلك، إلا أن القضاء لا يقف مغلولًا ويُحاول الوصول للفائدة القصوى لجميع الأطراف وفقًا للمُعطيات المُتاحة.
كل ذلك – ويا للعجب – يحدث بالدقائق القليلة الأولى من فيلم My Sister’s Keeper لتتوالى بعدها الأحداث في إطار إنساني للغاية، شيّق، مليء بالمُفاجآت غير المُتوقعة على الإطلاق.
ما أصعب الشفاء من الحُب حين يكون مُكلفًا، ومُرهقًا، للمُحِب والمحبوب على حَدٍ سواء.
للحُب أشكال كثيرة بحياتنا، كلٌ يمنحه بالطريقة التي يراها الأنسب للتعبير عن المشاعر، دون أن يهتم أحد بما يقتضيه الحُب عند الطرف الآخر، لهذا لم يعُد غريبًا أن يتسبب التمادي بإغداق المشاعر على الآخر في القضاء عليه، تمامًا كالدبَّة التي قتلت صاحبها!
لذا فحتى وإن تَفَهَّم المُشاهد موقف الأم التي تُريد أن تتشبث بأي أمل يمنح ابنتها الحياة، سيظل التعاطف الإنساني الأكبر مع تلك الطفلة التي تشعر في قرارة نفسها أن والديها لم يُنجباها بمحض إرادتهما ورغبًة فيها، بل لإنقاذ ابنتهما الأخرى، وهو ما يجعل وجودها مشروطًا بما تُقدمه لأختها الكُبرى، حتى ولو كان ذلك يعني أن عليها تقديم حياتها نفسها.
هذا لا يمنع بالطبع التعاطف أيضًا مع الابنة المريضة، المرهونة حياتها بالآخرين، حيث لا تملك من زمام أمرها شيئًا، ولا ينفي كذلك إدراك مدى سوء الوضع الموجودة به الأم والتباسه، حَد التمني ألا يحل محلها أحدٌ أبدًا.
وعلى كلٍ فمهما كان القَدر الذي سيُلام به الأم، والأب لانشغالهما التام بابنتهما المريضة عن باقي أبنائهما، وتجاهلهما أو على الأقل عدم إدراكهما للسوء الذي يُحدثانه بنفوس باقي أولادهام، سيظل المُشاهد غير قادر على أخذ موقف صارم وعُدواني منهم.
لا لأنهما لم يرتكبا جُرمًا قاسيًا ولكن لأن الحياة كانت أشد قسوة معهما، ما جعلهما غير قادرين على النجاة الكاملة أمام الطوفان، فاضطرا لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه مُقابل التضحية بأشياء أخرى قد لا تقل أهمية إلا أن أولويتها ستتراجع حتمًا حين توضع في الكفة المُقابلة احتمالية الموت.
وعلى ذلك وبالرغم من كل الخذلان أو الأوجاع التي تسبب بها بعض الأبطال للبعض الآخر، إلا أن طاقة الحُب الموجودة بين جميع الأفراد خاصًة الأخوات كانت شديدة الصدق والقوة لدرجة تُثير التعجب!
فلا من غضاضة أو لوم يحملها أحدهم نحو الآخر، ولا مكان لمشاعر غضب أو حقد بقلب أي من الإخوة الثلاث، وهو ما يمنح الانطباع بأن الآباء وإن أخطئا إلا أنهما استطاعا زرع المودة والحُب بالبيت ليجني ثماره الجميع مهما بلغ اختلاف وجهات النظر.
قد حاز فيلم My Sister’s Keeper في المُجمل على إعجاب النُقاد، غير أن أكثر ما تم الإجماع عليه والإشادة به كان التمثيل وبراعة اختيار طاقم الممثلين، ما جعل أبطال الفيلم يفوزون بالجوائز عن أدوارهم.
ولعل أكثر من برعوا في أدوارهم:
كاميرون دياز، حيث أجادت دور الأم التي ضحّت بكل شيء من أجل مُحاربة مَرض ابنتها ومُساندتها، فضحت بعملها، بحياتها الاجتماعية، حتى أنها ضَحت في إحدى المراحل بشعرها لمُساندة ابنتها معنويًا حين تسبب العلاج الكيماوي في سقوط شعرها. بل والأكثر من ذلك أنها كادت في خِضم الرحلة أن تخسر زواجها وأولادها لإبقاء ابنتها على قيد الحياة أطول فترة مُمكنة.
وقد لعبت كاميرون الدور بإتقان فَجَّرت من خلاله طاقاتها الإبداعية، للدرجة التي جعلت الجميع يتراجعون عن تصنيفها كممثلة أفلام خفيفية من النوع الكوميدي أو الرومانسي فقط لا غير.
