ملخَّص كتاب الدحيح – ما وراء الكواليس
يسرد الكاتب طاهر المعتز بالله في كتابه الدحيح – ما وراء الكواليس توثيقه بالتفصيل الممل لمسيرة برنامج الدحيح ومُعِده ومُقدِمه أحمد الغندور. بدأ برنامج الدحيح عام 2014 لتبسيط العلوم وكان يقدِّمه طالب في الجامعة الأمريكية وخلال سبع سنين وصل عدد حلقات البرنامج إلى 300 حلقة تعدَّت مشاهداتها المليار مشاهدة.
سير الكتاب
يأتي كتاب “الدحيح ما وراء الكواليس” ليوثق بشكلٍ مفصَّل رحلة أحمد الغندور في تقديمه لبرنامج الدحيح على شكل سيرةٍ ذاتيَّةٍ لأحمد الغندور تحكي انتقاله وتحوُّله من مجرَّد طالب علوم تخرَّج في الجامعة الأمريكية يقوم بـ«روشنة» النظريَّات العلمية إلى ظاهرةٍ تستحقُّ الدراسة والبحث في أسباب نجاحها.
يحاول الكاتب طاهر المعتز بالله في هذا الكتاب كشف سر خلطة برنامج الدحيح والإجابة عن سؤال “كيف ظهر الدحيح؟” ضمن سياق سردٍ قصصيٍّ يتتبَّع فيه خطوات الدحيح وفق وجهة نظره، لا بقصد التحدُّث عن نموذج نجاح الدحيح.
يأتي الكتاب بصيغةٍ عاميَّةٍ على شكل نصٍّ مكتوبٍ باللغة العامية ضمن حلقةٍ طويلةٍ، لا يهدف -كما يشير الكاتب من البداية- إلى ترويج التنمية البشرية وإنَّما رواية قصَّة بشكل عامِّيٍّ كما أي حلقة من حلقات الدحيح، لذلك كُتِب باللغة العامِّيَّة التي تصلح برأيي الشخصي للاستماع فقط لا القراءة، لذا قد يبدو الكتاب مزعجاً للعين لكنَّه ممتعاً إذا ما سُمِع، لذلك يلقيه أحمد الغندور صوتيَّاً بنفسه بأسلوب لا يخلو من الفكاهة والتعليق بمرحٍ على النص.
الكاتب طاهر المعتز بالله
طاهر المعتز بالله كاتبٌ ومهندس بترول مصري، حاصل على بكالوريوس في هندسة البترول بتخصُّص العلوم السياسية، تولَّى رئاسة اتِّحاد طلاب الجامعة الأمريكية عام 2012، وكان نائب رئيس اتِّحاد طلاب الجامعات الخاصَّة الذي شارك في تأسيسه عام 2013. شارك بمقالات رأي في جريدة الوطن وديلي نيوز ومدى مصر. وكتب حلقات لبرنامج “الدحيح” كما حصل على جائزة دكتور أحمد زويل للتفوق في العلوم الإنسانية عام 2014. بالإضافة إلى كونه مطَّلع عن قربٍ لكل الأحداث التي رافقت إصدار الدحيح منذ 2014 حتَّى صدور الكتاب.
أحمد الغندور
وُلد أحمد الغندور في السعودية لأبيه وليد الذي يعمل محاسباً ولأمُّه سميَّة التي عملت مدرِّسة رياضيات، وكانت رغبة الأب أن يسميه “إسلام” ولكن يوم الولادة غير رأيه وأطلق عليه اسم “أحمد وليد الغندور” وهو الابن الأكبر من أسرة تتألَّف من أمٍّ وأبٍ وخمسة أبناء، وكعادة الابن الكبير حظي باهتمام ورعاية من الأب والأم الذين كانوا يريدون تطبيق كل ما هو صحيح مع الطفل الأول مثل أي أب وأم في الحياة.
دخل مدرسةً راقيةً بمصاريف عاليةٍ رغم كون أسرته متوسِّطة من الناحية الاجتماعية، ولكن كان والده يؤمن بأن الاستثمار بالتعليم والعقل أهم من العقارات، كان يهتم بالقراءة خلال دراسته في السعودية، وحين يعود إلى الإجازة في مصر في المنصورة كان يقرأ ويقرأ بالساعات.
