فيلم Time out of mind ومحاولة تجسيد البشر غير المرئيين
4 د
يبدو أن هذا العام هو موعد النجوم الكبار ليعودوا للسينما بأدوار قوية ويجذبون البساط من أسفل اقدام الجيل الأصغر، فشاهدنا من قبل فيلم Manglehorn لال باتشينو وادائه القوي لشخصية الرجل المنعزل في ذكرياته، واليوم سنتعرف على فيلم Time Out of Mind وعزف منفرد آخر من ريتشارد جير الذي غاب عن الشاشة منذ عام 2012، ولكنه عاد بقوة واثبت أن قدراته التمثيلية يتم صقلها على مر السنوات وليس العكس.
فيلم Time out of mind حالة خاصة بالكامل وليس أداء ريتشارد جير فقط، ويتناول قضية المشردين في الولايات المتحدة، ولكن من زاوية قريبة وحساسة، ليتعرف المشاهد من خلال الاحداث على هؤلاء البشر الذين اعتاد المواطنين الغربيين على كونهم غير مرئيين، ولكن من وجهة نظرهم هم، فالبطل الذي لا نعرف اسمه اغلب احداث الفيلم أحد هؤلاء المتشردين، والذي نعايش حياته لحظة بلحظة ومعاناته اليومية ليجد المأوى والطعام، ونعرف ماذا اوصله لهذا الحال؟
فيلم Time out of mind من إخراج Oren Moverman وهو كذلك كاتب السيناريو، لذلك يمكن اعتبار العمل مثل مشروعه الخاص الذي وضع فيه روحه ورؤيته، واستطاع ان يستخدم ادواته مع موهبة ريتشارد جير ليوصل للمشاهد ما يريد دون الكثير من الكلمات، حيث اقتصر الحوار في الفيلم على لحظات قليلة، مع جعل الاحداث تدور من وجهة نظر البطل، كما لو إننا نشاهد فيلماً وثائقياً، وقد عزز من هذا استعمال أصوات البشر السائرون المتكلمين في الهاتف ووسائل المواصلات بديلاً عن الموسيقي التصويرية المعتادة، وتعلو هذه الأصوات وتخفت لتدل على التشوش الذي يعيشه البطل.
تم مناقشة واقع تعامل الحكومة الامريكية مع المشردين كذلك، والبروتوكولات والقوانين المتبعة، ونقد لبعضها بطريقة واضحة، وتناول ردود افعال افراد المجتمع المتباينة اتجاههم، بين من يخافهم او يتجاهلهم، ومن يمد لهم يد المساعدة ويحاول إعانتهم على ظروف حياتهم القاسية، وتم عرض الفيلم في العديد من المهرجانات وفاز بجائزة في مهرجان تورتنو الدولي.
هائم في الطرقات..
تبدأ الاحداث بالبطل وهو نائم في حوض استحمام إحدى الشقق المهجورة، ويوقظه مدير البناية ويطرده، يبدو مجروحاً في وجه ومشتت الذهن ويلقي عدة عبارات حول انتظاره لأحد ما، وأن هذا منزله ويبيت هنا كل يوم، ولكن يُطرد في نهاية الامر، وما يثير الاستغراب ملابسه الانيقة وحقيبته التي يجرها خلفها حول المدينة.
تتدهور أمور البطل سريعاً، فيضطر التخلي عن معطفه وبيعه للحصول على القليل من المال، ويحصل على معطف آخر رث من مكتب لتوزيعها على المتشردين، وفي احدى الليالي تضيق به كل الأماكن، ويذهب إلى مأوى للمتشردين لأول مرة.
أنا لا أحد!
في بداية الاحداث نتعرف على جورج الوحيد الذي لا يهمه شيء سوى أن يجد المأوى والطعام، فلا تؤذيه حقيقة انه متشرد ولا يهدف تغيريها، ولكن يدخل في حياته صديق بمثل حالته، لكن يختلف عنه بقبوله لحقيقته.
وجود هذا الصديق في حياة جورج أضاف عليها لمسة واقعية واضحة، فبعد ما كان هائم في ملكوته الخاص طوال الوقت، استطاع ديكسون أن يجذبه إلى أرض الواقع مرة أخرى، ويساعده في الحصول على أوراق وهوية شخصية، ويعرفه على خفايا حياة المشردين، ويستجوبه عن حياته، ويسخر منه عندما يرفض أن يعتبر نفسه متشرداً.
حتى يصل في احدى المشاهد إلى ذروة الفيلم او الـ Master scene بلغة السينمائيين، حين تغلق كل الأبواب في وجه جورج، ويمشي معه صديقه ديكسون يسخر منه ويشاكسه كالمعتاد، ليغضب في النهاية ويقف في منتصف الطريق يبكي حاله ويعترف إنه اصبح متشرداً لا مكان له ولا عائلة، ثم يخبره عن سبب رفضه اعتبار نفسه كذلك قائلا:
“نحن المتشردين لا شيء مثل الهواء، يمشي الناس حولنا لا يروننا، وإن رأونا يعتبروننا مثل الشخصيات الكارتونية، مثيرة للسخرية.”
أراد الكاتب ماضي جورج عادياً مثل آلاف المشردين، الذين ظلمتهم الحياة مرة بعد المرة واستسلموا وبدأوا في نزول درجات سلم الحياة ليصلوا إلى الدرك الأسفل بسلاسة، فلم يعطه قصة درامية عنيفة، او يجعله محل لشفقة المشاهدين، فهو مخطئ وظالم ايضاً وما حدث، له يد فيه وليس الضحية طوال الوقت.
والغرض الأساسي من فيلم Time out of mind ليس عرض قصة المتشرد جورج، بل استعراض واقع شريحة معينة في المجتمع عن طريق اختيار عينة عشوائية منها فقط.
قام كل من ريتشارد جير والمخرج بزيارة ملاجئ المتشردين والتعرف على النظام الساري بها ليستطيعا نقله بهذه الحرفية، واثناء التحضير لتصوير أحد المشاهد، كان البطل يبحث فيها عن شيء يأكله في صندوق القمامة، فقامت سائحة فرنسية بإعطاء ريتشارد قطعة من البيتزا كمساعدة له باعتباره متشردا من فرط تقمصه لدور، ولم تكتشف خطئها إلا بعد قراءة مقال عن الفيلم.
وخلال مقابلات صحفية مع ابطال الفيلم اوضحوا أن اهتمامهم به لم يكن كعمل فني يقدموه في مسيرتهم المهنية قدر ايمانهم بالقضية التي يقدمها.
تريلر فيلم Time out of mind
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.