فيلم The Usual Suspects .. المشتبه بهم المعتادون وخدعة الشيطان الممتعة
5 د
“في عالم حيث لا شيء يظهر كما يبدو، يجب عليك النظر لما هو أبعد من ذلك”
زورقٌ يحترق، ورجل جالس على الأرض يشعل سيجارته غير عابئ بالعالم الذي يحترق من حوله. يظهر له رجل آخر لم تُظهر الكاميرا وجهه، لكنها أظهرت ولاعته الذهبية وساعته – وللاثنان دلالة مهمة في سياق الفيلم. دار بينهما حديثًا مقتضبًا ذُكر فيه اسم شخص يدعى “كيزر”.
اخرج الرجل الغامض مسدسه، ووجهه إلى الرجل الجالس على الأرض، ثم ابتعدت الكاميرا عن المشهد وسمعنا صوت مدوي لطلقتان.. بعدها، سار خطُ النارِ على الأرض حتى وصل إلى براميل البنزين فانفجر الزورق.. وبدأ الفيلم.
افتتاحية فيلم The Usual Suspects لا تدل على الكثير مما سيحدث في سياق الفيلم، بل إنها لا تخبرك بأي شيء أصلًا، مجرد حديث بين رجلين في زورق يحترق. حتى المشهد التالي لا يخبرك بشيء، خمسة أشخاص يتم استدعائهم إلى قسم الشرطة بسبب حادثة سرقة لأحد الشاحنات، هؤلاء الخمسة هم “المشتبه بهم المعتادون” أو “The usual suspects”، وهم من يتم استدعائهم في أي وقت تحدث فيه حوادث سرقة في هذه المنطقة.
“من الخطأ أن تضع هؤلاء الخمسة في مكانٍ واحد” قالها كيفن سبيسي في أداءه لشخصية “فيربال كينت” الشخص الثرثار الأعرج، وعِنده كل الحق، فلا أحد يتحمّل عواقب وضع هؤلاء الأشخاص في مكانٍ واحد ابدًا.
أنا لست واشيًا
يعتمد سرد فيلم The Usual Suspects على ثلاثة خطوط أساسية في نهايتها واحدة من أعظم نهايات الأفلام في التاريخ. الخط الأول هو خط القصة التي يحكيها فيربال (كيفين سبيسي) للضابط كويان (شاز بالمينتري) والتي يسرد فيها فيربال قصة حادثة انفجار الزورق والتي راح ضحيتها 15 شخصًا ونجا شخصان، منهم فيربال كينت نفسه والآخر مجرم مجري احترق جسده بنسبة 60%.
يسرد فيربال كينت للضابط الأحداث بترتيب من البداية كومضات سابقة، يتخلل السرد بعض القصص الجانبية التي يتفوه بها فيربال لكن الضابط لا ينتبه لها. يحاول الضابط كويان أن يضغط على فيربال ليفضح أفراد العصابة، وبالتحديد دين كيتون (جابرييل بيرن) الضابط الفاسد الذي خرج من الشرطة مُدانًا بتهمة فساد. يرد فيربال على الضابط بأنه ليس واشيًا، وأنه لن يفضح أفراد العصابة حتى لو كان يعرف حقيقة موتهم من عدمه.
الخط الثاني هو خط المحقق جاك بيرن (جيانكارلو اسبوزيتو) الذي ذهب إلى المستشفى ليستجوب الناجي الأخر (المجرم المجري). تحدث معه قليلًا المحقق بيرن، لكن الآخر كان يتفوه بكلمات مجرية غير مفهومة مما دفعه لإستدعاء مترجم مجري، لكن ما استوقفه حقًا هو سماع اسم “كيزر سوزي”، الاسم الذي يرهب كل من يسمعه، فكيزر سوزي بالنسبة لجميع من يعرف قصته هو الشيطان ذاته. يقول المجرم المجري أنه رأى كيزر سوزي وجهًا لوجه وتحدث معه، وهو من أراد قتله.
الخط الثالث هو خط الحدث الحالي، بمعنى الخط الذي يتابع التحقيق مع فيربال كينت وحديثه مع الضابط كويان، وهو الخط الذي يحكي فيه فيربال عن بعض تجاربه الشخصية التي لا يهتم بها الضابط كويان، ويحكي ايضًا عن معرفته بقصة الشيطان.. كيزر سوزي.
