لماذا تجذبنا المسلسلات ونهواها أكثر من الأفلام؟
9 د
منذ عدة أيام وبناءً على ترشيحات عِدة من أصدقائي قررت مشاهدة فيلم أعجبهم وأشادوا به كثيرًا، ولكن ما إن بدأت المشاهدة وقبل مرور العشر دقائق الأولى وجدتني قد مللت، وقمت بإغلاق الفيلم وبدأتُ حلقةً جديدةً من المسلسل الذي بدأتُ متابعته منذ أسبوع مضى، ولكن قبل بداية الحلقة تساءَلت متى كانت آخر مرة شاهدت فيها فيلمًا؟
كانت الإجابة مُدهشةً بالنسبة لي، فقد وجدت أنّني تقريبًا لا أشاهد الأفلام إلّا في التجمعات العائلية كل عدة أشهر، أمّا غير ذلك فالأفلام تصيبني بالملل وأفضل مشاهدة المسلسلات.
كانت الفكرة دافعًا لي للبحث عن إذا ما كان هذا شعوري وحدي، أم أنّ هناك آخرين مثلي. لذا، بدأت البحث لأجد مئات وآلاف يعترفون أنّهم لا يُحبون الأفلام بنفس درجة حُبهم للمسلسلات، وأنّ بعضهم – وأنا منهم – يُمكن أن يقضي أيامًا مُتصلةً في مشاهدة موسم كامل لأحد المسلسلات دون ملل، بينما يصيبه الملل مع أول عشر دقائق من أي فيلم.
لذا، في محاولة لفهم نفسي وغيري ممن يشبهونني قررت أن أكتب لماذا نحب المسلسلات أكثر بكثير من الأفلام؟
لماذا أُحب المُسلسلات أكثر من الأفلام؟
هربًا من “ماذا أشاهد اليوم؟”
قالت لي إحدى صديقاتي المتزوجات يومًا ما مازحةً أنّها تُسارع بسؤال زوجها كل مساء “ماذا سنأكل غدًا؟” رغبةً منها في أن تسبقه بالسؤال، فيُصبح واجب الإجابة عليه وليس عليها، وهذا للهروب من التفكير في إجابة السؤال، حسنًا حيرة الإجابة على سؤال “ماذا أشاهد اليوم؟” بالنسبة لمُدمني الأفلام والمسلسلات لا تقل عن حيرة الزوجات والأمهات في إجابة “ماذا سنأكل غدًا؟”.
لذا، كانت المُسلسلات ملاذًا آمنًا لي للهرب من حيرة الإجابة، فالمسلسل سيستمر معي بضعة أسابيع لا اسأل نفسي فيها “ماذا أُشاهد اليوم؟”، بينما الفيلم الذي سينتهي بعد ساعتين أو ثلاث ساعات على الأكثر سيُطاردني بعد انتهائِه حيرة السؤال الذي لا أُحبه كثيرًا.
الانفصال عن الواقع ومشاكله لفترة أطول
واحد من أهم أسباب حُبي لمشاهدة الأفلام والمسلسلات والقراءة هو الانفصال عن الواقع وضغوط الحياة التي أواجهها ما بين مسؤولية عمل ومسؤولية أسرة، فتكون شاشة التلفزيون أو صفحات الكتاب بمثابة نافذة تأخذني لعالم آخر غير عالمي، عالم فيه فانتازيا وخيال أو أكشن ومطاردات، أو حتى دراما واقعية ولكنها دراما مختلفة عن روتيني اليومي.
لكن هذا الانفصال لا يدوم أكثر من ساعات قليلة مع الأفلام والكتب، بينما المسلسل يُمكنه أن يفصلني عن العالم شهور متصلة، بل أنّني في أحد أيام شاهدت موسمًا كاملًا من مواسم مسلسل Lost في يوم واحد، قضيت يوم إجازتي بالكامل مع الضائعين على الجزيرة دون ذرة ملل واحدة.
الشعور بأنّ هناك عالم موازي ممتع ينتظرني عندما أعود للمنزل، يُشبه كثيرًا شعور “أليس” التي تقع “بلاد العجائب” في حديقة منزلها، وكل ما تحتاجه للذهاب إليها هو أن تأكل من عيش الغراب السحري، فكانت الحلقات اليومية هي عيش الغراب الخاص بي للذهاب إلى عالمي السحري.
