فيلم Padmaavat الهندي: “الجنازة كبيرة … والميت فأر”
8 د
خلال سنة 2015، تسربت بعض المقاطع المقتبسة من فيلم Much Loved/ الزين اللي فيك، مخلفةً صدمةً في قلوب الجماهير المغربية التي وجدت أنفسها أمام مشاهد خادشة للحياء بشكل حاد، وعلى الرغم من أنّ أغلب الأفلام السينمائية المحلية المتواجدة على الساحة – ما عدا الأفلام الكوميدية – كانت تحتوي على مشاهد مماثلة، إلّا أنّها لم تكن متاحةً للجميع، ولم تلقَ نفس الضجة التي لقيها هذا الفيلم الذي أخرجه المغربي الفرنسي نبيل عيوش، فكانت النتائج كالتالي:
النتيجة الأولية: تفاعلت السلطات مع غضب الجمهور لتمنع الفيلم من العرض بعد أن تم تصنيفه في خانة الإباحية.
النتيجة التالية: تكريم الفيلم بعدة جوائز على المستوى الدولي، وترشيحه لعدة جوائز عالية الأهمية دعمًا لطاقمه في وجه الرقابة التي تم فرضها عليه؛ بسبب قاعدة مشاهدين قامت بالحكم على الفيلم من خلال مشهد او اثنين.
النتيجة النهائية: ذيع صيت الفيلم محليًا ودوليًا، وتحميل الآلاف له بشكل غير قانوني رغبةً في التعرف على الفيلم الذي قام بإحداث كل هذ الجدل، واستمرار الحديث عنه بعد سنوات من إصداره.
السؤال الذي يطرح هنا هو. بعد كل هذا؟ كيف كان الفيلم، سأجيبك عزيزي القارئ: لقد كان الفيلم سخيفًا ومملًا وغير مختلف بأي شكل عن غيره من الأفلام المعروضة، مما يعني أنّه لولا تسريب تلك المشاهد وما حصل بعد ذلك، لما سمع أحد باسم هذا الفيلم، ولما حقق ما حققه من شهرة.
حسنًا، فيلمنا اليوم مشابه جدًا لوضع Much Loved، لكن الفرق يكمن في أنّ هذا الفيلم لم يحقق شهرته بسبب بضع مشاهد بل أسوأ. لقد تسبب فيلم Padmaavat في فوضى عارمة بسبب فكرة تم زرعها في العقول! أمّا الأمر الأكثر إثارةً للسخرية فهو أنّ هذه الفكرة لا أساس لها من الصحة …
سأحاول خلال هذا المقال ألّا أتطرق للفيلم من المنظور المعتاد، بل سأقوم بدل ذلك بعرض كل ما يجب معرفته لفهم الظروف المحيطة بـ Padmaavat، قبل الانطلاق لمراجعة الفيلم عبر عرض مختلف الأفكار والملاحظات المتعلقة به، والتي لا تعكس بالطبع سوى رأيي الشخصي.
تقوم فكرة الفيلم ببساطة حول القصة الشهيرة في الأوساط الهندية للملكة الهندوسية بادمافاتي التي عاشت في القرن الرابع عشر، وقصتها مع السلطان المسلم علاء الدين خلجي، حيث أصيب هذا الأخير بهوس مخيف بالحصول على قلب الملكة التي كانت تعرف على أنّها أحد أجمل نساء الأرض، وما خلفه هذا الهوس من نتائج مأساوية أدت إلى نهاية صادمة للملكة بعد أن فضلت إنهاء حياتها على أن تستسلم له (هذا ليس حرقًا للفيلم بما أنّه يقدم قصةً معروفةً بالأساس، تمامًا كما لا يمكن اعتبار وفاة بابلو إسكوبار حرقًا لأي عمل يقدم قصته على سبيل المثال)، وقد بدأت المتاعب بمجرد الإعلان عن إصدار عمل سينمائي يعرض هذه القصة، والسبب هو اعتراض جماعة دينية هندوسية على عرض مشهد رومانسي يجمع بادمافاتي وعلاء الدين في أحلام هذا الأخير، وهو ما رفضته هذه الجماعة بشدة لاعتبارها إياه أمرًا مهينًا لذكرى بادمافاتي التي تعني الكثير في ثقافتهم. لكن الأمر لم يتوقف هنا، بل أنّ هذه الجماعة قد قادت وتسببت في موجات مظاهرات عنيفة جالت الهند متسببةً في خسائر مادية كبيرة، بل أنّ الأمر وصل حتى إلى مهاجمة سيارة نقل مدرسية للأطفال، وأرجوك لا تسألني ما علاقة هؤلاء الأطفال بالفيلم؛ لأنّني لا أملك أدنى فكرة.
سأحاول باختصار أن أتطرق لمختلف الأحداث التي جرت منذ الإعلان عن الفيلم حتى إصداره في يناير الماضي:
يناير 2017: مهاجمة موقع تصوير الفيلم، وتحطيم معدات التصوير من طرف أعضاء جماعة كارني سينا الهندوسية، الذين قاموا بالاعتداء الجسدي على مخرج الفيلم سانجاي ليلًا بهانسالي.
