ثلاثية الدولارات وبداية عصر السباغيتي ويسترن!
7 د
يُعتبر الويسترن سباغيتي من أهم الأنماط في تاريخ السينما، ورغم أن هذا النمط لم يعد موجوداً الآن إلا أن أثره في الأفلام ما زال موجوداً، فالنمط قام بنهضة في عالم السينما، وفترة الستينات أصبحت معروفة بالفترة الذهبية للسباغيتي ويسترن، وبعد ظهور فيلم A Fistful Of Dollars ونجاحه على الصعيد المادي، ألهم عدة مخرجين لصنع أفلام مشابهة، ورغم ظهور عدة أفلام سباغيتي ويسترن جيدة لم يصل أي منها لمستوى أي فيلم من أفلام ثلاثية الدولارات.
سُميت أفلام السباغيتي ويسترن بهذا الاسم لأن منتجي ومخرجي هذه الأفلام كانوا أوروبيين، وغالباً إيطاليين واسبانيين، وتم تصوير نسختين غالباً من كل فيلم واحدة إيطالية وواحدة إنكليزية، ومع تزايد نجاح هذه الأفلام، شارك أهم ممثلي هوليوود فيها، لكن سنتحدث في مقالنا هذا عن ثلاثية الدولارات فقط.
مستوى الأفلام الثلاثة بشكل عام جيد جداً، لكن التحسّن واضح في كل جزء عن الجزء الذي سبقه، فالجزء الأول – A Fistful of Dollars – كان فيلماً مسلياً بقصة بسيطة وبطل واحد واضح، حتى أن الفيلم كان قصيراً ولم تتجاوز مدة عرضه الـ 100 دقيقية، ولا يوجد تركيز كبير على الحوار والشخصيات.
بينما في الجزء الثاني – For a Few Dollars More – رأينا فيلماً أضخم بكثير، فتوجد عدة شخصيات رئيسية وأكثر من حبكة، كما رأينا تعمّق أكبر بالشخصيات وتركيز أكبر على ماضيها، وبالطبع كل هذا حتى نصل للتحفة الفنية.
الجزء الثالث – The Good، the Bad and the Ugly – الذي حدث فيه تطوّر على جميع الأصعدة، القصة كانت معقدة والحوار كان ممتازاً، ومن العنوان رأينا الشخصيات الرائعة “الطيب” و”السيء” و”القبيح”، والشخصيات الثلاث كانت على نفس القدر من الأهمية تقريباً واستطاع الفيلم على مدار ثلاث ساعات التركيز عليهم بدون أن يشعر المشاهد بالملل.
الإخراج
كان سيرجيو ليون العبقري وراء ثلاثية الدولارات والذي يُعتبر أيضاً مؤسس نمط الويسترن سباغيتي، صنع اسماً لنفسه من خلال ثلاثية الدولارات فالنجاح الذي حققته بوقتها كان خرافياً، وكل هذا طبعاً بفضل إبداع ليون وشغفه في صنع هذه الأفلام، وبالتأكيد يمكن اعتبار ليون من أفضل المخرجين الكلاسيكيين.
يوجد مشاهد رائعة في الفيلم وخصوصاً كونها في فيلم قديم كهذا، فنحن نتحدّث عن فيلم في الستينات وبوقتها كانت إمكانيات التصوير وصنع الأفلام ضعيفة نسبياً، في الجزء الثالث تم التركيز على الحرب الأهلية الاميركية، ومشاهد القتال والتفجيرات كانت ممتازة بالنسبة لإمكانيات الستينات.
تحتوي الأفلام بالطبع على بعض المشاهد الطويلة التي تُعتبر نسبياً مملة فأفلام الويسترن معروفة بهذا الشيء، لكن سيرجيو ليون يعرف كيف يبقي المُشاهد مستمتعاً في كل لحظة من الفيلم.