صوفيا فاسسالايف، والتي أدت دورها بشكل خطف الأنظار، جَسّدت من خلاله مراحل المرض المُختلفة بامتياز، واستطاعت كذلك أن تعرض تذبذب الشخصية بين مُحاولاتها المُستمرة للمقاومة والتصالح مع الحياة تارًة والاستسلام لاقتراب النهاية تارةً أخرى.
أتقنت صوفيا دورها حتى أنها تحولت على الشاشة إلى بطلة فيلم My Sister’s Keeper – على الرغم من كَون البطلة الحقيقية وفقًا للأحداث الأصلية هي الأخت الصغرى – هذا لأن آدائها جعل مشاهدها تأسر العين والقلب، للدرجة التي جعلت الجميع يتعجب من عدم ترشحها عن دورها للجولدن غلوب على الأقل إن لم يكُن للأوسكار.
الغريب أنها لم تكن المُرشحة الأولى للدور، بل كانت الممثلة داكوتا فانينغ وعلى أن تلعب دور الأخت الصُغرى في تلك الحالة إيلي فانينغ، إلا أن داكوتا رفضت الدور حين علمت أنه سيكون عليها التخلص من شعرها من أجله، ما جعل صوفيا تترشح له، ويصبح دور آنا من نصيب أبيجيل.
من أهم عناصر فيلم My Sister’s Keeper الإيجابية أيضًا الموسيقى التصويرية، حيث لعبت بعض الموسيقى والأغنيات على وتر الشجن، في حين حرصت أغاني أخرى على بَث الأمل والحياة على الشاشة بشكل لا يتعارض مع الروح السائدة بالفيلم، فجاء على قَدر الوجع والحزن مُفعمًا بالحُب والتفاؤل.
السيناريو أيضًا كان مُلهمًا وحميميًا، مُوضحًا بمنتهى البراعة قَدر المُعاناة التي تمر بها الأُسر أثناء صراع أحد أفرادها مع المرض، ومدى الثقل الذي يُضفيه ذلك على الجميع. كذلك كانت فكرة الومضات السابقة من خلال الصور والعودة لمراحل سابقة من حياة أفراد العائلة ذكية لأنها أضافت عُمقًا للشخصيات كما أنها سمحت للفيلم ألا يقتصر على المشاهد المؤلمة فقط.
أما المكياج (سواء مكياج الوجه، أو الشعر) فلعب دورًا هامًا بالأحداث، واستطاع توضيح التدهور الحادث بالحالة الصحية للابنة المريضة.
بعض الروايات تُشوهها الأفلام..
على الرغم من احتلال فيلم My Sister’s Keeper لمراتب مرتفعة من الإيرادات أو المُشاهدة، إلا أن المُعضلة التي ظلّت مُتصدرة كل التقارير النقدية وحتى انطباعات المُشاهد العادي الذي قرأ الرواية الأصلية، هي الاختلافات الكثيرة والجذرية بين الرواية والفيلم، وبالأخص فيما يتعلق بالنهاية، ما أرجح كَفة الرواية على حساب الفيلم لدى العديدين.
ولعلّ اختلاف النهاية بالتحديد كان أكثر ما آثار استياء مؤلفة الرواية، لأنها رأت أن الفيلم بنهايته المُختلفة جذريًا عما كتبته هي، قام بتقديم رسالة مُختلفة تمامًا عما سَعَت لتقديمها. حيث جاءت نهاية الفيلم مُتوقعة وأكثر منطقية وملائَمة لأجواء هيوليود، في حين كانت نهاية الرواية بكل ما بها من صَدمة ومُفاجآت الأجدر على صفع القارئ/المُشاهد ليُعيد كل أب وأم حساباتهما قبل قيامهما بالتفضيل بين طفلٍ وآخر.
أبرز الاختلافات بين فيلم My Sister’s Keeper والرواية
تنويه: سيتم كشف بعض أحداث العمل في الفقرة التالية
- أحداث الرواية دارت في رود آيلاند، بينما بالفيلم كانت بولاية كاليفورنيا.
- في الرواية القاضي الذي تولى القضية كان رجلًا، في فيلم My Sister’s Keeper كانت امرأة.
- عُمر آنا بالرواية 13 عامًا، بالفيلم كان 11.
- في الرواية تم عرض الحكاية من الزاوية الخاصة بكل فرد في الأسرة، ما جعل القارئ يستطيع أن يرى الأمر بشكل شامل ومُحايد، في حين تم عرض القصة بالفيلم بشكل أكثر سطحية.
- بطلة الرواية هي آنا، في حين أن كايت لم تتواجد بشكل واضح إلا بالبداية والنهاية، بينما بالفيلم كايت هي البطلة خاصًة مع استخدام الومضات السابقة الذي استعرض مقاطع كثيرة من حياتها طوال الوقت.
