مراجعة أنمي «Steins;Gate»: جنون العلم بين العدمية والواقع
6 د
العلم هو الذي جعلنا ما نحن عليه الآن، فبدونه نعود للنظر إلى السماء والتعجب من النجوم، نرجع مجددًا للارتعاب من النيران المستطيرة بفعل البرق، ونأتي مرةً أخرى لعصور كان فيها الإنسان أجهل المخلوقات. أجل إنّ العلم يستطيع فعل المعجزات، لكن هل بالضرورة أن تكون تلك المعجزات ذات منفعة على جنسه؟ سؤال كهذا ليس له إجابة، فالعلم لا يعترف بإجابات محددة، وليس لديه نمط ثابت أو توقع محدد لما ستؤول إليه الأمور، وهذا محور أنمي اليوم. أنمي Steins;Gate برهن أنّ مبدأ الاحتمالات التي تُبنى عليه كل العلوم. هو الذي يُبنى عليه الكون، لكن تلك الاحتمالات قابلة للتقييد! قابلة للتقويض! وقابلة للتحريك! كيف هذا؟ هذه هي عبقرية Steins;Gate يا سادة. الأنمي العلمي من الطراز الأول، والذي سيُذاع منه الموسم الثاني هذا العام تحت عنوان “Steins;Gate”، والموسم الأول هذا كان في 2011.
القصة:
العالم الشاب «أوكابي رينتارو»، أو الذي يُسمي نفسه العالم المجنون – Mad scientist «هويين كيوما» يصطحب صديقته الصغيرة «مايوري» لندوة تناقش السفر عبر الزمن لشخصٍ يدّعي أنّه وصل إلى آلة الألفية الجديدة، آلة السفر عبر الزمن.
لكنه يرى أنّها مسروقة من «جون تايتر» القادم من المستقبل، وبينما قد تبدو الأحداث روتينيةً ومُتوقعةً بشدة، يُفاجَأ أوكابي بجثة فتاة تعترش بركةً من سائل الحياة القاني بإحدى غرف المبنى، فتلك هي «ماكسي كريس» العالمة الشابة التي تستطيع بتر بأس تلك النظريات حول السفر بالزمن.
يستفيق رينتارو ويهرب من المبنى بصحبة صديقته، وهناك يبعث لصديقه برسالة أنّ ماكسي مُتوفاة، لكن بعدها مباشرةً يهتز العالم من حوله وينتاب عقله التشويش اللحظي، ثم يعود إلى نقطة الصفر! لقد عاد بالزمن! الآن كيف عاد وما علاقة كل ما حدث بماكسي والمنظمة الخفية (سيرين) التي تسعى خلفهما؟! وكيف لماكسي كريس أن تعود للحياة وتشاركه الحرب ضد تلك المنظمة؟ هذا ما ستعلمه عند متابعة الأنمي.
لماذا هذا الأنمي مميز؟
حسنًا … هناك الكثير ليُقال في هذه النقطة فعلًا …
الكاتب لم يخلق عالمًا مثل عالمنا، وتحدث فيه نظريات مؤامرة معهودة مع قوى خفيفة وشديدة البطش فقط، بل جعل كل ذلك مقرونًا بالعلم. وليس أي علم، العلم الجنوني الذي طرحه أينشتاين قديمًا وعليه برع كُتّاب الخيال العلمي في أعمالهم الفنية، لكن الأنمي أخذنا إلى مُنحنى أكثر جنونًا وعبثيةً. العالم عبارة عن خيوط كل خيط إذا حدث فيه اضطراب ينقسم إلى خيطين، خيط حدث به الاضطراب، وخيط لم يمسسه شيء. لكن ليس هذا فحسب، فالتغيير الذي حدث لن يؤثر على الشخص أو الموقف الذي تم عمل التغيير من أجله فقط، بل سيحيد عنه قليلًا ليشمل سلسلةً من التغيرات الطفيفة، والتي سرعان ما ستتجمع لتخلق تغيرات كبيرة لم تكن لتتوقعها من الأساس، وهذا ما يُعرف في العلم بتأثير الفراشة، فإذا رفرفت فراشة في منطقة أقصى الشمال، ستحدث بعدها عاصفة في أقصى الجنوب، تغيير طفيف يخلق تغييرات أعظم، هذه أكثر نظريات العلم جنونًا وعبثيةً حقًا.