شجَّعه والده على قراءة مختلف أنواع الكتب حتَّى الكتب الصعبة، ففي الصف السادس الابتدائي مثلاً اشترى له كتاب هاري بوتر الذي لم يستطع إكماله واشترى له أيضاً كتاب عمارة يعقوبيان الذي فتح له أبواب عالمٍ مختلفٍ لم يكن يتوقَّعه، ثمَّ خصَّص له ميزانيَّةً مفتوحةً للكتب خلال المرحلة الإعدادية، وطبعاً كان يشتري له كل ما يلزمه فيما يتعلَّق بالدراسة كما امتلك حاسوباً محمولاً خاصَّاً في الصفِّ السادس الابتدائي.
من الطريف أنَّه كان يذهب خلال فترة المراهقة إلى مكتبة جرير ويقرأ الكتب هناك دون أن يشتري أي كتابٍ حتى كُشِف ذات مرَّة وطُرِد من المكتبة ثمَّ سرعان ما عاود عادته بعد حين.
الدراسة الجامعية للدحيح
يتكلَّم الكتاب عن صعوبة اختيار غندور لاختصاصه الجامعي وكيف أن الميول المتعدِّدة للشخص لا تتناسب مع النظام الأكاديمي غير المرن الذي يهتم بتوفير موظَّفين قادرين على لعب دورهم بكفاءةٍ لا أكثر مثل أداء دروس صغيرة ضمن مكنة الرأسمالية العملاقة بدلاً من تربية أفرادٍ لديهم القدرة على التفكير النقدي المطلوب لحل مشكلات المجتمع. وبعد نقاش وتجارب كثيرة وحضور دروس متعدِّدة أونلاين قرَّر دخول الفرع الذي قاده القدر إليه وكان خياره الجامعة الأمريكية في القاهرة.
يكمل الكاتب بعدها الحديث عن حياته في الجامعة الأمريكية في القاهرة التي ترافقت مع الثورة المصريَّة والاحتجاجات الطلابيَّة في الجامعة ضد الأقساط.
أكمل تلك المسيرة وصولاً إلى اهتمامه بحضور المؤتمرات العلميَّة وتبسيط العلوم إذ شارك في أوَّل مسابقة فتحت له الباب لذلك، كانت البداية مع القنصليَّة البريطانيَّة لمسابقة من أكبر المسابقات العلميَّة في العالم لمن يستطيع شرح موضوعٍ علميٍّ معقَّدٍ للجمهور خلال ثلاثة دقائق وهنا كانت بداية الغندور في اهتمامه بتبسيط العلوم. قرأ مقالةً لمجلَّة نتشر للعلوم ومن ثمَّ حضر دورةً في موقع كورسيرا وبسَّط المعلومات، ثمَّ شاركة في المسابقة.
بداية الدحيح على يوتيوب
بعد مشاركته في المسابقة قرَّر افتتاح قناة يوتيوب خاصة يبسِّط فيها العلوم بنموذج يشبه بعض القنوات العالمية غير المشهورة في الوطن العربي متل قناة Crash Course.
تعلَّم الغندور التصوير والمونتاج بشكلٍ ذاتيٍّ وانطلق بتجربته، وأطلق على البرنامج اسم “الدحيح” ليصف به نفسه. كانت بداية الحلقات في أغسطس 2014 تكلَّم في حلقاته عن مواضيع مختلفة مثل علم النفس، لكن لم يتخط رصيد الحلقات الأولى والثانية مئة مشاهدة وبعبارةٍ أخرى أقل من عدد سكان العمارة التي يعيش بها. على عكس توقُّعه بأن الحلقة ستؤدِّي إلى مئات الآلاف من المشاهدات من الجمهور المتعطِّش للعلم.
أثَّر انتقال اهتمامه إلى يوتيوب على دراسته وبالتالي إلى انخفاض ترتيبه من امتياز مرتبة الشرف إلى شخصٍ لا يهتم بالعلامات العالية ويهمهالنجاح وحسب، ويبرِّر ذلك بقوله أنَّه بدأ يشعر بالملل من دراسة الأمور غير المهمَّة والتي تُدرَّس فقط للدراسة وليس للفائدة الشخصيَّة.
