مسلسل The Wire .. الوجه المظلم لأمريكا

بوستر مسلسل The Wire
د. محمد أبو عوف
د. محمد أبو عوف

9 د

كنت أبحث عن مسلسل أشاهده، فتحت قائمة أفضل 250 مسلسلا على موقع imdb لأجد معظمها مسلسلات وثائقية أو تتكلم عن الطبيعة، ثم توقفت عند المسلسل السادس في القائمة، the wire إنتاج 2002، قديم نسبيًا، 5 مواسم، الموسم يتراوح من 10 إلى 13 حلقة، الحلقة مدتها ساعة إلا دقائق قليلة، فأنا أمام رحلة طويلة، ومن طبيعتي أنني عندما أبدأ مسلسلًا أنهيه حتى لو لم يعجبني، فكانت هنا المخاطرة، خصوصًا أنني أملُّ سريعًا من المسلسلات التي يعتبر الحوار هو البطل الأول فيها.

المسلسل يحكي عن الوجه الآخر لأمريكا، حيث الفقر والجهل والمخدرات والأمراض والفساد السياسي وصعوبات القانون والبيروقراطية التي تفسد كثيرًا من القضايا التي تبدو مُحْكمة، لكن المحامي يستطيع انتزاع أعتى المجرمين من براثن المحكمة، وينقسم إلى 5 موضوعات داخل إطار كبير هو عالم المخدرات والعنصرية في بالتيمور أمريكا والصراع بين المواطن الأسود والأبيض.

مسلسل النهاية .. لماذا لم يحقق أول مسلسل خيال علمي مصري النجاح المطلوب؟


5 مواسم.. 5 موضوعات

الموسم الأول: عالم المخدرات في بالتيمور، الكثير من الحديث عن أوضاع السود في أمريكا، والفوارق الطبقية والإهمال الذي يتعرضون له، فهذه هي قضية المسلسل الرئيسة.

الموسم الثاني: الميناء البحري والتهريب والفساد يقل هنا حضور تجار المخدرات، ويظهر الميناء و”سبوتكا” أمين نقابة العمال في ميناء بالتيمور وتورطه في قضايا تهريب، وقضية قتل لحوالي 20 امرأة عثر عليهن داخل “كونتنر” على رصيف الميناء، لكن مع مرور الأحداث تتعاطف معه، فهو يسهِّل عمليات التهريب لكي ينفق الأموال على عمال الميناء، لأنهم مُهمَلون وظروفهم المادية صعبة، لكن الأحداث تخرج عن السيطرة، ويُسجن ابنه المتمرد الفاشل بتهمة القتل بعد أن تورط في أعمال تهريب.

الموسم الثالث: انتخابات المدينة، في البداية هو موسم يكاد يكون مملًا لأمثالي، مليء بأحاديث في أروقة الحكومة بين كبار المسؤولين، كلام معقد عن تفاصيل القضايا والإنجازات والتحالفات، فالانتخابات اقتربت، وهنا تظهر شخصية “تومي كاركيتي” ذلك الشاب الأبيض الذي يريد أن يصلح الأحوال في المدينة، لكنه يقول معبرًا عن غضبه من سوء الأوضاع وعدم تقبل الناس له “سأصبح رئيسًا أبيض لمدينة سوداء”، ويحاول إصلاح القليل منها عن طريق التعاون مع “بايريل” مفوض الشرطة، لكن المفوض يرفض التعاون بحجة أنه صاحب ولاء للعمدة ولا يستطيع أن يتخطاه، وسرعان ما تدرك أنه لكي تفهم الجزء الثاني من الموسم الثالث لا بد أن تمر بحوارات أروقة الحكومة، يجب أن تعرف ما يقال، وما يفكر فيه كل فرد في المنظومة، في النصف الثاني من الموسم الثالث تتغير الظروف التي توجب على “كاركيتي” الترشح لمنصب العمدة، فتدور الأحداث حول الانتخابات، ويعتمد برنامج “كاركيتي” الانتخابي على الوعد بتخفيض معدل الجريمة حتى يستطيع الاستثمار في بالتيمور وعن طريق الاستثمار يستطيع رفع مستوى معيشة السكان.

