مراجعة فيلم «Secret window»: العقل منبع الإبداع، ومَعقِل الشرور أيضًا
5 د
الكثير من الأفلام تحمل ما يميزها، فنجد تلك التي تمتاز بالإخراج، وتلك التي تتغنى بالحبكة، وتلك التي تُعتبر أسطورةً حيّةً في المؤثرات البصرية. فيلم اليوم جمع الكثير من عوامل نجاح الأفلام، وتعترش قمتها بدون منازع الحبكة العجيبة، سنتحدث اليوم عن فيلم «النافذة السرية – Secret Window» المُقتبس عن القصة الأصلية لكاتب الرعب النفسي الأشهر ستيفن كينج، ومن إخراج David Koepp الذي ترشح لتسع جوائز إخراجية وفاز بثلاث منها، ومن تمثيل الممثل صاحب الأدوار المميزة والغني عن التعريف جوني ديب. الآن هيا بنا نسبر طيات هذا الزائر الجديد سويًّا.
القصة
وبما أنّ مؤلف القصة كاتب، فمصادفة حبكة هذه المرة أن تتحدث عن كاتب أيضًا، فالقصة تتمحور حول الكاتب والروائي Mort Rainey، والذي يقوم بدوره جوني ديب، والذي بدأت حياته تنقلب رأسًا على عقب منذ أن أشعلت زوجته فتيل إجراءات الطلاق المطولة عندما خانته بشكلٍ قسري ومجحف مع رجلٍ آخر، فيهرع البطل إلى منزلٍ قاصٍ يرنو إلى السَكينة من أجل تأليف كتابه الجديد، وفي حالة البؤس تلك يأتي إليه رجل غريب يعتمر قبعةً سوداء ويشوبه الغموض يُدعى John Shooter، ويزعم أنّ البطل قد سرق قصته التي بعنوان النافذة السرية، ويجب أن يرد له حقّه علانيةً، وفي غضون ثلاثة أيام إلّا وطاله الأذى، وطال كل من يعرفه!
يبدأ البطل بعدها في البحث عن مجلة نُشِرت فيها قصته قبل أن ينشر ذلك الرجل خاصته، لكن يقف القدر ضده في كل مرة، والآخر يتمادى في شروره، فمن هو ذلك الرجل؟ ولماذا يبتز كاتبًا مسالمًا مثل مورت رايني؟ هذا غموض ستنزع عنه الستار بنفسك مع الأحداث.
انطباع عن القصة
حسنًا، هذه القصة مميزة بالفعل من عدة جوانب، وللخوض في هذه الجوانب يجب علينا حرق أجزاء كبيرة من الفيلم. لذا، وجب التنبيه.
أولًا القصة بدأت في أجواء ضبابية ما أثار فضولي كمشاهد عن الذي يجادل البطل ذاته على فعله من العدم، ثم تنفرج الفكرة سريعًا لتبدأ الأحداث الحقيقية بالفيلم، ومن هنا يبدأ دور جون شوتر المحوري في الظهور، وهنا يعمد الكاتب إلى ترك علامات خفية بين الأحداث تدل على أنّ ذلك الغريب كينونته لا تظهر لأحد إلّا البطل نفسه، مما سيبرهن أنّ شوتر شخصية خيالية من نسج البطل ليُسقط عليها مالم يستطع فعله في الواقع. الآن نحن نتحدث عن الـ Bi-polarity أو القطبية الثنائية، وهذا ما تجلى في مشهد النهاية بشدة، والذي سنتحدث عنه في ذيل هذه المراجعة.
أمّا الأشياء الأخرى التي جذبت انتباهي في الحبكة هي جعل الكاتب شخصية البطل عبثية وغير مكترثة بأي شيء، لكن تلك الصفة بدأت تُنزَع عنها بالتدريج عندما تصاعدت حدة الأمور ومسّت الأقربين إليه، وإن كانوا هؤلاء – الأقربين – هم السبب في خلق ذلك كله من البداية. حقًا هذه نقطة أعجبتني.
الشخصيات:
الشخصيات محدودة جدًا بالحبكة الدرامية، لكن يمكن القول أنّ أفضل شخصيتين (وإن جاز لي اعتبار إحداهما شخصية حقيقية من الأساس)، فهما مورت رايني وجون شوتر. مورت نَسج ستيفن كينج لشخصيته جذبني بشكلٍ خاص، فأنا ككاتب أهوى الشخصيات العبثية ذات المبادئ المعدومة واللا مُبالاة المُطلقة، ومن جهة أخرى أثارت انتباهي شخصية جون شوتر لكونها غامضةً، وظهورها بالأحداث ليس كثيرًا، فقد ركّز الكاتب على ذكر الشخصية الرئيسية أكثر، وقلل من تقابل كليهما عبر الأحداث؛ ليبرهن أن عندما تستولي شخصية شوتر على الوضع، يكون ذلك منعزلًا تمامًا عن شخصية رايني الأساسية، والذي أعجبني فعلًا هو اشتقاق كلمة “شوتر” من فعل إطلاق النيران Shoot، والذي يتوافق مع نهاية الفيلم الرائعة التي سنتطرق إليها بعد قليل.
