فيلم Reminiscence: عندما يتحول الحنين إلى الماضي لسجن من الذكريات
“ما هو أكثر إدماناً من الماضي“، هذه الجملة هي المفتاح لفهم فيلم Reminiscence من تأليف ليزا جوي، والذي يعد تجربتها الإخراجية الأولى، وبطولة هيو جاكمان، وريبيكا فيرجسون، وثانديوي نيوتن، وكليف كورتيس، ودانيال وو.
تدور أحداث فيلم Reminiscence في مدينة ميامي، التي غمرتها مياه المحيط بسبب ارتفاع منسوب المياه نتيجة لتغير المناخ، وتبحر فيها القوارب بدلاً من السيارات في الشوارع، ويعيش السكان في أجواء شديدة الحرارة نهاراً لدرجة أن الناس أصبحوا كائنات تمارس حياتها ليلاً ومختبئين في الصباح داخل منازلهم، وفي هذه الأجواء غير المستقرة يعيش اثنين من قدامى المحاربين الذين ضربتهم الحرب ويكسبون عيشهم من خلال مساعدة الناس على استعادة الذكريات التي يريدونها، كل ما عليهم فعله من أجل ذلك هو غمر أنفسهم في خزان مائي، وتوصيل بعض الأقطاب الكهربائية بأدمغتهم.يستمر الخلاف بين الصديقين عن ظروفهم المعيشية واقتراب إفلاسهم، حتى تأتي إمرأة شديدة الجاذبية إلى المكان لمعاونتها على تذكر مكان شيء فقدته أثناء عملها، وتبدأ علاقة بين نيك وميي، تمتد لشهور، يحبها الرجل خلالها بشدة ثم تختفي دون أي سبب وتبدأ رحلته مع الذكريات لاستكشاف حقيقتها.
قد أعجبني بشدة بناء الفيلم على فكرة الحنين إلى الماضي والإخلاص له والمشاهد الانسانية التي نشأت في هذا الإطار ولكن هذا الجانب العاطفي لم يجنبني النظر لبناء الفيلم والدراما القائمة عليها الأحداث بالإضافة تطور الشخصيات.
هل هو حنين إلى الماضي أم سجن من الذكريات؟
كل شخصيات الفيلم Reminiscence تقريباً مصابون بالحنين إلى الماضي بصورة مرضية، هم يدفعون مقابلاً مادياً ليس لتحقيق شيء يفيد حاضرهم أو إنجاز عملٍ مفيد لهم، ولكن كل غرضهم هو استعادة لحظات لن تعود مرة أخرى، والاندماج مع حياتهم الماضية، تحديداً لحظات السعادة التي يظنوا أنها لن تتكرر مرة أخرى.
تقول كريستين باتشو، أستاذة علم النفس في كلية لوموين وأخصائية نفسية، إنه تم صياغة كلمة “نوستالجيا” أو اختراعها منذ زمن طويل، منذ أكثر من 300 عام، وكانت في الأصل تعني الحنين إلى الوطن، وأدى الانجراف الدلالي على مر القرون إلى توسيع مفهوم الشوق أو فقدان جوانب من الماضي وتحولت إلى أمور شخصية أكثر، ومعظم الأبحاث المتاحة اليوم تجادل بأن الحنين يخدم عددًا من الوظائف، هو يساعد على توحيد إحساسنا بمن نحن، بأنفسنا، وهويتنا، لأننا مع مرور الوقت نتغير باستمرار، يساعد على التوحد مع تلك الذات الأصيلة وتذكيرنا بما كنا عليه ومن ثم مقارنة ذلك بما نشعر به اليوم، ويمنحنا ذلك إحساساً بمن نريد أن نكون على الطريق في المستقبل.
والحنين للماضي عاطفية نفسية للغاية إنه يربطنا بأشخاص آخرين، والدينا، وإخوتنا، وأصدقائنا، ومن نحبهم، إنه ظاهرة ترابط اجتماعي والحنين إلى الماضي بهذا المعنى هو عاطفة اجتماعية مفيدة للصحة للغاية، وهو أيضاً صراع لأنه يجمع بين العاطفة “الحلوة والمرة”، نتذكر أفضل الأوقات، بينما تأتي المرارة من الإحساس أننا لا يمكننا أبداً استعادة تلك اللحظات.
تشير باتشو أيضاً إلى أن الناس يميلون إلى اللجوء إلى مشاعر الماضي عندما تكون مشاعرهم سلبية تجاه أيامهم في الحاضر، وغير راضين عنها، ويكون الحنين إلى الماضي في هذه الحالة هو على الأرجح ناتج عن عدم الرضا عن الحاضر، ولكن في الحقيقة ذاكرتنا ليست أمينة، إنهم غير مدركين لما كانت عليه الأشياء حقاً، إنها انطباعاتهم عما كانت عليه الأمور في الماضي.