فمثلاً في نهاية الجزء الثالث يوجد مشهد المنافسة بين الشخصيات الرئيسية الثلاث، ولم يبدأ إطلاق النار في المشهد إلا بعد 5 دقائق من بداية المنافسة، بدون أي يطرأ أي حدث خلال هذه الدقائق الخمس، لكن تركيز ليون على تفاصيل مثل استعداد الشخصية لإطلاق النار… تعرقها… الخوف الظاهر بعينيها، تبقي المُشاهد على نفس الوتيرة من الحماس.
وأيضاً في كل جزء يوجد ما يشبه شارة للفيلم، ودائماً يوجد مشهد افتتاحي رائع ومشهد ختامي أروع.
الممثلون
اعتمدت السلسلة في كل جزء على طاقم ممثلين مختلف وقامت بتقديم شخصيات مختلفة في كل جزء، لكن بالطبع العامل المشترك دائماً هو بطل السلسلة كلينت ايستوود بدور “رجل بدون اسم”.
قام ايستوود بأداء أسطوري وسيبقى خالداً في تاريخ السينما، فشخصية “رجل بدون اسم” أصبحت منذ الستينات شخصية أيقونية في عالم السينما، وايستوود أصبح بفضل هذه السلسلة واحد من أهم الممثلين في عصره.
جيان ماريا فولونت الذي قام بدور الشخصية الشريرة في كل من الجزء الأول والثاني (وفي كل جزء قام بتجسيد شخصية مختلفة) أبدع حقاً في هذا الدور ولم يكرر نفسه في الجزئين، واستطاع الإبداع في الجزء الثاني أكثر من الأول لأن الشخصية كانت أعمق بشكل عام.
قام لي فان كليف بالمشاركة في الجزئين الثاني والثالث من السلسلة (بشخصيتين مختلفتين أيضاً)، ومهمة الممثل كانت صعبة، ففي الجزء الثاني قام بدور الكولونيل مورتيمر الذي تم طرحه كبطل يحاول الانتقام لأخته، بينما في الجزء الثالث قام بدور أنجل آيز الذي تم طرحه كمجرم وضابط فاسد.
ورغم أن الشخصيتين مختلفتين تماماً عن بعضهما، استطاع فان كليف الفصل بينهما تماماً، لكن شخصياً شعرت أن أداؤه في الجزء الثاني كبطل كان أفضل وناسبه أكثر.
لم يظهر ايلي والاش حتى الجزء الثالث، وكان من أفضل إضافات الجزء الثالث، ولم يكن أداؤه أقل مستوى عن زملائه، قام بتجسيد شخصية توكو أو “القبيح”، استطاع تقديم أداء درامي قوي مع لمسة كوميديا طريفة وبنفس الوقت برع بتقديم شخصية المجرم عديم الأخلاق.
تأثير ثلاثية الدولارات على أفلام الويسترن الحديثة
لم يقتصر تأثير ثلاثية الدولارات على أفلام الويسترن سباغيتي بوقتها، فحتى الآن عدة أفلام سواء كانت أفلام ويسترن أو أفلام عادية استفادت من السلسلة بشكل كبير.
المخرج العظيم كوينتن تارنتينو أضاف لمسة الويسترن سباغيتي لعدة أفلام له حتى لو لم تكن ويسترن، ففي فيلم Kill Bill العنف المبالغ فيه والقصة الانتقامية تشبه كثيراً حالة ثلاثية الدولارات كذلك الحال في فيلم Inglorious Basterds، وطبعاً فيلم Django Unchained كله مستوحى بشكل كبير من الثلاثية.
صرّح تارنتينو منذ بداية عمله كمخرج عن رغبته في صنع فيلم ويسترن (كونه من أشد المعجبين بثلاثية الدولارات)، حتى استطاع في فيلم Django Unchained صنع فيلم ويسترن قريب جداً من مستوى The Good، The Bad And The Ugly One.