لأنّني أهتم بالتفاصيل
لأنّني شخص يهتم بالتفاصيل أُغرمت بالمسلسلات، فطول المسلسل يسمح للمخرج والمؤلف أن يهتم بتفاصيل عديدة، تفاصيل خاصة بالشخصيات، وعلاقات الأبطال بعضهم ببعض، وتفاصيل خاصة بالديكور والإضاءة وأماكن التصوير وغيرها، بل إنّه عند تحويل عمل روائي إلى فيلم قد يضطر المخرج لحذف شخصيات ومواقف وعلاقات من العمل الروائي ليُمكّنه عرض العمل في أقصر وقت ممكن.
أقرب مثال في ذهني لهذا هو سلسلة روايات “هاري بوتر”، كل من قرأ الروايات يعلم جيدًا أنّ الأفلام ظلمت الروايات تمامًا واتهمها بالكروتة، لكن في واقع الأمر، الكروتة ليست هي المتهم، بل كل المشكلة أنّه تم تحويل الروايات لسلسلة أفلام وليس مسلسل.
فالروايات مليئة بتفاصيل وشخصيات وعوالم لا يُمكن لأي فيلم أن يغطيها. لذا، تم اختصار الأعمال الروائية وحذف شخصيات ومواقف لتناسب طول الفيلم، وكان يمكن تفادي هذا بتحويل الروايات لمسلسل لنجد فيه كل تفاصيل الروايات دون حذف لتُصبح المتعة أكبر بكثير من الأفلام.
الارتباط بالشخصيات
أقول دومًا أنّ أقرب المسلسلات لقلبي هو مسلسل “Grey’s Anatomy” فأنا أتابعه بانتظام منذ أكثر من عشر سنوات، عشر سنوات كاملة تابعت فيها حيوات الأبطال وكبرت معهم مثلما كبروا، سنوات سمحت بأن أرى تطور شخصيات الأبطال ونضجهم، تغير شكلهم الحقيقي وليس الماكياج، فكل تجعيدة على جانب الفم هي تجعيدة حقيقية، أعرف متى أحب الأبطال ومتى كرهوا، شاهدت انكسارهم ونصرهم.
تطور الشخصيات في الأفلام مهما كان مُتقنًا لن يكون بإتقان تطور شخصيات أبطال المسلسلات، فمرور السنوات في المسلسلات حقيقي وواقعي إلى حد كبير، بشكل يُقنعك كمتفرج بتطور الشخصية.
في المسلسل يُمكنك دومًا معرفة خلفيات الشخصيات، لماذا أصبح هذا الشرير شريرًا، تقترب بما يكفي من أغلب الأبطال لترتبط بهم وتتعاطف معهم حتى وإن كانوا أشرارًا، بينما عادةً لا تسمح الأفلام بذلك.
لأنّني أحب الرواية أكثر من القصة القصيرة
أعترف أنّ كتابة القصة القصيرة أصعب بكثير من كتابة الرواية. كذلك، أظن أنّ صناعة الأفلام أصعب من صناعة المسلسلات، فيجب أن تكون قادرًا على تكثيف الحدث وروايته في أقصر وقت ممكن دون أن يمل المشاهد أو يشعر أنّ الحدث تم كروتته، وكذلك يجب أن يرتبط المشاهد أو القارئ بالشخصية التي تحكي عنها، وإلّا فإنّه لن يُحب العمل بما يكفي.
لذا، أعرف جيدًا أنّ كتابة القصة القصيرة أو الفيلم أصعب كثيرًا من الرواية والمسلسل، ولكن تظل الرواية ويظل المسلسل هما مُفضليني.
هل أنا وحدي أم أنّ الأمر أكثر انتشارًا؟
لا يُمكن معرفة أول من أعلن أنّه يُفضل المسلسلات أكثر من الأفلام، ولكن ربما يكون أول من وثق الأمر كتابة في مقال رأي هو الصحفي “Bruce Fretts” الذي نشر في 20 أكتوبر 1995 مقال بعنوان “المسلسلات أنقذت العالم”، وهذا في جريدة “Entertainment Weekly”، وأرجع “Fretts” حُبه للمسلسلات إلى عشرة أسباب كان أهمها:
- ازدهار الشخصيات النسائية في المسلسلات.