بدأ يشعر أن العمل الأكاديمي هو مجرَّد عمل بيروقراطي يتركَّز بالكتابة والتنسيق ولا يهتم بجوهر الأمور لذا ركَّز حينها في وظائفه فقط على التقارير التي لا يقرؤها المدرِّسون كما يصفها.
الانطلاق إلى عالم الشهرة
في نهاية 2014 أي بعد ستة أشهر من فيديوهات اليوتيوب التي لم تحظ بأي اهتمام يُذكر، صدر في ذلك الوقت فيلم ”Interstellar“ أو ”بين النجوم“ لكريستوفر نولان والذي احتوى على بعض النظريات الفيزيائية المعقَّدة عن النسبيَّة وعن الثقوب السوداء فوجد الغندور ذلك فرصةً لشرح تلك النظريَّات بناء على الفيلم الذي لاقى انتشاراً كبيراً في السينما رغم أنَّ كثيراً من الأشخاص لم يتمكَّنوا من فهم أفكار الفيزياء فيه. قرأ كتاباً كاملاً عن الموضوع ثم سجَّل فيديو يشرح تلك الأفكار، وكانت هذه البداية عندما انتشر هذا الفيديو بشكلٍ غير مسبوق ويبرر ذلك بأن الناس أحبَّت شرح المفاهيم الفيزيائية التي شرحت أبعاد الفيلم لأنَّها أعطتهم مكانةً اجتماعيةً خاصَّة تدلُّ على أنَّهم يفهمون أكثر من غيرهم.
بالنتيجة، بدأ عدد المشاهدات في القناة يزداد وعدد المشتركين في القناة يزداد وهنا بدأ غندور يفهم اللعبة بشكلٍٍِّ واضح، وهي كتابة محتوى يبسط العلوم ولكن مرتبط بما يهم الجمهور ليشاركه الجمهور نفسه، كان ذلك كله خلال مرحلته الجامعية إلى أن وصل إلى التخرُّج وبدأ فعليَّاً بالبحث عن مصدر دخلٍ إذ كان والده يرغب بأن يكمل ابنه الدراسات العليا وبعدها يتقدَّم إلى عددٍ من المنح الجامعية، وفعلاً استطاع الحصول على منحةٍ جامعيَّةٍ في هونغ كونغ.
انطلاق برنامج الدحيح
يتكلَّم بعدها الكتاب بالتفصيل المملِّ عن كيفيَّة انتقال الغندور من مرحلة الهواية إلى مرحلة بناء برنامج متكاملٍ وكيف تعرَّف إلى أشخاص ساعدوه في بناء إصدار أوَّليٍّ من البرنامج وعرضها على القنوات المهتمَّة والجهد الكبير الذي بذله ليُقبل هذا البرنامج في قناةٍ تلفزيونيَّةٍ إذ استغرق الأمر فترةً طويلةً جدَّاً من المتابعة والتعديلات التي استمرت إلى فترةٍ طويلةٍ.
كان الاتفاق في البداية مع القناة على 12 حلقة بمعدل حلقة في الأسبوع في بداية المطاف، كتب غندور حلقتين في يناير 2017 قبل أن يبدأ الأمر بالتوسع وبناء فريق متكامل مع القناة.
الدروس المستفادة من قصة نجاح الدحيح
يلخِّص طاهر المعتز بالله العبر المستفادة من نجاح الدحيح في ختام الكتاب بمايلي:
الحياة ليست خطية الصعود بل أسيّة
يعدُّ الهبوط جزءاً لا يتجزَّأ من حياتك أي أنَّ المعاناة في حياتك أشبه بمعسكرٍ تأهيليٍّ لتجهيزك لما هو قادم، فلولا السنين التي جلس بها غندور في غربةٍ في السعودية لما أُتيح له الوقت الكافٍ لقراءة كميَّةٍ كبيرةٍ من الكتب التي جعلته يخرج بالدحيح بعدها بسنواتٍ طويلةٍ.
تغلب على الشك وابدأ فوراً
لو أردت إحراز أي تقدُّم في الحياة عليك التوقُّف عن الشك والمبادرة بالعمل والانطلاق بالعمل حتَّى لو لم تكن جاهزاً إطلاقاً، وخذ رأي من الآخرين لتحسِّن نفسك.