مارس 2017، إعادة الاعتداء مرةً أخرى على موقع تصوير الفيلم في منطقة أخرى من الهند، بحيث تم الهجوم على المكان ليلًا وإضرام النار فيه، وقد تم تعليل هذه الاعتداءات بغضب شعبي من مشهد سيجمع علاء الدين خلجي ببادمافاتي، وهو الأمر الذي نفاه مخرج الفيلم نفيًا قاطعًا.
سبتمبر 2017، حرق أول بوسترات الفيلم، والتي تظهر ديبيكا بادوكون التي قامت بتأدية دور بادمافاتي، على يد نفس الجماعة المذكورة، والتي قامت بالتهديد بحرق صالات السينما التي ستعرض الفيلم إذا لم يتم عرضه على الجماعة لتشاهده أولًا، وهو ما رفضه سانجاي ومنتجو الفيلم بالطبع.
نوفمبر 2017، نزول الآلاف إلى الشوارع في احتجاجات غاضبة قامت بالتسبب في إغلاق عدد كبير من المدارس والمحلات وحتى المستوصفات، وهو ما أدى إلى تخلي عدد من الموزعين عن المشروع، وإعلان انسحابهم من دعمه وتحمل مهمة توزيعه.
في نفس الوقت، تم رفع دعوى قضائية إلى المحكمة العليا الهندية التي قامت برفضها، والسماح بعرض الفيلم بعد الموافقة النهائية للهيئة المعنية، وهي الهيئة المصادقة على الأفلام.
بعد ذلك، قام طاقم العمل بتأجيل إصدار الفيلم حتى تهدأ الأوضاع؛ وذلك بعد أن قام أحد السياسيين بعرض مبلغ كبير جدًا مقابل رأس كل من المخرج وبطلة الفيلم، التي تم تهديدها كذلك بقطع أنفها.
ديسمبر 2017، مصادقة الهيئة السينمائية على عرض الفيلم مقابل عدة تعديلات أهمها تغيير الفيلم من Padmavati إلى Padmaavat.
ديسمبر 2017، مصادقة الهيئة السينمائية على عرض الفيلم مقابل عدة تعديلات أهمها تغيير الفيلم من Padmavati إلى Padmaavat.
وبالفعل، فقد تم إصدار الفيلم أخيرًا ليلاقي إقبالًا هائلًا حتى من الجماهير الغير المهتمة بأفلام هوليوود، ووصل صيته حتى إلى بريطانيا وأستراليا وغيرها من الدول التي قرر عدد من مواطنيها التوجه إلى دور السينما رغبةً في التعرف على هذا الفيلم الذي قامت الدنيا بسببه، فكانت النتيجة أن وصلت إيرادات الفيلم إلى أكثر من تسعين مليون دولار مقابل ميزانية قدرها ثلاثة وثلاثين مليون دولار.
لكن بعد كل هذا يأتي السؤال المهم: هل استحق هذا الفيلم كل هذه الضجة التي أحدثت بسببه؟ والأهم. هل كان الفيلم جيدًا أصلًا؟
في الحقيقة، وللإجابة باختصار شديد عن السؤال الأول، يجب معرفة معلومة مهمة، وهي أنّه طوال الفيلم الذي يتجاوز طول مدته الساعتين والنصف، لا يوجد ولو لقطة واحدة تجمع بادمافاتي بعلاء الدين خلجي، أي أنّنا لا نرى أبدًا أي حوار يدور بين ديبيكا بادوكون ورانفير سينغ، بل أنّهما لا يجتمعان حتى في نفس المشهد، مما يعني أنّ كل الدمار والعنف والغضب والتوتر والتهديدات المرعبة التي واجهها صُنّاع الفيلم قد كانت من أجل غاية وسبب غير موجودين في الأصل!
أمّا بالنسبة للسؤال الثاني، فإنّني سأجيب بنفس المثل الشعبي الذي ذكرته في العنوان، حيث تدل جملة “الجنازة كبيرة والميت فأر” على حدث ضخم وبلبلة عظيمة تخفي وراءها سببًا تافهًا مثيرًا للسخرية. أي أنّه، وكما توقعت فإنّ هذا الفيلم لن يثير أيّة قشعريرة في جسدك أثناء مشاهدته.
باعتبار أنّ سانجاي ليلى بهانسالي هو مخرج الفيلم، فإنّه لا يمكن تجاهل المتعة البصرية التي يقدمها هذا المخرج في أعماله دون استثناء، حيث يتم بذل جهد خرافي في جعل كل مشهد يبدو وكأنّه لوحة فنية نفيسة، كما يتم إعطاء أهمية بالغة للألوان المستخدمة في المشاهد، بحيث لا يترك مجال للصدفة فيما يتعلق بهذا الموضوع، فعلى سبيل المثال. فإنّه لا يمكن أن تجد أي جسم ذي لون أسود في مشهد يظهر شخصية ذي قلب طيب، كما سيدلك دخول اللون الأحمر في خلفية المشهد على أنّ الدم سيسال في أحد المشاهد القريبة، كما تتميز أفلام بهانسالي بالأزياء التي تثير الغيرة في النفوس من فرط روعتها، وكذا الأغاني المختارة بعناية والرقصات التي تعكس في كل مرة جمال إحدى الثقافات الهندية التي يحتفي بها سانجاي في كل فيلم جديد من أفلامه التي تجعلك تتمنى لو كنت جزءًا من هذه الثقافات، وهي أمور ممتعة تعودنا عليها من طرف هذا المخرج المميز، إلّا أنّنا بالطبع لا نبحث فقط عن الجمال البصري عندما نشاهد فيلمًا سينمائيًا، خصوصًا عندما نتحدث عن فيلم ذي مدة زمنية طويلة جدًا.
