في عيد الأم: فيلم Run وجرعة من الإثارة النفسية بفعل الأمومة
5 د
السينما العالمية وعلى مدى عقود طويلة، مذ نشأتها مع أواخر القرن التاسع عشر بفضل الأخوة لوميير، وتطورها تباعاً عبر السنوات، أثرت المكتبة الفنية بمحتواها الغني من مواضيع متنوعة. بعضها جاد هادف وله مغزى، والبعض الآخر تجاري يميل لتحقيق الأرباح المادية كغاية أساسية. وبالطبع لا ضرر في تلك الأعمال، طالما أنها أفلام جيدة الصنع وتحقق الغرض المرجو منها وهو التسلية والمتعة للمتلقي.
ومن الموضوعات الملهمة لصناع السينما، هي حالة الأمومة. كانت ولا زالت. حيث لطالما شكلت على مر التاريخ تيمة وركيزة أساسية قائمة بحد ذاتها، يبنى عليها العمل الفني السينمائي بحرفية ومهنية عالية.
العديد من النصوص تناولت الأم بأشكالها وحالاتها المختلفة. فطرحت بالأعمال الدرامية والكوميدية، تارةً بمشاعرها الإنسانية الأنقى والأسمى، وتارةً بصورة سلبية بصفات الأنانية وتعقيداتها النفسية. كما يوجد ممثلات رائعات، أصبحن أيقونات في عالم الفن السابع بعد تأديتهن لدور الأم.
والفيلم الذي سنتحدث عنه اليوم Run يقدم الأم بحالة مغايرة عما هي عليه في صورتنا الذهنية، والمتعارف عليه أيضاً.
أقرأ أيضًا: في بحر الأمومة الواسع.. ماذا لو كانت الأم كاتبة!
قصة فيلم الهروب Run
ينتمي العمل إلى دراما التشويق والإثارة النفسية، حيث يروي حكاية أم عزباء تدعى ديان (تجسد دورها سارة بولسون) وعلاقتها بابنتها كلوي (تجسد دورها كيرا آلين). لا علاقة عادية تجمعهما، لأن كلوي ليست بفتاة عادية. فهي مقعدة، حياتها بالكامل مرتبطة بكرسي متحرك. بالإضافة لأمراض عديدة مصابة بها كالسكري، والربو، وعدم انتظام دقات القلب، والطفح الجلدي، والغثيان الصباحي. كل تلك الأمراض تقف عائقاً بوجهها كمراهقة، في ممارسة حياة طبيعية كسائر الفتيات الأخريات. خوف وحرص والدتها، يمنعانها من مغادرة المنزل. هذا ما تعتقده في البداية. لكن نظراتها القاسية في غالبية الوقت، وحزنها، ولمعان عينيها الكاذب، وقلقها غير المفهوم، أمور تجعل الريبة تتسلل إلى قلبك.
تشاهد كلوي تقوم بدراستها من المنزل، كما تلحظ تميزها بالتكنولوجيا. تنتطر الابنة الخاصة في حالتها، خطاب قبول من جامعة واشنطن. لكن دون جدوى. لتكشف لك الأحداث لاحقاً تورط ديان بالأمر. وإلى أي درجة استفحل خبثها.
في أحد الأيام تكتشف كلوي أقراص خضراء، لا علم لها بوجودها في السابق. تتساءل لماذا تتناولها أمها؟ فقد رأت اسمها على علبة الدواء. لكن مهلاً هي من أخذتها وليست ديان. لتبدأ بعدها عملية الاستقصاء وطرح الأسئلة. لغاية الوصول للحقيقة المظلمة، وهي أن عللها وأمراضها سببها والدتها، وأن الدواء تشتريه من الصيدلية لكلبها ويوصف كمرخٍ للعضلات، ويصيب البشر بالشلل إذا تناولوه.
مهلاً، أين الكلب من كل هذا؟ وهم لا يمتلكون واحداً!. تسأل نفسك لثوانٍ.. هل مر في الفيلم ولم ألحظ وجوده؟!. إلا أنه استخدم ذريعة للحصول على تلك الأقراص.
تعلم ديان بالأمر وتبدأ بمحاصرة كلوي أكثر، وتمنعها الخروج من غرفتها. وتقطع كل وسائل التواصل عنها. لتبدأ مرحلة الصراع بين الأم وابنتها. ومحاولة الهروب من المنزل. لكنها تبوء بالفشل بمعرفة ديان، ومشاهدة كلوي تتحدث إلى ساعي البريد لمساعدتها. فتتخلص منه بقتله.
