دراسات سينمائية: ما الفرق بين الفانتازيا والخيال العلمي؟ وكيف تُصنع الأعمال الفانتازية؟
6 د
جميع الفنون تسعى لإيصال رسائل مُعينة للّذين يُعاينونها بشكلٍ أو بآخر. فالأدب يسعى لجعل القارئ متفهمًا لرؤية الكاتب، والموسيقى تهدف لجعل المستمع منغمسًا في الحالة الشعورية التي تريد إيصالها له، والمرئيات تحفّز المشاهد لخلق آلاف وآلاف الآراء والحالات الشعورية المختلفة. لهذا توجب علينا عمل سلسلة جديدة في أراجيك فن تحت عنوان دراسات سينمائية. وموضوع اليوم عن الفانتازيا يا رفاق.
دراسات فنية هي سلسلة تهتم بتحليل ومناقشة أبعاد وعوامل إنتاج الأعمال الفنية من منظور فني بحت. حيث لا نقف فقط على أسطح المصطلحات، بل نتعمق فيها بعض الشيء حتى نقف على الحد الفاصل بين الناقد المُعقد والمُحلل البسيط. فنسرد إليكم نظرتنا الفنية في المواضيع التي نناقشها، وهذا بأبسط وأسهل وأسلس صورة ممكنة.
اليوم سوف نتحدث سويًّا عن الفانتازيا. ولماذا نرى كثيرًا من الأعمال الفنية الفانتازية قوية بامتياز، وهذا بشهادة النقاد والمشاهدين على حد سواء. ولماذا نرى أعمالًا فانتازية أخرى سيئة ومزرية إلى أقصى حد. ما الخبايا التي تقع بين السؤال الأول والثاني؟ هذا ما سنتحدث عنه اليوم. لذا، هيا بنا!
ما هي الفانتازيا في الأساس؟ ولماذا تختلف عن الخيال العلمي؟
الفانتازيا هي خيال مُطلق، والخيال العلمي هو خيال مُقيد. حسنًا، ما معنى كل هذا؟ دعنا نتحدث قليلًا…
فلنفترض أنك الآن كاتب وروائي، وحاليًّا أنت تقوم بكتابة رواية جديدة. بطل روايتك متواجد على مستعمرة بشرية على سطح القمر، ويعمل كعامل لحام ويسكن في فقاعة آلية متنقلة على سطح القمر. أنت هنا خلقت عالمًا خياليًّا، لماذا؟ ببساطة لأن تفاصيله لم تحدث بعد في العالم الواقعي. لكنك أيضًا صبغته بالطابع العلمي، لماذا؟ ببساطة لأنك استعنت بالعلم والتكنولوجيا من أجل صقل أبعاد وجوانب عالمك الوليد.
فأنت في هذه الحالة خلقت عالمًا به تفاصيل المُستخدمة، وذلك تبعًا لقوانين خيالية من نسج عقلك بالكامل، لكن ذات أساس علمي رصين. هنا أنت مُقيد يا عزيزي، فلا تستطيع عمل أي شيء دون أن تُخضعه لقواعد وقوانين ونظريات العلم الحديث. فعلى سبيل المثال لا يمكنك أن تقول إن أهل عالمك يستطيعون السفر عبر الأبعاد دون أن تُحدد نوع الوقود المُستخدم والآلية الفيزيائية الفيزياء والكيمياء البشرية الحالية.
لكن في الفانتازيا، الأمر مختلف، ومختلف بشدة. ففي العالم الفانتازي، كل شيء يجب أن يبدو مُبهرًا وغريبًا وعجيبًا إلى أقصى حد. ويجب أن يكون مبنيًّا على قواعد وأسس خاصة به وحده، ويمكن تفسير أي شيء يحدث في هذا العالم عبر خلق المزيد والمزيد من القواعد، لكن بشرط أن تتواءم مع سائر القواعد الأخرى. فهنا يمكنك على سبيل المثال أن تخلق مجموعات شمسية يكون أبرد شيء فيها هو النجم الأم، وأن كل الكواكب والأجرام فيها مصنوعة من الحلوى والمثلجات. لا أحد يستطيع أن ينتقدك، ببساطة لأنك لا تتبع قواعد ثابتة تُنتقد عليها من الأساس.
