تبوّل لا إرادي وهوس غسل الصحون وجمع القمامة.. مسلسل شقة الأبرياء التركي المنقول عن قصة حقيقية
7 د
هل شاهدت يومًا مريضًا بوسواس النظافة القهري؟ هل تساءلت مرة لماذا سمي الوسواس القهري بهذا الاسم؟ لماذا لفظة القهر؟ الآن دعني أريك كيف يمكن للمرء أن يقهر نفسه وغيره وهو حيّ، فنحن على موعد مع المسلسل التركي الشهير شقة الأبرياء الذي أحدث ضجة كبيرة وتصدر التريند وقت عرضه على غرار المسلسلات التركية الأعلى مشاهدة مثل العشق الممنوع.
ينتمي مسلسل شقة الأبرياء إلى قائمة المسلسلات المأخوذة عن قصة حقيقية أبطالها أحياء من لحم ودم، فالقصة مأخوذة من كتاب الطبيبة النفسية "غولسيران بودايجي أوغلو" تحت عنوان "داخل العملة - حكاية شقة القمامة".
تروي فيه الطبيبة الكاتبة مأساه أشخاص حقيقين كانوا من مرضاها تسرد قصتهم مع العلاج منذ البداية حتى انتهاء المأساة بفضل علاجها لهم، ومنهم أبطال قصة مسلسل شقة الأبرياء، وكأي معالجة درامية جيدة لقصة، ثمة فروق واضحة بين المسلسل والقصة الحقيقية المذكورة في الكتاب سواءً في التفاصيل الصغيرة أو الشخصيات الأساسية، وأبرزها وجود شخصية (هاني) الأخ الأكبر للشقيقات وبطل المسلسل، وعائلة (إنجي) حبيبة البطل، كما أنّ الأمّ في القصة الحقيقية كانت تعاني من اضطرابات نفسية على رأسها وسواس النظافة القهري، كما ساءت علاقتها بزوجها وبناتها بسبب عدم إنجابها ذكراً.
قصة مسلسل شقة الأبرياء
يقدم المسلسل مأساة اجتماعية واقعية ثقيلة وحزينة لعائلة تركية مكونة من أب وولد(هاني) وثلاث بنات (صفية وجولبان ونرمين) مصابون جميعهم بأمراض نفسية، بسبب أمهم التي كانت مصابة بمرض نفسي شديد، وباضطراب الوسواس القهري Ocd وبشكل غير مباشر سمحت سلبية أبيهم لهذه الأمّ المريضة أن تغتال براءة وجمال الفتيات الثلاثة وأخيهن، وأعاقتهم عن إكمال حياتهم بطريقة طبيعية حتى صارت حياتهم اليومية معاناة أشبه بجحيم غير مرئي بالنسبة لهم من فرط الاعتياد عليه، وتتوالى الأحداث وتتصاعد في حياه الأخ والفتيات بشكل مشوق ومرهق في الوقت نفسه.
بداية قصة شقة الأبرياء
يبدأ المسلسل باستعراض الحياة اليومية للبيت مع الفتاة الكبرى الجميلة (صفية) وهي فتاة في السابعة والثلاثين من عمرها، تسمى بمنقذة أخواتها، فهي التي اهتمت بهم جميعاً في صغرهم وصارت كأمهم، ربتهم جميعًا صغارًا واعتنت بهم وحافظت على حياتهم من الانتهاء بسبب إهمال الأم المتعمد لهم.
أصيبت صفية بنفس المرض التي كانت أمها مصابة به وهو (الوسواس القهري) بالنظافة فلا تدع أحدًا غيرها يدخل المطبخ ويطبخ وتساعدها أختها جولبان في تثبيت العدد الذي غسلت به الأطباق ولا يلمس أحد شيئًا عند دخول البيت لكن يسارع الجميع بارتداء برنس الحمام ويستحم ويلقي بملابسه لتغسل.