كلينت ايستوود الذي تحوّل لاحقاً من ممثل لامع إلى مخرج استثنائي قام بصناعة عدة أفلام ويسترن، أهمها فيلم Unforgiven الذي فاز بجائزة أوسكار وفاز عنه ايستوود بجائزة أفضل مخرج، وتأثره بالثلاثية التي كان بطلها كان واضحاً في الفيلم.
الموسيقى
أحد أهم عناصر الجمال في أي فيلم هو الموسيقى، وفي هذه الثلاثية كنا محظوظين بمقطوعة موسيقية رائعة في كل جزء منها، وقام بتأليفها الملحن الساحر اينو موريكون.
أصبح الكثيرون يعرفون موريكون الآن خصوصاً بعد أن فاز بجائزة أوسكار لأفضل موسيقى أصلية عن فيلم The Hateful Eight، والسبب الرئيسي لشهرته الآن هو تعاونه مع المخرج كوينتن تارنتينو في عدة أفلام منذ عام 2003، وقرر تارنتينو التعاون مع موريكون لأن تارنتينو كما ذكرنا من أكبر المعجبين بالثلاثية ومثل باقي المعجبين فيها مغرم بالموسيقا الرائعة التي تحتويها.
ثلاثية Once Upon A Time
إبداع سيرجيو ليون لم يتوقف عند هذه الثلاثية، فبعد انتهاءه منها قرر صناعة فيلم عصابات بعد رفضه إخراج فيلم The Godfather وندمه على هذا القرار، لكن شركة الإنتاج الأميركية التي تعاون معها وافقت على صناعة هذا الفيلم بشرط أن يصنع ليون فيلمين ويسترن آخرين (نظراً للنجاح المادي الكبير التي حققته أفلام الويسترن بوقتها).
هذه الفكرة ألهمته لصناعة ثلاثية جديدة غير متصلة عن تاريخ أميركا، بدايةً في فيلم Once Upon A Time In The West الذي حقق مديحاً نقدياً كبيراً تلاه فيلم Duck You Sucker الذي تحدث عن الحرب الأهليّة في المكسيك، حتى وصل للتحفة الفنية Once Upon A Time In America الذي أثبت فيه قدراته كمخرج فذ، وأنه ليس مخرج أفلام ويسترن فقط.
حقائق عن السلسلة
- كلينت ايستوود قام بإضافة عدة تفاصيل لشخصية “رجل بدون اسم” منها السيجار الذي تدخنه الشخصية أغلب الوقت، وأصرّ على ارتداء نفس العباءة في الأجزاء الثلاثة بدون تغييرها أو حتى تنظيفها.
- طول فيلم The Good، The Bad And The Ugly One الأصلي ساعتان وأربعون دقيقة، لكن يوجد نسخة موسعة طولها ساعتان وسبعة وخمسون دقيقة.
- كلينت ايستوود لم يكن واثقاً من موافقته على المشاركة في الجزء الثالث لأنه شعر أن شخصية توكو أهم من الشخصية التي سيلعبها، ولم يكن راضياً عن النسخة النهائية من الفيلم، الأمر الذي سبب مشاكل لاحقاً بينه وبين المخرج سيرجيو ليون.
- سيرجيو ليون لم يتكلم الانكليزية إلا قليلاً.
- من أصل ميزانية تقدر بمليوني دولار… حققت الثلاثية ككل ما يزيد عن (54 مليون دولار) وهو رقم هائل بالنسبة لوقتها مع حساب مُعدّل التضخم.
- تقييم الأفلام على موقع IMDb للجزء الأول، 8.3 للجزء الثاني، 8.9 للجزء الثالث مع حصوله على المرتبة التاسعة في قائمة أفضل 250 فيلم في التاريخ.
شاركونا الآن آرائكم حول ثلاثية الدولارات .. وهل اشتقتم لهذا النوع من الأفلام؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
love it