إذا قرأت تفسيرات باتشو النفسية للحظات الحنين المختلفة سوف تجد ذلك مطبقاً على شخصيات الفيلم، هناك المحارب القديم الذي فقد أرجله ويذهب إلى صديقه لكي يتذكر لحظات اللهو واللعب مع كلبه قبل الإصابة، والمرأة التي تستعيد ذكرياتها مع زوجها -الخائن- في لحظة إخباره بحملها، ورغم علمها بأنه ليس صادقاً ومعرفتها بخيانته لها إلا أنها متمسكة بهذه اللحظة بل وأصبحت سجينة لها فهي لم تتوقف عند استعادة اللحظة بل تعيشها مع أي رجل في قصرها، لذلك تجبرهم جميعاً على ارتداء ملابس شبيهة لملابس زوجها، وهناك أيضاً الحبيبة العاشقة التي تذهب لترى علاقتها السابقة مع حبيبها وما كان يدور بينهما في غرفة النوم كل ليلة، فأصبحوا جميعاً سجناء داخل ماضيهم رافضين لحاضرهم بصور مختلفة.
نيك، هيو جاكمان، هو الشخصية الرئيسية في الفيلم، والوحيد الذي لم يستسلم إلى الماضي وسحره بل حاول أن يكتشف الحقيقة، ربما كان في البداية بحثه عن الحبيبة المختفية بهدف العودة للماضي وتكرار لحظات الحب الحميمية التي جمعتهما، ولكن مع اكتشاف خيوط تشير إلى وقوع جريمة وهذه الحبيبة مشتركة فيها، اختلفت أهداف بحثه، وأصبح الماضي بالنسبة له مؤشراً إلى الحاضر والوصول إلى الحقائق، ومع الوقت استطاع إنقاذ مستقبل وحياة طفل كاد أن يُقتل.
في النهاية، حبس نيك نفسه في الخزان ووضع الجهاز الذي يجعله يتذكر الماضي على رأسه، وبدأ رحلته الأبدية من خلال الذكريات بلا وجهة مستقبلية، سافر إلى المكان والزمان اللذين كانا يجمعاه مع حبيبته، وسجل صوته في حلقة تستمر في إرشاده عبر نفس الذكريات مع ميي مرارًا وتكرارًا.
هل سحر الذكريات يمحي السقطات الدرامية؟
أظن أننا بمجرد رؤية الآلة التي تعيد الذكريات لأصحابها أغمضنا أعيننا وأصابنا سحر وأمنية “ليتنا كنا نستطيع مثلهم”، وربما هذا السحر يصحبنا إلى نهاية الفيلم مع الأجواء الرومانسية والحميمية في مشاهد كثيرة تجمع البطلين أو شخصيات أخرى مع أحبائهم.
العمل الدرامي يقوم على عدة مقومات، هي من تحكم على تميزه ومدى جودته وتقييمه، وهذه المقومات هل تم توظيفها بشكل صحيح لخدمة الحدث الدرامي. في هذا العمل الذي ذكرنا أنه التجربة الأولى إخراجياً لمخرجته ليزا جوي، يفتقد إلى كثير من المقومات الدرامية المنطقية، تحديداً المرتبطة بتطور الشخصيات، وبناء تفاصيلها من البداية.
البطل نيك كل ما نعرفه عنه أنه محارب قديم في الجيش، ولكن ما هي أسباب بناءه لهذه الآلة، وما هي دوافعه لصناعتها، وهل عمله في الجيش كان مرتبطاً بالأشياء العلمية؟ ولماذا تتحمله صديقته واتس وتتعايش مع حياته الفقيرة لحد كبير، وعن نيك فنحن لم نعرف ما خلفيته وهل كان لديه عائلة وفقدها لذلك هو مدفوع بحب الماضي لهذه الدرجة، أما ميي حبيبته كل ما علمناه أنها أدمنت المخدرات وكانت صديقة لشخص خارج عن القانون وسرقة بضاعته -نوع من المخدرات- فيما بعد، ولكن ما هي حياتها ولماذا أصبحت مدمنة، ومتى وقعت في حب نيك، قد حدث لها تحول مفاجئ في شخصيتها، من مدمنة وقاتلة وسارقة إلى شخصية صالحة تحاول إنقاذ طفل وتقع في حب شخص ذهبت لسرقته.
كما أن مخرجة فيلم Reminiscence سعت إلى إضافة مسحة سياسية على أحداث الفيلم من خلال النهاية التي تحترق فيها المدينة ويقرر الناس الخروج على الفاسدين وتحقيق العدالة، مع لقطة واسعة للمدينة من أعلى وعلم الولايات المتحدة يرفرف على أسطح أحد المباني، وهذا الجزء تحديداً ليس له علاقة مباشرة بالأحداث، ولم يتم تدعيمه أو تضفير أهميته في أحداث الفيلم.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.