مارسيل دوشامب

فنانٌ ولاعب شطرنجٍ فرنسي- أمريكي، يعد من أهم فناني القرن العشرين. ارتبطت أعماله بالحركة الدادائية والسريالية، وله بصمته الخاصة في تطور الفن الحديث.

مارسيل دوشامب أحدُ الشخصيات الشهيرة في القرن العشرين، ساهم في تطوير مفاهيم الفن الحديث متأثرًا بالحركات الدادائية والسيريالية، حيث عمل على نقل تركيز متابعي الفن من شيءٍ بصريٍ بحت نحو شيءٍ نفسي أكثر تعقيدًا، فلم تَعد مفاهيم الفنون التصويرية والتعبيرية نفسها.

أَبحرَ مارسيل في الواقعية والرومانسية ليستكشف المفاهيم التي تُلخّص الفن، وقد جعله إلمامه بأسلوب النثر ومواضيعه وبالهزل والهجاء يبدو كاتبًا شاملًا خلال حياته. كما كانت له أعمالٌ حرَّكت مشاعر الناظر إليها مثل Nude Descending a Staircase, No.2 و Bottle Rack و Fountain و The Large Glass.

وفي الفترة التي عمل فيها فنانًا شارك في مجموعةٍ اسمها Societe Anonyme مع عددٍ من الشخصيات البارزة مثل مان راي وكاثرين دوير. وإضافةً إلى كونه فنانًا، تعلَّم لعبة الشطرنج وأتقنها، حيث ظهر في فيلم Entr’acte وهو يلعب الشطرنج مع مان راي.

وُلد هنري روبرت مارسيل دوشامب الشهير بمارسيل دوشامب في 28 تموز / يوليو 1877، لوالديه يوجين ولوسي دوشامب في بلينفيل، سريفون، إقليم شارنت ماريتيم في فرنسا. كان ثلاثةٌ من أشقائه رسامين ونحاتين ناجحين.

في عمر الثامنة، دخل دوشامب مدرسة بيير كورني، وخلال السنوات الثمانية التالية بدأ عمليةَ تنميةٍ أكاديميةٍ وفكريةٍ صارمة. ومع أنَّه لم يكن طالبًا متميزًا، إلَّا أنّه أبدع في مادتي الرياضيات والرسم.

قرر دوشامب أن يمتهن الرسم بعد أن حصل على جائزةٍ عن رسوماته، فتتبَّع خُطا أخيه جاك فيلون في محاولةٍ لمحاكاة أساليبه الفنية. وعندما أصبح في سن 14 عامًا، بدأ بتحويل رسوماته إلى تُحفٍ فنيةٍ باستخدام الألوان المائية في رسم المناظر الطبيعية.

في بداية حياته صَوَّرت أعماله الأنماط ما بعد الانطباعية تمامًا مثل التقنيات الكلاسيكية. وفي الفترة بين عامي 1904 و 1905، درس دوشامب الفن في أكاديمية جوليان، حيث كان يستمتع بلعب البلياردو أكثر من حضورالدروس.

في عام 1905، عَمل في الطباعة في مدينة روان أثناء خدمته العسكرية.

عام 1927 تزوج من الليدي سارازن لافاسور ثم طلقها بعد ستة أشهر، وبعد وفاة طليقته، ظهرت علاقته مع ماري رينولدز للعلن والتي استمرت 20 عامًا وبقي الاثنان معًا حتى توفيت عام 1950.

في عام 1957 تزوج من أليكسينا ساتلر والتي بقيت معه حتى وفاته.

عام 1912، أنهى واحدةً من أهم أعماله المثيرة للجدل Nude Descending a Staircase, No.2 وهي لوحةٌ كلاسيكيةٌ حديثةٌ وأحد نماذج الفن الحديث في ذلك الوقت، ونالت شهرة واسعةً ظهرت بعدها أغانٍ وألبومات ومسرحيات مقتبسةٌ منها مثل Naked Girl Falling Down the Stairs و Dude Descending a Staircase والمسرحية Interrogating the Nude.
استغرق دوشامب فترةً من عام 1915 حتى عام 1923 لإنهاء عمله The Bride Stripped Bare by Her Bachelors, Even والمصنوع من صفيحةِ رصاصٍ وغبارٍ وسلكٍ رفيعٍ مثبتين على صفيحتين من الزجاج، واعتُبرَ أحد أهمِّ أعماله نظرًا للوقت الذي استغرقه. العمل الآن معروضٌ في متحف فيلاديلفيا للفنون ونسخته المطابقة في متحف اليابان.

بعد تناوله العشاء مع أصدقائه مان راي وروبرت ليبل في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 1968 توفي دوشامب بشكلٍ مفاجئٍ ودُفن في مقبرة رووين في رووين، فرنسا.

تعلَّم دوشامب فن الطباعة، واستخدمه في أعماله اللاحقة. وفي عام 1908، عُرضَت أعمال دوشامب في صالة دوتون، وفي السنة التالية عُرضت في صالة الاستقلال. وقد شَكَّل دوشامب وجاك مجموعة Puteaux Group عام 19011 وضمَّت فيرناند ليجيه وبيكابيا وخوان غريس وألبرت غليزس. وفي العام ذاته، رسم طاحونةَ القهوة التي أهداها لأخيه ريموند دوشامب فيلون، ثم رسم أيضًا بورتريه للاعبي الشطرنج وكان زاخرًا بالأطر التكعيبية.