وهكذا شيّدت صفية لنفسها ولإخوتها عالمًا خاصًا، أو إن شئتَ قل سجنًا نظيفًا متوهمًا تعيش بداخله، تعتزل فيه الحياة وتهرب من نفسها ومن مواجهة العالم، من قسوة الأمّ وتعنيفها الدائم لها وإتعاسًا لروحها البريئة بكلماتها اللاذعة وضربها المبرح وتحقيرها لها، وعلى الرغم من هذه المحاولة للهروب إلا أنها أصيبت بمصيبة أخرى وهي أنها تقمصت دور الأمّ (كميكانزم دفاعي) كمحاولة دفاعية من عقلها الباطن لاكتساب قوة زائفة تستمدها من دور الأمّ الراحلة، تخفي وراءها شخصية ضعيفة وهشة و مجروحة، فقد أخذت صفية جميع ملابس أمها وتسريحتها وألفاظها وصراخها وقسوتها في بعض الأحيان.
(جولبان) يبدأ ظهورها في المشهد الأول من الحلقة الأولى كالتالي؛ تصرخ صفية صراخًا شديدًا في الفتاة ذات العيون الزرقاء البريئة التي تجلس في زاوية الغرفة غارقة في الانكسار والبكاء والحزن، تنعتها أختها بالمتبولة القذرة – وهو الوصم الذي كانت تصمها به الأمّ دائمًا، وتتصاعد وتيرة الصراخ حتى يظهر الأخ الأكبر (هاني) و يصرخ في صفية وينجح في احتواء الموقف!
جولبان هي الأخت الأصغر من صفية وهاني، فتاه ثلاثينية أقل جمالًا من أختها صفية، لكنّ لها وجهًا ملائكيًا بريئًا، تبدو خائفة على الدوام، و كأن شبحًا يلازمها كظلها، وهي واقعة تحت سيطرة أختها سيطرة تامّة في البيت تتبعها وتطيع أوامرها أيًا كانت، مصابة باضطراب التبول اللا إرادي، تتبول يوميًا لا إراديًا وتدخل في عراك شبه يومي وصراخ حاد مع صفية بسبب مرضها.
أما نرمين الأخت الصغرى في السابعة عشر من عمرها، تدرس في المدرسة الثانوية، وهي أقل أخواتها تأثرًا بأمهم، تصاب بالاكتئاب وكثيرًا ما تنعزل في غرفتها، أكثرهن قربًا من أخيها الأكبر هاني، تحاول نرمين على الدوام مساعدة هاني في ترميم أختيها، تحاول مساعدتهما قدر الإمكان، وهي التي ستفتح لهما أبواب الشفاء في ما بعد.
هاني هو الشقيق الوحيد للفتيات، شابّ وسيم في ثلاثينيات عمره، ورجل أعمال يمتلك شركة كبيرة وعلامة تجارية مشهورة، بين حياة هاني الخارجية الغارقة في الجدة والهروب من حياة أسرية مدمرة، يتحمل مسؤليتها بالكامل ولا يهتم بشيء في الحياة إلا باعتنائه بشقيقاته ولا سيما صفية التي لا تهدأ إلا بحضرته ووالده، وبين العمل، تجمعه الصدفة ليقابل (إنجي) الفتاة الثلاثينية الجميلة، صاحبة روح قوية كما أنها جميلة ومرحة وواثقة من ذاتها وقوية بعكس جميع أخواته وبالطبع أمه الراحلة، تتسبب بحادث سيارات بينها وبين هاني يؤدي إلى شرخ في يديه وتأخده إلى المستشفى وتخبره هناك أنها على وشك الانتقال من بيتها واستئجار آخر، لتصبح عمارة هاني هي المسكن الجديد لإنجي، وهكذا تجمعهما الصدفة مرة أخرى لتبدأ بينهما قصة الحب التي لم تنته إلا بعد أن تركت المشاهدين غارقين في الدموع!
قصة الحب المشتعلة في شقة الأبرياء
من أهم أسباب نجاح المسلسل هي قصة الحب الطوية والملتهبة بين البطل الثلاثيني الوسيم هاني، وبين إنجي الفتاة التي جمعته بها صدفة مجنونة، فإنجي هي نقطة التغيير والنقلة الصاخبة في حياة حبيبها القاسية المليئة بالآلام والمسؤوليات والمشاكل النفسية التي تمر بها عائلته.
