مسلسل The Mess You Leave Behind .. غموض وإثارة في جريمة نتفلكس الجديدة
5 د
أجرؤ على التأكيد على أنه لا يوجد إغراء حقيقي دون فن الغموض، عندما يكون الغموض قوياً، تكون الحياة مثيرة. هذه كلمات الروائي الفرنسي “ميلان كونديرا” متحدثاً عن الغموض. وكذلك في السينما، فالكثير من مريدي الفن السابع يحبذون توفر عنصر الغموض، في الأفلام السينمائية التي يريدون انتقاءها للفرجة. وأنا واحد منهم. تميزت السينما الإسبانية بصناعة التشويق والغموض، ما جعلها محط أنظار جمهور الفن السابع في السنوات الآخيرة. وخصم لا يستهان به، كصناعة فنية. فكتابها يجيدون حرفتهم، ويعرفون كيفية شحذ تركيز المتلقي حول مادتهم الفنية والتعلق بها، بفضل حنكتهم في سرد القصص بعيداً عن النمطية السائدة. وترك المشاهد يتوه في دائرة الشك بأسلوبهم الشيق والمتفرد في صياغة الحبكة وتعقيداتها. دون أن ننسى بصمة الإخراج والتكنيك الذي يمتلكه كل مخرج، في ترجمة كل نص بحرفية ومهنية متقنة.
أقرأ أيضًا: أفضل عشرة كتب غير أدبية صدرت في العقد الأخير منذ عام 2010 وحتى الآن
نتفليكس وعودة إلى المدارس الإسبانية
عَودتنا الشبكة العالمية نتفلكس على إنتاجاتها العديدة المتنوعة، والغنية بأهم القضايا والمواضيع الشائكة، من الغرب إلى الشرق. وكما نجحت في السابق في الأعمال السينمائية والدرامية في إسبانيا، عادت من جديد لتقديم عمل آخر يتناول المدارس الإسبانية، بعد نجاح مسلسلها Elite بأجزائه الثلاثة. حيث طرحت في أواخر عام 2020 مسلسل يحمل عنوان The Mess You Leave Behind / الفوضى التي تتركها وراءك، يتحدث عن مدرستين للأدب في إحدى المدارس الريفية، راكيل (إنما كويستا) وفرونكا (باربرا ليني). العمل من تأليف وإخراج “كارلوس مونتيرو”.
قصة مسلسل The Mess You Leave Behind
تدور مجريات مسلسل The Mess You Leave Behind الدرامي في قرية غاليسيا الإسبانية وفي مدرسة البلدة أيضاً، حيث تتمحور القصة حول معلمتي الأدب راكيل وفرونكا، وعلاقتهما الغير مستقرة بحفنة من الطلاب السيئين، ويبدو جلياً لك سلوكهم غير السوي في التعاطي مع أساتذتهم، فهم مجموعة مراهقين مدللين يعتقدون أنه لا رادع يقف أمامهم.
تبدأ القصة بمشهد افتتاحي يعرض لك فرونكا وهي جالسة أمام جهاز الكمبيوتر تقوم بنسخ الملفات، يقوم أحدهم بطرق باب المنزل، وهو يحاول الدخول باستخدام مفاتيحه. لتمنعه فرونكا وتطرده. فتظن أن المشكلة الرئيسية هي بينها وبين هذا الشخص الذي يتضح لاحقاً أنه زوجها. من يتابع الأحداث بدقة لا تنطوي عليه حيلة الكاتب بسهولة ويكتشفها من خلال تفاصيل بسيطة، قبل إيضاحها مع الدقائق الأخيرة من الحلقة الأولى.
فقد اعتمد الكاتب على تناول خطين زمنيين منفصلين، والتنقل بينهما بسلاسة ممتعة. ناقلاً لنا صراع امرأتين شابتين في عالم دنيء، وكل منهما بطلة أساسية في المسلسل. في الزمن الأول: يروي حكاية فرونكا المعلمة التي تبدو تتمتع بقدرٍ عالٍ من الحكمة والذكاء والوقار، وأن طلابها يولونها اهتماماً وإعجاباً خاصاً. لتتبدد هذه الفكرة تباعاً، مع كل خطوة يخطيها المسلسل للأمام. لتكتشف أنها حقاً كانت تتمتع بمكانة معينة لدى طلابها، فيعرض كيف كسبت احترامهم وصارت مبعث ثقة، وذلك من خلال كشف أحد أسرارها لهم، فتلاحظ أنها قوية إلا أنها ملأى بالأخطاء والنزوات.