وفي خط درامي آخر، هناك الضابط المسؤول “كولفن” الذي قرر أن يخفض معدل الجريمة عن طريق تجربة جديدة، وهو إبعاد تجار المخدرات إلى منطقة مهجورة ليبيعوا فيها بضاعتهم دون أن تتعرض لها الشرطة، شرط عدم القتل أو العراك، ستؤمنهم الشرطة ليعملوا دون مضايقات، لكن هذا الأمر يجب أن يبقى سرًا لأنه لم يعرضه على رؤسائه، وقد سماها البائعون في الشارع “هامستردام”، وعندما فضح أمر شارع “هامستردام” سقط معه العمدة، وتم عزل “كولفن” عن الخدمة، الذي لم يجد نفسه في العمل كمدير أمن في فندق، وانتقل للعمل في مدرسة الحي بسبب تجربته وخبرته في التعامل في المخدرات، فالشباب الصغير في المدارس يعمل بعد وقت المدرسة في المخدرات وهم الزعماء في المستقبل وهذا موضوع الموسم الرابع.

الموسم الرابع: يناقش مشكلة المدارس والمخدرات، وكيف يزوِّر المدرسون الأرقام لكي يحصلوا على التمويل اللازم لإدارة المدرسة، وكيف يتم الاهتمام بالأوراق والأرقام على حساب الطلاب، كما أن الطلبة تنقطع عن التعليم وتذهب للعمل في المخدرات لكي يستطيعوا أن يمضوا في الحياة لأن الآباء في السجن أو حالة إدمان.

حاول “كولفن” تطبيق تجربة “هامستردام” بأن يُخرج الطلبة الفاسدين من الفصول ويضعهم في فصل خاص به بعض الشدة، ولا يتعلمون المناهج الدراسية بل يحاول المدرسون أن يفهموا نفسية هؤلاء الطلبة.

عشر حقائق مذهلة عن مسلسل بريكنق باد Breaking Bad

مسلسل The Wire

الموسم الخامس: الصحافة وكواليسها، “كاركيتي” حاول تنفيذ وعوده ناحية الشرطة لتقليل الجريمة، لكن فساد ميزانية العمدة السابق جعله لا ينفذ أي وعد منهم بل ساء الوضع كثيرًا، ومنحوا الضباط فرصة العمل الإضافي بعد ساعات العمل الرسمية، حتى وصل بهم الحال إلى أن قضية جثث مجهولة لا تُحَل، لأن المعمل الجنائي لا يملك النقود التي تمكنه من عمل التحاليل اللازمة، وبناء عليه أصبح الوضع أكثر صعوبة، فالجريمة تزيد والوضع السياسي بالنسبة لـ”كاركيتي” سيئ، فالكل يحاول أن يستغله والانتخابات اقتربت ويجب أن يفوز بدورة ثانية، هذا سيناتور فاسد، وهذا مفوض شرطة يعرف الكثير عن الكثير، وهذا عمدة سابق سرق 54 مليون دولار من ميزانية التعليم، وتحمل مسؤوليتها العمدة الجديد، وهذه قضية بها 22 جثة مجهولة وجدت في منازل مهجورة يمتلكها تاجر المخدرات الشاب “مارلو ستانفيلد”؛ لذلك تجده يتغاضى عن بعض الفساد في سبيل الحصول على الأموال اللازمة لبالتيمور والتي في النهاية ستصب في مصلحته في الانتخابات القريبة المقبلة.


مسلسل The Wire البداية.. كلهم أبطال

الموسم الأول من مسلسل The Wire سحبني إلى عالم أوائل الألفية وسحرني تمامًا، فما زالت الهواتف الثابتة هي المسيطرة، والأعمال الورقية، إضافة إلى التصوير القديم، النوستالجيا هي التي سيطرت عليّ في البداية، القناة الثانية الأرضية والحلقة التي تفوتك لا تستطيع تعويضها، لكن المفاجأة كانت في انتظاري، رغم محلية المسلسل وتحدثه عن بالتيمور إلا أنني سافرت معهم بالفعل إلى هناك وعشت معهم تفاصيل حياتهم كلها.


ماكنلتي البطل الغائب الحاضر

الموسم الأول من مسلسل The Wire يعطيك صورة كاملة عن شوارع بالتيمور وعن المخدرات، وعلى رأسهم “أيفون باركسديل” و”سترينجر بيل”، فهما يملكان الشارع، يطاردهما مجموعة من الضباط على رأسهم السكير الذكي الشغوف بمهنته جيمي “ماكنلتي”، وأفضل ما قيل عنه طوال المسلسل “إن القضية تسيطر عليه مثل السرطان، فهو يعمل في القضية ليل نهار، لا شيء يشغل باله إلا “أيفون باركسديل”.

