فيلم Still Alice … أليس التي لم يبقى منها سوى الحب

فيلم Still Alice ربما أراد أن يحكي فقط عن الحب (كما جاء على لسان بطلتيه في المشهد الأخير).

“أليس” أستاذة علم اللسانيات بالجامعة تصاب بمرض الزهايمر المبكر فماذا هي فاعلة؟

ظللت انتظر مواقف الصراع القوية المتعارف عليها مع المرض حتى أوشك الفيلم على الانتهاء واكتشفت فجأة أنّ “النسيان” غلب أليس.

رحلت رغمًا عنها وهي موجودةٌ جسديًا، إلاّ أنّ الفيلم شديد الواقعية والإنسيابية للدرجة التي تجعلك تصل معها إلى هذه النهاية وأنت غير متفاجئ من النتيجة، متمنيًا معها الموت الذي يحافظ على بقائك، وبقاء ذكراك جميلة ناصعة في أعين من أحبوك.

كان الفيلم واقعيًا للدرجة التي تجعلك لا تستطيع أن تلوم على زوجها المحب المخلص كونه لم يستطع أن يستقطع من عمله عامًا واحدًا فقط لقضائه معها، وهو يعلم أنّه ربما سيفقدها تمامًا في العام المقبل، وهل عام واحد من العمر الذي سيمضي سريعًا، كثير على من نعشق؟!، في الواقع المؤلم جدًا… نعم.

لم أقل أنّ أليس لم تصارع، بل صارعت بقدرتها البسيطة كإنسانة بقوتها الضعيفة الزائلة، كقطرة في بحر سيأتي موج الزوال الأبدي ليخفيها بمنتهى السهولة.

عندما سجلت أليس لنفسها فيديو على الحاسوب تشرح لنفسها فيه كيف تنتحر عندما يغلبها المرض، اندهشتُ أنا، كيف لا تتوقع أنّها ربما لن تذكر أي شيء بمجرد انتهاء الفيديو، أو بمجرد وصولها لمكان الحبوب التي ستتناولها، إلاّ أنّ هذا ما حدث لاحقًا بالفعل، فلم تستطع حتى الانتحار؛ ربما لأنّ الانتحار اختيار يحتاج قوة، وعقل، وإرادة لتنفيذه، وذلك ما نفقده مع الوقت.

لا أعلم لماذا تم اختيار اسم “أليس” تحديدًا، ربما أثار وقعه ذكريات طفولة كثيرة مرتبطة بالفتاة أليس التي زارت بلاد العجائب، تلك الذكريات التي ستنمحي مع الوقت تنمحي تمامًا حتى تصبح غير موجودة، إلاّ أنّه لم توجد أيّة إشارة لذلك خلال الفيلم.

في الوقت نفسه “أليس” اسم من أصل يوناني بمعنى “الحقيقة”، وغالبًا ما ينتقل بمعنى “النبيلة”، هل هذه الحقيقة هي أنفسنا وما بدواخلنا من مشاعر مرتبطة بذكريات فانية، بمجرد أن فقدناها فقدنا أنفسنا معها وإحساسنا بالعالم من حولنا؟.

أليس والزهايمر

نعود لسؤالنا، هل صارعت أليس المرض؟، وهل استطاعت التغلب على الزهايمر/ النسيان؟ لقد حاولت، سجلت كل معلوماتها على هاتفها الذي نسيت مكانه مع الوقت، سجلت لنفسها فيديو لم تستطع تنفيذ ما بداخله لنسيانها المتكرر.

هل ترى معي أنّ هذه المحاولات بدائية جدًا؟، الواقع أنّنا عندما نقف أمام الزوال الحتمي نجد أنفسنا حقًا بدائيين قليلي الحيلة. ولكن الغلبة هنا تتوقف على طبيعة النسيان، هل نحن من ننسى أو أنّنا من سيتم نسياننا؟

هنا استطاعت أليس البقاء، فالأمر لم يتوقف عليها بل على من أحبوها، على زوج استطاع أن ينظفها عندما تبولت على نفسها، ويبدل لها ثيابها بصدر رحب عندما لم تستطع هي ذلك.

وربما فعل ذلك؛ لأنّه هو الرجل الذي طالما رآها أجمل وأذكى امرأة على حد قوله: “فالذي يحيا معك عمر بأكمله ويعرف عنك الكثير ويشاركك فيما لم يشاركك فيه غيره من أسرار وذكريات، هو الذي يستطيع تقبلك مهما حدث هو الذي سيحبك كما أنت” (كما قال لها).

واستطاعت أليس البقاء في قلوب أبناءها الذين تكررت مشاهدها القديمة معهم مرارًا على مدار الفيلم الذي انتهى بلقطة من هذه الفيديوهات.

لم يكن على أليس سوى الاستقرار في قلب رجل أحبته، وأبناء وهبتهم عمرها، وحياكة العديد من الذكريات بداخل هذه القلوب، تلك الذكريات التي لا نكن موجودين حتى ندرك كم نحن في احتياج لها فيما  بعد، فأنت تدرك الصراع والألم في وقته ثم تنتهي أنت وتذهب، ويبدأ دور من أحبوك في التعايش مع هذا الألم، في أن يتذكروا مثلاً: نوع الآيس كريم الذي كنت تطلبه دائمًا وأنت بصحبتهم حتى إذا نسيت أنت.