لتتغير العلاقة معهم وتصبح بتواتر متصاعد، مع اكتشاف أحد طلابها المتيم بها ياغو (آرون بايبر) إقامتها لعلاقة جنسية مع والده. أيضاً علاقتها بزوجها رغم التفاهم، إلا أنها تشوبها الشوائب. فزوجها رجل ديوث يدع شريكته تقيم العلاقات الجنسية، لإيفاء الديون ولتحقق لهما حياةً رغيدة. تقع في يدها معلومات خطيرة عن توماس أحد أثرياء غاليسيا، الأمر الذي يعرض حياتها للخطر وتلقى على آثره حتفها. في الزمن الثاني: توجد راكيل، امرأة شابة تعاني مشاكل جمة في حياتها منها وفاة أمها التي ما زالت تأتيها في أحلامها، تحاول إعطاء فرصة لزواجها وإعادة تشكيل حياة جديدة، لذا تذعن لرغبة زوجها في الانتقال لقريته والعيش فيها، فتشغل منصب معلمة أدب في مدرسة نوفاريس الثانوية. تعلم راكيل أنها بديلة لمعلمة انتحرت قبل ثلاثة أسابيع، قبل بدء حصتها بدقائق قليلة. سرعان ما يتم المقارنة بينها وبين فرونكا من قبل الطلاب وتبدأ المتاعب، فتدرك أن مهمتها شاقة.
يصل إليها تهديداً بالقتل دُسَ بين أوراق الاختبار، على صورة فرونكا التي تم الإعلان من خلالها أنها مفقودة. لتتأكد أن فرونكا قتلت على عكس ما يزعم الآخرون، ما يثير رغبتها بالبحث والتقصي لكشف ملابسات الجريمة واللغز الكامن في قصة فرونكا.
أدوار محورية متقنة
من أهم عناصر نجاح أي عمل، وجود ممثل قادر على ترجمة النص أمام الكاميرا، والارتقاء به بأداءٍ فني متقن، يدل على جودته ويزيد عليه. لا شك أن الأدوار النسائية في مسلسل “الفوضى التي تتركها وراءك”، هي المحرك الرئيسي للأحداث. هي اللغز من خلال فرونكا، وهي الحل عبر شخصية راكيل التي تأخذ القضية على عاتقها وتتصرف كأنها تحري. لافتة في جرأتها وشجاعتها في المضي قدماً، للوصول إلى الحقيقة، وتعقب أي خيط يودي بها لنهاية اللغز. لكن تستغرب ضعف شخصيتها أمام طلابها، ومحاولتها إيجاد الحيل لكسب ثقتهم. أيضاً تغلغلها في تفاصيل زميلتها المتوفاة، وتقليد شخصيتها بعض الشيء. أما راكيل المرأة اللعوب، هذه التسمية تنصفها رغم أنها ظهرت بخلاف ذلك في البداية. هي بالفعل شخصية مخادعة بفضل شخصيتها الكاريزماتية. كل واحدة تطرز حضورها ببراعة. الشخصيتين مركبتين تتوهان في منطقة الخير والشر، لكن راكيل تحاول الخروج والنجاة من ماضيها. بينما فرونكا ماضيها وحاضرها أغرقاها. الاثنتين عايشتا الصراع النفسي، لكن إحداهما اعتادت على ما هي عليه، وانساقت، ثم تكيفت، وانتهت قبل أن تلتمس الندم.
أقرأ أيضًا: رسومات كاريكاتيرية معبرة: حين يكون الفن في خدمة الضمير الإنساني للفنان كارلوس لطوف!..
كارلوس مونتيرو… الحكاية كلها
الجدير بالذكر أن العمل مأخوذ عن رواية “كارلوس مونتيرو” كاتب المسلسل، كما قام بإخراجه إلى جانب كل من “سيلفيا كوير” و”روجر جوال”. وهذا شكل عاملاً مهماً، لكونه يمتلك معرفة بالنص، ما أثر على طريقة إدارته لممثليه ولكوادره الفنية. واختيار أماكن تصوير مدهشة وخلابة، تحاكي العين بجمالها. كما حاكى النص شغفنا للمتابعة، باستخدام عنصر الغموض المسيطر على القصة وشخصياتها. فأنت طوال الحلقات الثمانية، تعيش حالة من الشك والتخمين مع كل دليل جديد يتكشف أمامك. والمزج بين الماضي والحاضر، وضبط إيقاع الزمنين بوتيرة عالية.. كان ممتعاً. لكن كثرة الأحلام التي راودت راكيل حول أمها أغلبها كما نقول بالعامية (بلا طعمة). أيضاً شخصية مونرو (روبرتو إنريكيز) أستطيع تصور العمل من دونها. تناول النص قضية المخدرات المنتشرة بكثرة بين جيل المراهقين، وتجارة الجنس، وإذعان البشر لرغباتهم وأهوائهم والتخلي عن القيم لإشباعها. ببساطة نص عرى النفس البشرية بسلبياتها. رغم المتعة والترقب إلا أن النهاية جاءت وكأن الكاتب لم يعرف كيف ينهي حكايته، كيف ينهي ما بدأه بذات السوية من الإثارة والتشويق؟ حقاً إنها فوضى بحاجة لصياغة جديدة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.