فيلم Wolfwalkers: سحر الأسطورة الأيرلندية وعودة الرسوم المتحركة المرسومة باليد
5 د
يُعد هذا الفيلم الجزء الأخير من ثلاثية الفلكلور الإيرلندي للمخرجين توم مور وروس ستيورات، يسبقها فيلمي The Secret of Kells و Song of The Sea اللذين ترشحا أيضًا لجائزة أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة.
يدور الفيلم حول الفتاة روبين التي تطمح لتصبح صيادة مثل والدها جودفيلو الذي يعمل صياد ذئاب لصالح اللورد الحاكم ببلدة كيلكنكي بأيرلندا التي انتقلوا إليها حديثًا من إنجلترا، وفي إحدى محاولات روبين لصيد الذئاب تتعرف على فتاة تسمى ميب تنتمي إلى قبيلة غامضة من المتحولين الذين يظهرون في شكل آدمي وهم مستيقظون، لكنهم يتحولون إلى ذئاب حين تنام أجسادهم البشرية فيما يُعرف بالذئاب السائرون أو Wolfwalkers.
Wolfwalkers في الميثولوجيا الإيرلندية
ذُكرت الذئاب في الأساطير الإيرلندية في أكثر من موضع وبأشكال مختلفة، لكن لعل أقربها صلة بفيلم Wolfwalkers أسطورة مستذئبين Ossory التي استوحى منها المخرج (توم مور) قصة الفيلم مباشرة خاصة أن أصلها كان في بلدته كيلكنكي التي نشأ فيها. تدور الأسطورة حول الأشخاص الذين لعنوا بتحويلهم إلى ذئاب كعقاب إلهي لرفضهم الإيمان بالمسيحية.
فيقال إنه عندما بشر (القديس باتريك) بالمسيحية في تلك البلدة، كانت هناك عشيرة واحدة عارضته بعناد أكثر من أي شعب آخر في الأرض، وقد سعى هؤلاء الناس إلى إهانته بطرق عديدة منها العواء عليه مثل الذئاب، فلم يملك القديس باتريك سوى الدعاء من أجل أن يعاقب الله هذه الجماعة، مما أدى إلى تحوليهم لذئاب لفترة من الزمن يهيمون في الغابة، وظهر تأثير تلك الأسطورة بوضوح في الفيلم حين قالت (روبين) للورد الحاكم حول حقيقة الذئاب السائرون ورد عليها أنه لن يقبل هذا الكلام الوثني.
وفي موضع آخر، تم ربط الذئاب بمجموعة من الشباب المحارب التي تسمى (فيانا-Fianna) الذين لا يملكون أرضًا وعاشوا معظم وقتهم في البرية وكان يُعتقد أنهم يملكون قوى خارقة وكانوا يرتدوا جلود الذئب ويظهروا بشعر أشعث وهيئة برية وظهر هذا في شكل شعر (ميب) ووالدتها.
أما عن فكرة ترك الجسد والتحول إلى ذئب فمرجعها إلى قصيدة لاتينية بالقرن الثالث عشر (De hominibus qui se vertunt- الرجال الذين يغيرون أنفسهم إلى ذئاب). حيثُ تصف القصيدة رجالًا قادرين على تحويل أنفسهم إلى ذئاب، تاركين وراءهم أجسادهم البشرية التي كانت معرضة للخطر أثناء وجودهم في هيئة ذئب وتم تحذير أصدقائهم وعائلاتهم من تحريكهم. تعكس هذه القصص المعتقدات الفولكلورية بأن الأرواح يمكن أن تترك الجسد وتسافر لكنها لا تستطيع العودة إذا كان الجسد مضطربًا.
الخلفية التاريخية
اعتمدت شخصية اللورد الحاكم على شخصية حقيقية اسمها (أوليفر كرومويل-Oliver Cromwell) الذي قام بغزو أيرلندا وأصدر عددًا كبيرًا من التشريعات المناهضة للذئاب. فنتيجة للحملات العسكرية المستمرة في أيرلندا، خاصة حروب كرومويل وتدمير جزء كبير من البلاد، ومع تزايد أعداد حيوانات المزرعة، تزايدت أعداد الذئاب وبالتالي تم اعتبارها تهديد للأعمال التجارية.
لذلك أنشأ كرومويل نظام مكافآت لكل شخص يقتل ذئبًا مما اجتذب عددًا كبيرًا من صيادي الذئاب المحترفين إلى أيرلندا، معظمهم من إنجلترا -كمهنة جودفيلو والد روبين في الفيلم- وبعد فترة انقرضت الذئاب تمامًا.