لكن “ماكنلتي” لسانه سليط، في كثير من الأحيان يتخطى الرؤساء الذين يكرهونه ويجادلهم ويهاجمهم، فيغضب منه الجميع، وفي العمل الشرطي لا وجود للجدال، فقط السمع والطاعة والانضباط. بعد تعلقك بشخصية “ماكنلتي” وظنك أنه المنقذ وأنه البطل الأول للمسلسل تفاجأ بعد انتهاء الموسم الأول باختفائه، فقد أرسلوه للعمل في الميناء كضابط بحري يرى التصاريح ويكشف عنها، ويساعد من لديه مشكلة مثل تعطل مركبته، عمل ممل لا يوجد به أي إثارة، وهو ينصاع للأوامر بعد ما أبعدوه تمامًا عن العمل الشرطي الحقيقي.

الحقيقة أن هناك العديد والعديد من الأبطال، فهناك “رولز”، “بايريل”، “بانك”، “دانيالز”، “كارف”، “شيكيما”، “ليستر”، “كولفن”، “بروب”، “لاندسمان”، “سيدنور”، “رواندا”، و”هيرك”، كل من سبق هم من دائرة تمثيل القانون، بمختلف الرتب البوليسية والقضائية.


ضباط آخرون

فهذا “بانك” بسيجاره الضخم وبدلته الرسمية، و”ليستر” الضابط الداهية الذي يتحرك قليلًا لكن عقله يعمل كثيرًا، وهو صاحب عبارة: “عندما تتبع المخدرات فإنها ستقودك إلى المخدرات، لكن عندما تتبع الأموال فإنك لا تعلم إلى أين ينتهي بك الأمر”.

وحدة الجرائم الكبرى برئاسة “دانيلز”، عندما تشاهدها في بداية الأمر فتظن أنها ستكون مثل فريق الصاعقة الذي سينهي جميع مشكلات أمريكا الإجرامية، لكن مهلًا، إن الوضع في غاية الصعوبة والتعقيد، فتجار المخدرات والمهربون والمحامون يمثلهم المحامي”ليفي” يعرفون جيدًا كيف يديرون أعمالهم، ولأن “ماكنلتي” شخص هوائي سكير فقرر – في الموسم الخامس – خلق قضية وهمية لتسليط الضوء مرة أخرى على الشرطة وللحصول على التمويل اللازم، فلفق الأدلة وأقنع الجميع أن هناك قاتلًا متسلسلًا يقتل المشردين .

هذا القاتل المتسلسل كان نقطة تحول في كل المدينة، وضعت ميزانية مفتوحة لهذه القضية، أخذ “كاركيتي” هذا الأمر بجدية لحماية المشردين فخطب فيهم خطبًا عدة، ولأنه لا يوجد قاتل متسلسل فأخذ “ماكنلتي” يوزع الضباط والسيارات على قضايا أخرى يحتاج ضباطها هذه الأشياء، وبالفعل حلت الكثير من القضايا التي كانت معلقة بسبب قلة الأموال.

وكان للصحافة دورها، فجريدة the sun بالتيمور يعمل بها صحفي مريض شهرة يلفق القصص والتصريحات، ادعى أن السفاح اتصل به تليفونيًا وبالطبع عرف “ماكنلتي” هذه الكذبة فأراد استغلالها لصالحه فكلمه “ماكنلتي” بنفسه منتحلًا شخصية السفاح.

الشخصية المشتركة في هذه اللعبة هو “ليستر” الذي كان يجري وراء “مارلو ستانفيلد” وفساد السيناتور والجثث المجهولة، فأخذ جهاز التصنت – الذي رصده جهاز الشرطة لقضية السفاح – لحسابه، وتم بالفعل القبض على شبكة “مارلو” كلها لكن القضية فاسدة، فالتصنت على الهواتف المحمولة اكتشفه المحامي “ليفي” وخرج “مارلو” مرة أخرى إلى الشارع، وسُجِن القاتل (مساعد مارلو)، وفضحت قضية السفاح فأخرجوا ليستر و”ماكنلتي” من الخدمة، وطلبوا من “دانيلز” تزييف نسبة انخفاض الجريمة لاقتراب موعد الانتخابات فرفض واستقال لأنه قبل التستر على فضيحة ماكنلتي.


 النهاية وشخصيات أخرى

انتهى المسلسل النهاية الطبيعية المتوقعة، ليست سعيدة وليست حزينة لكنها نهاية طبيعية، فمن استطاع النجاة نجى ومن لم يستطع سقط، هذا هو ما سيواجهك به المسلسل، فالحياة يا صديقي تختلف كثيرًا عن المسلسلات والأفلام.

