مسلسل The Handmaid’s Tale “حكاية أمة” حاصد ترشيحات الإيمي والسر في التمثيل
8 د
كان إعلان قوائم ترشيحات جوائز الإيمي لعام 2021 مليئًا بالمفاجآت، من حيث ظهور عدد من المسلسلات والبرامج التليفزيونية الجديدة في تلك القوائم بعد أن حازت على إعجاب أعضاء الأكاديمية الدولية للفنون والعلوم التلفزيونية، ولكن قوائم الترشيحات كانت شبه متوقعة بالنسبة لمسلسل ما زال يحصد الجوائز على مدار 4 سنوات وهو “The Handmaid’s Tale” أو “حكاية أمة” والذى وصل عدد ترشيحاته لجوائز الإيمي 21 ترشيحًا هذا العام، ليصبح عدد الترشيحات التي حصل عليها المسلسل على مدار 4 أعوام 75 ترشيحًا و15 جائزة منذ ظهوره عام 2017.
جوائز الإيمي تساوي الأوسكار
وجوائز الإيمي التي ظهرت عام 1949، يتم تقديمها للمسلسلات والبرامج التليفزيونية المميزة، وهي تماثل جائزة الأوسكار، في أهميتها، ولكن جوائز الأوسكار تُمنح للأعمال السينمائية، بينما تُنمح جوائز الإيمي للأعمال والبرامج والمسلسلات التي تم إنتاجها خصيصًا للتلفاز، وأعلنت الأكاديمية أنه من المتوقع إقامة الحفل في نسخته الـ 73، في 19 سبتمبر القادم.
ما هو مسلسل حكاية أمة؟
مسلسل “هاند ميد تيل” أو “حكاية أمة” مأخوذ عن رواية للكاتبة الكندية الفائزة بجائزة البوكر العالمية “مارجريت اتوود”، وظهرت الرواية عام 1985، ثم تم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1990، ثم تم تحويلها عام 2017 إلى مسلسل من 4 أجزاء على يد بروس ميلر الذي تولى التأليف والإخراج، بينما كانت البطلة الرئيسية للمسلسل، الممثلة إليزابيث موس، والتي شاركت أيضًا في الإنتاج والإخراج.
وتولى إنتاج المسلسل شركة “Hulu” هولو، بداية من الجزء الأول الصادر عام 2017، وحتى الجزء الثالث عام 2019، أما الجزء الرابع الصادر عام 2021، فقد كان مختلفًا بعض الشيء، من حيث مشاركة شركة “MGM” في الإنتاج، كما أن رواية “الوصايا” أو “The Testaments” لنفس المؤلفة “مارجريت آتوود” التي صدرت عام 2019، كانت ضمن أحداث الجزء الرابع.
يدور المسلسل حول حرب أهلية تقع في الولايات المتحدة الأمريكية، تعقبها ثورة تظهر على إثرها دولة جلعاد، وهي دولة ثيوقراطية أي تقوم على أساس ديني من الكتاب المقدس ونصوص من التوراة، ويؤكد قادتها أن سبب قيام دولتهم هو الحرب ضد من خرجوا على الدين، وتسببوا فى انتشار الأمراض والتلوث البيئي الذي دمر الأراضي الزراعية فلم يعد من الممكن الحصول على طعام جيد، وانخفضت معدلات الخصوبة بين الرجال والنساء، فقل عدد المواليد بشكل كبير، وتتحول النساء في جلعاد إلى مواطنات من الدرجة الثانية، فلا يُسمح لهن بالقراءة أو الكتابة أو المشاركة بالرأي في كل مناحي الحياة، فقط دورهن الإنجاب وتربية الأبناء.
وجلعاد تدعى المساواة وأنها قامت من أجل العدل، ولكنها تعتمد على الطبقية، فهناك طبقة الحكام وهي القادة، وهناك طبقة العيون، وهم جواسيس، لضمان تنفيذ الأوامر في جلعاد، وعدم الخروج عليها، الحراس، المواطنين العاديين، والخادمات اللواتي يقمن على شؤون منزل القادة، وهناك فئة مختلفة وهي المنجبات، وهن السيدات اللواتي يتم أسرهن، من أجل أن يقمن بالإنجاب والحمل من القادة من أجل زيادة عدد السكان فى جلعاد.
هل يستحق المسلسل كل هذه الترشيحات؟
يقدم المسلسل حالة اسثنائية في التمثيل والإخراج، فالمشاهد سيحبس الأنفاس من المشاهد والأحداث غير المتوقعة، والواقعية المفرطة، رغم أن بعض الأحداث خيالية، ولكن قيمة المسلسل الأكبر هي تقديم حال النساء في ظل الاستبداد، وعدم قدرتهن على الحصول على حقوقهن مرة باسم الدين، مرة باسم العادات والتقاليد، مرة ثالثة تحت بند أنهن “نساء” فقط.
