🎞️ Netflix

مسلسل المجتمع The Society: معالجة حديثة لرواية “سيد الذباب”

نهلة أحمد مصطفى
نهلة أحمد مصطفى

9 د

اتجهت الكثير من الأعمال الدرامية سواء كانت أفلام أو مسلسلات إلى تسليط الضوء على حياة عدد من الأشخاص في لحظات غياب كل القوانين والسلطات التي تُمارس عليهم، وظهور النزعة البدائية بداخل كل شخص وإطلاق سراح الشر الذي يكمن بدواخلهم تحت ظروف شديدة العدائية، وهو الأمر الذي تدريجيًا يجعل من التعايش بينهم أمرًا يقترب من المستحيل.

وتقترب هذه الأعمال دائمًا، بطريقة أو بأخرى، من النفس البشرية بأسوأ ما بها وبكل تعقيداتها ودوافعها وغرائزها التي لا تجد من يسيطر عليها فتظهر في أقوى وأعنف حالاتها.

ومع واحد من أجدد المسلسلات التي طرحتها شركة “نتفليكس” يتم عرض هذه الفكرة مرة أخرى ومعالجتها بشكل يشبه لرواية “سيد الذباب”  للكاتب “ويليام جولدينج”.

مسلسل المجتمعThe Society  مسلسل جديد أصدرته نتفليكس في شهر مايو من العام الجاري لمخرجه “كريستوفر كيسر” ولم يتم عرض سوى موسم واحد منه ولكن قد تم التمهيد في الحلقة الأخيرة لموسم ثانٍ، دون الإعلان حتى الآن عن موعد طرحه.

والمسلسل يُعد معالجة حديثة للرواية الشهرية “سيد الذباب” لـ “ويليام جولدينج” الحائزة على جائزة نوبل والتي تم كتابتها خلال السنوات الأولى من الحرب الباردة والعصر الذري.

تنشأ أحداث الرواية في سياق حرب نووية لم يُكشف عن اسمها، وتدور حول عدد من الأولاد الذين تتحطم طائرتهم وينتهي بهم المطاف على جزيرة مهجورة يحاولون عليها أن يحكموا أنفسهم ومن هنا تحدث المشاكل.

وتبدأ هنا أحداث مسلسل المجتمع The Society مع مغادرة مجموعة من طُلاب الثانوية نحو رحلة تخييم طويلة تحت أمر من العمدة وذلك لوجود رائحة شديدة السوء تنتشر في البلدة ولكن نظرا لحدوث عاصفة تعود بهم الحافلات مرة أخرى ليجدوا أن جميع مَن في المدينة قد اختفوا ولا يوجد سواهم هم فقط.. فهم منعزلون تمامًا عن العالم لا يستطيعون سوى مكالمة أحدهم الآخر، ولا أثر لأي حياة أخرى خارج حدود البلدة التي وجودوا أنفسهم عليها.

عند ذلك يبدأ الطلاب في الفزع ومحاولة معرفة أين هم، وأين ذهب الكِبار من أهاليهم وباقي سكان البلدة، ثم قرر بعض الطلاب الآخرين إنشاء سُلطة مكونة من زعيم واحد منهم، يتفقوا عليه جميعهم، ليتمكنوا من إدارة أمور أنفسهم، ولمعرفة ما الذي يحدث معهم وكيف يعودون مرة أخرى لبلدتهم.


مسلسل المجتمع The Society

مسلسل المجتمع The Society

رواية “سيد الذباب” ومسلسل المجتمع The Society كلاهما يناقشان بشكل أساسي كيف يمكن لأشخاص متحضرين أن تسيطر عليهم نزعتهم البدائية إذا اختفت من حولهم السلطة والقوانين وكيف تتغلغل فيهم هذه النزعة بسرعة كبيرة تتناسب مع كم الوقت الذي يقضونه بدون قوانين، وكيف تفشل ثقافة الأنسان التي قضى الكثير في إرساء قواعدها في ظروف كهذه.