يرى “Fretts” أنّ الشخصيات النسائية في الأفلام غالبًا ما تكون حبيبة البطل، أو زوجته دون اهتمام كبير بتفاصيل وخلفيات شخصيتها، فتظهر باهتةً ودومًا دور ثاني، بينما في المسلسلات التركيز على الشخصيات النسائية يُظهر قوتهن.
- نرتبط أكثر بشخصيات المسلسلات.
يتفق معي “Fretts” في أنّنا نرتبط أكثر بأبطال المسلسلات، ونحبهم ونهتم لأمرهم أكثر بكثير من أبطال الأفلام.
- الدراما تكون أفضل في المسلسلات.
اقتبس “Fretts” هنا مقولة المنتج التلفزيوني “Dick Wolf” التي قال فيها:
إنّ الدراما الموجودة في سيناريو حلقة واحدة من حلقات مسلسلات الفئة الأولى مثل: ” Law & Order”، أو ” NYPD Blue”، أو ” Murder One”، أو ” ER”، أو “Chicago Hope”، أو ” Picket Fences”، أعلى بكثير من 97% من السيناريوهات السينمائية
لاحظ أنّ المقال كُتب عام 1995، أي قبل التطور الحالي المُذهل في الدراما التلفزيونية بسنوات.
- في المسلسلات المؤلف هو من يحكُم
يرى “Fretts” أنّه بمجرد عرض الحلقات الأولى من أي مسلسل، أصبح المتحكم الوحيد بمصير المسلسل وشخصياته هو المؤلف ولا أحد غيره، بينما يتدخل في عناصر الفيلم العديد والعديد من الشخصيات كالمخرج والمُنتج بل والممثل نفسه، وليؤكد هذا الرأي اقتبس مقولة المُنتج التلفزيوني “John Wells” التي قال فيها:
يترك القطار المحطة في اليوم الأول من عرض المسلسل، وعليك – كمنتج – أن تستمر في توفير العناصر المطلوبة، والشخص الذي يتحكم في كل ذلك هو الكاتب.
كما أنّ المسلسلات عادةً ما يقوم بكتابتها فريق كتابة مُكون من أكثر من كاتب، وبالطبع عقلين أفضل من عقل واحد.
- الحديث عن المسلسلات ممتع أكثر
يؤكد “Fretts” أنّ احتمال أن يكون أصدقاؤك شاهدوا المسلسل الذي شاهدته أكبر بكثير من احتمال أن يكونوا شاهدوا نفس الفيلم. لذا، عندما تجتمع مع أصدقائِك تكون المسلسلات محور الحديث أكثر من الأفلام، كما أنّ تفاصيل المسلسل المتعددة تخلق مجالًا لحوار قد يطول أكثر بكثير من الأفلام. لذا، فالحديث عن المسلسلات أكثر مُتعةً.
- مع التلفزيون دائمًا يُمكنك أن تُغير القناة
كانت هذه هي أسباب تفضيل “Fretts” للمسلسلات والدرام التلفزيونية عام 1995، وكما نرى فإنّ هذه الأسباب مازالت صالحةً حتى اليوم.
وبمرور السنوات تبع “Fretts” العديد من الصحفيين الذين كتبوا مقالات مُشابهة يعترفون فيها بتفضيلهم للمسلسلات عن الأفلام ويشرحون أسبابهم، فنجد مقالات في صحف ومجلات “Time“، و “Vulture“، و “the New York Times“، و “the Wall Street Journal“، و “Vanity Fair” وغيرهم وغيرهم.
وكذلك عشرات المدونين الذين كتبوا تدوينات تؤكد تفضيلهم للمسلسلات على الأفلام، كثيرون شعرت معهم أنّني لست بمفردي على الإطلاق بل نحن أكثر مما تخيلت. لذا، إن كنت ممن يُفضلون المسلسلات فاطمَئِن يا عزيزي لست وحدك.
