قراءة فلسفية في مانجا وأنمي: طوكيو غول
6 د
العمل الذي سنتحدث عنه اليوم اختلفت عليه الأقاويل بشدة. سنتحدث اليوم عن طوكيو غول يا رفاق. العمل الذي تحول من مانجا إلى أنمي، ومر على أكثر من استوديو، وقال الكثيرون إن الأحداث طالها التشويه والقصّ العشوائي، وصار الأنمي عبارة عن كتلة غير متجانسة من الأحداث غير المنتظمة.
لكن بعيدًا عن القصة الأصلية وتحويلها إلى أنمي، في أراجيك عندما نتحدث عن عمل، نحاول بقدر الإمكان التمسك بالرسائل الأساسية التي يحاول إيصالها للجمهور، بغض النظر عن التحريفات التي يمكن أن تطاله مع الوقت. اليوم سوف نتحدث عن أنمي والمانجا طوكيو غول المحببة إلى الجميع، وكيف لها أن تحولت من قصة لجذب انتباه العالم لهذا النوع من الفن، إلى قصة دعت الملايين للتفكير والتساؤل: “لماذا نحن هنا”؟
اليوم معنا قراءة فلسفية في مانجا طوكيو غول تحديدًا، كفكرة وهدف. وهذا المقال واثق أنه سيكون واحدًا من أقرب المقالات إلى قلبي، وإلى قلوبكم بالطبع.
لمن لا يعلم، ما هي قصة طوكيو غول يا ترى؟
بطل القصة اسمه (كانيكي)، وهو فتى نحيف في المرحلة الثانوية بإحدى مدارس اليابان. لديه صديق صدوق يُدعى (هيدي)، ويعيش حياته وحيدًا، حيث فقد الأب وهو طفل، وفقد الأم بعدها بفترة قليلة. لكن مكتبة والده الراحل، غذَّت بداخله حب القراءة؛ فصار منطويًا بعض الشيء، ولا يستطيع التعبير عن مشاعره بسهولة.
في عالم (كانيكي)، البشر ليسوا في قمة الهرم الغذائي. فوق البشر توجد الغيلان، وهي مخلوقات لها نفس هيئة البشر، لكن تتغذى عليهم، ولا تستطيع أكل الطعام البشري الطبيعي. في ظل تلك الأجواء من التوجس العام، يُعجب الفتى بفتاة تتردد على أحد مقاهي القراءة التي يتردد عليها هو أيضًا.
وبمساعدة من صديقه، عبَّر لها عن مشاعره، لكن بينما هو في الطريق معها، تعضه فجأة ليتضح أنها غولة. وتتسارع الأحداث ويستفيق الفتى وهو في المشفى، وجسده أصبح نصف غول، ونصف بشري. ما الذي حدث؟ هذا ما ستعرفوه عند قراءة المانجا ومشاهدة الأنمي.
الصراع، وما أدراك مع الصراع
أول شيء أتى في بالك بالتأكيد هو خِتام الفقرة الماضية، كيف لشخص أن يصير نصف غول ونصف بشريّ في عالمٍ يكره الغيلان ويشفق على البشر؟
الأمر هنا يبعث عن القلق الشديد، والدخول في حلقة مفرغة من الأفكار المتتابعة. هل أنا غول؟ هل أنا بشري؟ إذا كنت مزيجًا بين كليهما، هكذا لن أجد لي مكانًا في أي عالمٍ منهما، سأصير منبوذًا فحسب. لكن يا رفاق هذا هو المغزى السطحي من الفكرة، المغزى العميق هو: ما إسقاط ما حدث (لكانيكي) على حياتنا نحن؟
حاول أن تتخيل معي الآتي…
بالأمس كنت ترى أن المرأة جنس لا يُعتمد عليه أبدًا، المناصب خُلقت للرجال فقط. لكن تفاجأت بحصول زوجتك على فرصة عمل أرقى وأكبر من عملك بمراحل، وهنا تملكك الصراع بين معتقدات المجتمع التي تسفه من المرأة، والواقع الذي يرفع من شأنها. هل أنا أدنى منها الآن؟ هل ستحقِّر مني؟ هل ستتحكم فيّ بفضل دخلها المادي الأعلى؟ والكثير من الأفكار الأخرى ستراودك.
