رؤية عن العلاقات المفتوحة في الحب! فيلم Newness
مقال بواسطة/ محمد إبراهيم بن عمران
أحدث أفلام المخرج “دريك دوريموس” (Newness) وكاتب نصه “بين يورك جونس” جاءنا بموضوعٍ معاصر وفي غاية الأهمية فيما يتعلق بشكل العلاقة العاطفية، وهو الفيلم الوحيد بموسم سينما 2017 الذي أتى بمعالجة عصرية عن هذا الموضوع رغم أنّه لم يتلقَ رواجًا جيدًا لحظة طرحه. العلاقة العاطفية (المعاصرة بالتحديد) تعتبر أكثر أشكال العلاقات تطرفًا الآن، المطلب اليوم في الحبّ صار متأثرًا هو الآخر بحداثة العصر، برؤية جديدة كليًا، لنلحظ حتى بمحيطنا الكثير من العلاقات الفاشلة والقليل جدًا من الناجحة، هذا الفيلم يأتي بمعالجة (راقت لي كثيرًا) موجهًا تساؤلًا هامًا بعلاقات الحبّ ألا وهو: “هل بإمكان الحب أن ينجو من العلاقات المفتوحة؟”، والعلاقات المفتوحة (Open Relationship) هي الشكل العصري للعلاقة العاطفية، وهي إحدى أكثر الأمور التي بدأ يميل إليها بعض شركاء الحبّ ولو كتجربة مرحلية.
العلاقات العاطفية أحد مواضيع السينما الدائمة، فهي تهمنا جميعا، لكنها في الغالب حتى بهذا العمل تأتي مصحوبةً برأيٍ وتوجه ما، ما يجعلها أعمالًا تحكي موضوعًا وتعارضه، وهذا ما لا أحبذه بالعمل الفني، فالفن وبهذه المواضيع تحديدًا أجده من الجيد أن يحكيها كما هي، ألّا تكون مُنحازةً إلى طرفٍ بعينه – وإن كان التحيز طبيعة في السينما -، فموضوع (العلاقات المفتوحة) بقصص الحبّ العاطفية حالة تواصلية نشهدها اليوم، موضوعها نفسي ولا إرادة فيه، الأمر الذي يجعل حدوثها مستمرًا، فشريك العلاقة العاطفية اليوم هو في الواقع متأثر بحدث الساعة، وأنّ ممارسة ما تمليه علينا ذواتنا أصبح حالةً عامةً منتشرةً، والمشاركة في الحياة لازالت موقفًا صعبًا على الكثير من شخصيات العالم الآن، فالرؤية أكثر تطرفًا، والمطلب صار غير معقول. شُركاء العلاقة العاطفية العصرية لديهم ميول لذواتهم أكثر، فممارستهم الشخصية لا تزال مقدّسةً، والمغازلة التي نتلقاها من الجميع فِكرة مثيرة كما الجنس أيضًا.
قصة الفيلم:
قصّة الفيلم تدور حول شخصيتين اثنتين تربطهما علاقة حب عاطفية، الشخصية الأولى “مارتن”، والذي يعمل كصيدلي صاحب ملامح جذابة، يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، ولديه ميول لعلاقات الليلة الواحدة/One Night Stand، فهو يجد لذةً فيها منذ الانفصال عن حبيبته السابقة. من الجهة المقابلة نقابل الشخصية الثانية “غابي”، وهي تشبه كثيرًا “مارتن” حيث تميل أيضًا لعلاقات الليلة الواحدة حتى تجد الرجل المناسب الذي سيجعلها تشعر بالنشوة، وفي صدفة قدرية شاء البحث على أحد مواقع التواصل الاجتماعي بأن يعرفهما على بعض، لكنّ غايتها – فكرة الليلة الواحدة – تحولت إلى مشاعر صادقة، ما جعل علاقتهما تتحول من العبثية إلى الجدية، لحين اكتشافهما بأنّ الصراع مع (ذواتهما) لازال قائمًا، لا زال “مارتن” يميل إلى التغزل ومحاولة البحث على فتاة جديدة، و “غابي” تعجبها فكرة أن يتغزل فيها شخصٌ غريب. بأي حال، علاقة (مارتن وغابي) تمر بثلاث مراحل كلها تشترك في مسألة ما يصارعانه، حيث الصراع الأكبر أنّهما بالفعل يحبان بعضهما.
