هل تخططين لإنجاب طفلك الأول؟ لا تشاهدي فيلم We Need To Talk About Kevin

فيلم We Need To Talk About Kevin
هدى اشنايبي
هدى اشنايبي

7 د

في واحد من أشهر مشاهد فيلم Fences، يخاطب دينزيل واشنطن “ابنه” أنّه غير مضطر لكي يحبه، وأنّ واجبه كأب ينحصر فقط في تلبية حاجات أبنائه وحمايتهم، أمّا بالنسبة للحب فإنّه لا يمكن لأحد أن يفرضه عليه أو أن يرغمه على أن يكنه تجاههم، وقد كان هذا المشهد مزعجًا وقاسيًا للعديد من المشاهدين، لكن هل كان دينزيل محقًا ؟

هل يجب على الآباء أن يحبوا أبناءهم؟ ماذا إن حاولوا لكن لم يستطيعوا ذلك؟ ماذا لو كان هذا الابن “وحشًا آدميًا” تمكن عن طريق شره اللا محدود أن يطفئ شرارة أكثر الغرائز قوة عند الإنسان؟ هل سنلوم الآباء عن ذلك حتى وإن كانوا قد فعلوا كل ما في وسعهم لتربية هذا الابن وتقويم سلوكه، ومنحه كل الحنان والاهتمام اللازم؟

قد تبدو هذه الأسئلة تافهة أو سهلة الإجابة بالنسبة للكثيرين الذين يرون كل المشكلات بمنظور مبسط جدًا، وسواء كنت منهم أم لا، فإنّني أدعوك لمشاهدة فيلم “We Need To Talk About Kevin” الذي حاول صُنّاعه عند إصداره سنة 2011، الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال عمل سينمائي بالغ الصعوبة والإزعاج، والذي سيجعلك تفكر مئات المرات قبل أن تفكر في إنجاب طفل، لذا، فإن كنت (ي) في انتظار مولود جديد، فإنّني أنصحك بعدم مشاهدة هذا الفيلم لما سيتسبب لك فيه من تأثير نفسي سيّئ.


قصة الفيلم

بطلة فيلم We Need To Talk About Kevin تيلدا سوينتون

تدور أحداث هذا الفيلم البريطاني – الأميركي الذي أخرجته “لين رمزي” وتم اقتباسه من رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة “ليونيل شريفر”، حول “إيفا” كاتبة مختصة بالأسفار وإنسانة تعيش حياة تملؤها السعادة إلى جانب زوجها فرانكلين الذي يتمتع بشخصية هادئة، ويحمل حبًا كبيرًا تجاه زوجته، إلاّ أنّ كل شيء ينقلب رأسًا على عقب بعد أن أنجبت أول طفل لها، والذي حول هذه الحياة الهانئة إلى جحيم حقيقي.

يصعب التنبؤ بالمنحى الذي ستأخذه الأحداث أو ستتجه إليه؛ بسبب العرض الغير خطي للأحداث، وعدم تقديمها بالترتيب الزمني الصحيح، حيث ننتقل بين الأزمنة والأماكن بشكل يجعل من العسير معرفة نقطة البداية في القصة، أو آخر أحداثها إلاّ عند مشاهدة الفيلم كاملّا، ومن ناحية أخرى فإنّ الجو العام للفيلم قد تم تركيبه بشكل يتعمد إدخال المشاهد في حالة نفسية مزعجة جدًا وغير مريحة؛ وذلك لأسباب سنتطرق لها في مختلف فقرات هذا المقال.

ويركز الفيلم بشكل خاص على علاقة “إيفا” بابنها عبر مختلف مراحله العمرية، ومحاولاتها المتكررة آملة في أن تحظى بأمومة طبيعية ككل النساء، وهو الأمل الذي يثبت “كيفن” في كل مرة أنّه لا يتعدى كونه ضربًا من الخيال.


طاقم التمثيل والسيناريو

طاقم تمثيل فيلم We Need To Talk About Kevin

اختيار الممثلين في هذا الفيلم كان موفقًا جدًا، فالممثلة ” تيلدا سوينتون” قدمت أداءً مثاليًا لا أتخيل أنّ أي ممثلة أخرى كانت ستكون قادرة على إتقان نفس الدور وإيصاله بنفس الضعف والقوة في آن واحد، ما عدا كل من ميريل ستريب، وجوليان مور اللتان أظن أنّهما كانتا ستقدمان أداءً مشابهًا إذا كان قد تم إسناد الدور إليهما، أمّا بالنسبة لدور “كيفن”، فإنّني لم أستطع التفكير في أي ممثل صغير السن كان سيؤدي الدور بنفس الشر والخبث الذي  أظهره النجم الموهوب “إيزرا ميلر”.