المانجاكا طرح الحل بالفعل، سرد لنا قصة بديعة، الهدف الرئيسي منها هو عرض ذلك الصراع، وكيف لـ (كانيكي) أن وصل للسلام النفسي، وحقق التوازن بين نصفه البشري ونصفه الغولي. أنت يمكن يمكنك تحقيق هذا التوازن، كيف؟ ببساطة عبر تقبُّل التغيُّر من حولك. أنت لن تستطيع التحكم في غيرك أو التحكم في نفسك، لكن يمكنك تقبل التغيُّر في غيرك، والتغيُّر في نفسك.
أنت لست وحدك في هذا العالم
بالرغم من وجود صراع شديد بداخل البطل، إلا أن طوكيو غول بالمُجمل تقول لك: أنت لست وحدك.
في البداية، عانى بطل الأحداث بشدة في حياته. تخيل أنك في موضعه، ووحدك تمامًا. صديقك الصدوق، تخشى أن تصارحه بحقيقة ما حدث لك؛ فينبذك جرّاء ذلك. وترتعد من فكرة البوح بذلك للعامة، حتى لا تُقتل على الفور، أو تذهب إلى سجن الغيلان وتنتهي حياتك للأبد.
الذي أراد المانجاكا (إيشيدا) إيصاله للجمهور، هو أن البطل لم تتحسن حياته على الإطلاق، إلا عندما تقبل نفسه. وبعد تقبل نفسه، شرع في البحث عن آخرين ينتمون إلى نفس العالم الذي بات ينتمي إليه حديثًا. هذا يُعرف في علم النفس بـ (المساحة الآمنة للمرء) – Safe Zone. تلك هي المساحة التي يوجد فيها كل ما يُريح الإنسان ويُذهب عنه الألم والمُعاناة. يمكن أن تكون بالنسبة لك عبارة عن شخص، كوب من القهوة، أو حتى جلسة هادئة في الشرفة وقت الشروف. أما بالنسبة للبطل، كانت المساحة الآمنة هي أفراد مقهى (الأنتيكو) الذين هم من الغيلان في الأساس.
لا أخفي عنكم سرًا، حياتي كانت عبارة عن جحيم في الأعوام الماضية. في الفترة الأخيرة بدأت أنفتح قليلًا على الناس من حولي، ووجدت بالفعل المساحة الآمنة التي وفرت لي السلام النفسي. والعمل الفني الذي حثني على البحث عنها، كان هذه المانجا، وقصة (كانيكي) التي حركتني بعض الشيء لأحاول التغيير من نفسي.
لماذا؟
طوكيو غول دائمًا ما تدعوك للتفكير. وأبرز أداة تساؤلية تستخدمها هي: لماذا؟
لماذا البشر هكذا؟ لماذا لا يتقبلون الاختلاف. وإذا تقبلوه، لماذا يتصنّعون الاهتمام بدلًا من أن ينبع من قلبهم فعلًا؟ وإذا نبع من قلبهم، لماذا لا يصير الاهتمام هو السمة العامة للبشر؟ بدلًا من أن نجد نفوسًا مسممة تسير بيننا كل يوم وتنتظر أقرب فرصة لتنهش ثقتنا الهشّة بأنفسنا؟ ألف لماذا ولماذا ستسحقك كما ولو كانت جبلًا راسخًا يأبى الحراك.
مثل الفلسفة بالضبط. الفلسفة تعتمد على التساؤل والتشكيك في كل شيء وأي شيء. ودائمًا ما تطرح أسئلة تدور حول (لماذا؟). وبالطبع أشهر سؤال حرّك كل الفلاسفة: “لماذا نحن هنا؟”.