الآن دعونا نُلخص الفرق بينهما في صورة مثال بسيط ونهائي. في العالم الفانتازي والعالم الخيالي العلمي هناك كائن حي جديد وُجِد على ظهر الكوكب الذي تقوم بين جنباته الأحداث. في العالم الفانتازي، أنت ستفسر وجود هذا الكائن تبعًا لقواعد وقوانين العالم الفانتازي الخاص بك، والتي يمكن أن تكون خيالية بالكامل ولا تمت للواقع بصلة. لكن في العالم الخيالي العلمي، أنت مُجبر على تفسير سبب ظهور هذا الكائن تحت مظلة علم الجينات والتطور الحيوي للأجناس، حتى ولو كانت فضائية. لذلك الفانتازيا مُطلقة، والخيال العلمي مُقيّد.
لماذا نرى عملًا فانتازيًا سيئًا وآخر جيدًا؟
جودة العمل الفني الفانتازي ترجع إلى مدى جودة خلقه وصنعه في الأساس. فكلما كانت عناصر الصنع منطقية ومتوازنة ومنسجمة مع بعضها بعضاً، كلما كان تأثيرها على المُشاهد أوقع، وكلما حصلت على آراء إيجابية أكثر لدى النقاد. عناصر إنتاج العمل الفانتازي كثيرة ومُتشعبة، لكن لنحصل على نظرة أعمق بالنسبة لها سوف نطرح سويًّا بعض العناصر الأبرز فيها.
- التاريخ ووسيلة التواصل
لا يمكنك أن تخلق عالمًا دون أن يكون له تاريخ. فإذا كان عالمك قديمًا، يجب أن تحرص على صنع تاريخ له، ولو كان موجزًا بشدة. وإذا كان وليد اللحظة، يمكن أن يكون تاريخه مقترنًا بتاريخ عوالم أخرى. وبما أن للعالم وجوداً، فبالتالي لأفراده وجود. وهؤلاء الأفراد لا يمكن أن يعيشوا دون تواصل.
فخلق طريقة وآلية تواصل شيء هام جدًا، خصوصًا إذا كان أفراد عالمك على قدر من الذكاء الذي يسمح لهم ببناء حضارات مختلفة. فبالتالي هنا يجب عليك صنع أبجدية مميزة وفريدة لهم وحدهم. فحَبْك وصقل تلك التفاصيل يضمن استمرارية العمل الفني، ويقلل من نسب الخطأ المُحتملة، وأيضًا يفتح أبوابًا لأفكار عديدة أخرى مستقبلًا في الحبكة الفنية.
- الملابس وصغائر الأمور
الملابس والتفاصيل هي التي تُعطي لشخصيات العالم الفانتازي الكينونة والاستقلالية. فعندما يكون في عالمك عدة كواكب، وكل كوكب لدى أهله طريقة صنع معينة للملابس، فأنت هنا تُعطيهم تميزًا وتفردًا عن سائر أقرانهم، مما يزيد من تنوع وفلكلورية العمل الفني. وأيضًا الملابس تُستخدم كإسقاط على المستوى الاجتماعي للطبقة التي تنتمي إليها تلك الشخصية بعينها خلال الأحداث.
كذلك صغائر الأمور الأخرى مهمة لتجعل العالم مميزًا بشكلٍ ما. فعلى سبيل المثال يمكن لأهل كوكبين أن يكونوا جميعًا يرتدون اللون الأحمر، لكن الكوكب الأول يضع نقطة بيضاء على ملابسه، والثاني يضع نقطة صفراء. لا يهم السبب، المهم هو التنوّع والخيال المُطلق. ببساطة لا يمكن صنع عمل فانتازي دون الاهتمام بتلك التفاصيل الصغيرة، تلك التفاصيل التي تجعل العالم الفانتازي قائمًا بذاته، ومتفردًا عن الجميع.