إخراج الفيلم:
يمكن الإشارة على أنّ الإخراج في السينما هو (إدارة العمل السينمائي)، وهي المهنة التي تشمل كل عمليات العناصر الأخرى. لهذا، فيمكن القول بأنّ إخراج “دريك دوريموس” جاء مقبولًا إلى حدٍ كبير، هذا بذكر أنّ الكبير “ريدلي سكوت” أحد المشاركين بإنتاج هذا العمل، وبأنّ العمل جاء بشراكة وتعاون واضح مع كاتب النص “بين يورك جونس”. بالمجمل لاحظت لمسةً فنيةً رائعةً في أداء الفيلم من ناحية الصورة، التنقل بين المشاهد، واستخدام الألوان وخلفيات المكان والزمان، جميعها عناصر جعلت من فيلم Newness مرتاحًا في جذب المشاهد وفرض موضوعه عليه. التصوير السينمائي جيد جدًا، وإدارة الممثلين جيدة، والأهم من كل ذلك مُعالجة النص الذي رأيته مقبولًا خاصةً في التنقل بين الحدث والآخر، دون أن يحدث خللًا وثغرةً كبيرةً بين تسلسل القصّة من البداية وصولًا للختام. يمكن القول أنّ ما سيساعد هذا العمل وموضوعه ومعالجته لقضايا العلاقات المفتوحة بالحب أنّه مُتقن من نواحي الصورة والتمثيل والموسيقى والعناصر الثانوية الأخرى، وأنّ غاية نصّه جاءت بالشكل الذي يرغب الفيلم تحديدًا بذكره.
أداء الممثلين:
لن أشير لأداء الشخصيات الثانوية كون جميعها كان هامشيًا عكس الشخصيتين الرئيسيتين (مارتن وغابي). شخصية مارتن أدى دورها الممثل “نيكولاس هولت” الذي بدأ صيته في الظهور خاصةً بأدائِه المميز بفيلم Mad Max قبل ثلاثة أعوام، نيكولاس كان جيدًا، أداءه خفيفًا طوال الوقت لم يتعارض مع شخص “مارتن” الذي كان يؤدي دوره، وانفعالي في الوقت الذي يتطلب فيه المرء أن يكون منفعلًا.
من الجانب الآخر هناك شخصية غابي التي أدت دورها الممثلة الشابة “لايا كوستا”، لايا أدت دورًا اُشتهر الآونة الأخيرة بفيلم Victoria، وبهذا العمل كانت الأفضل على الإطلاق، ممثلة تظهر وكأنّها عادية إلى أن تفعل غير المتوقع، وأعتقد بأنّ أداءَها ناسب دور شخصية غابي، أيضًا لم يكن هناك مشهد يمكن ذكر ضعف أداء التمثيل فيه، كلا الأدائين ظهرا بالشكل المطلوب ويمكنك بالسهولة أن تتفاعل مع صراعاتها داخل الفيلم، وفي إطار حكاية من أعقد ما يمكن.
ختامًا
يقدّم فيلم (حداثة-Newness) رؤيةً وضوءًا مسلّطًا على ما تفعله الحداثة بنا اليوم، الأثر الذي تخلفه، الجانب السلبي والذي يمكن لنا جميعا أن نعانيه، قدّم هذه الرؤية على أكثر مواضيع حياتنا الشائكة ألا وهي علاقاتنا العاطفية، عن الحب، وأثر الحداثة عليه اليوم، كيف من الممكن لنا التعامل مع هذا التحوِّل؟ تساؤلات عديدة معقدّة ومؤثرة على المستوى الدرامي والنفسي، فالحبّ لازال الفكرة المقدسة والأكثر نبلًا، لازال نجده المهرب والغاية الكبرى والمطلب المثالي لنا، فكيف من الممكن أن نصارع حداثة اليوم حتى نبقيها بعيدةً عن الحب؟ فيلم في وجهة نظري من الجيد جدًا مشاهدته، ليس بأخذه على محمل الجد فالفيلم له طريقة ما وُجهة ما، لكنه جانب يعاصر موضوعًا في غاية الأهمية والانتشار، وأظنه من الأعمال الجيدة بالموسم السينمائي للعام الماضي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.