فيلم Sully… ليس بالبساطة التي قد يبدو عليها
مقال بواسطة/ زينب عمر باشراحيل
تنبيه: إن لم تشاهد الفيلم بعد فلا تقرأ المقال!
الفيلم الدرامي الجديد للمخرج كلينت إستوود، الذي شارك فيه إخراجاً وإنتاجاً، لكنه قام بإسناد البطولة للممثل توم هانكس في دور البطولة وآرون إيكهارت في دور مساعد الطيار مع الممثلة لورا ليني والتي قامت بدور زوجة الكابتن، يعرض لنا في هذا الفيلم إيستوود عن الحالات والشخصيات الإنسانية التي تصادف أن تمر بظروف غير طبيعية عملت على إبرازهم بشكل أو بآخر للمجتمع.
ليست المرة الأولى لإيستوود إخراج قصة مقتبسة عن وقائع حقيقة والمشاركة بإنتاجها، فعلى سبيل الذكر قام بالتمثيل والإخراج والمشاركة بالإنتاج بفيلم جريمة حقيقة في عام 1999 (True Crime) عن صحفي يكتشف أثناء تحقيقه عن متهم محكوم بالإعدام شنقاً أن المتهم قد يكون بريئاً وهو فيلم درامي غامض.
فيلم آخر يقوم بإخراجه ومشاركاً بإنتاجه يحمل اسم استبدال Changeling 2007، مستعيناً بأنجيلنا جولي لتقوم بدور البطولة عن أحداث حقيقية لأم تفقد ابنها المختطف في عام 1939 ويتم استبداله لها بطفل آخر وعندما ترفض الانصياع، يقومون بإدخالها المصحة النفسية كونها أم غير صالحة! فيلم يكشف عن معاناة أم وعن فساد بعض أجهزة الحكومة وتقصيرها وتغطية قذارتها وقصورها بالبحث عن المختطف وقاتل الأطفال آنذاك.
الملاحظ في إيستوود إنه لا يتوانى عن استخدام تلك المعادلة الصعبة التي يحاول جاهداً تحقيقها كمخرج ومنتج، بتقديم نموذج إنساني بشري بكافة مميزاته وأخطاءه والظروف التي تكشفت عن شخصية القصة الرئيسية وإظهار تلك الجوانب المميزة، سواء كانت خيرة أم مضطربة وهو ما ظهر في فيلم القناص الأمريكي 2014 (American Sniper)، الذي قام بأداء دور البطولة به برادلي كوبر، الذي تنعكس حالته النفسية على عائلته بسبب الحرب التي اضطر لخوضها وقتله للعديد كونه قناصًا في قوات دفاع الجيش الأمريكي بالعراق.
لنعود لمعادلة إيستوود، النموذج البشري، القصة المشوقة التي تلقى قبولاً عند المشاهدين والنقاد كذلك وإيرادات شباك التذاكر، فهو وبرأيي الشخصي كممثل عتيد ذو سنوات خبرة لا يستقل أو يستهان بها في مجال صناعة السينما، ربما أدرك من اللحظة التي بدأ فيها عمله بهوليوود إنها التوليفة الناجحة وهي كذلك بالفعل لكن قد يصعب تحقيقها، خاصة فيما يتعلق بالإيرادات، فلنكن واقعيين، أغلب الأفلام الناجحة مادياً هي في الواقع لا تكاد تحمل قصة من أي نوع! بالكاد تحمل فكرة ما! وهو يدرك تماماً أهمية المشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية لإعطاء أفلامه قيمة فنية، هو حريص عليها.
مراجعة فيلم Sully
نعود لفيلم سولي، وهو مستوحى عن أحداث حقيقة وقعت في 15 من يناير 2009 عن هبوط طائرة رحلة 1549 في نهر هدسون شرق مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الكابتن شيسلي سولنبرجر الذي اضطر للهبوط في نهر هدسون بعد تعطل محركي الطائرة بسبب اصطدام سرب من الطيور إليها عند إقلاعها.
لم يكن تدرج الأحداث متسلسلاً بل استخدمت الحادثة كـ “فلاش باك” لتوضيح ما يجري مع الكابتن الذي يقوم مكتب الطيران الفيدرالي بالتحقيق معه ومع مساعده لكشف ملابسات الهبوط الاضطراري الذي قام به، والتحقيق كان لأغراض تأمينية وما شابه!
أراد إيستوود تقديم تلك البطولة التي لم تشعر بها الشخصية الرئيسية والتي أوضحت في عدة مشاهد أن ما قام به كان من واجبه، والضجة التي أثيرت وقتها، واختار إيستوود الأنجح والأفضل في تقديم مثل تلك الشخصيات والتي يتقمصها بكل تلقائية، إنه توم هانكس، والذي بالمناسبة مرشح كأفضل ممثل رئيسي في سباق الأوسكار للعام القادم، ورأيي الشخصي أنه ربما يستحق أكثر من ذلك.
