نفسية الطفل بين التنمية والتربية السليمة
5 د
الأطفال هم البراعم الصغيرة التي تحتاج منا مزيداً من الاهتمام والعناية، للوصول بهم إلى المستقبل، ليكونوا أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات وكيفية التعامل معها وتجاوزها وإيجاد الحلول المثلى لها، وكل هذا لا يتم إلا من خلال عملية تربوية وتعليمية متوازنة لبناء شخصيتهم المستقلة، لذلك يقع على عاتق الأبوين مهام كبيرة تجاه تربية أبنائهم، ذلك أن الأطفال يتعرضون يومياً للكثير من المؤثرات الاجتماعية والنفسية والتربوية المختلفة من المجتمع ومن محيطهم الطفولي، وصولاً إلى المدرسة.
فكل هذه السلوكيات أو المعارف التي يمكن أن يتلقاها الطفل يمكن لها أن تؤثر في بناء وتنمية شخصيته، وتوجهاته المستقبلية، وخاصة أنه أمام الأطفال اليوم فسحة كبيرة ومتنوعة للاكتساب منها والبناء عليها، لذلك لم يعد الأمر يقتصر على التربية المنزلية، إنما هناك عوامل أخرى متداخلة في عملية التربية سواءً من خلال ما ذكرناه من المدرسة والمجتمع مروراً بوسائل الاتصال الحديثة في عصرنا الحالي وغيرها من المعطيات المساهمة والمؤثرة بشكل أو بآخر في بناء شخصية الطفل وتوسيع مداركه.
حيث لا يحتاج الطفل ضمن هذه المنظومة المجتمعية سوى المتابعة والتوجيه من طرف الأبوين استناداً إلى بعض الخطوات البسيطة التي سنأتي على ذكر بعضها وليس كلها، لأن الحديث في هذا المجال قد يحتاج إلى توسع في الأفكار والرؤى ونقل تجارب عديدة وفق كل مرحلة عمرية يمر بها الأطفال، إنما سنحاول المرور على بعض منها بشكل مبسط.
إذن أنتِ أيتها الأم.. وأنتَ أيها الأب.. استعدوا لترافقونا في هذه الجولة التي نوضح فيها بعض الأفكار التربوية، وفن التعامل مع الأطفال.
التدريب على المهارات
المعلوم أن الأطفال يقومون في السنوات الأولى من طفولتهم بالاعتماد على التقليد لكسب المهارات التي تساعدهم في التعاطي مع ما يجري من حولهم، لذلك نجد مثلاً أن الطفل أثناء محاولاته في تعلم اللغة وطريقة نطق الكلام يعتمد على مراقبة والديه أثناء الكلام حيث يقوم بالاحتفاظ بمجموعة من الصور واختزالها ومن ثم القيام بربطها بالكلمات محاولاً التقليد في النطق، حيث أن مهارة تعلم الكلام هي واحدة من مجموعة مهارات كثيرة يمكن تعليمها للطفل في المراحل العمرية الأولى، كتعليمه أيضاً مهارة المشي والتي يمكن لكِ سيدتي أن تستخدمي فيها وسائل التشجيع والتحفيز عن طريق اللعب معه للقيام بذلك، وبالتالي نجد أن الأمر ينسحب على كل ما يمكن أن تلقنيه لطفلك، عن طريق التدريب مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الطفولي البسيط في القيام بدفعه باتجاه التعلم واكتساب المزيد من المهارات.
