كوارث كُبــرى ومخـاطر غير متوقعة يُسبّبها التلــوث الضــوئي
وفقا لتقرير عام 2001، ثلثي الولايات المتحدة وأكثر من نصف أوروبا لا يستطيعون رؤية مجرة درب التبانة بالعين المجردة.
بلا شك السبب الأساسي لحرمــان سكان الأرض من متعة رؤية السمـاء بالعين المجردة هو التلوث الضوئي .. الذي تتجــاوز مخـاطره حرمـانك من رؤية النجوم فى السمـاء ، إلى أكثــر من ذلك بكثيـر .. إلى تهديــد الحيــاة ذاتها !
ومما يزيد الأمور سوءاً ، ان معظم الحلول المقدمة للتخلص من هذه المشكلة ، هى أكثر ضرراً من المشكلة نفسها ، على الأقل بالنسبة لنا نحن البشر.
نستعرض معـاً مجموعة من المخاطر التى يسببها التلــوث الضوئي بكافة أشكــاله..
التلوث الضوئي يميت السلاحف البحرية !
تقضي السلاحف البحرية حياتها كلها في المحيط ، ولا تخرج للشاطيء إلا لتضع البيض .
فتبدأ في البحث عن بقعة مظلمة لتضع فيها البيض ،وذلك لتعزز من فرص بقاء صغارها على قيد الحياة ،والتي تقل كلما زادت الأضواء الصناعية .
ولكنها غالباً تستسلم في نهاية الأمر وتلقي بيضها في أي بقعة على الشاطيء المكتظ بالبيوت والفنادق والمطاعم المضيئة على الشاطيء.
وعندما تخرج الصغار من البيض ، يتتبعوا ضوء القمر الذي يرشدهم إلى طريق الماء ،ولكن لعدم قدرتهم على التفرقة بين ضوء القمر والأضواء الصناعية ، كثيراً ما يختلط عليهم الأمر ،فيهيمون على وجوههم خلف الأضواء الصناعية والتي غالبا تشير إلى اماكن الحياة التي لا تخلو من الحيوانات المفترسة والسيارات والضجة .
لذلك أصبح الخطر متساوي في كلتا الحالتين، لأنها ستلقى حتفها حتماً ، إما كوجبة لحيوان مفترس ، او ضحية لأضواءنا !
في ولاية فلوريدا آلاف السلاحف البحرية يلقون حتفهم سنوياً بسبب الإضاءة اصطناعية ،ولذلك قام برنامج الحفاظ على السلاحف البحرية (STC) بدعوة إلى تثيقف الناس بأهمية اختيارالإضاءة المناسبة للبيوت والفنادق خاصة المطلة على الشاطيء.
فإذا كنت تعيش بالقرب من الشاطيء ، فسيتم تنبيهك لإستخدام الأضواء ذات اللون الأصفر، أوالأحمر فقط ، وذلك حتى لا تعكر صفو السلاحف، بالإضافة إلى خفض الأضواء للحد الذي لا يؤذيهم !
كما قامت السلطات بفلوريدا بالتعاون مع برنامج الحفاظ على السلاحف بفرض قواعد جديدة تلزم أصحاب العقارات بإطفاء الأضواء بالأوقات التي تضع فيها السلاحف بيضها .
تعطيل دورات النمو لدى البرمائيات
أينما وجدت الأراضي الرطبة ،تسمع النقيق الليلي للضفادع ، انه واحد من الاصوات الموجودة في كل مكان خاصة في موسم الربيع .
ولكن ، قد يختفي هذا الصوت يومأ ما بسبب التلوث الضوئي !
معظم البرمائيات كانئات ليلية ،وتعتمد إعتماد كلي على الماء كما انها تجد صعوبة في الإنتقال إلى اماكن أخرى عندما تهدد الإضطرابات مسكنها الأصلي.
وكما الحيوانات الليلية ، هم قادرين على تغيير الإدراك بما حولهم عن طريق الفترة الضوئية ، ويقصد بالفترة الضوئية التي تستخدمها الكثير من البرمائيات ،اشارة او تنبيه بأنه قد حان وقت السبات او انتاج البيض ، كما انهم حساسون جدا لها .