تستيقظ مرة أخرى الابنة، لتجد نفسها مسجونة في القبو. المكان الذي يضع أمامها الإجابات لأسئلتها الكثيرة والمشوشة. لتفك طلاسم ألغاز أمها. لتعلم أن ديان خطفتها من والديها. وأن ابنتها الحقيقية توفت بعد ساعاتٍ قليلة من ولادتها.
إن لم تشاهد الفيلم بعد عزيزي القارئ سأترك لك النهاية دون الحديث عنها، ليرتفع منسوب الحماس لديك. النهاية مشوقة جداً أعدك بذلك.
رغم الفقدان لم تحرم الأمومة
في المشهد الافتتاحي من فيلم Run والذي أعتبره مشهداً جميلاً كبداية لفيلم، حيث يشعل الحماس لمتابعة القصة، ويدعني مترقباً مصير الأبطال. دون تململ حتى أمسك حدثاً ما لأكمل المتابعة.
نشاهد مجموعة من الأطباء والممرضين ملتفين حول طفل صغير، ليس حديث الولادة وحسب، بل ولادة مبكرة أيضاً. يحاول الأطباء إنعاشه، لكن لا تفلح محاولاتهم. لتخسر ديان طفلها. طبعاً نهاية الجنين علمنا بها عندما اكتشفت كلوي الحقيقة داخل القبو. مع نهاية المقدمة للفيلم، تبادر لذهننا أن الجنين سيعيش حالة صحية حرجة. وزاد إصرارنا على ذلك، التعريف البسيط لمجموعة من الأمراض. قبل أن ينقلنا بأحداثه 17 عاماً وهي الفترة الزمنية التي تدور فيها مجريات القصة.
ديان وكلوي الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم، قليلة هي المشاهد التي يشاركهما أحد فيها. لذلك لهما مساحة كبيرة للعب والأداء. شكلتا سويةً ثنائية فنية متناغمة في الأداء الاحترافي. كل واحدة منهن تمرر الكرة للأخرى. “سارة بولسون” قدمت شخصية ممتعة، مقنعة بدورها، تدرك إمكانياتها وتعي جيداً كيف تغوص في أعماق الشخصية. رغم الفقدان الحاصل وغريزة الآمومة التي دفعتها لذلك، لا يمكن أن تتعاطف معها وتغفر لها فعلتها الشنيعة. تصرفت بأنانية كإنسانة، اهتمت لمشاعرها، وتغاضت عن مشاعر الآخرين.
دور ديان يتطلب مجهوداً فكرياً ونفسياً كبيرين. لا شك ترك الدور أثره في بولسون لفترة، بعد أن أنهت عمليات التصوير للفيلم. أما بالنسبة لِـ “كيرا آلين” يمكن التنبؤ لها بمستقبل واعد في هذه المهنة، خاصةً يعد فيلم Run تجربتها السينمائية الأولى. عرفت كيف تمسك بالدور وتقدمه بسلاسة المحترفين، في تعابير وتقاسيم وجهها، حين أمسكت بالحقيقة. شعرت وشعرنا معها بالخوف على مصيرها المجهول، كيف ستستقبل أمها معرفتها لهويتها الأصلية. وما هي الأثار التي ممكن أن تتركها على شخصيتها لاحقاً؟ بلحظة أحست أن شيئاً ما سرق منها، سرق ماضيها وحاضرها، سرقت أمها.
أقرأ أيضًا: الأمومة كنقمة: مؤشرات شائعة تدل على أن علاقة الأم بأبنائها سامة(يفتح في علامة تبويب متصفح جديدة)
عامل الإثارة والتوتر بتزايد
حافظ نص فيلم Run للكاتبين “أنيش تشاغانتي” و”سيف أوهانيان” على عنصر الإثارة مع كل خطوة كان يقترب بها إلى الأمام، نجح في شحذ تركيزنا طوال مدة العرض. مشاهد كثيرة حبسنا بها أنفاسنا، ووضعنا يدنا على قلبنا، وزادت خلالها حدة التوتر والترقب. تحديداً مشهد القبو عندما مُلئت الإبرة بالسم العصبي. كما يحسب لِـ تشاغانتي وهو مخرج العمل أيضاً، إدارته الجيدة لممثليه. فجاء أدائهم (ع البكلة)، كما نقول بالعامية.
ذكرت منصة Hulu أن فيلم Run الأكثر مشاهدة في تاريخ المنصة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.