دليلك لفهم مصطلحات الراب من خلال حرب السين المصري الحالية

عزيزي القارئ إذا كنت استيقظت يوم السبت 20 فبراير في عام 2021 و وجدت سيل من المصطلحات الغريبة على مواقع التواصل الإجتماعي وبالأخص فيسبوك وتويتر لا تستطيع فهمها أو تميزها أو حتى نطقها بشكل سليم، فتقرر عزيزي أن تتخطها وترى غيرها فتجد فرحة عارمة برجوع “بابلو” في حين أنك لا تعرف من هو بابلو من الأساس وأين ذهب حتى يعود؟ تتخطى هذه الفرحة غير المفهومة لك فتجد أفراح آخرى برجوع (ليجي سي) و (الجوكر) ومرة آخرى الكثير من المصطلحات الغريبة مثل “نكش” ، “ديس” ، “وجوزة” و “سين“. حينها يدور في بالك سؤال واحد مهم وجوهري “كم لبثت؟ هل أنا من أهل الكهف؟”

أقرأ أيضًا: موسيقى الراب من المرفوض والممنوع للربح والتسويق لكأس العالم لكرة اليد

الحقيقة عزيزي القارئ إنك لم تلبث الكثير، هي ليلة واحدة مهمة في “سين” الراب المصري كانت مليئة بالأحداث، ولكن في البداية دعني أعرف لك ما هو “السين المصري- egyptian rap scene” بمعنى مشهد الراب المصري، وهو كل ما يتم إنتاجه من أغاني الراب في مصر. في الآونة الأخيرة انتشر الراب المصري في وسائل الإعلام مما أدى إلى زيادة متابعينه. فمثلاً في حلقة رأس السنة في برنامج صاحبة السعادة ضيوف الحلقة كانوا الفنانة روبي و الرابر ويجز. ويعد من أشهر مغني الراب سواء داخل أو خارج سين الراب ومن أشهر أغانية التي انتشرت بشكل كبير هي باظت، ومن عند ويجز تبدأ حكاية “النكش” مؤخراً.

“نكش” -وهو مصطلح بالعربية الفصحى بالمناسبة يعني الحفر- يعني في سين الراب المشاكسة أو “جر الشكل” بمعنى أوضح أن يقوم رابر بالقاء كلمات بشكل غامض يقصد بها رابر آخر غرضها التقليل من شخص أو أداؤه. بدأ ويجز بكنش مروان موسى (مغني الراب الموجود في الإعلان الرسمي لكأس العالم لكرة اليد المقام في مصر 2021) عن طريق الإشارة بأول حروف من أسمة الثنائي على فيديو ساخر. ومن هنا بدأت الحرب في سين الراب المصري

بناء على “نكش” ويجز -أو بمعنى أصح وجوزة- السابق لـ م م (مروان موسى) قرر الأخير الرد يوم 18 فبراير من خلال ديس بعنوان كله في السليم، “الديس- diss” عزيزي القارئ يعرف على أنه نوع من أغاني الهيب هوب تكون مؤلفه بشكل عنيف وقوي، غرضها التقليل من الخصم سواء بالألفاظ البذيئة أو التقليل من جودة أعماله وهي مأخوذة من كلمة disrespect التي تعني تقليل الاحترام. تشبه بشكل كبير شعر الهجاء الذي يقوم على ذكر السخط والاشمئزاز من الطرف الآخر، ويقال أن الديس في الراب والهيب هوب بشكل عام مستوحى من شعر الهجاء الذي اشتهر به العرب. ويمكن أن تتطور الأمور لما هو أبعد من الفن والراب، فهناك حادثة مشهورة مبنية على العداوة الناتجة عن  الديسات وهي إغتيال الرابر الأمريكي الأشهر توباك.

كان من الممكن أن ينتهي “البيف” هنا لولا تدخل أبيوسف، ويمكن توضيح لفظ “بيف – beef” المنتشر بكثرة في هذا الترند على  إنه كلمة دارجة في سين الراب تعني “وجود مشاكل شخصية بين اثنين من الرابرز وتنتقل للمستوى الفني عن طريق سلسلة من الديسات”. وكلما كانت الديسات قوية وبها العديد من “البانش لايز – punchline وهي كلمة مكونة من مقطعين punch بمعنى لكمة و line بمعنى جملة لتكون جملة تشبه اللكمة، أي أنها جملة في الأغنية تشبه اللكمة في وجه الخصم ومهينة له بشكل كبير”، كلما كان البيف أقوي ويحقق نجاح أكثر.

وبالمناسبة؛ الجملة اللغوية في أغنية الراب تسمى “بار-bar” ويشبه البار بشكل كبير البيت الشعري، كما تحكمه قوانين “الرايم- Rhyme” مثلما تحكم الوزن والقافية البيت الشعري.

رجوعاً لـ أبيوسف، فيمكنك تمييزه بسهولة من خلال إعلانه الأخير لإحدى شركات المحمول مع الفنان محمد سعد والفنانة دينا الشربيني. أما عن تاريخ أبيوسف في الراب المصري فيتحدث عن نفسه فهو يعتبر “بابا” المجال لكونه أكبرهم سناً وأكثرهم خبرة كما إنه السبب في صعود نجم معظم الرابرز الموجودين في السين حالياً، منهم مروان موسى نفسه الذي أشتهر بسبب “فيت” بينه وبين أبيو، “الفيت- Veet هو تعاون بين اثنين من الرابرز في أغنية واحد”. 