وليس فقط جنون الحبكة يعتمد على جنون العلم البحت، لكن أيضًا على جنون الشخصيات الواقعية بالأحداث، فالبشر متلونون ولا يمكن توقعهم على الإطلاق. كل شخصية تحمل قصة، كل شخصية تريك جانبًا مظلمًا من العالم، وكل شخصية تسعى لإسعاد الآخرين بشكلٍ أو بآخر. حتى مايوري التي هي الأنقى بينهم، أرى فيها جانبًا سوداويًّا حالكًا أبرزه الكاتب باستتار على مدار الحلقات، لكنه أعمق من ذلك بكثير، فللنقاء كُدرة مستترة بالضحكات بين طيات الضياء.
وأيضًا كان للتشابك عامل هام في ارتقاء الحبكة في نظري، فالشخصيات لم تتقاطع مصائرها فحسب، بل تشابكت وتعقدت في أكثر من بعد وخط زمني ليصير الوضع أكثر تشتيتًا، مما جعل البطل على شفا البكاء الذي يتبعه نحيب يقطع نياط القلوب، فأصبح أوكابي – وإن كان لا يُظهر ذلك – لا يعلم الواقع من الخيال. في الحقيقة كل الخيوط الزمنية لواقع مُتجسد لا نكران له، لكن يُعتبر بُعدًا خياليًّا بالنسبة للبطل، ففور أن يتركه لا يعلم إذا كان تركه بجسده فعلًا، أو كانت له نسخة هناك تستمر في العيش لتخدم المنظومة الكُبرى من الأحداث المقدر لها أن تتواجد. الآن عدنا لمبدأ الاحتمالات مرةً أخرى أليس كذلك؟
قلت في بداية المراجعة أنّه يمكن تقويض الاحتمالات، وهذا ما حاول البطل طيلة الأحداث لجعله واقعًا، وبالفعل أتممه في النهاية عبر تضحيات مهولة. لكن مهلًا، هل هذا حقًا كان تقويضًا لخيوط الزمان؟ فمن التلميحات التي أعطاها لنا الكاتب نرى أنّ العوالم تسير بجانب بعضها البعض دون تماس، لكن الكاتب لم يخرج أكثر من تلك الصورة. ماذا إذا كانت تلك الخطوط (بكل تغيّراتها الحادثة) تتصل ببعضها البعض في مكعب هائل؟ وكل خيط يتصل بالآخر ليُكمل نفس الأحداث؟! هذا ما أرجحه نظرًا لنهاية الأنمي التي برهنت لي ذلك بشدة.
الآن أستطيع تفسير سبب اختياري لهذا العنوان، العلم بين العدمية والواقع. في حقيقة الأمر الواقع السابق بالنسبة للواقع الحاضر يُعتبر العدم ذاته، فأنت لا تعلم ماذا حل بنفسك السابقة هناك، وأيضًا لا تستطيع التيقن أنّ حاضرك الآن قد يصبح عدمًا بعد قليل، أو قد يصيبك هاجس بأن كل شيء سيذهب إلى الفناء بالنهاية، وهنا تصيبك العدمية، وهي إحدى اتجاهات الفلسفة التي تعتمد على أنّ الكل سيذهب إلى العدم، فلماذا نرهق أنفسنا في لعبة خاسرة؟! بجانب أنّ العلم نفسه يذهب إلى غاية مجهولة ونهاية مُشوشة، لكن الشيء الذي يتيقن منه العلم تمام اليقين أنّ لكل شيء نهاية، وهذا ما دفعني لانتقاء هذا العنوان الغريب.
الشخصيات:
الشخصيات هنا عنصر محبوك بكفاءة عالية جدًا، فحتى الشخصيات الثانوية لها ماضٍ وتاريخ جيد ورصين.
والمميز في الشخصيات أيضًا أنّ طريقة عرض الكاتب لها ليست تقليديةً، فمزجها بالإطارات الزمنية التي تعتمد عليها في قصته بالمقام الأول، ففي كل بُعد أو عالم جديد، تظهر لمحة عن شخصية معينة مما يأخذنا بالتدريج إلى أحداث كبرى جديدة وتصاعدية بشدة، وإذا أردت الإفصاح عن أفضل الشخصيات من وجهة نظري بناءً على عوامل كثيرة، فسأقول أنّها شخصية (مايوري). قد تعتقدون أنّها هامشية، وأنّ ماضيها لم يكن على قدرٍ كافٍ من الرصانة ودقة البناء.
