فيلم The Greatest Showman … معزوفة الألم والأمل
9 د
تقييم الفيلم:
فيلم The Greatest Showman هو الحصان الذي راهن عليه النجم هيو جاكمان بعد إعلان تخليه بشكل نهائي عن شخصية وولفرين، التي حقق من خلالها نجاحًا ساحقًا على مدار السنوات الماضية، وقد بدأ عرض الفيلم عالميًا في العشرين من ديسمبر 2017، وتلقى ثلاثة ترشيحات لجوائز غولدن غلوب Golden Globe من فئات أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي وأفضل ممثل وأفضل أغنية أصلية.
ينتمي الفيلم إلى نوعية الأفلام الدرامية الموسيقية، وكتب له القصة جيني بيكس الذي شارك أيضًا في كتابة السيناريو مع الكاتب بيل كوندون، وأخرجه مايكل جرايسي – في أولى تجاربه – وهو من بطولة هيو جاكمان، ميشيل ويليامز، زاك إيفرون، ريبيكا فيرجسون، وزندايا.
قصة الفيلم
أحداث فيلم The Greatest Showman مستوحاة من رحلة صعود الفنان الاستعراضي بي. تي. بارنوم (هيو جاكمان)، الذي بدأ حياته عاملًا ببعض المهن المتواضعة، لكن بعد طرده من الوظيفة يقرر الاتجاه إلى تنظيم العروض الاستعراضية والترفيهية، ويستعين بمجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار لجذب الجماهير، إلى أن يصبح الرجل الأول في مجال صناعة الترفيه على مستوى العالم …
فيلم The Greatest Showman … بارنوم يروي قصته!
تبدأ أحداث فيلم The Greatest Showman مع بي. تي. بارنوم الطفل الصغير الذي لا يملك في الحياة سوى القليل من كل شيء والكثير من الأحلام، ومن ثم تتوالى الأحداث مستعرضةً أبرز المحطات في حياة بارنوم ومراحل تكون الحلم وتناميه في داخله وصولًا إلى تحقيقه.
أبرز العوامل التي تُميز سيناريو The Greatest Showman هي تقديم القصة بأسلوب العروض المسرحية، مما جعل العمل في مُجمله أشبه بأحد العروض الموسيقية الترفيهية التي اشتهر بارنوم نفسه بتقديمها، مما جعل الأمر يبدو وكأن البطل الرئيسي يستعيد ذكرياته ويروي مسيرته بأسلوبه الفني الخاص، وقد وضع ذلك العديد من التحديات أمام الكُتّاب، على رأسها الاضطرار إلى الانتقال السريع بين فصول الفيلم المختلفة وخاصةً الأولى منها، وفي ذات الوقت التعمق في الجانب النفسي للشخصية لخلق حالة من التعاطف معه، وقد نجح السيناريو في وضع المشاهد في حالة توحد مع البطل يتابع رحلته عن كثب ويترقب خطواته التالية باهتمام، لكن القفزات الواسعة والمتلاحقة أثرت – نسبيًا – على ترابطه، وجعلت بعض أحداثه تبدو فُجائيةً وخارجةً عن المنطق.
التحدي الثاني الذي واجه صُنّاع العمل بصفة عامة، وكُتّاب السيناريو على وجه الخصوص كان يتمثل في طبيعة الفيلم ذاتها، فهو فيلم سيرة ذاتية يرصد رحلة صعود تقليدية من القاع إلى القمة، وهذا النمط من الأفلام يصعب به خلق أجواء تشويقية أو صناعة التواءات وتفجير مفاجآت غير متوقعة، وهي العناصر التي قد يؤدي غيابها إلى إغراق العمل في الرتابة والملل، إلّا أنّ هذا أيضًا لم يحدث واستطاع السيناريو أولًا والإخراج ثانيًا اجتياز هذه العقبة اعتمادًا على العديد من العناصر، أولها وأبرزها أسلوب السرد غير التقليدي والمعتمد بصورة كبيرة على الأداء الاستعراضي والغنائي، وثانيها وأكثرها تأثيرًا هو تبديل الأولويات بمعنى أنّ الفيلم لم يجعل من تحقيق الحلم العقدة الرئيسية، إنما تأثير بلوغ هذا الحلم على البطل والمحيطين به، وثالثها عدم تركيز الاهتمام بشكل دائم على شخص واحد، وذلك من خلال تضمين الأحداث مجموعة من القصص الفرعية بين الشخصية المحورية والشخصيات المساندة من جهة، وبين الشخصيات المساندة وبعضها البعض من جهة أخرى.