التساؤل عن غاية الوجود هو الذي صنع مفترق الطرق بين الفلسفات كلها. وبناء عليه، جعل أبرز الفلسفات هي الفلسفة العدمية، والتي تقول أن الإنسان جاء بلا هدف، وسيذهب بلا هدف أيضًا. في وجهة نظري، أرى أن تلك الفلسفة يُغذيها الاكتئاب وانعدام الغاية والهدف. وإذا قِسنا الأمر على (كانيكي)، سنجد أنه لمدة طويلة من أحداث المانجا، كان متبعًا لتلك الفلسفة ظاهريًّا، لكن يرفضها باطنيًّا. كيف ذلك؟ لنحاول تحليل فكرة طوكيو غول قليلًا.
بطل طوكيو غول وجد نفسه منبوذًا من العالمين كليهما، لكن احتضنه عالم الغيلان مع الوقت. وسرعان ما فقد الثقة فيه وهام على وجهه وحيدًا. ثم احتضنه عالم البشر، ممثلًا في صديقه (هيدي). لكن بعدها عاد إلى الهيام من جديد. بين كل مرحلة هيام، توجد مرحلة رجوع. الطابع العام للحياة بالنسبة له هو أنه لا توجد فائدة من العيش، وبناء عليه قرر أن يصير قويًّا من أجل القوة فحسب، أو هذا ما أقنع به نفسه في الواقع.
السبب الرئيسي هو أنه صار قويًّا كي يحمي من يحب. وهنا يظهر رفضه القاطع للفلسفة العدمية. (كانيكي) مرهف الحسّ جدًا، إنسان مُحطم، عانى من الكثير من آلام الفقد. والذي أكمل على مُعاناته، التحول الذي طال حياته فجأة. من الطبيعي أن يجد إنسان كهذا أن الحياة لا تحبه، وأنه لا توجد فائدة من العيش على الإطلاق. لكن لا، البشر والغيلان الجيدون من حوله غيّروا هذا المفهوم من خلف الستار، حتى ظهرت قناعته الفعلية في نهاية المانجا.
وهنا يمكن القول أن المساحة الآمنة التي تحدثنا عنها منذ قليل، هي التي تعمل على إيجاد الغاية من الحياة، والتي تُذهب الأفكار السلبية مع الوقت.
وفي الختام
مانجا طوكيو غول أكثر من مجرد قصة، إنها حياة كاملة. القصة ربما تتناول مجموعة أحداث من حياة الإنسان، لكن مع هذه المانجا، تشعر كأن المانجاكا قرر تقديم حياة كاملة بها مجموعة مهولة من القصص، لشخصيات متشعبة ومتداخلة بطريقة لا تصنع قصة، بل والآن أكررها مرة أخرى، هدف مقال اليوم كان الحديث عن الفكرة بمنظور فلسفي عفوي جدًا؛ لذلك أعتذر إذا وجدتم المقال عشوائيًّا بعض الشيء. مرت فترة طويلة منذ أن كتبت بعفوية هكذا، كان شعورًا جميلًا في الواقع. أتمنى أن تكون سطوري اليوم حركت فيكم شيئًا، وأراكم في مقالات أخرى.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
المقال فيه من ( اللت و العجن ) ما الله بهِ عليم ، المانجا تدور حول عدة محاور منها العيش بين عالمين و صعوبة اتخاذ قرار الانحياز الى احد هذين العالمين ثم تتفرع بعد ذلك إلى ما هو أبعد من اتخاذ القرار ، تُشكر على جهودك و مقالتك فسرت القصة بناءً على الأحداث التي مررت بها و منظورك للقصة بشكل خاص.
” بعض الأشياء لا تحتاج منّا إلى تعمق فظاهرها يكفي عن ما تُخفيه ” ، مرة أخرى تُشكر على جهودك المبذولة و أتمنى لك التوفيق