عام 1912، كان عامًا حافلًا بالإنجازات لدوشامب ومليئًا بالرهبة والجدل، فكانت له أعمالٌ أثارت جدلًا كبيرًا مثل Nude Descending a Staircase, No. 2. عَرض دوشامب هذه اللوحة في صالة الاستقلال، لكنَّ المسؤول القانوني ألبرت غليزس طلب منه أن يغيّر اسمها أو يَسحب لوحته من الصَّالة، فرفض دوشامب وأخذ اللوحة ولم ينضم بعدها لأية مجموعة. في فترة بقائه في ألمانيا من ذلك العام، بدأ بإنجاز عمله The Large Glass والذي احتاج أكثر من عشر سنواتٍ لإنهائه.

عاد وقدَّم اللوحة في معرض Armory Show في نيويورك عام 1913 واستضاف المعرض رسامين من أمريكا ومن بقية أنحاء العالم. فكانت اللوحة مَحطَّ اهتمامٍ وإثارةٍ للجدل، حيث اعتاد الأمريكيون على رؤية الفن الواقعي فقط.

كان لعددٍ من العروض المسرحية أثرٌ عميقٌ في أسلوبه الفني وألهمته ليبدأ اسكتشاتٍ بعنوان The Bride Stripped Bare By Her Bachelors, Even والمعروفة باسم The Large Glass. وشهد عام 1913، ابتعاده عن التزام الأُطر في الرسم وانتقاله إلى مرحلةٍ أكثر تحررًا، وتجلى ذلك في عمله Bibliotheque Sainte-Genevieve. استفاد لاحقًا من تجاربه في علم الفن ليحقق في النهاية إحدى أكثر إنجازاته قيمةً وهي 3 Standard Stoppages. وفي عام 1914 أنهى تُحفته التي أسماها Prelude to a Broken Arm أو Advance of the Broken Arm.

ومع بدايةِ الحرب العالمية الأولى، هاجر دوشامب إلى الولايات المتحدة عام 1915، وجمعَ أموالًا كافيةً من بيع أعماله المثيرة للجدل، حيثُ استُقبلَ في الولايات المتحدة كواحدٍ من النجوم. وفي فترة إقامته في الولايات المتحدة، نشأت صداقةٌ بينه وبين كاثرين دوير وباتريس وود ومان راي وباقي رُوَّاد فن التصوير.

وفي عام 1917، بدأت شهرته تتوسع مع إنجازه العمل الدادائي Fountain وهو مِبولةٌ من الخزف الصيني، لكن لجنة التقييم رفضت اعتباره عملًا فنيًا، مما أثار سخط الدادائين فانسحب دوشامب من مجموعة الفنانين المستقلين.

وفي عام 1919، قام بعمل محاكاةٍ ساخرةٍ للوحة الموناليزا، وأضاف لها شاربًا ولحيةً صغيرين فاعتبره الكثيرون أمرًا مشينًا. كما شَكَّل مجموعة Societe Anonyme عام 1920 مع مان راي وكاثرين دوير، والتي نَظَّمت محاضراتٍ ومعارضَ حديثةً جمعت الأعمال الفنية الحديثة خلال الثلاثينيات.

وفي عام 1920، صنع دوشامب آلةً متحركةً أسماها النظارات الدقيقة (الصفائح الزجاجية الدوارة) Rotary Glass Plates, Precision Optics حيث تقوم تلك الآلة بخدعٍ بصريةٍ عندما يبدأ المحرك بتدوير قطع الزجاج المثلثة على الأجزاء الملونة من الدائرة.

أنهى عمله الشهير The Bride Stripped Bare By Her Bachelors, Even عام 1923 ثم عاد إلى باريس ليصنع جهازًا بصريًا آخرَ مُستلهمًا الفكرة من الجهاز السابق واسماه النظارات نصف الدائرية Rotary Demisphere, Precision Optics. في العام ذاته، ترك عمله في الفن لينتقل اهتمامه إلى لُعبة الشطرنج، والتي تعلَّمها وأتقنها. وفي السنة التالية، ظهر دوشامب مع مان راي وهما يلعبان الشطرنج في فيلم Entr’acte.

وفي الفترة بين عامي 1928 و 1933 شارك بشكلٍ دائمٍ في أولمبياد الشطرنج محققًا نجاحًا باهرًا، إلّا أنّه أدرك أنّ الشطرنج ليس لعبةً مناسبةً له. وفي عام 1932 نشر مُؤلَّفه الذي حمل عنوان Opposition and Sister Squares are Reconciled وذلك بالتعاون مع صاحب نظريات الشطرنج فيتالي هالبيرستات.

في عام 1935، وُضعَ عمله Rotoreliefs في جناح معرض المخترعين في باريس، لكنّه لم يَعُد عليه بأية فائدة.
واستمر بعد ذلك في التعاون مع السيريالين ونظم عام 1938 المعرض السيريالي الدولي في باريس.

ومع اقتراب حياته من نهايتها، بدأ بالعمل على آخر أعماله، Etant donnes، والذي يُصور امرأةً عاريةً تستلقي على ظهرها وبيدها مصباحٌ غازيٌ، وقد استغرق إنجاز هذا العمل فترةً امتدت من عام 1946 حتى عام 1966.
وفي تلك الفترة أيضًا، أنهى عمله Oulipo وهو مجموعةٌ أدبيةٌ تناول فيها أول معارضه في متحف باسادينا للفنون.