فقوة القانون – الذي يجب احترامه لأنه المأمن للجميع – تُخرج تاجر المخدرات القاتل من السجن، و”ماكنلتي” – ابن المؤسسة – قام بمصيبة لكن خروجه كان آمنًا وقدم له أصحابه احتفالًا بهذا الخروج الآمن، فهو كما قالوا في تأبينه الساخر باعتبار جهاز الشرطة قتله (الأفضل فيهم).

“كاركيتي” رجل مرعب، شخصيته السياسية وخطابته تجبرك كمشاهد على التصفيق له، مجهوده في الوصول لأفضل الحلول حتى وهو يتغاضى عن السيناتور الفاسد يجعلك تقول لو كنت مكانه سأفعل مثله، فيجب أن أنقذ موقف، ولن ينقذ الموقف للأسف غير المال، ولا يوجد مصدر آخر للمال غير هذا الرجل؛ لذلك تعرف أن المال ينقذ أصحابه في أحلك الظروف، كما أن “هيرك” الذي فُصِل من الشرطة بسبب سرقة كاميرا مراقبة وكذبه بشأن هذه السرقة، حاول أن يضع “مارلو” في مأزق بإعطائه رقم هاتفه لـ”كارفر”، وشارك في القبض عليه لكن التفاصيل الدقيقة أنقذت “مارلو”، وهو من نبه ليفي إلى مسألة التصنت الذي استغلها أفضل استغلال في هدم القضية.

“دانيالز” الرجل الذي بدأ حياته كشرطي بطريقة غير شريفة كانت نقطة سوداء في ملفه لازمته حتى استقال، فقد حاول أن يعمل “عمل الشرطة” كما كانوا يطلقون عليه في المسلسل، لكن الظروف السياسية كانت أقوى من ذلك، فوجودك في منصب كبير يجعلك سياسيًا أكثر منك شرطيًا.

الجميع استفاد مما فعله “ماكنلتي” في اختراع قصة السفاح، فقد حلت قضية الجثث المجهولة التي رفعت أسهم “كاركيتي”، “رواندا” أصبحت قاضية، وكان “دانيلز” سيترقى ليصبح مفوض الشرطة، وكان بالطبع فصل “ماكنلتي” و”ليستر” هو الإجراء الطبيعي لهما فقد تخطيا جميع الخطوط الحمراء.


 التفاصيل الإنسانية

كذلك المسلسل لا يخلو من العلاقات الإنسانية بل الكثير منها، وكيف تؤثر مهنة الشرطي على الحياة الشخصية وكيف أفسدت حياة ماكنلتي وكيما، وكيف كان الجميع ينصح ماكنلتي بالحصول على حياة حقيقية بجانب حياته كشرطي، معظم شخصيات المسلسل ظهر جانب حياتها الشخصية بقوة، فكان مؤثرًا في مسار حياتها.


عمر و بابز.. كيف يشكل الشارع الشخصيات

“عمر” اللص صاحب المبادئ، لن أتحدث عنه كثيرًا لكي أثير فضولك وأترك لك مشاعرك الخاصة تتكون تجاهه، فهو اللص المثلي الذي يسير في الشوارع ببندقية، ويفر الجميع من أمامه لكنك لن تستطيع أن تكرهه، و”بابز” المشرد المدمن وقصته مع أخته التي أوته في بدروم منزلها، كيف استطاع أن ينجو من الموت مرات ومرات حتى أقلع عن الإدمان وعاد مرة أخرى للحياة.


تعقيدات الحياة في مسلسل

مسلسل The Wire يعلمك كيف تسير الحياة، يعلمك أن ليس كل ما تراه أمامك حقيقة، وأنك لن تعرف الحقيقة أبدًا، فهناك الكثير والكثير من التفاصيل التي تبقى سرية إلى الأبد، ولن تعرفها، الحياة معقدة، البعض يخطئ أخطاء كارثية تنقذه فيما بعد، والبعض تظنه فاسدًا لكنه شريف، والعكس بالعكس، كما أن هناك خيطًا رفيعًا بين الجحيم والجنة.

فهو مسلسل يشدك معه منذ اللحظة، أتمنى أن يعاد اكتشاف هذا المسلسل فهو يستحق أن يكون “تريند” لأعوام وأعوام، فإذا كنت تريد أن تشاهد كيف تكتب الدراما وكيف تمثل فعليك بـ مسلسل The Wire.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.