التمثيل:
نحن هنا أمام الأداء المعهود عن جوني ديب، أن يكون مناسبًا للدور مع مسحة خفيفة من شخصيته المميزة تظهر على الساحة، فقد جسّد ديب الدور ببراعة وأظهر التقلّبات النفسية للشخصية بشكلٍ جعلني كمشاهد دقيق، أرى أنّ هذا مجهود مُضنٍ فعلًا؛ لأنّ فترات التغيّرات النفسية الحادة متباعدة بداخل السياق الزمني للفيلم، أمّا بالنسبة لباقي فريق العمل من الممثلين، يمكن القول أنّ الأداء الخاص بهم كان متوسطًا، مما أعطى مساحةً لشخصية البطل كي تفرض حضورها على الشاشة بقوة.
الإخراج:
هنا حقًا لنا وقفة. المشاهد أغلبها كان في أماكن مغلقة مما أعطى المخرج زمامًا مُحكمًا بالنسبة للزوايا التصويرية، لكن في المشهد الذي هبطت فيه السيارة من الجرف إلى أسفل، وكانت زاوية الكاميرا عمودية على الأرض بمسافة كبيرة، كان هذا مشهدًا مفتوحًا، ولم يكن سيئًا على الإطلاق من وجهة نظري، أمّا عبقرية الإخراج ذاتها تتجلى في استعمال المخرج للمرآة المنزلية في مشهد الخاتمة، وهذا ما سنتحدث عنه بعد قليل.
الموسيقى:
الموسيقى بشكل عام رائعة جدًا. مناسبة للمشاهد، وللتغيرات النفسية التي تطرأ على البطل من حين لآخر بسبب ذلك المدعو شوتر، وبالنسبة لي أفضل مقطوعة موسيقية بالفيلم كله هي تلك التي تعنونت بـ «The Killing».
النهاية: انطباع خاص (يوجد حرق شديد)
والآن للفقرة المنتظرة، فقرة النهاية!
هذا المشهد حقًا بديع من جميع الزوايا، فالمخرج عمد لاستخدام المرآة القابعة بحائط المنزل كي تكون افتتاحية مشهد اكتشاف مورت رايني لذاته الحقيقية، فبداخلها بدأ يظهر العقل الباطن للبطل كي يقص عليه أنّ كل هذا وهم اختلقه، وأنّ الكدمات بذراعه تخيلية وليست موجودةً على الإطلاق. كل هذا والبطل مشدوه مما يحدث، ويُفاجَأ بالخلفية أنّ جون شوتر يعترف له بأنّه هو من خلقه من العدم كي يفعل ما لم تقدر نفسه الحقيقية على فعله، ثم أظهر الكاتب فلاش باك خاطف عن سر كون القبعة السوداء الغريبة هنا، وأصل بناء تلك الشخصية في العقل اللا واعي للبطل منذ سنين مضت. الآن تقبل البطل ذاته، وأيقن بداخله أنّ النهاية الأصلية للقصة يجب أن تحدث، وعليه ذهب لتنفيذها وذهب لتنفيذ حكم القتل بالرصاص Shoot، ثم دفن زوجته بالحديقة التي فضلتها عنه كثيرًا، والمشهد الذي أتى بعد ذلك يبرهن تمامًا أنّ البطل تقبل ذاته الأخرى، وشرع في سرد قصة جديدة بمنتهى الهدوء وراحة البال، فعلًا نهاية تستحق التصفيق بحرارة.
رأي شخصي
فيلم جميل آخر لجوني ديب، ونسخة حيّة أخرى من أعمال كاتب الرعب النفسي الأشهر، ستيفن كينج. تجربة مزجية بشكل عام استحقت وقتها، وحققت لي إمتاعًا كبيرًا. أنصحكم به بشدة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
موسيقى تصويريه تحفه تعكس الصراع النفسى اللى بيمر به بطل الفيلم.
فيلم أكثر من رائع
مراجعه جيدة
فعلا الفيلم جميل اوي
انا بحب هذه النوعيه من الافلام
وبحب تمثيل جوني ديب عبقري بجد