فـ “جون أزوبون” سيدة تتعرض للخطف هي وابنتها في مدينة جلعاد، يتم تسكين ابنتها “هانا” مع أسرة لقائد في جلعاد، أما “جون” نفسها فيتغير اسمها إلى “أوفريد” -تقليد في جلعاد أن تسمى كل منجبة باسم القائد الذي تعيش في منزله- وتخدم في منزل قائد آخر هو “فريد” لأن زوجته “سيرينا” لا تستطيع الإنجاب، وتُجبر “جون” على معاشرة “أوفريد” جنسيًا مرة كل شهر، في ظل طقوس دينية ونصوص توراتية يتم تلاوتها في محاولة لجعل الأمر مقبولًا اجتماعيًا.
تصبح جون حاملًا في طفلة هي “نيكول”، وخلال تلك الفترة نرى دولة جلعاد من الداخل، فـ “سيرينا” زوجة القائد يتم قطع أصبعها عندما قرأت بعض النصوص في الكتاب المقدس، والنساء ليس من حقهن الحب أو الزواج، أو التعليم، ومن تخرج على الطوع إذا كن من المنجبات أو حتى من سيدات المجتمع، يتم قتلها، أو إرسالها إلى المستعمرات حيث تعمل في الأراضى المليئة بالإشعاعات النووية، وقبل كل ذلك يتم تعذبيهن بأبشع الطرق الممكنة.
الجزء الرابع تحفة فنية خالصة
ويعد الجزء الرابع من المسلسل، والذي حصل على 21 ترشيحًا من جوائز الإيمي، تحفة فنية خالصة، ومن واقعيته المفرطة، قد يتساءل المشاهد أين رأى أحداثه من قبل؟ هل في هروب “الفتيات الأيزيديات” من داعش؟ ومثولهن أمام لجان من الأمم المتحدة يروين معاناتهن في الاغتصاب والتعذيب، أم في فتيات طلبن اللجوء لدول أخرى للحصول على حقهن في التعبير عن آرائهن بحرية ودون خوف؟
فالجزء الرابع الذي تم عرضه في 27 أبريل من هذا العام، فى 10 حلقات، يقدم محاولة جون مع مجموعة من المنجبات، التمرد على قوانين جلعاد، والهروب للحصول على حقهن فى الحياة الطبيعية خارج أسوارها، وذلك بعد أن قمن بتهريب أكثر من 70 طفلًا إلى كندا، وخلال الإعداد للهروب يقمن داخل منزل أحد القادة من كبار السن، الذي تتعرض زوجته للاغتصاب بشكل متكرر من القادة الآخرين والحراس، حتى تنجب، مما جعل الزوجة ترغب في الهروب من سجن جلعاد.
ولكن يتم القبض علي جون، وتعترف بمكان المنجبات بعد تهديدها بتعذيب ابنتها “هانا” وحبسها في قفص زجاجي، وبعد القبض عليهن تتعرض المنجبات للتعذيب الوحشي، الذى يصل إلى الحبس في صندوق حديدي مظلم، وتتحول زوجة القائد إلى منجبة أيضًا.
ولا تستسلم جون، رغم كل ذلك، وتحاول الهروب مرة أخرى مع المنجبات خلال ترحيلهن، ولكن عددًا كبيرًا منهم يتعرضن للقتل أو الموت خلال الهرب باستثناء جون وصديقتها جنين اللتان تهربان إلى شيكاغو، وهناك يقابلن المتمردين، وتستطيع جون مغادرة جلعاد وحدها متنكرة، وتصل إلى كندا، وتبدأ رحلتها في تقديم شهاداتها عن التعذيب الذي تعرضت له، وحال النساء في جلعاد، ولكنها تصطدم بأن القائد الذي اشترك في تعذيبها، “جون وترفورد” عقد صفقة مع ممثلي الحكومة الأمريكية في كندا، وسيحصل على البراءة مقابل تقديم اعترافات كاملة بشأن النظام في جلعاد، وينتهي المسلسل بأن تقتل “جون” القائد “وترفورد”.
الإخراج والتصوير والتمثيل أساس النجاح
خطف مسلسل “هاند ميد تيل” 10 ترشيحات في مجال التمثيل، ما بين أدوار رئيسية، وثانوية للرجال والنساء، بالإضافة إلى ترشيح أفضل مسلسل درامي، وهي الجائزة التي سبق الحصول عليها، بالإضافة إلى ترشيحات في مجال تصميم الأزياء، الموسيقى، التصوير الخارجي، وغيرها.
وهي ترشيحات تبدو مستحقة، فالجزء الرابع، استطاع ببراعة أن يقدم رحلة هروب “جون أزوبون” بطلة المسلسل، بدقة وبواقعية، بشكل يحبس أنفاس المشاهد، وفي نفس الوقت يحترم عقله، فلا يشعر بأنه يتابع أحداثًا خيالية، وكان تمثيل البطلة “إليزابيث موس” ومعها فريق العمل وبالأخص برادلي ويتفورد والذي لعب دور القائد “جوزيف لورانس” أمرًا أشبه بمباراة تمثيل، الكل يتسابق لتقديم أفضل أداء، بدون مبالغة أو صراخ.
“أنتم تختبئون وراء الرب كلما كان ذلك في مصلحتكم”.