لم تكن شخصية الكابتن التي أراد فقط تقديمها إيستوود خلال الفيلم، لكنه أراد بشكل غير مباشر تقديم نيويورك وسكان نيويورك، الأمريكان الحقيقين، المهبين للإنقاذ ومساعدة بعضهم البعض في المواقف الصعبة، وتقديرهم للأشخاص الشجعان الذين اتخذوا مواقف شجاعة في وقت اختفت فيه الفروسية!
لقد أراد في هذا الفيلم تسجيل وتوثيق كل اللحظات الاستثنائية لتلك الحادثة وردود الأفعال التي نشأت عنها، وعن الحق البشري وعن الحق بالتصرف بما يتناسب مع الموقف وتقدير تلك القرارات التي حافظت على أرواح البشر، وأن يعامل البشر بعضهم البعض كبشر!
الحادثة استثنائية بكل المقاييس، وشعرت بأن إيستوود أراد إبراز عدة نقاط خلال الفيلم…
- النموذج الأمريكي المثالي للرجل الأمريكي العادي والمتواضع متمثلاً بالكابتن، والذي يتضح أنه نموذج إنساني رائع بكل المقاييس، يحتذى به.
- روح الفريق والتعاون اللذان ساعدا بشكل كلي على الخروج من المأزق بسلام.
- سكان نيويورك، بمختلف شخصياتهم والذين هبوا لإنقاذ الركاب دون أدنى تردد أو تفكير، ولم ينس إيستوود أن يوثق ذلك في نهاية الفيلم عند صعود أسماء المشاركين في الفيلم (التترات) ولم يتناسَ تقديم الشخصيات الحقيقة للركاب والكابتن وزوجته.
- إعطاء جرعة من الأمل مطعمة بالنكهة الأمريكية بأنه ما زال هنالك خير وأمل في الناس، قد تجده في آخر شخص قد يخطر ببالك أو شخص مجهول لديك تماماً، يهب لإنقاذ حياتك دون سابق معرفه أو مصلحة! حتى لو اضطر للتضحية بحياته في سبيل إنقاذك!
- تقدير عمل الخير والبطولة والتعاون خاصة في المواقف الصعبة والحوادث المؤلمة.
- تحية مبطنة لمدينة نيويورك وسكانها قدمها إيستوود كمواطن أمريكي أصيل وفخور.
حسناً، ما الذي يمكنني إضافته بعد!
الفيلم يحمل رسالة مهمة سواء من الناحية الإنسانية أو المهنية وكلتاهما مرتبطتان ببعض، لذا اقترح بشدة عرضه في الدورات التدريبية المهنية التي يراد منها تقوية أواصر وروابط العمل بين كافة الموظفين للعمل كفريق واحد، أتحدث بكل جدية!
لنجاح أي عمل أيًا كان، عمل الفريق الواحد هو العامل الأساسي والرئيسي فإلى جانب شخصية الكابتن الفذة، وتمالك أعصابه وحكمته في استخدام خبرته التي عمرها 40 عاماً، رباطة جأش المضيفات وانصياع الركاب للتعليمات ومتابعة برج المراقبة ومساعدة قباطين العبارات التي كانت مجاورة في النهر لما نجت الطائرة من السقوط والغرق في نهر هدسون، كلها تلك عوامل ساعدت على المرور من الموقف بسلام.
تأتي التقييمات على مواقع الإنترنت مجحفة برأيي، لقد قدم توم هانكس أداءً رائعاً لشخصية الكابتن، تكفيني تعابير وجهه في كل مشهد وكل موقف، لقد استطاع إيصال كل المشاعر وردود الفعل تجاه الموقف الذي يمر به قبل أن ينطق! سواء مع المحققين، أو اقلاع الطائرة أو أثناء وقوع الحادثة.
لا أستطيع وصف المشاعر التي انتابتني كلما نظرت لوجهه على الشاشة! وكم من الدموع التي أمسكتها والغصات التي اضطررت لابتلاعها بسبب أداءه وبسبب بعض المشاهد الأخرى منها عندما أمرن المضيفات الركاب بتخفيض رؤوسهم وكذلك عند اقتراب أول عبارة لإنقاذهم وصعود أول راكب للعبارة (هنا بدأت الدموع تتساقط رغماً عني!).
فيلم ليس بالبساطة التي قد يبدو عليها، فإلى جانب الأداء فإنه برأيي يحمل رسالة مهمة جداً في عالم يتسم الآن بالأنانية واللامبالاة، أصبحت فيه الأعمال البطولية حالات استثنائية جوار تلك الكميات الهائلة من القتل والتدمير للنفس البشرية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
دائما ما اقرأ كل مقالات أراجيك لكن نادرا ما أعلق عليها
بروعة مقالتكي اجبرتيني على التعليق وقول :شكرا على المقال الرائع..اخيرا احدهم اشاد بدور كلينت إيستوود