خدعة الشيطان
“أعظم خدعة مارسها الشيطان هي اقناع العالم أنه ليس موجودًا”
يحكي فيربال كينت عن قصة كيزر سوزي الذي لا يعرف أصله أحد، يقول البعض انه تركي في الأساس، ويقول آخرون أن أباه ألماني الجنسية. كيزر سوزي هو مجرم صغير أقتحم بيته أحد العصابات المجرية وأغتصبوا زوجته وهددوا أطفاله بالسلاح، وعندما عاد قتلوا أحد أطفاله أمامه، فما كان منه إلا أن نظر في أعين عائلته، وقتل جميع من بالبيت بما في ذلك عائلته، لكنه ترك فردًا من العصابة المجرية كي يخبر باقي العصابات أن كيزر سوزي سيلاحقهم. بعدها بدأ كيزر سوزي في قتل جميع أفراد العصابات المجرية وعائلتهم.. ثم اختفى تمامًا ولم يعد يظهر.
بعض الناس صدقوا قصة كيزر سوزي والبعض الأخر إعتبرها قصة أسطورية غير حقيقية، وهذا هو ما يعتمد عليه كيزر سوزي كما يقول فيربال، فهو يحرك جميع الأطراف دون أن يتشابك معهم، دون أن يروه لكنه يراهم ويعرف ما يفعلونه، بل هو من يأمرهم بما يفعلونه دون أن يدروا.
هذا هو الخط المتصل بالنهاية التي ستتركك لدقائق مذهولًا قبل أن تعيد مشاهدتها عشرات المرات بعد ذلك كي تستطيع تصديق ما حدث أمامك.
النهاية الصادمة
لم يكن فيلم The Usual Suspects مجرد فيلمًا عاديًا عن قصص العصابات، على الرغم من القصة الاعتيادية. مجموعة من المجرمين، جريمة سطو مسلح، كوكايين وأموال، تحقيقات الشرطة، موت البعض، والنجاة للقليل. قصة معتادة من قصص العصابات، لكن هذا الفيلم هو بالفعل فيلمًا مختلفًا.
أحد أسباب رؤيتي له كفيلم مختلف هو عدم وجود بطل أوحد بالفيلم، بالرغم من خطف كيفين سبيسي لجميع الأضواء إلا أن كل من كانوا بالفيلم أدوا ما عليهم تمامًا، جميع أفراد العصابة (ستيفن بولدون، بينسيو ديل تورو، كيفن بولاك، وجابرييل بيرن)، الضابط والمحقق (شاز بالمينتري وجيانكارلو اسبوزيتو)، المونتير الرائع (جون أوتمان) والمخرج (براين سينجر) والسيناريو المحكم لكريستوفر ماك كويري.. جميعهم كانوا رائعين.
التصاعد الدرامي من أول لقطة إلى الوصول لقمة العظمة في آخر لقطة يجعلك غير قادر على رفع عينك من على الشاشة، فالتتابع الرائع الذي خلقته خطوط السرد الثلاثة يجعلك في بعض اللحظات مشتتًا، لكن هذا كان مقصودًا كي تركز أكثر من التفاصيل، حتى لا تقع في نفس خطأ الضابط كويان الذي لم يعبأ بالتفاصيل حتى وجد نفسه أمام نهاية أصابته بالذهول كما أصابت – تقريبًا – كل من شاهدها بالضبط.
حصل الفيلم على جائزتي أوسكار عام 1996، الجائزة الأولى هي جائزة أفضل سيناريو غير مقتبس وذهبت إلى “كريستوفر ماك كويري”، أما الجائزة الثانية فهي جائزة أفضل ممثل في دور مساعد وذهبت للعبقري “كيفين سبيسي” الذي استحقها عن جدارة بعض أداءه لأحد أفضل أدواره في السينما من وجهة نظري.
يبقى فيلم The Usual Suspects من العلامات المُهمّة جداً في تاريخ السينما، لطريقة عرضه “المبتكرة” في وقتها، والجرأة في نهايته المفاجئة، ليُخلّد كواحد من أهم الأعمال السينمائية التي شاهدناها في تاريخ الشاشة الكبيرة.
تريلر فيلم The Usual Suspects
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
فيلم مُدهش، تحفة فريدة لا تُنسى، ستعلق بذهن كل مُحب شغوف لعالم السينما.
شكرًا لقراءتك الجميلة لهذا الفيلم : )
Must-watch 🙂