مسلسل Rise of Empires: Ottoman محمد الفاتح وقسطنطينية المنيعة

سابقًا في أراجيك تحدثنا عن العديد من الأفلام والمسلسلات التاريخية، وأنا شخصيًّا كان لي شرف الحديث عن مسلسل Medici الذي تحدث عن عائلة (ميديتشي) العريقة في فلورانسا، وكيف لها أن تحكمت في اقتصاد أوروبا بأسرها، وكيف لها أن انخرطت في السياسة بطريقة غير متوقعة. واليوم معنا مسلسل جديد، مسلسل فعلًا سعدت بمشاهدته، مسلسل Rise of Empires: Ottoman وقصة (محمد الفاتح) مع قسطنطينية، ومجددًا، تسردها نيتفليكس.

المسلسل عبارة عن 6 حلقات فقط، ويمكن أن تُنهيه في جلسة واحدة دون كلل أو ملل. وصدقًا، بمجرد أن أنهيته، أتيت لكتابة هذه المراجعة على الفور، ولم أستطع كبح جِماح أفكاري أكثر من ذلك. والآن اربطوا الأحزمة؛ فلدينا رحلة مثيرة في رحاب التاريخ!

* المراجعة ليس بها حرق على الإطلاق لتفاصيل القصة *

قصة مسلسل Rise of Empires: Ottoman القصير تتحدث عن السلطان الراحل (محمد الفاتح)، والذي أضيف إلى ألقابه، لقب “قيصر” بعد أن فتح مدينة قسطنطينية التي اشتهرت بالصلابة والبأس لأكثر من 1100 عام. إجمالي 23 حملة تم شنها على المدينة المنيعة، وكلها فشلت نظرًا لأسوارها العالية التي لم يستطع أحد تسلقها أو هدمها. وهنا يأتي السلطان اليافع (محمد الثاني)، ليحاول الحصول على النصر المنتظر، والقضاء على الحكم الروماني بالمدينة الميمونة، لتصير ولاية عثمانية، وبها يؤخذ الحكم العثماني إلى بُعد آخر تمامًا.

يأخذنا المسلسل في رحلة قصيرة تتكون من 6 جلسات، كل جلسة تنطوي على أحداث مسرودة في حوالي 45 دقيقة، ومُقدمة بأكثر من أسلوب درامي. بالطبع جميعنا نعلم النهاية، (محمد الفاتح) سيأخذ المدينة، لكن كيف؟ ما الخطوات؟ ما المعوقات التي قابلته؟ كيف جابه الدهاء العسكري للخصم؟ وكيف أظهر للتاريخ أنه واحد من أبرع القادة العسكريين في التاريخ؟ هذا ما يُجيب عنه المسلسل، ولهذا أنت ستتابعه دون شك.

هنا يمكنني وبكل بساطة أن أقول أنك إذا كنت من مُحبي أفلام ناشونال جيوغرافيك التسجيلية؛ فهذا المسلسل سيُعجبك. وإذا كنت من مُحبي الدراما المُتلفزة التي تعتمد كليًّا على التمثيل؛ فهذا المسلسل أيضًا سيُعجبك.

ببساطة مسلسل قصة (محمد الفاتح) لا يُسرد على الشاشة بأسلوب التمثيل فحسب، بل التسجيل أيضًا. أي أن المخرج اعتمد على جلب علماء متخصصين في التاريخ، وعلى وجه الدقة في فترة الحكم العثماني من التاريخ، وقام بجعلهم يروون الأحداث التاريخية الموثقة، بأساليب حكي قصصي مختلفة.

وعلى الصعيد الآخر اعتمد على وجود عنصر التمثيل، حيث كان هناك فريق عمل كامل من الممثلين الذين قاموا بتجسيد القصة التاريخية كعمل درامي حقيقي. وهنا قام المخرج بمزج الجزء الأول مع الثاني بأسلوب “مشهد ومشهد”، وبذلك بات معنا عمل درامي من جهة، وعمل أكاديمي من جهة أخرى. وبهذا استطاعت نيتفليكس فعلًا أن تخلق الحبكة السحرية التي تجذب أي مُشاهد على الفور.

في هذا المسلسل ستجد أن القادة أنواع وأشكال وأنماط، وكل نوع وشكل ونمط يهتم بأشياء مُعينة، ولديه طريقة تفكير مختلفة. لذلك يمكن أن تجد القائد المُحنك عسكريًّا، والقائد متقد الذهن بشأن أمور المؤن والعِتاد، وحتى القائد الذي يهتم بالترويح عن جنوده من حين لآخر.