ونتيجة للتلوث الضوئي ، تحدث اضطرابات جسدية وسلوكية للبرمائيات ، كما يفقدوا قدرتهم على تحديد مواسم التزاوج ، مما نتج عنه إنقراض بعض الأنواع ، بينما هناك أنواع أخرى على وشك الإنقراض.
انقراض الخفافيش
الخفافيش تتغذى على الحشرات التي تزعجنا وتؤذينا ، وتعد هذه العملية من اعظم اساليب الطبيعة في التحكم في تعداد الحشرات .
لكن التلوث الضوئي أثر فيها ايضاً بشكل ملحوظ ، ولأن الحشرات تنجذب إلى الاضواء الصناعية ، والتي من المستحيل ان يذهب إليها الخفافيش ، تخسرالخفافيش الكثير من الفرص للتغذية .
وما يزيد الموقف سوءا هو احتواء المناطق التي تتمكن الخفافيش من دخولها على كمية قليلة جدا من الحشرات ، وهذا قد يحدث خللا في مستعمرات الخفافيش بأكملها .
وفي بريطانيا ،يعتبر من غير القانوني قتل أو صيد الخفافيش ، وذلك لتراجع أعدادهم الفترة الأخيرة.
تعطيل هجرة الأسماك
العديد من الأسماك تهاجر لتضع البيض ، وتظل تتنقل من المحيطات إلى البحيرات والأنهار.
وقد أثبتت الدراسات أن إنارة الشوارع من المدن القريبة من البحار يمكن أن يعطل الحركة ويؤثر على الأسماك بالسلب .
في عام 2012، أجريت دراسة مقارنة لسلوك صغار الأسماك وحركة الهجرة في ظروف عادية ، وبين مجموعة أخرى تهاجر تحت الضوء الصناعي ، وكانت النتيجة ان المجموعة الأولى قد هاجرت بعد غروب الشمس .
في حين ان المجموعة الثانية هاجرت بطريقة عشوائية ومتخبطة وذلك بسبب تأثير الضوء الصناعي عليها ، فالهجرة غالبا ما تحدث ليلاً ، والتغيرات العشوائية في اوقاتها قد تؤدي لمزيد من عمليات الإفتراس .
وقد أجريت دراسة حول مدى تأثير هذه الأضواء على الأسماك ، وجد ان الإنارة العامة في الشوارع خاصة في الليل ، تؤثر على حركة الأسماك ، والهجرة ، وعلى عمليات الإفتراس .
وليست فقط الإنارة العامة ، بل ايضاً الزوارق المضيئة التي تستخدم للصيد وجذب الأسماك حولها ،جميعها لها آثار مدمرة على البيئة البحرية .
تدمير الأشجار
من المعروف تساقط أوراق الشجر في موسم الخريف ،ولكن هل لاحظت ان الأشجار القريبة من إنارة الشوارع محتفظة بأوراقها كما هى ؟
تأثير الأضواء الصناعية مختلف هذه المرة كونه نذير شؤم على البيئة وعلينا نحن البشر.
في الخريف تقوم الأشجار بتبديل أوراقها للحفاظ على أكبر قدر من الطاقة وتعزيز قدرتها على البقاء أطول فترة ممكنة في الشتاء ، ومع كثرة الأضواء الصناعية المسلطة على الأشجار تفقد قدرتها على أداء هذه العملية .
كما أن هذه الأضواء لها تأثير سلبي جدا على الفترة الضوئية الهامة للنباتات فهى التي تتحكم في شكل الورقة وصبغتها، وعملية اللقاح وغيرها من العمليات الضرورية للنبات .
قتل الطيور المهاجرة
لم تجذب قضايا التلوث الضوئي إهتمام الرأي العام إلا في قضية الطيور المهاجرة .
الطيور الليلية تعتمد على ضوء القمر ، وغروب الشمس ، والتنقل في سماء الليل ، وللاسف كثيراً ما يختلط الأمر على الطيور فتخطأ في الإتجاه الصحيح اثناء التنقل ليلاً وذلك بسبب أضواء المباني التي تجذبها ظناً منها انها في الطريق الصحيح وانها تتبع ضوء القمر ، والنتيجة اصطدام بالمباني يتبعه موت !
