فيلم The Lost City of Z… وجيمس غراي صاحب السيناريو المفقود
6 د
المقال يحتوي على حرق لأحداث الفيلم
انتظر محبو أفلام المغامرات (وأنا منهم) صدور فيلم “The lost city of Z” بشغف كبير، فالفيلم يحكي قصة حقيقية عن مستكشف مفقود في الربع الأول من تسعينات القرن الماضي، ذهب مع ابنه لاسكتشاف مدينة قديمة في غابات الأمازون، ولم يعودا أو يُسمع عن أخبارهما منذ هذا الوقت. ليس هذا هو السبب الوحيد لذلك، فقد استغرق مخرج الفيلم جيمس غراي ست سنوات كاملة لكتابة سيناريو الفيلم المقتبس عن كتاب يحمل نفس الاسم للكاتب دافيد جران، ولكن!
قصة الفيلم
رغم انتظاري الطويل لصدور الفيلم، فلم أحصد عند مشاهدته سوى خيبة أمل كبيرة، فنبدأ بقصة الفيلم وهي قائمة على قصة حقيقية للنقيب بيرسي فوسيت (تشارلي هونام)، الذي تتأخر ترقيته كثيرًا بسبب تواضع أصله وتصرفات أبيه المشينة التي يعلمها الجميع، ورغم جهود فوسيت الشاقة، إلاّ أنّه يظل محصورًا في نفس المنطقة، حتى تطلبه هيئة حكومية لرسم الخرائط، كي يرسم الحدود الفاصلة بين بوليفيا والبرازيل، ويمنع نشأة حرب بينهما.
يبدأ افتنان فوسيت بالحضارات السابقة التي سكنت في منطقة الأمازون من خلال هذه الرحلة، حين يكتشف وجود أواني فخارية وتماثيل تعود حتمًا لهذه الحضارات. يعود فوسيت بطلًا في أعين الإنجليز؛ لأنّه وصل إلى مكان لم يصل له رجل أبيض من قبل، ولكنه يصدم المجتمع العنصري بحديثه عن ثقافات قد تكون تفوقت على حضارة الرجل الأبيض في وقتها، وعليه يقرر أن يخوض رحلته الاستكشافية الثانية، لاكتشاف آخر قطعة في أحجية العالم، ولذلك قرر تسميتها على اسم آخر حرف في اللغة الإنجليزية، وهي الرحلة التي تبوء بالفشل بسبب عدة عناصر، ويعود منكّس الرأس ومكسور النفس إلى بلده.
يُستدعى فوسيت للحرب، ويعود منها فاقدًا للنظر، وبعد تعافيه واسترداده لبصره، يذهب في رحلته الأخيرة مطاردًا حلمه في العثور على هذه المدينة، ولكن هذه المرة بصحبه ابنه الذي أصبح شابًا يافعًا الآن، وهي الرحلة التي لم يعودا منها أبدًا.
السيناريو والإخراج
حاول غراي وضع الكثير من الأحداث في فترة زمنية قصيرة (144 دقيقة فقط)، فلم تأخذ الكثير من الأحداث حقها الزمني الكافي على الشاشة، بينما أُعطيت مساحات زمنية كافية لأحداث قليلة الأهمية في مسار الفيلم، ولكن هذا ليس مبررًا لما حدث في؛ لأنّه من الممكن أن يتحكم المخرج المتكمن من أدواته في عرض الأحداث كما يريد، وهو بالتأكيد لم يحدث في هذا الفيلم.
ليس هذا هو العيب الوحيد، فالسيناريو مهلهل للغاية، ولا يعطي لأي شخصية حقها الكامل في سير الأحداث، حتى بطل الفيلم فوسيت لم نستطع التعاطف معه أو التماهي مع شخصيته، نعلم تمامًا بشكل عقلي لماذا يقوم بما يقوم به، ولكننا نشعر بانفعالاته ولا نقتنع بأسبابه، فقد مسّ السيناريو فقط قشرة الشخصية، ولم يدخل إلى قلبها.
أراد صُنّاع الفيلم إظهار نينا فوسيت زوجة فوسيت (سيينا ميللر)، أنّها امرأة نسوية سابقة لعصرها وأنّ زوجها يدعم هذا الأمر، ولكن أتى هذا الأمر بشكل عارض للغاية، فبينما هي تؤكد على هذا الأمر في كل مشهد، كتمنيها ارتداء البنطلونات كالرجال وتحاول الجلوس وسط الرجال، إلاّ أنّ الفيلم لم يظهر سوى انغماس زوجها في محاولة تحقيق حلمه، وظلّت هي في المنزل كي تربي الأطفال طوال سنوات غيابه وتدعم حلمه، ولم يتطرق الفيلم إطلاقًا لأحلامها الشخصية حتى إن لم تستطع تحقيقها، هي حتى لم تتصدَ لزوجها عندما صفع ابنهما الأكبر.
لم يتطرق الفيلم أيضًا لكيفية تحول مشاعر الابن تجاه أبيه، ففي مشهد هو الابن الكاره لوالده ولغيابه الدائم عنه هو وأخواته، وفي المشهد التالي يريد أن يصحب والده في رحلة استكشافية قد تكلّفه حياته، ما الذي حدث كي تتغير مشاعر الابن بهذه الطريقة؟ هذا أمر سيظل مجهولًا لكل مشاهدي الفيلم.
