بعد مرور ما يقارب القرن.. مازال فيلم سفير جهنم أحد أفضل أفلام الرعب المصرية
4 د
في طفولتي كان سماع موسيقى الفيلم كفيل بأن يشعرني بالخوف..
ظللت لسنوات أتجنب مشاهدته وحين وجدته أمامي مباشرة يذاع على إحدى قنوات التلفاز، استجمعت شجاعتي وقررت مشاهدته بالكامل، ولقد كانت تجربة مختلفة بالفعل جعلتني أعيد اكتشاف الفيلم من جديد، فهذا الفيلم الذي أُنتج عام 1945، مازال حتى الآن قادرًا على المنافسة في قائمة أفضل الأفلام التي قدمت دور الشيطان في السينما المصرية.
الفيلم من تأليف وإخراج يوسف وهبي وهو أيضًا من بطولته ويشاركه العمل فؤاد شفيق وفردوس محمد وليلى فوزي وعبد الغنى السيد، وتدور قصته حول رمضان عبد الخلاق المدرس الفقير الذي ضاقت به الحياة، فزوجته مريضة وأبناءه غير صالحين ويستغل الشيطان هذا الضعف الإنساني ويبدأ في إغواءه بملذات الحياة ومتاعها، فنشاهد كيف بدلت الأموال حياة تلك العائلة الفقيرة التي وقعت في فخ الشيطان.
يوسف وهبي وأداء تمثيلي متقن
قدم لنا يوسف وهبي في الفيلم أداء تمثيلي مسرحي قد يراه البعض مبالغ وبعيد كل البعد عن العفوية التي انتهجتها السينما فيما بعد، ولكن لابد أن نأخذ في اعتبارنا كون يوسف وهبي ممثل مسرحي في الأساس كما أن السينما في ذلك العصر كانت مازالت تخطو خطواتها الأولى ولذا من الطبيعي أن يتأثر الأداء التمثيلي بما هو أقدم وأعرق كالمسرح.
لقد جسد لنا يوسف وهبي دوره ببراعة لافتة، فهناك تناغم بين نبرة صوته ونظرات عينيه والحوار الذي يلقيه، ستجد نفسك تشعر بالرهبة في كل إطلالة له على مدار الفيلم، حتى ملامح وجهه جسدت الشر المطلق حينما تنكر في شخصية باهر عرفان!
ماذا عن بقية الممثلين؟
يبدو أن قيادة يوسف وهبي للعمل جعلت الجميع يتأثر بأسلوبه المسرحي في تمثيل الشخصيات على الرغم من وجود ممثلين عُرفوا بأدائهم العفوي كفردوس محمد.
الموسيقى
الموسيقى التصويرية للعمل بحق مميزة، فيكفي أن تسمعها حتى تعرف على الفور أنه فيلم سفير جهنم، وقد توقعت أنها مأخوذة من إحدى السيمفونيات العالمية كما جرت العادة في العديد من الأفلام السينمائية القديمة ولكن مع المزيد من التدقيق في تتر البداية للفيلم وجدت أنها للموسيقار إبراهيم حجاج، في الحقيقة لم أسمع عنه من قبل و للأسف مع البحث لم أجد عنه الكثير مقارنة بزملائه رواد الموسيقى التصويرية في هذا العصر اندريا رايدر وفؤاد الظاهري وعلى إسماعيل، ولكن اكتشفت أنه قام بتأليف أشهر الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام مثل الآنسة حنفي والبوسطجي والنداهة والملاك الصغير وزائر الفجر وزوجتي والكلب وغيرها الكثير.
بشكل عام جاءت الموسيقى التصويرية مناسبة للغاية لقصة الفيلم خاصة النغمات المتصاعدة التي تشعر حين سماعها بتسلل يوسف وهبي أو إبليس إلى قلوب ضعاف النفوس من البشر.
المكياج والمؤثرات البصرية
اندهشت من تطور المكياج والمؤثرات البصرية التي اُستخدمت في الفيلم فهى ترقى لذات المستوى الذي نراه في السينما العالمية في ذلك الوقت، وعلى الرغم من بساطتها إلا أن المكياج الذي تم تنفيذه على وجه يوسف وهبي قد يجعله في كوابيسك للأبد علاوة على العباءة السوداء والأظافر الطويلة، حتى شخصية باهر عرفان التي تنكر بها في هيئة بشرية ستشعرك بالريبة مع هذا الاهتمام النرجسي بأناقة مظهره وشعره اللامع وكأنه نجم سينمائي وليس شخص عادي.
الجدل حول تصنيف الفيلم، اجتماعي أم رعب؟
الشخصيات ذات البعد الواحد والحوار الخطابي الممتلئ بالوعظ والسجع دفع البعض لتصنيف الفيلم على اعتباره فيلم اجتماعي بعيد كل البعد عن مفهوم أفلام الرعب المعروف لنا، فالفيلم تدور قصته حول فكرة فلسفية وهي غواية الشيطان للبشر والمداخل التي يستغلها ليقع بني آدم في الخطيئة وهي فكرة تم تناولها في العديد من الأعمال الأدبية العالمية ، كما أنك منذ البداية ستتوقع مصير الشخصيات وبالتالي إغفال عنصر المفاجأة والغموض الذي نراه دائمًا في أفلام الرعب.
في رأيي الشخصي قد يكون الهدف من الفيلم هو اجتماعي بالأساس، ففي النهاية يعنى الفيلم بإظهار حيل الشيطان التي قد يغفل عنها البشر كما أن هناك العديد من المذاهب الفكرية التي تضع على عاتق السينما دور تهذيب وتقويم المجتمع حتى لو بتلك الصورة المباشرة التي ظهرت في الفيلم، ولكن توليفة الفيلم من حوار وأداء ومكياج وموسيقى وإخراج جعلته ضمن قائمة أفلام الرعب المصرية والتي بالمناسبة ليست قائمة طويلة أبدًا.
فإذا كنت من محبي كلاسيكيات الأفلام الأجنبية والعربية، ستستمتع للغاية بمشاهدة واحد من أجملها في فئة أفلام الرعب الاجتماعي بعيدا عن الدماء والأطراف المتناثرة التي اكتظت بها الأفلام المعاصرة.
وأخيرًا بالنظر إلى قائمة أفلام الرعب المصرية والعربية التي تكاد تًعد على الأصابع، علينا أن نتساءل ما السبب وراء ندرة إنتاجها حتى الآن؟ فالإنتاج الضخم أصبح متاحًا والاستعانة بخبراء المكياج أصبح أسهل عن ذي قبل، فلماذا إذن لا توجد أفلام رعب عربية حديثة؟
أتمنى أن يلتفت صناع السينما لهذا الأمر، ولنأمل في وجود أفلام رعب عربية تنافس في جودتها وفكرتها ما نراه في السينما العالمية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.