يحمل الباحثين مسؤولية تناقص اعداد الطيور لأصحاب المباني المضيئة نتيجة لاصطدام الطيور بها ، وفي المقابل هناك زيادة في اعداد الكائنات التي تتغذى على هذه الطيور الميتة !
في الفترة الأخيرة زاد اهتمام البعض بهذه القضية ، فعلى سبيل المثال ، مركز هانكوك في شيكاغو يطفأ أضواءه ليلاً في محاولة لإنقاذ 1500 طائر يصطدمون يومياً بالبرج أثناء موسم الهجرة .
الأضواء الصناعية والحشرات
لابد وانك لاحظت تجمع الحشرات على أي مركز للضوء الصناعي ، كعمدان الإضاءة في الشوارع ، او حتى مصباح في شرفة .
تنجذب الحشرات للأضواء الصناعية دائماً ، وذلك لأنه في الطبيعي يساعدها ضوء القمر والشمس على تحديد وجهتها ، لذلك يختلط الأمر عليها وتنجذب للضوء الصناعي .
انها تجد صعوبة في مقاومة الضوء ، وانه من المستحيل ان تبتعد عن اي مصدر للضوء ، وذلك لأن الحشرات تستخدم الضوء في التنقل ، هو المرشد لها ، وبالطبع هي غير قادرة على التمييز بين ضوء القمر والضوء الصناعي .
وتتتعطل طرق الهجرة والطيران الطبيعي لدى الحشرات ، بل يموت الكثير بسبب الحراراة المنبعثة من مصادر الضوء .
هذه الأعداد التي تموت كل لحظة كافية لأن تؤثر على انواع الحشرات ، وبالإضافة إلى تلك الحشرات التي تتكاثر بصورة ضعيفة قد تحتفي تماماً يوما ما .
هناك مشكلة أخرى مرتبطة بالحشرات والضوء الصناعي ،حيث يرى الباحثون ان الحشرات الناقلة للأمراض تكيفت مع الأضواء الصناعية كونها علامة على وجود بشر ،لذلك هناك علاقة وثيقة بين التلوث الضوئي وانتشار الامراض .
قد نصاب بالجنون !
في عام 2011، أجرى الباحثون دراسة على تأثيرات الإضاءة الاصطناعية على الفئران ،وكانت النتيجة ان لها آثار لا تحمد عقباها بالنسبة لنا نحن البشر.
تم تسليط الضوء على الفئران لمدة 20 ساعة ، وعزلها عن دورة اليوم الطبيعية أي تتابع الليل والنهار ، فأظهرت تصرفات عصبية تشير إلى الجنون .
كما ظهرت تغيرات عصبية في المراكز العاطفية لديهم، وصعوبة في التنقل ، بالإضافة إلى الفزع من التنقل لبيئة جديدة ،وتأثرت أجسادهم أيضا، كالسمنة وزيادة تدفق الأنسولين ،وتغيير كبير في الهرمونات .
كل الكائنات الحية لديها ساعة بيولوجية ،تميز أوقات النهار والليل ، هذا الإيقاع المنتظم يخبر أجسادنا بأشياء كثيرة ، على سبيل المثال : متى نأكل ؟ متى ننام ؟ متى نستيقظ ؟
مزاجيتنا والتي تتأثر بشكل كبير بإنتاج الهرمونات داخل اجسامنا ،تتأثر ايضاً بالساعة البيولوجية ، وأي خلل فيها يؤثر فينا .
ومثل الفئران في الدراسة، ان الاضاءة الاصطناعية تؤثر على عقولنا سلبا ، وتسبب اضطرابات في النوم، ومشاكل سلوكية واضطرابات في المزاج .
وفي عام 2013، اجريت دراسة أخرى أثبتت أن الإضاءة في الأماكن المغلقة تسبب لنا الشعور بالنعاس في أوقات غير مناسبة.