 في ليلة 19 فبراير أعلن أبيو عن صدور أعنية بعد قليل وكان من المتوقع أن تكون “ديس” على مروان بسبب “النكش” المسبق بينهم. وفي أثناء انتظار الجمهور الأغنية يفاجئوا بـ “ديس” لمروان على أبيو بعنوان “مش أوكيه” لتكون رقم واحد في الترند على موقع يوتيوب. وبعدها بساعتين تُرفع أغنية أبيو على موقع يوتيوب بعنوان ” ميجاترون”.

إن كنت عزيزي القارئ غير متابع للراب بشكل عام فدعني أوضح لك نقطة هامة، أن هذا الكم من الأغاني والأحداث غير معهود في السين مما جعل الجمهور سعيد بهذه الكثرة. وفي ظل هذه السعادة فجأة يجد الجمهور نفسه أمام فيديو مسرب مدته 15 ثانية تقريباً يؤكد خبر عودة مروان بابلو لتصنف هذه الليلة من أكثر الليالي سعادة في تاريخ متابعي الراب في مصر.

يعد مروان بابلو من أكثر الرابرز شهرة حتى لغير المستمعين بسبب مشاركته في حملات دعائية كثيرة مشهورة، وتسبب خبر إعتزاله العام الماضي في حزن الكثير من معجبيه. ومن أشهر أعماله وأكثرها تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي هي أغنية “الجميزة” ذات 1.4 مليون مشاهدة على اليوتيوب. من فترة بدأت إشاعات عن عودته مرة آخرى وتأكدت من خلال المقطع المسرب من تصوير الفيديو كليب الجديد الخاص به. فبالرغم من الجدل الدائر في “السين” إلا أن خبر رجوعة تصدر التريند أكثر من حرب “الديسات“

وعلى سيرة العودة بعد الاختفاء، في التاسع عشر من فبراير يقوم ” الجوكر” بالإعلان عن رجوعه أيضاً للسين من خلال “ديس” لـ أبيو. بالتأكيد عزيزي القارئ مدلول لفظ “الجوكر” مجهول لك تماما مثل باقي المصطلحات السابقة، لا بأس يمكنك استخدام محرك البحث جوجول أو حتى يوتيوب وسؤاله عن “أحمد ناصر الجوكر” ستجد أكثر من 60 أغنية منشورة على مدار مشواره الفني منذ عام 2012. تختلف مدرسة “الأولد سكول/ راب” عن “النيو سكول/ تراب” في أشياء عدة منها طريقة الإلقاء والموسيقى، فيعد جوكر من أفضل الرابرز في “الأولد سكول” لذلك قرار عودته بـ “ديس” يصنف من أكثر الأخبار فرحة لمحبي “الأولد سكول” بشكل عام و الجوكر بشكل خاص.

أقرأ أيضًا: ويجز رقم 1 على سبوتيفاي .. 2020 لم يكن عام عمرو دياب بل كان عام الراب المهرجانات

من حسن حظ الجمهور المستمع الإجابة لا، في يوم السبت 20 فبراير أصدر “عفروتو” أيضاً أغنية “ديس” على أبيو بعنوان جو صعب، عفروتو هو رابر أخر ممن يدينوا بالفضل لأبيو في مشواره الفني، وفي ظل أزمتهم في ديسمبر الماضي بسبب سوء التنظيم في حفلة جمعتهم معا كان ديس عفروتو متوقع ومبرر تماما. 

الحصيلة الحالية “للديسات” أغنيتين على أبيو في مقابل أغنية له. واخيراً الأحد 21 فبراير يصدر أبيو “الديس” الثاني له في أقل من 48 ساعة موجه لمروان وعفروتو معاً. ولاحقاً في نفس الليلة مروان ثم عفروتو يطلقوا “ديسين” بعنوان على أبيو رداً على ديسه الأخير بعنوان “ميجاترول” ل مروان موسى و “بسكوت” لعفروتو وأخيراً “ديس” آخر لأبيو بعنوان اعصار كاترينا، يالها من ليلة!

ليكون صباح الأثنين 22 فبراير صباح سعيد لمحبي الراب المصري الذين ناموا مبكرا ليستيقظوا على أربع “ديسات” جديده، صباح مشابه بنسبة كبيرة لصباح يوم السبت 20 فبراير.

والحقيقة أن المستفيد الأكبر من كل تلك الأحداث والصراعات هو المستمع المحب للراب أيا كان هو من معجبين أي من الرابرز. المنافسة الشديدة تجعل كلاً منهم يخرج أفضل ما لديه.

عزيزي القارئ سواء كنت متابع للراب بشكل عام أو المصري بشكل خاص أم لا، فلا يمكن إنكار الصعود الملحوظ لموسيقى الراب المصرية سواء على المستوى المحلى وانتشارها في وسائل الإعلام، أو حتى في بين الدول الآخرى. فمن المعروف أن الراب الإفريقي من أقوى انواع الراب في العالم، فمثلا في “سين” الراب في بلاد المغرب العربي (تونس، الجزائر والمغرب) هناك مغنيين عالميين مثل سولكينج و لارتيست.

أما عن “السين” في بلاد الشام (فلسطين، سوريا، الأردن و العراق) فيعد من أقوى مشاهد الراب في العالم، ويميزهم مواضيعهم القوية المستمدة من واقعهم الصعب بين الاحتلال و الهجرة فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك سينابتيك، شبجديد وبوكلثوم.

وبناء عليه وفي ظل المنافسة العربية القوية من مصلحة “السين” المصري وجود “بيفات” قوية تثقل من قوته، بالطبع طالما الأمر لم يتعد كونه “ديسات” متبادله أي في سياق الفن ليس إلا.