كان سيناريو فيلم The Greatest Showman متوازنًا بنسبة كبيرة، قادرًا على التنقل بين الفصول المختلفة بسرعة تتماشى مع فيلم موسيقي، مع إتاحة بعض المساحات للمشاهد الدرامية لتقديم الشخصيات المختلفة بالنصف الأول وتبرير تحولاتهم بالنصف الثاني، ورغم أنّ السيناريو قد حاول من خلال تلك المشاهد إيجاد ما يبرر تلك التحولات، إلّا أنّ تبريراته لم تكن دائمًا بالقوة المناسبة لدعم التحولات “الجذرية أحيانًا” في مواقف الشخصيات.
الأداء التمثيلي
جاءت مساحات الشخصيات في فيلم The Greatest Showman متفاوتةً بدرجة كبيرة، لكنها في ذات الوقت متناسبة مع أهمية كل شخصية ومدى تأثيرها في مجرى الأحداث، مع مرور أغلبهم بذات مراحل التطور تقريبًا، فرغم أنّ شخصية بي. تي. بارنوم هي الشخصية المحورية القائم عليها العمل، إلّا أنّها لم تطغَ على الشخصيات الأخرى أو تحولها لمجرد عناصر مساندة عديمة التأثير، بل إنّ كل شخصية كانت تتصدر الموقف في مرحلة ما – ولو لمشهد واحد – مما منح الجميع فرص شبه متساوية لتقديم شخصياتهم واستعراض قدراتهم التجسيدية.
هيو جاكمان بي. تي. بارنوم
أعلن هيو جاكمان قبل فترة اعتزامه التخلي بصورة تامة ونهائية عن شخصية البطل الخارق وولفرين، وهدفه من ذلك هو تقديم شخصيات جديدة ومتنوعة، ولعل كان هذا دافعه لعدم تقديم فيلم ينتمي إلى نوعية الإثارة والتشويق، ويُمكن القول بأنّ جاكمان قد فاز بالرهان بجدارة واقتدار.
شخصية بي. تي. بارنوم بسيطة في ظاهرها بالغة التعقيد في باطنها، الظاهر دائمًا أنّه شخص طموح يسعى لتحقيق النجاح وتكوين ثروة تعوضه هو وأسرته عما شهدوه من معاناة، أمّا في الباطن فإنّه يحاول إثبات جدراته – أمام نفسه – بالانضمام إلى طبقة الصفوة التي طالما لفظته، أيضًا الشخصية لديها ازدواجية في المعايير، فهو يسعى على الدوام لتحقيق مجموعة من الأهداف المشروعة تمامًا، ولكنه يقوم بذلك اعتمادًا على بعض الحِيل الملتوية، وكان هيو جاكمان قادرًا على التعبير عن تناقضاتها وإبراز تحولاتها مع تعاقب المراحل التي تمر بها، وإظهار الجوانب السلبية في طبيعة الشخصية دون الإخلال بدرجة تعاطف المشاهد معه، فرغم رفض بعض أساليبه إلّا أنّك تلتمس له الأعذار قبل أن يذكرها..
ميشيل ويليامز شاريتي بارنوم
جسدت ميشيل ويليامز – المُرشحة لأربع جوائز أوسكار – شخصية شاريتي بارنوم زوجة بي. تي. ورفيقة كفاحه، لم يكن للشخصية تأثير قوي على تصاعد الأحداث لكن كان لها حضور طاغي بفضل أداء ميشيل ويليامز الذي اتسم بالهدوء الشديد المتماشي مع طبيعة الشخصية الحالمة، دون أن يجرفها الهدوء إلى هوة البرود أو يدفعها التحول المفاجِئ قُرب النهاية إلى المبالغة في الانفعال.
كانت شخصية الزوجة على نقيض شخصية بارنوم، فهي حالمة، رصينة، قانعة، ينصب اهتمامها على الجانب الإنساني والعاطفي بدرجة أكبر من الجوانب المادية، كأنّ كل منهما يبحث عما افتقده في طفولته، وكان مُطالبًا أن يخلق هذا الاختلاف الشديد حالة من التكامل وليس التنافر، وهو ما استطاعت ميشيل التعبير عنه على مدار الأحداث، وإبراز التحول التدريجي في موقفها الذي لم يكن سوى انعكاس على ما طرأ من تغيرات على الشخصية المقابلة، مما جعل مشاهدها الدرامية في مواجهة هيو جاكمان هي الأروع بالفيلم.