وتمثيل “إليزابيث موس” كان أشبه بالعزف على نوتة موسيقية بأصابع رقيقة ينتقل من نغمات هادئة رقيقة لنغمات صاخبة مخيفة حسب طبيعة المشهد، فكانت تستخدم الصمت التام أحيانًا، نظرات الأعين، حركات الجسد تستطيع أن تنقل للمشاهد مشاعر المعاناة التي ما زالت تسيطر عليها من التعذيب الذي تعرضت له في جلعاد رغم الهروب، ثم تنتقل بالمشاهد إلى درجة أعلى عندما تواجه زوجة القائد “جون وترفورد” بالغضب والمناقشات المحتدمة والصراخ المخيف حول حقها الإنساني في رؤية ابنتها التي اختطفتها جلعاد دون وجه حق وهي تقول لها تلك الجملة الأيقونية: “أنتم تختبئون وراء الرب كلما كان ذلك في مصلحتكم”.
أما الممثل برادلي ويتفورد والذي تولى رئاسة جلعاد فى النهاية، فهو جوكر المسلسل بشكل حقيقي، ينتقل من الطبية إلى الشر المطلق بسلاسة ترسم الحيرة على وجه المشاهد ما بين التعاطف معه وكراهيته، ففي مشاهد يرفض ما يحدث من انتهاكات في جلعاد ويساعد في تهريب الأطفال خارجها، ومرة أخرى يتغير موقفه عندما أراد الحفاظ على سلطته فيقرر التنكيل بالمتمردين وهو يبرر فعله بقوله “الرب يحب القائد الذي يرغب في مراجعة موقفه”.
والجدير بالذكر أن “برادلي ويتفورد”، هو سياسي أمريكي شهير، وكاتب عمود في هافينغتون بوست، ولديه آراء سياسية واضحة بشأن الحرية وقمع آراء الناخبين، والإجهاض، وهو ما ظهر تأثيره خلال مناقشته مع “جون أوزبون” حول طبيعة جلعاد السياسية خلال الأجزاء السابقة للمسلسل.
خيال علمي هل المسلسل كذلك حقًا؟
يوصف مسلسل “هاند ميد تيل” دومًا بأنه خيال علمي محض، أو ديستوبيا وهي كلمة إنجليزية أصلها يوناني، ظهرت لأول مرة في البرلمان الإنجليزي عام 1868 م، وترجمتها بالعربية “أدب المدينة الفاسدة” وهو مجتمع خيالي يسيطر عليه الشر المطلق والفوضى، والعنف، ولكن هل مسلسل “هاند ميد تيل” كذلك؟! هل أحداثه غير موجودة في الواقع الذي نعيشه، ونعايشه؟!
الإجابة قد تكون مخيفة، وهي لا، مسلسل “هاند ميد تيل” موجود بكامل أحداثه في دول عربية وأجنبية، بل أنه موجود في واقعنا المصري في بعض أحداثه التي تركز على المرأة، فالفكرة التي تسيطر على المسلسل بأن الإناث الوعاء الأساسي للإنجاب والتربية، بينما تواري المرأة نفسها ككيان إنساني وفكر له الحق في ممارسة حياته بحرية ما زالت موجودة فى بعض المجتمعات في مصر، خصوصًا الريفية والصعيدية.
ومسلسل هاند ميد تيل رغم رمزيته، إلا إنه كان موجودًا في الحملة التي أطلقتها النساء المصريات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج “الولاية حقي” للمطالبة بأن يكون لهن الحق في الولاية على أبنائهن في حالة غياب الزوج لأي سبب من الأسباب، فالنساء في دولة جلعاد ليس رغم كونهن الوعاء الأساسي للإنجاب والتربية، إلا أنهن في النهاية ليس لهن حق في أبنائهن، فكل شيء يعود إلى الأب فقط.
“أنا آسفة لأنه يوجد الكثير من الألم في هذه القصة”
في النهاية لا يملك المشاهد إلا الشعور بمزيج نادر من الامتنان والدهشة والحزن والألم وهو يتابع أحداث مسلسل “هاند ميد تيل”، فأما الامتنان فهو موجه لتلك التحفة الفنية القيمة التي استطاعت أن تحصد 21 ترشيحًا من جوائز الإيمي، وأما الدهشة فسببها أن الأحداث التي كتبت عام 1985 في رواية أدبية، متأثرة بالفصل بين أوروبا الشرقية والغربية، ما زالت تحدث إلى الآن، وبنفس الشكل رغم مرور أكثر من 36 عامًا على تخيلها، وأما الحزن والألم بسبب تلك الأحداث التي يتضمنها المسلسل والتي تشير إلى الإنسانية المعذبة، وأن بعض المجتمعات ما زالت غير قادرة على تقبل الآخر أو بمعنى أدق نصفها الآخر، فتوئد حق الإنسان فى الحرية والعدالة والحياة الشريفة، وهو ما عبرت عنه البطلة “جون” في إحدى الحلقات قائلة “أنا آسفة لأن هناك الكثير من الألم في هذه القصة”.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.