غرس الثقة بالنفس
وفيها يتم صياغة نفسية الطفل عن طريق التحفيز والتشجيع والإطراء الذي يمكن أن يقدمه الأبوان للطفل كرد فعل على قيامه بفعل إيجابي معين، وذلك باستخدام الألفاظ الإيجابية والتحفيزية كأن تقولي له مثلاً ‘‘أحسنت’’ كنوع من العطاء الأبوي نتيجة قيامه بفعل حسن مما يُنمي لديه الشعور بالثقة في النفس، إضافةً إلى إمكانية إتاحة المجال له في التعبير عن ذاته من خلال السماح له بالمشاركة في الكلام بعيداً عن التوبيخ أو التقليل من قيمة ما يقول ولوكان ما يقوله بسيطاً وخاصة أمام الآخرين، لأن ذلك قد ينتج عنه رد فعل سلبي وشعور بعدم الثقة فيما يقول أو يفعل، حيث أن الأطفال يسعون دائماً لأن يكونوا محط أنظار الأهل، وأن يكسبوا عاطفة الأبوين نتيجة لارتباطهم النفسي والسلوكي بالأبوين ومحاولة منهم في إظهار وإبراز التفوق على أقرانهم في البيئة الاجتماعية المحيطة بهم سواءً في الحي أو المدرسة، ومن هنا يجب الانتباه لما يقوم به الوالدان من قول وفعل ما أمكن، وبذل الجهد في إبعاد الأطفال عن الحوارات السلبية التي تأتي بمردود سلبي على ثقتهم بنفسهم.
التشاركية والمتابعة
لا بأس إذا عدنا قليلاً لممارسة طفولتنا مع أبنائنا عن طريق مشاركتهم اللعب والمرح ومتابعة البرامج التلفزيونية معهم مثلاً أو مشاركتهم وظائفهم المدرسية، وبالتالي هذا يتيح لنا متابعتهم عن قرب أكثر وإشعارهم بالاهتمام ومعرفة ميولهم ومواهبهم والعمل على تنميتها، ذلك أن المشاركة معهم تخلق نوعاً من المتابعة غير المباشرة لخط سيرهم في تحصيلهم الدراسي وسلوكياتهم الاجتماعية، وانعكاس ذلك على الخطوات المستقبلية لهم مع ضمان توفير الاستقلالية لهم.
الشخصية المثالية
لا بد من الابتعاد عن المقارنات التي يقوم بها الأبوان أحياناً، بوضع طفلهم في خانة المقارنة مع أقرانه من الأطفال في المدرسة أو الحي أو المحيط العائلي، حيث يجب ملاحظة أن الأطفال مختلفين تماماً عن بعضهم البعض من حيث القدرات والمهارات، وهذا يحتم على الأبوين البحث في شخصية الطفل عن نقاط القوة والعمل على تنميتها ومساعدته على تجاوز بعض نقاط الضعف في شخصيته، كي لا تشكل له ذلك الحاجز النفسي أو السلوكي في مراحله التالية، لأن الأبوان دائماً يسعون كي يكون طفلهم الشخصية المثالية الكاملة، متناسين الفروقات التي يمكن أن تكون بين طفلٍ وآخر، وقد يكون ذلك رغبة منهم في تجاوز بعض الأخطاء التي تعرضوا لها في مرحلة طفولتهم، من خلال طبع شخصية الطفل وبشكل لا شعوري بأحلامهم ورغباتهم التي لم يتمكنوا من تحقيقها، ما سوف ينعكس على شخصية الطفل ويخلق له نوعاً من عدم التوازن بين القدرات والمهارات التي يمتلكها وبين الأهداف المحددة له من قبل الوالدين.
هامش الحرية
أن يترك للطفل هامش من الحرية في ارتكاب الأخطاء والفوضى قليلاً، مما يساعده على اكتشاف تجارب جديدة وبناء منظومة فكرية خاصة به، والعمل على توعيته بها بعيداً عن التعنيف بكل أشكاله، وفتح نافذة للنقاش معه حول إمكانية الابتعاد عن بعض السلوكيات الخاطئة أو السلبية، والتفسير له بوجود طرق أخرى للقيام بفعل ما بطرق أخرى مختلفة مما يعزز لديه القدرة على تقبل الآخر والتعاطي مع المحيط الخارجي بأدوات سليمة في المستقبل.
أطفالنا هم تلك الصفحة البيضاء التي يمكن لنا أن نخط عليها ما نشاء من كلمات، وهم التربة الصالحة التي يمكن أن نغرس فيها ما نشاء من الفكر السليم، لذلك علينا أن نحسن اختيار تلك الكلمات والغروس.
أنتِ أيتها الأم .. أنتَ أيها الأب .. لا تبخلوا علينا بمشاركتنا تجاربكم الشخصية في هذا المجال.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.