لكن من وجهة نظري أرى أنّ عمق الشخصية هنا أتى من خلال الأحزان التي تعتمل في صدرها، وكيف لها أن تكون بتلك النقاوة تجاه الجميع، وفي داخلها يستقر الحزن رابضًا على قلبها. شخصية أعجبتني بكل تأكيد، وحركت مشاعري بشكلٍ لم أقوى على ردعه فانتحبت كثيرًا.
الرسم والتحريك:
الأنمي من إنتاج استوديو «White Fox»، وترخيص شركة «Funimation». قام الاستوديو بعمل الكثير من الأعمال البارزة مثل: Akame ga Kill! ،Re:Zero، و Katanagatari، ويقوم بالعمل على صناعة الموسم الثاني من الأنمي هذا العام أيضًا. تميز الرسم هنا بالواقعية، فأغلب الأحداث تمت في أماكن مغلقة ومساحات محدودة، مما أعطى للاستوديو فرصة إتقان الرسم والمؤثرات لإعطاء أكبر رونق واقعي ممكن، وأيضًا كان له أسلوب مميز في رسم الشخصيات خصوصًا عيونها، فعمومًا أسلوب الرسم كان مختلفًا ومناسبًا للأجواء الغريبة للأنمي ذاته. بجانب أنّ التحريك كان جيدًا، وليست عندي بالنسبة إليه أدنى ملاحظة.
الموسيقى:
كم أعشق هذه الفقرة؛ لأنّ موسيقى هذا الأنمي تستحق فعلًا. لا أستطيع وصفها إلّا بالـ«مُؤججة»، فكل مقطوعة موسيقية تؤجج بداخلك مشاعرًا مختلطةً كثيرةً ومتضاربةً. تلك، المقطوعات تخلق آلاف الحالات النفسية لديك، وتخلطها دفعةً واحدةً لتقودك للنحيب تارةً، وللضحك أخرى، ومن أفضل المقطوعات من وجهة نظري هي مقطوعة «GATE OF STEINER»، ويمكنكم سماعها عند الضغط على الفيديو بأعلى هذه الفقرة.
رأي شخصي
أنمي من الروائع وأعتبره تحفةً فنيةً خالصةً، وجعلته بلا أدنى شك ضمن قائمة أفضل 10 أعمال أنمي لدي حصرًا. أنصحكم جميعًا به، فهناك الكثير من النظريات، الأحداث، والملابسات في انتظاركم لتُكتشف، ويتم سبر أغوارها بمزيج من الدهشة والجنون. أتمنى لكم رحلةً ممتعةً في رحاب تلك المعضلة الزمنية العنيفة!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
من الجيد أنني اقتربت من التفسير الأصلي 😀
أشكرك على تعليقك <3
سأنسّق مع فريق العمل بشأن هذا المسلسل..
مقالة متميّزة كالعادة
***
اسم الموسم القادم Steins;Gate 0
(نسيتَ الرقم صفر، هاها 😛 )
***
أعجبتني كثيرًا نظرتك المُمَيَّزة للقصة
وتفسيرك لخطوط العالم
يوجد أيضًا التفسير الموجود في المصدر الأصلي للقصة وهو الـVisual Novel
وأنت اقتربت منه كثيرًا!
ان كنت أحببت عالَم القصة وأردت أن تعرف المزيد، يمكنك قراءة هذا المقال:
https://goo.gl/SxLpPM
***
بما أنَّك أحببت مايوري لهذه الدرجة، فستحبّها أكثر في الموسم القادم
لن أقول أكثر من ذلك 😀
***
تابعت الانمي قبل عدة سنوات
صراحة من اجمل ما شاهدته
خصوصا مشهد النهاية
يدمي العين والقلب
ارجوكم اريد مقالة لمسلسل the leftovers
أجمل أنمي شاهدته على الإطلاق… ذكرتني بمشهد الوداع بين اوكابي وكريستينا في محطة القطار مشهد يقبض الصدر … والأجمل كيف كملو الأحداث بالفلم … تحفة فنية لا بد من مشاهدتها.
يمكن عيبو الوحيد البداية المملة يمكن تخلي المتابع يتركو ويضيع على نفسو فرصة العمر