فنرى في مسلسل المجتمع The Society بعد اكتشاف الطُلاب أنه لا يوجد الآن من يحكمهم ولا يوجد من يملك سلطة عليهم، كيف يتسارعون إلى نهب كل ما يقع تحت أيديهم من موارد سواء كانت غذائية أو صحية، كيف يقتحمون المتاجر ويكسرون أبوابها من أجل الحصول على ما يساعدهم على النجاة، وكيف يصل بهم الأمر إلى ضرب بعضهم البعض إذا تعارضت أفكارهم.


مسلسل المجتمع The Society وعودة لعصور البدائية 

مسلسل المجتمع The Society

وقد عرض المسلسل الحالة البدائية الخالية من أي تحضُّر التي وصل لها هؤلاء الطلاب في مشهد بسيط، لا يحتوى سوى على جملتين أختارهم ليصفوا المشهد بأكمله، وهو ما حدث عن عثور المجموعة الاستكشافية منهم على “طيور الديك الرومي” والتي لم يروها ك “طيور” وإنما كل ما رأوه هو”طعام” يمكنه أن يساعدهم في النجاة من الجوع الشديد الذي يعانون منه.

وتأخذنا تلك الفكرة العامة معها إلى أفكار أخرى، لا تنفصل انفصالًا كليًا عن فكرته الرئيسية، يعالجها المسلسل على مدار حلقاته العشر .. وإذا أحصينا تلك الأفكار نجد أن بخلاف الفكرة الأساسية فقد تعرّض مسلسل “المجتمع” إلى ثلاث أفكار أخرى يُقدم من خلالها ما يريد أن يقوله.


ثلاثة أفكار طرحها مسلسل المجتمع The Society

مسلسل المجتمع The Society

الفكرة الأولى منهم تتمحور حور مصطلح “الصراع من أجل البقاء”.. فنرى الصراع بين الطلاب يبدأ من حلقات المسلسل الأولى، ويزداد تدريجيًا مع تقدم الحلقات.

وهذه الفكرة ترتبط ارتباط وثيق بالبدائية التي أصبحوا عليها، وكلما زادت داخلهم البدائية كلما زادت وحشية الصراع بينهم، الصراع الذي يودي بحياة الفتاة التي كانت تزعمهم، وهو ذاته الذي يجعلهم يتجولون في البلدة حاملين أسلحتهم خوفًا، واستعدادًا لأي محاولة اعتداء من جانب أي أحد منهم.

فنرى غريزة البقاء هي المسيطرة عليهم، يفعلون أي شيء يجعلهم قادرين على البقاء على قيد الحياة ليوم إضافي، يسرقون الطعام ويخزنوه خوفًا من أن ينتهي، يسرقون كل ما قد يحتاجوه وما قد لا يحتاجونه في محاولة للنجاة مهما كانت التكلفة ومهما كان الضرر الواقع على غيرهم.

أما الفكرة الثانية هي سقوط السلطة، الممثلة بدءًا من القانون والشرطة وحتى سلطة الدين والأبوين، من على أشخاص ما زالوا في سن صغير، فلم يتجاوز منهم الثامنة عشر بعد، وكيف تعامل هؤلاء الأشخاص مع حرية مثل تلك التي مُنحت لهم وهي حرية بلا حدود وبلا رقيب.

وقد قدم المسلسل هذه الفكرة بمشاهد قد تكون خالية من الحوار ولكن الصورة فيها وزوايا الكاميرا هي من تتحدث، فنرى احتفالًا كبيرًا داخل الكنيسة ونرى الطلاب يشربون ويلهون داخل أسواراها وهي التي تُمثل الدين والسلطة الدينية التي لم يستطع منهم أحد أن يتخطاها من قبل، ونرى الكاميرا وهي تتهاوى مع كتب “الإنجيل” التي تتهاوى من أيدي الطلبة إلى الأرض.