لا تولد قصص النجاح فقط من رحم المعاناة
لا تولد قصص النجاح فقط من رحم المعاناة وإنما تولد أيضاً بسبب دعم الأهل وتشجيعهم. لو أن والد غندور قال له دعك من هذا الهراء وركِّز في دراستك لما كان برنامج الدحيح موجوداً أصلاً، ولو قال والد محمد صلاح لابنه دعك من لعب الكرة وركِّز في دراستك لما عرفنا محمد صلاح، لذلك شجِّع أولادك حين ترى بهم بذرةً ربَّما تؤدِّي إلى طفرةٍ.
إذا أردت المشي سريعاً فامشِ وحيداً
إذا أردت المشي سريعاُ فامشِ وحيداً وإذا أردت المشي بعيداً فامشِ مع مجموعةٍ أو خذ سيارة إجرة. إنَّ من أهم أسباب نجاح غندور قدرته الفائقة على العمل في فريق والاستفادة من كل أعضائه، وثقته وإصراره على إعطاء مساحة آمنة لتشجيع الجميع على المشاركة وإخراج أفضل ما عندهم ممَّا يُشعر الجميع أنهم يملكون البرنامج وليس مجرد موظفين فيه.
الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة
الأنا العليا والكبر والغرور هم بداية النهاية لكلِّ شخصٍ مهما كان وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ. لولا التواضع الصادق من القلب عند أحمد غندور لما وصل إلى ما وصل إليه ولما كَبُر البرنامج ولما استمر البرنامج، لذا لا ينفع أن تتكبَّر أو تتجاهل لأن ذلك سيصل بك إلى النهاية.
يحبُّ الجمهور المحتوى الرديء
جملة “يحبُّ الجمهور المحتوى الرديء” هي أسطورةٌ يروِّجها صنَّاع المحتوى الرديء، نعم المشاهدات مهمَّة ولكنَّها ليست كلَّ شيءٍ.
يترافق النجاح مع الامتيازات
للدحيح وكامل فريقه َّامتيازات سواء مادية أو تعليميَّة أو حتَّى جينية وهذا ليس عيباً أو حراماً، وإنَّ العيب يكون بالتمتُّع بالامتيازات وعدم استغلالها لنفع النفس والآخرين، لذا مهما كانت قدراتك وأياً كان موقعك تذكَّر أن الكنز في الرحلة بحدِّ ذاتها وأن رحلة المليار مشاهدة بدأت بشابٍّ صنع فيديو لم ينل أكثر من 50 مشاهدةً ولكنَّه قرَّر أن يكمل إلى النهاية.
أخطاء غير مقصودة وسط هجوم غريب
يدافع الكاتب عن الدحيح وعن الأخطاء غير المقصودة التي حدثت ويستغرب كيف كان التركيز على بضعة أخطاء غير مقصودة مقارنة مع عشرات أو مئات الحلقات الأخرى، إذ يفصِّل مثلاً في حلقة “نصك الملحد” التي فتحت أبواب الهجوم على الدحيح بعد طرح أسئلة عن تأثير التجارب على فهمنا للإرادة الحرَّة واعتقد البعض أن ذلك ضرب بالثوابت ممَّا فتح الأبواب لليوتيوبرز الآخرين للهجوم عليه لحصد المشاهدات، ويوضِّح الكاتب أن الدحيح لا يعبر عن رأيه إطلاقاً ولا يتبنَّى رأياً سياسيَّاً معيَّناً لأنَّه يعدُّ نفسه قارئاً للمعلومة ناقلاً لها دون تعبيرٍ عن آرائه الشخصية بالدين والسياسة.
ختاماً
يعزو الكاتب طاهر المعتز بالله معظم أخطاء الدحيح إلى الضغط الذي يعاني منه بشكلٍ مستمرٍّ بسبب العمل والدراسة، فقد كان يصوِّر أحياناً في الأسبوع نحو 12 حلقة وبعدها يبدأ المونتاج ممَّا يسبَّب كثيراً من المشكلات سواء بالإدارة أو التحليل أو التقديم، ممَّا أدى إلى ظهور حلقات غير متكاملة.
لكن للأسف –حسب كلام الكاتب– عانى الدحيح من اتِّهامات في عدم نزاهة النقل وعدم الدقَّة العلمية حتَّى تتبَّع البعض بعض الأخطاء البسيطة متناسين عشرات الحلقات السابقة ممَّا دفع القناة إلى إيقاف برنامجه وعند تلك النقطة ينتهي الكتاب.