زاك إيفرون فيليب كارلايل
قدم زاك إيفرون شخصية فيليب كارلايل صديق بارنوم وشريكه، رغم أنّ الشخصية كانت من الشخصيات الأكثر ظهورًا وتمتلك قصةً فرعيةً مستقلةً عن الخط الدرامي الرئيسي، إلّا أنّها تبقى الأضعف من الناحية الدرامية، حيث أنّ التحول الوحيد الذي شهدته جاء مبكرًا جدًا، وتحديدًا بالتزامن مع الظهور الأول له، ومن ثم استغرق في النمطية وأُقحِم في قصة رومانسية مكررة لا تنطوي على أي جديد، ولم تضعه في اختبار يعوّل عليه. قدم زاك إيفرون أداءً مقبولًا في حدود ما أتاحه السيناريو أمامه، وهو لم يتح له الكثير! …
ريبيكا فيرجسون جيني ليند
ظهرت متأخرًا وغابت سريعًا لكنها تركت بصمةً واضحةً، إنّها ريبيكا فيرجسون التي جسدت شخصية المطربة السويدية جيني ليند، التي ظهرت في مرحلة هامة من حياة بارنوم، وكان لها تأثير بالغ على حياته المهنية والخاصة. شخصية جيني ليند وبي. تي. بارنوم وجهين لعملة واحدة تجمعهما العديد من القواسم المشتركة، ولم يتح السيناريو لريبيكا فرصة لتعريف شخصيتها وخلفيتها التاريخية إلّا من خلال جملة حوارية واحدة قيلت همسًا، وعليها أسست ريبيكا أسلوب أدائها وبررت بها دوافعها وتوجهاتها وانقلاب موقفها السريع والحاد، ورغم كل تلك القيود جاء أداؤها مقنعًا بدرجة كبيرة ونجح في تبرير التأثير الذي خَلفته، والذي دام لفترة أطول من دوامها هي نفسها، مما يمكن معه القول أنّ شخصيتها كانت الضحية الأولى لتسارع وتيرة الأحداث، وقفزات السيناريو التي خَلّفت بعض الفجوات …
على مستوى الشخصيات المساندة والثانوية فقد قدم الجميع أداءً جيدًا، وخاصةً الممثلة كايلا سيتل في دور ليتي لوتز أو “الفتاة ذات اللحية”، والتي استغلت كل فرصة أتيحت لها لإبراز موهبتها وقدراتها التجسيدية، واستطاعت كسب تعاطف المشاهد معها ومع باقي الشخصيات المماثلة التي كانت تعبر عنهم بالإنابة، باعتبار أنّ جميعهم يعانون من ذات الاضطهاد …
أمّا الأداء الأسوأ على الإطلاق فقد كان من نصيب الممثلة زندايا في دور “آن ويلر”، ولعل السيناريو قد ظلمها بتركيزه على شخصيتها بدرجة كبيرة دون التعريف بها بالقدر الكافي، بالإضافة إلى انعدام تأثيرها على الخطوط الدرامية الرئيسية، أي أنّ لم يكن لديها أرضية صلبة تقف عليها على عكس الشخصيات الأخرى، فجاء أداؤها باهتًا رتيبًا، ربما يستثنى من ذلك مشهد واحد جَمع بينها وبين زاك إيفرون داخل ساحة العرض، لكن كانت الحالة العامة المسيطرة على المشهد وتكوينه الفني هي سر الانجذاب له، وليس أداءَها أو الاهتمام بشخصيتها …
تكوين الصورة السينمائية
قدم فيلم The Greatest Showman صورةً سينمائيةً بديعةً، كانت أغلب كادراته بمثابة لوحات فنية متحركة رُسمت بالضوء والظلال وتناسق الألوان، وتوجت بحركة الكاميرا والتي استخدمت كثيرًا في الانتقال بين مشهد وآخر، بأسلوب يعيد إلى الأذهان الصورة السينمائية التي قُدمت من خلال فيلم Anna Karenina ولا عجب في ذلك؛ حيث قدم الفيلمين مدير التصوير البارع سيموس مكارفي.