أمر كارثي آخر برز في هذا الفيلم، هو عدم نقل سبب افتتان فوسيت بالحضارة القديمة إلى هذا الحد، فعلى سبيل المثال أتى مشهد الشلال فقيرًا للغاية وغير مبهر، ننظر له بأعين ملولة، ولا نستطيع التواصل مع مشاعر فوسيت، وعلى هذا المنوال يسير باقي الفيلم، فرغم أنّ غابات الأمازون والطبيعة الساحرة لها معروفة، وظهرت في الكثير من الأفلام السابقة، فقد ظهرت في هذا الفيلم بألوان باهتة للغاية ولا تعطيها حقها، بل إنّ تصوير حديقة نيويورك في الأفلام الأخرى كان أكثر إبهارًا من الصورة التي قدمها الفيلم لغابات الأمازون.
حاول الفيلم التعرض بشكل سريع لمأساة تجارة الرقيق في هذا العصر، كنقطة أخرى على حشو الفيلم بما يستطيع حشوه، كدليل بائس على أنّ هم فوسيت الوحيد ليس العثور على مدينته المفقودة، ولكن إنسانيًا أيضًا، فهو لا يرضى بأن يُعامل العبيد، أو السكان الأصليون لأمريكا، بهذه الطريقة اللا آدمية، ولكن أتى عرض هذا الأمر فقير للغاية، ككل أمر آخر في الفيلم.
إن كان السيناريو والإخراج سيئين، فبالتالي من المتوقع أن يكون الحوار في الفيلم مباشرًا ومستهلك للغاية، فعلى سبيل المثال، في كل مرة يعود فيها فوسيت من السفر، تقوم زوجته بتعريفه على أطفاله بأكثر الطرق الكليشيهية الممكنة.
أمّا بخصوص تتابع المشاهد، فقد غفل المخرج عن بعض النقاط المنطقية في الفيلم، ففي مشهد يفقدون المركب الثانية التي تحمل الأحصنة والمؤن، وفي المشهد التالي تتجمع الرحلة كاملة، بدون إظهار أو حتى التحدث عن كيفية المقابلة بهذا الشكل، وكأنّه أمر بديهي الحدوث.
الموسيقى التصويرية
يقال إنّ الموسيقى التصويرية الجيدة تخفي عيوب السيناريو السيّئ، ولكن ماذا إن كانت الموسيقى التصويرية للفيلم باهتة ككل عناصر الفيلم الأخرى، هنا تترك الموسيقى التصويرية عيوب السيناريو الضعيف ظاهرة للمُشاهد، فتختفي حين كان يجب أن تظهر، وحين تظهر لا يكون لها أثر.
الممثلون
جاء أداء بطل الفيلم المحوري تشاري هونام في دول فوسيت باهتًا وفاترًا، لم تصلنا من خلاله أي مشاعر، سواءً كانت لشغف أو غضب أو إحباط. كذلك كانت سيينا ميللر التي أدت دور زوجة فوسيت، فرغم أنّها من المفترض أن تؤدي دورًا قويًا، فقد كانت باردة للغاية. لم يختلف الأمر مع كل من أدوار الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، وخاصة توم هولاند الذي أدى دور جاك الابن الأكبر لفوسيت في المرحلة العمرية الأخيرة.
أمّا روبرت باتينسون الذي أدى دور هنري كوستين مساعد فوسيت في رحلاته، والذي عرفه العالم من خلال دوره الشهير في سلسلة أفلام توايلايت، فقد كان أداؤه أفضل من باقي طاقم التمثيل، كذلك كان أنجس ماكفادين الذى أدى دور المستكشف الملتوي جيمس موراي من أفضل عناصر الفيلم. ورغم صغر دوره، فإنّ بيدرو كويلو في دور المرشد للغابة وهو من السكان الأصليين، كان من أفضل الممثلين على مستوى الفيلم
عدم عرض صور فوسيت الأصلي أمر آخر كان غريبًا للغاية، فمن المعتاد في الأفلام التي تروي سيرة ذاتية، أن يتم عرض صور حقيقية للبطل صاحب القصة الأصلية، خاصًة أنّ له صورًا كثيرة تملأ الإنترنت، وما يبدو في المشهد الأخير في الفيلم أنّه أرسل لزوجته صورًا برفقة السكان الأصليين، فأين هذه الصور ولماذا لم يتم عرضها كما جرت العادة؟
يقول غراي، أنّ الشركة المنتجة للفيلم عرضت عليه مسودة الكتاب قبل صدوره ليتحضّر للفيلم جيدًا، وهو ما استغربه هو نفسه؛ لأنّ نوعية الفيلم والأماكن التي تدور بها الأحداث، أمران جديدان عليه، ولا شيء من أعماله السابقة يدل على أنّه يستطيع صناعة هذا الفيلم، وكما يقول: “ربما كانت هذه لحظة مغامرة جنونية قرر منتجو الفيلم خوضها”، وأتفق معه شخصيًا في هذا الرأي، فقد كان اختيار غراي لكتابة سيناريو الفيلم وإخراجه خاطئًا للغاية، كما جاء اختيار هونام لبطولة الفيلم خاطئًا هو الآخر.
في النهاية لا يجب على الفيلم دائمًا أن يبرز كل عناصر القصة الحقيقية، هذا أمر مسلّم به، ولكنه يجب على الأقل أن يحافظ على ترابط الأحداث وتسلسلها، وألّا يفقد المشاهد عنصر متعة مشاهدة الفيلم، فرغم طول الفيلم (تقريبًا ساعتين و20 دقيقة) إلاّ أنّه لم يستطع أن يُكمل حدوتة لآخرها كما يجب، أو أن يُمسك بخيوط شخصية واحدة على الأقل، أو حتى ينقل إلينا مشاعر البطل، التي جاءت سطحية للغاية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.