ويوصي الباحثون بضرورة التعرض للإضاءة الطبيعية وتعتيم المنزل قبل الذهاب للنوم بساعات وذلك لأثارها الإيجابية على الحالة النفسية والجسدية للإنسان .
تدمير صحتنا الجسدية أيضاً
ليست عقولنا فقط وحالتنا المزاجية في خطر،بل أجسادنا أيضاً ، وفقاً لتقريرالجمعية الطبية الأميركية (AMA) الذي صدر مؤخرا ، وينص على ان زيادة كمية الضوء في العالم، من العوامل المسببة لمرض سرطان الثدي ، ويؤثر على الجهاز المناعي ايضاً .
بالإضافة إلى ان التلوث الضوئي يسبب لمرض السكري ،والاكتئاب ،وصعوبة التركيز، هذا غير انه توجد علاقة وطيدة بين الضوء الاصطناعي والسمنة أيضا.
الإضاءة الاصطناعية تؤدي إلى اضطراب في نظام الساعة البيولوجية في ،وتسبب سرطان الثدي الذي يعتبر أخطر مشكلة صحية مرتبطة نتجت عن التلوث الضوئي ، حيث وجدت دراسة صلة قوية بين النساء اللواتي يعملن بنوبات ليلية طوال 30 عام ، وزيادة احتمالية الإصابة بمرض السرطان .
والجدير بالذكر ان الأضواء الصناعية المبالغ فيها ، والتي تملأ الطرقات قد تتسبب في حوادث الطرق ، تقدر AMA أن أكثر من 10 مليار دولار سنويا يمكن توفيرها لو تم تنفيذ برنامج فعال للحد من التلوث الضوئي.
حل قد يزيد الأمر سوءاً
لحسن الحظ ؛ اصبح الكثير على وعي بالمشاكل الناتجة عن التلوث الضوئي ، هذا غير ان التلوث الضوئي واحدة من الشكال البيئية التي يمكن علاجها بسهولة .
الإضاءة الجديدة الموفرة للطاقة ، من الممكن تبديلها بإضاء الشوارع الغير فعالة ، أضواء ذات وهج أقل لديها القدرة على الحد من التأثير السلبي على الحياة البرية .
قد تكون المصابيح الموفرة للطاقة مكلفة أكثر من المصابيح العادية ، ولكنها فترة بقاءها أطول ، كما انها اقل إزعاجاً للحياة البرية.
رغم انه حل جيد بالنسبة للحيوانات، لكنه قد يخلق لنا نحن البشر مشكلة اكبر.
هذه المصابيح الغنية بالموجات الزرقاء تزيد من كمية التلوث الضوئي التي تتعرض لها العين البشرية، مما يزيد من المخاطر التي تم ذكرها.
فهذه الموجات الزرقاء تشبه ضوء الشمس في الصباح الباكر، فتنبه الدماغ أنه قد حان وقت الاستيقاظ ، لذلك كل تلك الأدوات في بيتك ترسل لك بالضبط إشارات خاطئة ليلا !
الضوء الصناعي له آثار سلبية علينا جميعاً لا تحمد عقباها .. أليس كذلك ؟
حسناً ؛ من الآن افتح نوافذ غرفتك واسمح لضوء الشمس بالدخول ، حاول بقدر الإمكان ان تقلل من فترة تعرضك للضوء الصناعي ، ساهم في الحد من ظاهرة التلوث الضوئي حفاظاً على عقلك وصحتك ، وحفاظاً أيضاً على الكائنات الحية من حولك .
المصدر
اقرأ أيضـاً :
أعنف 10 أحداث دموية في تاريخ البشرية !
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
التلوث الضوئي والهوائي والأخلاقي والثقافي وتلوث المياه ووو…. حياتنا تلوث في تلوث ولا أحد يعلم من أين يجب أن نبدأ في التنظيف 🙂
شكرا
مقال مرعب لم اكن اعرف ان هناك تلوث ضوئي, شكرا
مقال مهم!!!
موضوع فى غاية الأهمية، لكن بحاجة الى وعى جماهيرى كبير ليصبح له فائدة وجدوى.
موضوع مهم فعلا
موضوع جميل خلاني افكر في حاجات عمري ما اخدت بالي منها (Y)