تمر تلك العلاقة بفترات صعود وهبوط يفترق فيها الحبيبان ولا سيما عند اكتشاف إنجي لمرض هاني النفسي، فلقد كان من المستحيل أن ينشأ الرجل في هذا البيت وينجو من المرض النفسي، وكما أن لصفية هوس بجمع أكياس القمامة وتخزينها في الشقة الفارغة أعلى شقتهم، فلدى هاني هوس بجمع الأشياء المتبقية وحفظها في أكياس وتكديسها، ثمة علاقة وطيدة بين ما يعانون منه من فراغ داخلي وبين محاولة التجميع والتكديس، فكأن الأخوين في عملية بحث دائمة عن شيء ما مفقود وضائع، يعود الحبيبان مرة أخرى( هاني و إنجي) لبعضهما البعض في انسجام رومانسي ساحر حتى تحدث الكارثة في الحلقة الأخيرة و تترك المشاهدين في أسى!
مفتاح اللغز
يكمن مفتاح اللغز في الطفولة وتشكيل الشخصيات وهي صغيرة و الكلمة السحرية لهذا الأسى هي الأمّ المهووسة. ويتناول المسلسل تفاصيل المرض النفسي (الهوس تحديدًا) بدقة عالية ويصور لنا المعاناة والجحيم الذي يعاش من المريض ومن حوله، كما يتعامل مع المشاعر الإنسانية والحياة الداخية لهؤلاء الضحايا الأبرياء. فصفية جولبان امرأة جميلة وتعيسة تعيش على ذكرى واحدة جميلة فقط هي المدرسة وعشقها للمجلات آنذاك وحبيبها الميت، تحافظ صفية على تلك المجلات كشيء وحيد ينتمي إليها هي، كصفية جولبان وليست الأمّ المتوفاة، أما جولبان فغارقة في الخوف ولوم النفس الدائم، بينما يغرق هاني في صمتٍ طويل لا يكسره إلا إنجي.
وكما كان مفتاح اللغز في امرأة، جاء الحلّ وبداية الانفراجة أيضًا في امرأتين (ناريمان) و(إنجي)، في الحقيقة إن إنجي كانت أشبه بمن احترق ليضيء للجميع حياته، أحبّت هاني وتزوجته وتحمّلت ظروف حياته الصعبة وواجهت صفية بمرضها وكسرت لها جميع القواعد التي وضعتها حول نفسها وبيتها، فعندما كانت تتعارك مع صفية، كانت تدخل بيتها بالحذاء، وتخلع ملابسها في صالة المنزل، حتى بدأت في مواجهة نفسها بكونها مريضة، أما ناريمان الأخت الصغرى فهي التي فتحت باب الشفاء لأختيها وأعطتهما الأمل في حياة سوية عندما عرضتهم على الطبيبة النفسية التي بدأت في علاجهما .
سبب نجاح العمل
لقد نجح هذا العمل وترك أثرًا في المشاهدين، بسبب بساطته المعقدة في الوقت ذاته، وانتمائه إلى النفس الإنسانية بتعقيداتها وتركيبيتها الشديدة وبدون التعرّض لثنائية (الطيب – الشرير) فالكل هنا طيب بدرجة ما والمؤذي قد لا يكون طيبًا فقط ولكن بريئًا أيضًا أو ضحيّة، كذلك لم يعتمد الممثلون على استعراض العضلات والوسامة أو الجمال والأنوثة و البهرجة و التكلّف في استعراض الغنى الفاحش و القصور والسيارات الفارهة، ولكن على القدرات التمثيلية الصعبة و المركّبة للأدوار، وعلى عكس ما اعتدناه من الدراما التركية كانت الأجواء بسيطة و جميلة، لذلك استحقّ مسلسل شقّة الأبرياء أن يوضع في قمة الدراما التركية مع مسلسلات الصفّ الأول للدراما التركية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.