أقرأ أيضًا: أفضل رسوم متحركة 2021 .. أفلام شيقة ومؤثرة تستمتعون بمشاهدتها
مواءمة الفيلم لقضايا الواقع
يناقش الفيلم عددًا من القضايا المهمة الآن بشكل يناسب أجواء القصة وأحداثها وليس بطريقة تربوية أو إرشادية مُنفرة، فنبدأ بفكرة الصياد والفريسة فواحد من الأحداث المهمة داخل الفيلم هو تحول روبين التي كانت تحلم بصيد الذئاب إلى ذئب سائر نفسها، وهو يشير إلى فكرة التعاطف وأن نضع أنفسنا مكان الآخرين قبل إصدار الأحكام والتخلص من الصور النمطية ومحاولة التعرف على الآخر بدلًا من التعلق بصورة جامدة في الذهن، فسرعان ما أصبحت روبين وميب أصدقاء، وبعد تحولها فهمت وضع ميب ووالدتها أكثر، وعملت على مساعدتهم أيضًا.
كما أن شخصية “اللورد الحاكم” يمكن تأويلها بأكثر من شكل، فهو الحاكم الديكتاتور الذي يسجن كل من يعارضه الرأي، ولا يكترث لشيء سوى تحقيق ما يريد، وهو الشخص المنغلق الذي لا يتقبل الآخرين المختلفين عنه، واعتبار أي شيء مختلف عنه تهديدًا لوجوده ووجود ما يؤمن به، وفرض ذلك على التابعين له.
وبالطبع هناك فكرة رئيسية وواضحة وهي رغبة اللورد الحاكم في تدمير الغابات وهي من أكثر المشاكل التي يدور حولها الحديث الآن، وخاصة عن تأثيرها في انقراض الحيوانات وزيادة الاحتباس الحراري لذا تقام المؤتمرات للتحذير منها وتوضيح تبعاتِها، وقال عنها المخرج (روس ستيوارت): “إنها قصة لا تتعلق فقط بالسيطرة على المجتمع ولكن أيضًا لترويض الطبيعة وتدمير الغابات”.
الرسوم اليدوية ونوستالجيا الأفلام الكارتونية القديمة
بالرغم من حبي الشديد للتقنيات المتطورة في صنع الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد التي تجعلها أقرب لشخصيات حقيقية، إلا أن للرسوم اليدوية ثنائية الأبعاد مذاق خاص. بداية بالجهد المبذول لصنع شخصية على الورق ورسم انفعالاتها المختلفة إلى الطابع الساحر الذي نراه على الشاشة كعالم جديد له شروطه الخاصة البعيدة تمامًا عن واقعنا المادي، وأقرب إلى ذكريات مشاهدة كارتون توم وجيري وميكي ماوس، وهذا -بالنسبة لي- أفضل بكثير.
يتعلم رسامو الكارتون عند خلق عالم جديد على الورق، أن يضع له شروطًا محددة، ويسأل نفسه إن كان سيلتزم بالشكل الحقيقي للتشريح الآدمي لشخصياته أو سيلعب فيها قليلًا كتقصير اليدين أو جعل الأنف على شكل مربع بدلًا من المرور بكل تفاصيله الدقيقة، وعليه أن يُلزم جميع شخصياته بتلك الشروط حتى إن قرر أنه سيرسم الجسد كله كخطوط فقط والوجه كما يرسمه (رامبرانت).
وظهر ذلك في الفرق بين عالمي المدينة والغابة، فنلاحظ هنا أن شكل (روبين) وعالمها مرسوم بخطوط مستقيمة وزوايا حادة خاصة بلدتها واستخدام الألوان الرمادية التي تعكس احساس روبين بالسجن داخلها، على عكس (ميب) وغابتها الدائرية المفعمة بالنشاط والانطلاق صاحبة الألوان المبهجة التي تبدو كلطخات فرشاة ألوان مائية مليئة بالحيوية.
في النهاية، يمكن القول إن فيلم Wolfwalkers جمع كل العناصر التي تجعله ناجحًا، من قصة مختلفة ورسوم مُبهجة إلى قيم وقضايا مهمة طُرحت بشكل مميز بحيث تجعل الصغار والكبار يسعدوا برؤيته على حد سواء.
أقرأ أيضًا: أشهر أفلام الكوميديا السوداء: مناقشة أحداث مؤلمة وقضايا شائكة بقالب ساخر
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.