المشكلة تكمن في عدة عناصر أهمها أنّه إذا تجاهلنا كل العناصر البصرية في الفيلم، فإنّنا سنجد أنفسنا أمام فيلم هندي مبتذل جدًا، فلا شيء يحدث تقريبًا في هذا الفيلم، بل أنّ كل ما نجد أنفسنا أمامه هو قصة بسيطة معروفة تم إطالتها عن طريق دس عدة أحداث لا تضيف أي شيء للقصة، حيث أنّك بعد التفكير فيما شاهدته ستجد أنّك في الحقيقة قادر على أن تروي قصة الفيلم في جملة واحدة.
تكمن المشكلة الكبيرة الأخرى في الشخصيات، وبالحديث عن الشخصيات أريد أن أذكر معلومة أخرى مثيرة للسخرية، وهي أنّ الفيلم قد قام في الحقيقة بتمجيد الهندوسيين الذين تم تقديمهم في الفيلم بشكل ملائكي، بينما تم تقديم علاء الدين خلجي وكل تابعيه على أنّهم شياطين وقتلة، وهو ما يثير استغراب أي مشاهد علم أنّ الهندوسيين هم من هاجموا الفيلم.
على الرغم من أنّ علاء الدين خلجي هو شرير الفيلم، فهو في الحقيقة أكثر عناصره إمتاعًا، فكل متابع لبوليوود في الفترة الأخيرة يعلم أنّ رانفير سينغ يتمتع بكاريزما عالية جدًا، وبطابع كوميدي يشابه بقدر كبير جدًا ما يتمتع به شاروخان، وبالتالي فإنّه قد كان قادرًا على خطف انتباه الجمهور في كل مشهد، بل وجعله ينتظر ظهوره مرةً أخرى عند كل غياب، وفي الحقيقة، لولا وجود رانفير سينغ لكانت مشاهدة Padmaavat لا تحتمل.
بالنسبة لبادمافاتي (ديبيكا بادوكون) وزوجها الملك راتان سينغ (شاهد كابور)، فإنّ أغلب مشاهدهما كانت مثيرةً للسخرية، فعلى الرغم من أنّ الفيلم يمجد ذكرى هذه الملكة، إلّا أنّ الشخصية التي تم تقديمها لنا غريبةً جدًا، حيث أنّه لا دور لها سوى أنّها رائعة الجمال! لقد تزوجت الملك لأنّها رائعة الجمال، وقامت الحرب بسببها لأنّها كذلك، وحتى عندما حاولت فعل شيء مفيد، فإنّها في الحقيقة لم تفعل، بل آلت الأحداث إلى نهاية مأساوية بسبب جمالها، وعلى خلاف ذلك، فإنّ كل المشاهد الأخرى قد أظهرتها إمّا محدقة بعينين مغرورقتين بالدموع في عيون شاهد كابور بسبب ودون سبب، أو ملقية لبعض الجمل الغامضة هنا وهناك، أمّا بالنسبة لهذا الأخير فإنّه لا يوجد ما أقوله في حقه سوى أنّه قد أدى دورًا لم يقم سوى بإظهار الملك المعني على أنّه ضعيف وساذج لدرجة كوميدية.
في النهاية، فإنّني أجد أنّ نجاح Padmaavat يعود أولًا وأخيرًا للنتيجة العكسية للعذاب الطويل الذي سببه عدد من الأشخاص الذين أرادوا خلق مشكلة عظيمة من لا شيء، فكانت النتيجة أن شكلوا دعايةً مجانيةً لهذا الفيلم الذي لم يكن ليلقى كل هذا الصيت لولا صبيانيتهم.
هل شاهدتم Padmaavat؟ ما رأيكم فيه؟ شاركونا في التعليقات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
فعلا شاهدت الفيلم ولم اجد ديبيكا التي اعتادها .. ولم اجد قصة اصلا ولا حبكه.. ليس من افضل الهندية التي شاهدتها على الاطلاق
تحياتي…. نقد فني رزين, أشاركك نفس الشغف في متابعة الأفلام, للأسف أغلب من أعرفهن لا يمكنهن حتى نقذ حلقة من حلقات طوم و جيري…. متابعتهن للمسلسلات الكورية و التركية مسحت ما تبقى لديهن من منطق سليم و حس فني رزين , وسط حلقات لا نهائية و دراما ركيكة و أحدات خنفشارية و حبكة معاقة تتير الهستيريا لدي …. الرجاء حاولي الكتابة عن هذا …