- في الرواية كان التركيز على فكرة أن الأم ترفض ترك ابنتها تموت مهما كان الثمن، بينما بالفيلم بدا الأمر كما لو أن المُشكلة كُلها أن آنا هي التي ترفض مَنح أختها الحياة.
- حقيقة نقل الكلية من آنا لكايت، الرواية نَصَّت على أنه حتى ولو حدث ذلك فإن كايت ستموت بالنهاية، بينما بالفيلم قيل أن نسبة نجاح العملية كبيرة كل ما في الأمر أن آنا ستحتاج أن تحرص على سلامتها الجُسمانية بالمستقبل وألا تبذل مجهودًا بدنيًا مُضاعفًا طوال حياتها. وهو ما جعل البعض يفقد تعاطفه مع آنا ظنًا أنه ما من ضرر جلل سيقع عليها، في حين أنها برفضها تكتب على أختها الموت.
- الكشف الرئيسي للنقطة المحورية والمُفاجئة بالأحداث جاء بنهاية الرواية، بينما بالفيلم جاء في أول النصف الثاني منه، ما جعل باقي أحداث الفيلم مُقتصرة على المشاهد الـــمُبكية.
- بعض شخصيات الرواية تم تقليص دورها بالفيلم كما حدث مع دور كامبل/المُحامي والذي كان أحد الأدوار المحورية بالقصة الأصلية.
- بعض الشخصيات تم محوها تمامًا من فيلم My Sister’s Keeper كما حدث مع شخصية تُدعى جوليا رومانو، عينتها المحكمة من أجل معرفة إذا ما كانت آنا قادرة على استيعاب كل أبعاد الموقف وقادرة على اتخاذ قرارات مصيرية أم لا. ففي الرواية يتضح من خلال الومضات السابقة أن جوليا هي حبيبة سابقة للمحامي، والذي تخلى عنها عند التخرج دون إبداء أسباب ما كسر قلبها. إلا أنها أخيرًا تستطيع معرفة السر وراء ما حدث بالماضي. ومن قرأوا الرواية وصفوا الفقرات الخاصة بكامبل وجوليا بأنها كانت مُمتعة ومُسلية.
- من الشخصيات التي تم تهميشها وتغيير مسارها بالكامل، جيسي الأخ الأكبر لكايت وآنا، حيث يتضح في الرواية أبعاد تفضيل والديه لأخته عليه، وتأثير ذلك عليه نفسيًا فيصبح شابًا يتعاطى المُخدرات والكحول، كذلك يقوم بتخريب الكثير من الممتلكات العامة، وإحراقها من سيارات وبنايات. غير أن بالفيلم يتم توضيح اضطراب جيسي نفسيًا من خلال القليل من المشاهد الصامتة، التي كان يتجول بها بالطُرقات مُحدقًا بفتيات الليل قبل أن يعود سرًا لبيته بأوقات مُتأخرة من الليل. وقد اختلف تعامله مع مشاعره السلبية بالفيلم عن الرواية، إذ جاء رد فعله بالفيلم إيجابيًا حيث اعتاد على تفريغ غضبه من خلال الرسم، وهو ما رآه البعض أفضل من اللجوء للعُنف.
- العلاقة العاطفية بين كايت وتايلور لم تشغل كل تلك المساحة بالرواية على عكس ما جاء بالفيلم، إلا أنها كانت إضافة جيدة قللت من مساحات الوجع على الشاشة، فاردًة مساحات أخرى للمشاعر العاطفية الرقيقة.
- (سيتم حرق النهاية) نهاية الرواية كانت فوز آنا بالقضية ولكن قبل تحديد موقفها الشخصي من مسألة التبرع لأختها تُصاب في حادث سيارة وتموت دماغيًا فيقوم المُحامي بالموافقة على تبرعها لكايت بكليتها، أما بالفيلم فكايت هي التي تموت قبل صدور الحُكم.
حتى وإن كان الحُب قادر على تسكين الآلام، في النهاية لا أحد يبقى.
هذا ما يُقدمه لنا فيلم My Sister’s Keeper صراحًة، على اختلاف نهايته عن الرواية الأصلية، ففي الحالتين كلاً منهما سعى لبرهنة ذلك ولو بطريقتين مُتناقضتين، لذا فالفيلم يُقدم رسالة قوية لأي أسرة لديها شخص مريض ضمن أفرادها أيًا كانت طبيعة المرض.
لا تيأسوا من الشفاء أو رحمة الله، لا تتخاذلوا أبدًا عن تقديم كل مُساندة مُمكنة ماديًا ومعنويًا، ولكن الأهم ألا تنسوا أثناء المعركة أن تعيشوا حياتكم ولو بشكل شِبه طبيعي، ولا تُسقطوا – أبدًا – من حساباتكم باقي الأسرة، الأصحاء، ظَنًا منكم أنهم ليس لديهم ما يشكون منه، أو ما يؤرق عليهم حياتهم.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.