اتحدت براعة التصوير مع رؤية الإخراج لتكوين صورة مميزة جاذبة للنظر، تستغل كل عنصر واقع في نطاق الكادر لخدمة المحتوى الدرامي والتعبير عن الحدث والشخصيات، لعل أبرزها حالة الطقس في بداية الفيلم التي تم الاستعانة بها لإيضاح مرور الزمن، وفي ذات الوقت جاءت مظاهر الخريف مصاحبةً لمشاهد اليأس وصاحبت أجواء الشتاء مشاهد التشرد، كذلك كان توزيع الإضاءة يختلف باختلاف المشهد، وأحيانًا يتغير أكثر من مرة داخل المشهد الواحد وخاصةً المشاهد الحوارية الطويلة تبعًا لطبيعة كل مشهد، وما يتضمنه من أحداث ومدى تأثيرها على الحالة النفسية للشخصيات.
25 فيلمًا من أفلام القرن الحادي والعشرين قدمت صورة سينمائية متميزة
الموسيقى والاستعراضات
يُصنف فيلم The Greatest Showman بشكل أساسي كفيلم موسيقي، ومن ثم لو لم تكن الاستعراضات والمشاهد الغنائية – التي احتلت المساحة الأكبر منه – على درجة كبيرة من الروعة والإجادة لفقد الفيلم الكثير، أو بالأحرى ما كان ليكون هناك فيلم من الأساس! … كانت الاستعراضات بالكامل مُنفذة ببراعة صوتيًا وحركيًا، ونجحت في جذب النظر وصرف الانتباه عن أي بعض العيوب التي شابت الحبكة الرئيسية.
أبرز العوامل التي ميزت الاستعراضات في هذا الفيلم هو الحرص على الدمج بين الإيقاع الموسيقي والأصوات الطبيعية في المشهد، مثال ذلك تضفير أصوات دق المسامير أو قرع الكؤوس أو تخبط المقاعد مع اللحن الموسيقي الأصلي، وقد ساعد ذلك على التقريب بين المشهد المرئي والخلفية الصوتية، كما أنّ أغلب المقاطع الحوارية الغنائية تبدأ بأصوات الممثلين فقط قبل أن تدخل الموسيقى بشكل تدريجي، وتلك العوامل مجتمعة جعلت الأمر أكثر واقعيةً نسبيًا، وزادت روعة هذا النمط من المشاهد.
مخرج للمرة الأولى
الفضل الأول في خروج فيلم The Greatest Showman بهذا المستوى الجيد يعود للمخرج مايكل جرايسي، الذي استطاع تقديم عمل ممتع فني وبصري، يجمع بين الدراما والاستعراض مع لمسة كوميدية طفيفة، وعرض تلك التركيبة بأسلوب غاية في البساطة يشع بالبهجة ويُمتِع العين ولا يُرهق الذهن، حتى أنّ الرسائل الضمنية المتعددة التي حملها الفيلم قُدمت بسلاسة ووضوح دون الجنوح إلى المباشرة المُنفرة.
المثير للإعجاب والتعجب هو أنّ The Greatest Showman الفيلم الأول لمخرجه مايكل جرايسي، والذي قدمه بشكل مُشرف كتجربة أولى، حتى أنّ العيوب التي عانى منها لم تكن مؤثرةً بالدرجة المُفسدة للمتعة التي وضعها الفيلم على رأس أولوياته منذ المشهد الافتتاحي.
فيلم The Great Showman تجربة سينمائية جيدة، لا يمكن الاعتداد به كفيلم سيرة ذاتية بالمقام الأول، إنما هو فيلم موسيقي استعراضي يضمن تحقيق الكثير من المتعة والبهجة ويَشِّع بالأمل ويحمل الكثير من الرسائل الإيجابية التحفيزية، ولعل هذا ما يجعل توقيت عرضه – على أعتاب العام الجديد – مثاليًا، ويجعله بالتأكيد جديرًا بالمشاهدة في موسم الإجازات … قال بي. تي. بارنوم يومًا: “أنبل الفنون هو ما يجعل الآخرين سعداء”، وهي العبارة التي وردت بالفيلم ووضعها صُنّاعه نصب أعينهم طوال الوقت، ونجحوا بنسبة كبيرة في تطبيقها …
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.