وسقوط السلطة هنا من عليهم جعلهم يستمتعون بحريتهم في بادئ الأمر، وهو رد الفعل النفسي الطبيعي عند غياب السلطة بصورة مفاجئة. ولكن مع مرور الوقت يدركون مساوئ هذه الحرية المطلقة، وأن لا بد من سلطة أخرى تحكمهم، وهنا يتم اختيار زعيم لهم، ويقرر هذا الزعيم أن يتم تقسيمهم إلى مجموعات كل مجموعة تهتم بشأن من شؤونهم، واحدة للموارد، وواحدة لاستكشاف المدينة ومعرفة مخارجها، وأخرى لإيجاد حل يعودون به إلى بلدتهم.

وهنا تظهر أهمية وجود سُلطة تحكم تصرفات الأشخاص، وتظهر السخرية من أفعال البشر الذين لا يمكنهم بمفردهم أن يسيطروا على أفعالهم وأن لا بد من “زعيم” أو “قائد” يأمر فتتم إطاعته.. ولا بد من “قوانين” تحكمهم لأنهم غير قادرين على الامتثال لأخلاقهم الفردية وأن تكون هي معيارهم في معرفة “الصواب” من “الخطأ”.

والمسلسل هنا لا يُعطي جانب واحد من جوانب السلطة فقط، لكنه يُظهر منها الوجه السيئ أيضًا.. وهو المتمثل في “النزاع على السلطة” الذي لا بد وأن يحدث أيًا كان المجتمع وأيًا كانت ثقافة من يعيشون به وأيًا كانت أعمارهم.. فنحن هنا أمام “مراهقين” يكادون لا يفقون شيئًا في السلطة ولكن وعلى الرغم من ذلك نجد النزاع عليها حاضًرا، متمثلًا في فئات أخرى تختلف في أفكارها وأهدافها عن الفئة التي تحكم، ومحاولة تكيُّف الطلاب مع هذا النزاع بطرق تشريعية وإقامة انتخابات مثلها كمثل التي تُقام في أي مجتمع حقيقي.. ونرى النزاع القائم بين هؤلاء “الأطفال” لا يختلف في الحقيقة عن أي نزاع قائم بين سياسيين مخضرمين في أي مكان.

والفكرة الثانية تأخذنا معها إلى الفكرة الثالثة التي يطرحها المسلسل، وهي الصورة الحديثة لمحاولة إنشاء المجتمعات من الصفر، تلك الصورة التي قد لا تتجسد بشكل كامل في عقولنا، فنحن نسمع عن حكايات أول من أنشأ مدينة أو أول من أنشأ مجتمع صغير، لكن لا توجد صورة واضحة لدينا عن كيف قام هؤلاء الأشخاص ببناء مجتمعاتهم من الصفر وحتى وصلوا إلى ما نحن عليه الآن.

فنرى مع الحلقات محاولاتهم لخلق مجتمع جديد بسلطة وقوانين وقواعد، واختيار “الأصلح” ليزعمهم, وطرح الفكرة المُعقدة حول “من يكون الأصلح؟” وتبعًا لأي معتطيات يكون الأصلح من وجهة نظر البعض هو الأصلح بالفعل وليس لأنه الأنسب لأهدافهم.

وإنشاء المجتمعات من الصفر يتطلب الإدراك الكافي لأن كل من يعيشون سويًا في هذا الوقت متساويين، لا يوجد ما يميز أحدهم عن الآخر، لا سلطة ولا مال ولا أي شيء. وكان هذا الإدراك هو المطلوب في أن يصل إلى كل شخص منهم، حتى أن المسلسل يختار في بعض المشاهد أن يُدلل على ذلك بالكلام الصريح الموجه لشخصية بعينها، أن لا شيء الآن باستطاعته أن يميز أي أحد.