تكمن صعوبة هذين الدورين الذين تدور حولهما جميع تفاصيل الفيلم، في قلة الحوار الدائر بينهما، فالفيلم يكاد يكون خاليًا من أي محادثات طويلة، بل إنّ كل ما نحصل عليه هو مجموعة كبيرة من المشاهد القصيرة التي في أحيان كثيرة لا تحتوي على أي حوار يذكر أو لا يتعدى فيها هذا الحوار بضع كلمات، نظرًا للعلاقة الكارثية بين “كيفن” ووالدته، والغياب التام للتواصل بينهما، بل تركز الغالبية العظمى للمشاهد على ملامح الشخصيتين ونظراتهما لبعضهما، وعلى تصرفات كيفن وردات فعل “إيفا” في كل مرة، وعليه فإنّه تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المثالية التي قدمها هؤلاء النجمين لا تعود فقط إلى موهبتهما، بل حتى إلى قوة النص الذي تم إسناده إليها والذي لم يقم بإغفال أي من تفاصيل العلاقة بينهما.


عندما تتحول الأمومة إلى عذاب أبدي

تيلدا سوينتون فيلم We Need To Talk About Kevin

تغيرت حياة “إيفا” منذ اللحظة التي عرفت فيها أنّها تحمل “كيفن” في أحشائها، فالسيدة الناجحة التي كانت تحلم بأن تقضي حياتها حرة تتنقل من بلد لآخر ولا تحمل من المسؤوليات شيئًا غير عملها ككاتبة، اضطرت بعد حملها الغير المخطط له أن تلزم منزلها حفاظًا على صحتها وصحة جنينها، وهو أمر منطقي على الرغم من الأثر النفسي الذي خلفه هذا التحول في حياتها، لكن الأمر لم ينتهي هنا، فالمزاج البالغ السوء لطفلها الأول جعل عودتها للحياة الطبيعية بعد ولادتها أمرًا غير وارد، حيث أنّ هذا الرضيع الذي التحق حديثًا بأسرة “إيفا” لا يتوقف عن الصراخ والبكاء والنحيب في حضور والدته، لدرجة لا يمكن للإنسان تحملها، وهو الصراخ الذي سيرغمك الفيلم على سماعه لعلك تشعر بنفس معاناة “إيفا”، وليضيف جرعة الإزعاج التي سيزرعها فيك.

لعلك تفكر في أنّه رضيع، وأنّ هذا البكاء أمر متوقع، إلاّ أنّه في الحقيقة لا يستمر إلاّ عند وجوده وحيدًا مع والدته، وبمجرد التحاق شخص آخر بالمكان أو تواجده مع شخص آخر غيرها فإنّ هذا البكاء يتوقف أو على الأقل يصبح منطقيًا كأن يبكي عند شعوره بالجوع أو عند حاجته لتغيير الحفاظ، وهو ما يجعل “إيفا” موضع سخرية من الجميع الذين يظنون أنّ “كيفن” طفل عادي جدًا ككل الأطفال، وأنّ تذمر والدته لا يتعدى كونه مبالغات من طرفها لكونها لم تتمكن من تحمل عبء الأمومة.

وبتقدم عمر الطفل ونموه، بدأ يتوضح أكثر فأكثر أنّ “كيفن” لا يمثل سوى لعنة حقيقية على حياة هذه السيدة المسكينة، حيث أنّ ما كان يظهر في الأشهر الأولى في حياته على أنّه عدم ارتياح منه تجاه والدته لا أكثر، تحول شيئًا فشيئًا إلى تعذيب نفسي ممنهج لها، حيث استمر “كيفن” طوال سنين طفولته في إغضاب أمه بكل السبل الممكنة، عن طريق فعل أي شيء يعلم أنّه قد يزعجها أو يجرحها، ثم الظهور أمام أي شخص آخر بمظهر الطفل البريء الذي لا يختلف شغبه عن شغب أي طفل طبيعي آخر في العالم. وهكذا، استمر بالتقدم في السن ومعه تقدمت وتطورت تصرفاته لتصبح أكثر تحطيمًا لروح أمه التي قامت بكل ما يمكن أن تفعله أي أم مكانها من تقرب لابنها، ومحاولة التواصل معه أو فهمه أو حتى معاقبته وطلب رأي المتخصصين، دون أي نتيجة تذكر، فلم يتوقف هذا الابن عن تعذيب أمه واللهو بأعصابها ولو للحظة واحدة، أمّا المرات التي تصرف فيها بشكل جيد تجاهها، فلم تكن سوى تحضير لكارثة أخرى في انتظارها.