هجرة المُبدعين من السينما إلى الدراما التلفزيونية
بدا الأمر في السنوات الأخيرة، وكأن هناك هجرةً من مُبدعي السينما من الممثلين إلى التلفزيون، فعدد كبير من نجوم السينما ظهر في عدد من المسلسلات التي حققت نجاحًا كبيرًا منهم على سبيل المثال: “Matthew McConaughey”، و “Woody Harrelson”، و “Colin Farrell”، و “Rachel McAdams” في مسلسل “True Detective”، و “Anthony Hopkins”، و “Ed Harris” في مسلسل “Westworld”، و “Kevin Spacey”، و “Robin Wright” في مسلسل “House of Cards”، و “Kevin Bacon” في مسلسل “The Following”، و “Winona Ryder” في مسلسل “Stranger Things”. وغيرهم الكثير
وحاول المهتمون بالسينما تفسير هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها، ومحاولة فهم لماذا تجذب الدرام التلفزيونية النجوم في السنوات الأخيرة، وأعتقد أنّ أبرز هذه الأسباب هي:
ارتفاع جودة ما تقدمه المسلسلات التلفزيونية
في أكثر من لقاء تلفزيوني كان رد عدد من النجوم ومنهم “Viola Davis”، و “Clive Owen” على سؤال “لماذا اتجهتوا للدراما التلفزيونية” هو “أنّه العصر الذهبي للدراما التلفزيونية”، وبالفعل أنا أتفق مع هذه الجملة تمامًا، فالأفكار التي تقدمها المسلسلات حاليًا أفضل بكثير وأكثر جاذبيةً وتعقيدًا من الأفلام التي أصبحت كلها مؤخرًا إمّا عن السوبرهيروز أو رسوم متحركة أو رعب، ونظرة بسيطة على قوائم الـ Box Office ستُثبت لك هذا.
تطور أفضل للشخصيات والأحداث
تُعطي المسلسلات فرصةً للممثل لإظهار قدراته التمثيلية، بشكل أكبر من الأفلام التي لا يسمح وقتها الأقل بمثل تلك الفرصة، ومثال على ذلك مسلسلات مثل: “Breaking Bad”، و “Dexter” حيث وجدنا أنفسنا تارةً كارهين للشخصية وتارةً أخرى مُحبين لها، تغيير تدريجي في مشاعرنا لا يسمح به إلّا المسلسلات الطويلة.
المسلسلات أصبحت أقصر
كان أحد أكبر العوائق التي يواجهها ممثلو السينما وتجعلهم يهربون من المسلسلات التلفزيونية هو طول المسلسلات الذي يصل لـ 24 حلقة في الموسم الواحد، مما يعني مجهود ووقت أكبر بكثير من الأفلام، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هناك اتجاه لتقليل عدد حلقات المواسم لتُصبح 10 حلقات أو 13 حلقة فقط مما شجع النجوم على خوض التجربة.
للجمهور الكلمة الأخيرة
في ديسمبر 2013 تم عمل استفتاء لمعرفة رأي الجمهور هل يُفضلون مشاهدة الأفلام في السينما أم في المنزل، وأجاب 57% منهم أنّهم يُفضلون المشاهدة في المنزل بينما اختار 21% منهم فقط الذهاب للسينما، وربما كان توجه الجمهور للمشاهدة المنزلية وتفضيله لها عن الذهاب للسينما هو ما خلق رواجًا للدراما التلفزيونية التي تأتي إليك حتى المنزل، ولا تحتاج منك الذهاب إلى أي مكان.
إذن هل يعني هذا أنّ السينما والأفلام قد ينتهي أمرها يومًا ما؟ قطعًا لا، فللسينما جمهورها الذي يذهب إليها مهما تغيرت الظروف والأزمنة، وبالطبع كون أنّ عدد من يفضلون المسلسلات على الأفلام كبير، فهذا لا يعني أنّ هناك عددًا كبيرًا آخرًا يُفضل الأفلام على المُسلسلات، ولا يرغب في قضاء عدد ساعات طويل مع قصة يمكن اختصارها في ساعة ونصف أو ساعتين على الأكثر.
وأخيرًا كان هذا تحليلي الشخصي، ومحاولتي لشرح لماذا أحب المسلسلات، وبالطبع هي غير مُلزمة لأي شخص ففي النهاية الأذواق مُختلفة، ولكن إن كُنت مثلي تُفضل المسلسلات عن الأفلام هل تتفق معي في أسباب حُبي لها؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
من فضلكم.من أي موقع يمكنني ان اشاهد مسلسل the office مترجم.. بحثت عنه ولم اجده.وشكرا