- معايير القوى
معايير القوى هي نقطة هامة تُعتبر من أكثر النقاط صعوبة في الحَبك والإنتاج، بل وأيضًا التطبيق على شخوص العمل الفني الفانتازي. فعندما يكون العمل الفني مليئًا بالشخصيات ذات القدرات القتالية العالية، تكون مرحلة وضع وتعيين معايير القوى هامة جدًا، وصعبة جدًا.
صعوبة وضع تلك المعايير تتمثل في كونها مرتبطة بالعديد من المُتغيرات، تلك المتغيرات التي تستطيع قلب موازين القوى في أية لحظة. فعلى سبيل المثال في الأنمي الياباني (Hunter X Hunter)، عمد الكاتب إلى صنع معايير القوى الخاصة به استنادًا على منطق النين. والنين هي طاقة روحية يستطيع الشخص تجسيدها خارج جسده واستعمالها في القتال.
- تريلر الفيلم الجديد لنيكول كيدمان وبرايان كرانستون وكيفن هارت The Upside
- الدستوبيا مرآة الواقع: إليكم عشرة أعمال أنمي دستوبيا مؤلمة وقوية!
هنا النين مقترنة بالعديد من المتغيرات مثل سن المستخدم، مدى خبرته، وهل لديه ثبات انفعالي جيد أثناء القتال أم لا، بجانب عشرات المتغيرات الثانوية الأخرى. لذلك أمام صانع الأعمال الفانتازية طريقان: الأول هو أن يضع معايير القوى بناء على المنطق، مع وجود نسبة من الحيود نتيجة متغيرات فجائية. والثاني هو أن يضعها بناء على اللامنطق، أي تكون القتالات مبنية بالكامل على الصدف والحظ والكبرياء والغرور والمشاعر البشرية المتضاربة. وبالطبع لا أحتاج أن أقول إن الطريق الأول هو الأفضل.
أعمال فانتازية ناجحة
بالتأكيد توجد العديد من الأعمال الفانتازية الناجحة على أكثر من صعيد فني واحد. فلدينا سلسلة روايات هاري بوتر وسلسلة روايات سيد الخواتم. السلسلتان اللتان تم تحويلهما إلى أفلام سينمائية حصدت ملايين الدولارات وحصلت على آلاف الآراء الإيجابية من المشاهدين والنقّاد على حدّ سواء. بجانب العديد من السلاسل أو الأعمال الفردية الأخرى سواء على صعيد الأدب أو السينما.
وفي الختام
في موضوع اليوم من سلسلة دراسات فنية عوامل صنع العمل الفانتازي الجيد، وما الفرق بين الفانتازيا والخيال العلمي. مما يجعلنا ننظر بعين فاحصة إلى الأعمال الفانتازية المُختلفة لنُميّز أيها يستحق أن يكون حسنًا، وأيها يستحق أن يكون سيئًا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
مقال جميل و مفيد
قد ابدعت وتعلمت الفصل بين الفنتازيا والخيال العلمي , ولكن السؤال هل المزج بينها يخلق شيئ مختلف ,ام ان العقل البشري في وقتنا الحاضر لا يقبل ذلك .
سأتحدث عن المجال العلمي واقترانه بالسينما في مقال قريب بإذن الله، وفيه سأتحدث عن الخيال العلمي أيضًا.
مجهود رائع … بوركت 🙂
يا ليت لو تتكلم عن الخيال العلمي مثل ما شرحت الفانتازيا لان اعتقد الفانتازيا طاغية على الخيال العلمي ولا احد يعيره اهتمام تقريبا في عالمنا العربي …