وببلوغه سن الراهقة أصبح كيفن أكثر شراسة تجاه أمه، لكن هذه المرة بشكل غير مباشر، فالوقائع المريبة التي بدأت بالحدوث في محيط الأسرة تشير بكل وضوح إلى أنّه مرتكبها، لكن هدوءه التام يجعل “إيفا” تظهر بمظهر المجنونة أو المصابة بالهلوسة والوسواس في نظر زوجها أو المقربين لها، ومن هنا نفهم عنوان الفيلم “We Need To Talk About Kevin” الذي يشير إلى محاولات الأم اللامتناهية للحديث إلى شخص ما، وعلى رأسهم زوجها، بخصوص كيفن منذ أن كان طفلًا إلى أن أصبح مراهقًا مخيفًا تدل جميع أفعاله على أنّه يحضر لمصيبة كبيرة. لكننا، كوالدته لا نملك سوى أحاسيس لا يمكن تفسيرها بشكل منطقي، وبالتالي فإنّ جميع هذه المحاولات قد باءت بالفشل بما أنّ لا أحد يعرف “الوجه الآخر” لهذا الطفل غيرها.

وحتى بعد حدوث المصيبة المنتظرة، وابتعاد كيفن عن أمه، فإنّ هذا لم يكن كافيًا لتنعم بحياة هادئة، بل استمر العذاب ملاحقًا لها بعد أن وجدت نفسها مضطرة لتحمل عواقب فعلة ابنها وردات فعل المحيطين بها تجاهها فقط لأنّها والدته، وحتى إن لم يكن لها أي دخل ولا يد فيما فعل هذا الابن، وهو ما يجعلنا نعود مرة أخرى إلى السؤال الذي تم طرحه في المقدمة، هل بعد هذا كله، يجب على إيفا أن تفرض على نفسها حب كيفن باسم الغريزة؟


الموسيقى التصويرية

إيزار ميلر فيلم We Need To Talk About Kevin

نعود إلى الجانب المزعج للمشاهد مرة أخرى، والذي شكلت الموسيقى التصويرية أحد أهم ركائزه ومميزاته، فأثناء مشاهدتك لهذا الفيلم الغريب سيثار انتباهك حتمًا لهذه الموسيقى حتى وإن كنت لا تلاحظها أبدًا في الأفلام الأخرى أو لا تعيرها أي اهتمام يذكر؛ بسبب تركيزك على أحداث الفيلم، والسبب بكل بساطة هو أنّ هذه الموسيقى غير مناسبة أبدًا للمشاهد التي ترافقها، حيث نجد أنّنا نستمع لأغنية مرحة أثناء مشاهدتنا لمشهد حزين،  أو سماعنا لأغنية رومانسية أثناء مشاهدتنا لمشهد حاد ومؤلم، وهي اختيارات موسيقية تسبب تشويشًا للمتفرج وتخرجه من الحالة النفسية التي من المفترض أن يغرقه المشهد فيها، إلاّ أنّني في رأيي على الأقل، أجدها اختيارات موفقة جدًا؛ لكونها تنمي إحساس الانفصال الذي يرصده الفيلم، أي انفصال مشاعر الأم عن ابنها، وانفصالها عن الواقع التي كانت تحلم به وتخطط له، بل وتعيشه أيضًا، قبل ظهور “كيفن” في حياتها. ولهذا، فإنّني أجد أنّ هذه الأغاني الغريبة لا تمثل سوى الإحساس الذي كان من المفترض أن تعيشه “إيفا” لو لم يكن هذا الابن موجودًا.

هل شاهدتم فيلم “We Need To Talk About Kevin؟ ” ما رأيكم به؟ شاركونا في التعليقات.

فيديو يوتيوب

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

تقرير جدًا جميل ومفصل لفيلم مثير للإهتمام بحق
وآرى أكثر ماجذبني بهذا الفيلم العنوان الذي آراه من منظوري يتمحور حول الإنجاب بشكل عام حيث تلمح المخرجة طوال الفيلم بمقاطع قصيرة لحياة إيفا قبل الإنجاب ,فموضوع الإنجاب في العالم حاليًا لا يدرس الا لفئة قليلة..
لذلك أصرت المخرجة المدهشة على تصوير ذلك بفيلم متوسط الطول هادئ بأحداث قوية انسانية .