معالجة المسلسل لرواية “سيد الذباب” هي معالجة مخلصة بشكل كبير، ولكن يوجد اختلاف واحد بينهم، وهو أن الرواية قد اختارت إظهار الوحشية التي تنتج عن تغلُّب النزعة البدائية على الثقافة عند الأطفال بشكل صريح، وهي الوحشية التي نتج عنها قتل طفلين بشكل وحشي وبدائي وإحراق الجزيرة بأكملها. لكن المسلسل في موسمه الأول لم يعرض هذه الوحشية بنفس تلك الصراحة، واكتفى بجريمة قتل واحدة وعدة مشاهد تخريب لم ينتج عنها أي أذى، بل أنه أصر في مشاهد تالية أن يعالج تلك الأضرار الناتجة عن التخريب وتنظيف الشوارع والإصرار على جعل الطلاب في كل وقت أن يتذكروا من هم، وما أصلهم.. وألا يصلوا إلى حد الوحشية والبدائية التي ينسون معها تحضرهم وثقافتهم.. وذلك على عكس الأطفال في الرواية الذين ظهروا في النهاية، وحسب وصف جولدينج، “بشرتهم بنية اللون، وكانت بطونهم منتفخة مثل بطون الأولاد المتوحشين الصغار” وقد قال لهم الضابط الذي أنقذهم في نهاية الراوية “لقد اعتقدت أن أي مجموعة من الأولاد البريطانيين كان بأمكانهم أن يظهروا بشكل أفضل من هذا” وذلك يدل على مدى التغير الذي حدث لأولائك الأطفال حتى تغيروا عن أمثالهم الذين ما زالوا في مجتمعاتهم المتحضرة.


عيوب أثرت على تجربة مشاهدة المسلسل

مسلسل “المجتمع” The Society بشكل كبير في إيصال فكرته، ولكن كان يعيبه شيئان:

المشكلة الأولى أن المسلسل كان “خطابي” وموجه بشكل واضح. ففي كثير من المشاهد لم يكتفي المسلسل بالصورة والتي كانت تعبر بشكل واضح وجيد عن ما يريد أن يقول، ولكن كان لابد أن يتكلم أحد الشخصيات ليشرح ما يحدث، أو يشرح ما يفكرون به، وهو الأمر الذي لم يكن له ضرورة على الإطلاق فبدون الشرح كان المعنى يصل بسلاسة ولكن بعد الحوارات التي تجريها الشخصيات كانت تتجرد المعاني من قوتها وتصبح خطابات خالية من الإحساس تمامًا.

أما المشكلة الثانية كانت اختفاء الجزء “المثير” و “الشيّق” من المسلسل والذي ظهر بوضوح في بدايته حين اختفى جميع السكان واكتشاف أن البلدة تحاوطها الغابات من كل اتجاه، ولكن وعلى مدار حوالي سبع حلقات لم يتم طرح المسألة مرة أخرى، ولم يتحدث عنها أحد وكأنها شيء عابر أو عادي.. ثم عاد في النهاية مرة أخرى بشكل معلومة عابرة لم يكترث لها أحد لمدة تزيد عن دقيقتين ثم عادوا لممارسة حياتهم مرة أخرى.

“إن موضوع هذه الرواية هو محاولة لتتبع نقائص وعيوب المجتمع، وإرجاعها إلى نقائص الطبيعة البشرية. والمغزى هو أن شكل أو نظام المجتمع ينبغي أن يعتمد على الطبيعة الأخلاقية للفرد، وليس على النظام السياسي مهما كان نظامًا منطقيًا أو جديرًا بالاحترام من الناحية الظاهرية”.

هكذا وصف “جولدينج” الفكرة الأساسية التي ترتكز عليها راوية “سيد الذباب” وهكذا نرى أن مسلسل “المجتمع” The Society هو معالجة حديثة مخلصة بشكل كبير إلى الفكرة الأساسية التي تم بناء أحداث الرواية عليها.. وهي نتيجة للتعمق في النفس البشرية ومعرفة شرورها ونواقصها، وإلى أي مدى يمكنها أن تصبح وحشية وبدائية إذا كان ما يحكمها فقط هي القوانين وليست الطبيعة الأخلاقية لها.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

انا ما عجبني المسلسل وجدته جداً ممل ..