هنا سنجد أن (محمد الفاتح) على سبيل المثال ليس مجرد سلطان، وأنه بالتأكيد مختلف تمامًا عن كل السلاطين من قبله أو بعده. ببساطة هو واحد من ألمع الأشخاص الذين اعتلوا عرش أي دولة في أي وقت بتاريخ الجنس البشري. لكنه أيضًا بشريّ، ويُخطئ. هنا شخصية البطل لا تسعى للحرب من أجل الحرب، هنا الشخصية لديها مبدأ مأخوذ عن الفلسفة الإسلامية، والتي ترنو -كما وضح المسلسل- إلى توسيع امبراطورية الإسلام من أجل البشر أجمعين، وليس من أجل الحصول على نفوذ أكبر أو سطوة عسكرية ذاع نطاق أوسع.

السايكوباث المفضل يعود .. نتفليكس تجدد مسلسل You لموسم ثالث 

الأعمال الجيدة تُبنى على الاهتمام المطلق بالصغائر. وفي أي مسلسل تاريخي، الصغائر هي أهم شيء. التفاصيل الدقيقة هي التي تأخذ تجربة المشاهدة إلى بُعد آخر، وتخلع هالة من الواقعية على القصة.

التفاصيل في الواقع كثيرة حتى لا أستطيع أن أحصيها. تفاصيل في الملابس، لغة الجسد، طريقة الوقوف وتقسيمة المستشارين بداخل البلاط الملكي، وكيف أنها مختلفة بين الامبراطورية العثمانية والرومانية. لكن لنترك كل هذا جانبًا، ونُركز في تفصيلة صغيرة جدًا جدًا، صغيرة إلى أقصى حد. وهي أنه يجب انتظار السلطان أن يشرب أولًا، ثم تشرب أنت، كجزء من أداب الطعام في البلاط الملكي. تلك التفصيلة ربما يمكن ألّا يأخذ أحد باله منها، لكنها فعلًا جعلت المسلسل يكبر في نظري كثيرًا.

هذا مسلسل مأخوذ عن أحداث تاريخية، لذلك عند الحكم على الشخصيات، لا يجب أن أحكم على الشخصيات بمنظورها التاريخي؛ حيث يمكن أن يُخطئ السجل التاريخي نفسه، لا شيء مضمون. لكن يجب أن أحكم على طريقة وضع الشخصية في القالب الدرامي للأحداث. وفي الواقع، كان الوضع ممتازًا.

كل الشخصيات، بداية من (محمد الفاتح) نفسه، مرورًا بالقادة التابعين، ووصولًا إلى الشخصية الثانوية جدًا بالقصة، كلها لديها هدف، وكلها تنصهر في نفس أتون الحرب. تتشابك وتتقاطع على الدوام، وكلها تدفع أحداث القصة للأمام.

الإخراج تميز بالكادرات الواسعة للمشاهد التي بها حركة كبيرة، وبالمُجمل كان جيدًا. وعند اقترانه بالسيناريو؛ فقد حرص على إظهار الرموز الدينية لكل من الطرفين، لإثبات أن الحروب بالمُجمل لا تقوم على نزعات شخصية للحكام، بل في الأساس ما تكون فلسفات الأديان هي المُحرك بشكلٍ غير مباشر.

وهذا يجعلك تفكر، هل الأديان هي سبب الحروب على مدار التاريخ؟ أم الفهم الخاطئ لفلسفة تلك الأديان التي في الأساس تعتمد على السلمية، لا الحرب؟ ربما هذا سؤال يجب أن تحاولوا الإجابة عليه.

في الواقع لا أجد أن الممثل Cem Yigit Uzümoglu كان الأنسب لدور (محمد الفاتح) على الإطلاق. وهنا أنا لا أعيب في قدراته التمثيلية أبدًا، إنها ممتازة في الواقع. لكن شعرت أن البطل هنا لا ينتمي لأجواء الحرب، أو أنه ليس مغموسًا فيها بالقدر الكافي لإظهار أمارات تجعل المشاهد واقعية. هو ممثل بارع، لكن ليس كل ممثل يليق في أي دور للأسف.

أما تمثيل سائر طاقم العمل متوسط، وأعتقد أن المخرج علم ذلك، ولذلك استعاض بالمشاهد التسجيلية لأساتذة التاريخ في وسط المشاهد الأساسية للمسلسل. بالمُجمل استطاعت نتفليكس أن تقدم عملًا متوسط الجودة على صعيد التمثيل أجل، لكنه ممتاز على صعيد “ترقيع” ذلك المستوى المتوسط للتمثيل.

في الواقع الموسيقى التصويرية ضئيلة جدًا بالأحداث، ونادرًا ما تجد مقطوعة واحدة حتى. حتى أنني بحثت على يوتيوب من أجل الوصول لواحدة، لكن لم أجد. الموسيقى كانت لتصبح إضافة مهولة للقصة إذا تم الاهتمام بها أكثر من ذلك. لكن على كل حال، عدم وجودها بالقدر الكافي لا يُقلل بشدة من جودة المسلسل ككل.

فيلم 6 Underground شاهده 83 مليون مشاهد على نتفليكس