المليونير المتشرد.. عندما يكون العالم قاسيًا ثم يقول القدر كلمته الأخيرة
4 د
عند ذكر “بوليوود” ما الصورة التي ترتسم في ذهنك يا ترى؟ صف راقص من الجميلات؟ كوميديا عاطفيه مكررة؟ أم تلك المشاهد الفانتازية كحصان يطير في السماء أو ينزلق من تحت قضبان سكة حديدية عتيقة؟
فيلم Slumdog Millionaire (المليونير المتشرد)، ببساطة سيغير هذه النظرة النمطية لهذا العالم الهندي في فيلم إنتاجه بريطاني وقصته هندية خالصة. هنا لا جميلات ولا خيالات ولا حتى مشاهد تظهر فيها سحر بعض المدن الهندية، بل سترى الكثير من العشوائيات، الوجوه القاسية الجامدة وقلوب خاصمت الجمال منذ أمد بعيد.
استهلال
Slumdog Millionaire فيلم بريطاني مقتبس من رواية للكاتب والدبلوماسي الهندي “فيكاس سوارب”، حيث تدور مستهلّ أحداثه هنا في المدينة المكتظة مومباي، حيث يعيش شقيقان صغيران يقضيان ثلاثة أرباع حياتهما يركضان بلا هدف، فقط ليبتعدا عن المخاطر وليجدا مكاناً آمناً ينامان فيه عندما تغمض الشمس عينيها.
تفترق بهما الدروب، الأول يبحث عن الأمان تحت ظل الأقوى والأخطر حتى وإن كان رجل عصابة، أما الأخر فهو “جمال مالك” وهو الذي تدور حوله كل هذه الحبكة.
الرحلة
نتتبع جمال منذ أن كان طفلاً صغيراً، تموت أمه ويبتعد عن حبيبته و يذهب أخاه إلى عالمه المظلم، لينتهي الحال ببطلنا كعامل يقوم بتقديم الشاي لموظفي الشركة التي يعمل بها.
تبتلع المدينة القاسية بوحشية الثلاثة الصغار وترميهم في غياهب الجريمة والنسيان، وأي مصير غير هذا سيكون لمن لا ظهر له في عالم مادي بحت لا يفهم إلا لغة الأرقام! في هذا الوقت يكون برنامج من سيربح المليون الشهير يملأ سمع الدنيا وبصرها وينتظره الكثير بشغف، إلا أنه كان لجمال المُخَلِص الوحيد والأمل الباقي ليظفر بحبيبته من جديد ويحميها من العالم الذي ترك آثار قدميه على أرواحهم وقلوبهم.
البرنامج
في هذا المكان وبين كل سؤال وسؤال يُكشف الستار رويدًا رويدًا عن حياة الضنك والعناء التي صنعت هذا الرجل الصغير، المحطات المظلمة التي مرّ بها وتجاوزها ولم تترك فيه أثراً غير عمق الخبرة والتجربة والحب الذي ظل دليله وحاديه.
للحياة وجوه كثيرة
غالباً ما نرى كيف يقف المشجعون على جانبي الدرب هاتفين للناجحين والرياضيين والعدّائين ليبدو هذا المنظر مألوفًا ومتوقعًا لكل من يجتاز الحدود التي لم يقدر عليها من مروا قبله. ولكن مع بطلنا المتشرد يختلف الأمر، فلا يجد إلا الحديد والنار له جزاء على الحدود التي تجاوزها والتي لم يستطع أن يفعلها عِلّية القوم كالأطباء، المحامين، أساتذة الجامعات والمثقفين وغيرهم، فكيف تجرأ هذا النكرة على كسر هذه الحدود وتجاوزها بقوة؟!
نرى هنا كيف يُصرّ مقدم البرنامج على إهانة جمال بشكل متعمد والسخرية من عمله مع استعراض ذات الحركات التي يقوم بها من هم في وظيفة جمال، والأكثر من هذا هو محاولة مقدم البرنامج المستميتة لجعل بطل الفيلم “جمال” يتعثر ويختار الإجابة الخطأ ليمنعه بهذا من أن يتعدى حدوده هو ويتجاوزه. كل هذا يُصور بشكل واضح الروح التنافسية الشديدة في هذا الوطن الشاسع حتى وإن كانت الأساليب قذرة وغير شريفة.
أكثر من صورة للحياة هنا في هذا الفيلم، فناطحات السحاب الشامخة الجميلة التي نراها في منتصف الأحداث كانت عصارة من بؤس وشقاء البسطاء، فلم تُبنَ إلا على أنقاضها ولم تُؤسَّس إلا بذكرياتها المبعثرة. تذكرني هذه الصورة الصارخة بالمفكر علي شريعتي الذي أشار أيضًا إلى نفس المعنى بصورة أشمل حيث قال إنه لم يجد شيئاً مذهلاً وعظيماً إلا وتوجب أنه قد بُني على دم ودموع المستضعفين مثل سور الصين العظيم وغيره الكثير.
الجوائز
فاز الفيلم ب 8 جوائز أوسكار وهي كالتالي: أفضل تصوير سينمائي، أفضل إخراج، أفضل تأليف، أفضل تأليف موسيقي (جائزتين)، أفضل هندسة صوتية، أفضل تصوير لعام 2009 وأفضل سيناريو.
وفاز أيضاً بجائزة إيدي، جائزة مجتمع مصوري السينما الأمريكان، جائزة الامتياز في التصميم الإخراجي، 7 جوائز لـ بافتا الأفلام، 3 جوائز لـ البكرة السوداء، جائزة نقاد مجتمع بوسطن، جائزتين لـ بريطانيا للأفلام المستقلة، 5 جوائز لـ اختيار النقاد، جائزة غولدن فروغ، جائزتين في سوفكا، 4 جزائز لـ غولدن غلوب والقائمة تطول.
التريلر الرسمي للفيلم:
ختامًا.. وبشكل قريب جداً أحسست (وهذا رأي شخصي) أن هذا الفيلم يشبه الهند ككل، يختصر هذه الدولة الكبيرة المترامية، يُصورها من أقرب زاوية لوجهها الحقيقي المتنوع، يُظهر تجاعيد البؤس فيها، الأكثرية الفقيرة المطحونة تحت عجلات مركبة الرأسمالية، بسمة الشفاه الملأى بالحب والعيون التي لا تتوقف عن البحث عن عصب الحياة (المال).
أول الكلمات التي تُطبع على الشاشة في بداية الفيلم هو سؤال فضولي يمكن أن ينطبق بشكل فضفاض على حياة أي مشاهد، إذا تم تغييره للشكل التالي: ما الذي يجعل الأمور تسير معنا على هذا النحو؟ هل هو الحظ، القدر، الغش والخداع أم عبقريتنا الفذة؟ في آخر الفيلم سنجد الجواب وسنكتشف الرحلة التي عبرها جمال بصورها المتعددة والتي أكدت بشكل لا يقبل الشك أن الحياة خير معلم وهي وحدها من صنعت هذا العبقري الصغير.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.