التعليم في اليابان ليس حلماً، نصائح بسيطة ستجعل مدارسنا يابانية الكفاءة
تعدّ اليابان بقعةً مباركةً تعليمياً وحضارياً وثقافياً؛ آمن أبناؤها أنّ تطور المجتمعات وقيامها يبدأ من الاهتمام بمنظومة التعليم، فاعتبروه جانباً من جوانبِ هويتهم الوطنية، ومصدر فخرٍ لهم؛ ما أكسب نظام التعليم في اليابان إعجاب العالم بأسره وسعي الجميع للأخذ عن مدراس اليابان.
في الدول النامية، يبدو الحصول على تعليمٍ بمستوى التعليم الياباني أمراً مستحيلاً يحتاج تدخّل الدولة ورصد ميزانيةٍ ضخمة، لكنّ الأمر ليس صحيحاً بالكامل وتستطيع أي مؤسسة تعليمية بتطبيق النصائح التالية الحصول على بعض ميّزات التعليم الياباني.
كيف تعمل المدارس والجامعات في اليابان؟
يتألف نظام التعليم في اليابان من ثلاث مراحل إلزامية وهي: الابتدائية والإعدادية، والثانوية تستغرق جميعها تسع سنوات. يُعنى اليابانيون بتعليم أطفالهم منذ صغرهم وفي سنٍ مبكرةٍ قبل أن تبدأ المدرسة. تبدأ السنة الدراسية في الأول من نيسان وتستمر لمدة ثلاثة فصول. متوسط اليوم الدراسي الواحد ست ساعات، أما الإجازات فتمتد لمدة ستة أسابيع تتخللها العديد من الواجبات.
المرحلة الجامعية عبارة عن هيئة أبحاث وليست هيئةً تعليمية؛ يتقدم إليها الطلاب الذين تخرجوا من الثانوية على أساس امتحانات القبول في الجامعة، وليس بناءً على نتيجة الثانوية كما هو الحال في نظم التعليم في بلادنا.
مهمة الجامعات في اليابان تطوير قدرات الطلاب التطبيقية والأخلاقية والمعرفية؛ حيث يتوجب عليهم القيام بأبحاثٍ متنوّعةٍ لا تعتمد على التعليم النظري فقط.
نال نظام التعليم في اليابان سمعةً حسنةً على مستوى العالم، كما أنّه يضم أكثر من 70% من أطفال اليابان، لتصبح الدراسة بنظرهم نقطة البداية والانطلاق نحو الحياة.
اقرأ أيضاً: كيف تدرس في اليابان بمبالغ زهيدة
مقارنة بين مدارس اليابان ومدارس العرب
تتبع المدراس في اليابان نظاماً خاصاً؛ يتناغم مع الحياة ويتشابه في بعض النقاط مع مدارس الغرب؛ مما يدفعنا للتساؤل كمجتمعٍ عربي عن السبب المميز الذي يكسب هذا النظام تلك السمعة، وما الذي يجعله متطوّراً وفعالاً إلى هذا الحدّ، علّنا ننهل منه القليل لنطبقه في مدارسنا.
أهم أسباب تميّز المدراس اليابانية
توجد العديد من امتحانات القبول في مدارس اليابان
في بلادنا نعتمد على امتحان القبول فقط في المرحلة الجامعية ليكون امتحاناً مجهداً يتطلب منك خلاصةً لكل ما قد تعلمته سابقاً، أما خلال المراحل الانتقالية فنعتمد نظام النجاح والرسوب والعلامات هي التي تحدد ذلك.
في اليابان فإن جميع المدارس تتطلب امتحان القبول وذلك للانتقال من عام دراسيٍّ لآخر، بغضّ النظر عن علامات الامتحانات، ويعدّ هذا أمراً محورياً يحسّن السمعة الأكاديمية للطالب عند التقديم للدراسة بالكلية.
عوائق الدرجات
تعد العلامات في مدارسنا نقطة الفصل وعامل النجاح، ولا يمكننا أن ننكر أهمية الدرجات وتأثيرها على نفسية الطالب في مدارسنا؛ فعندما يحصل الطالب على علامةٍ متدنية فإن لذلك أثراً كبيراً على تقديره لذاته ومواصلته الدراسة بنفس الهمة، لأنه يدرك أن هذه العلامات هي السلّم الذي يحمله باتجاه الصف القادم.
أما في اليابان فالدرجات ليست عائقاً ولا يفكّر الطلاب بها أبداً؛ لأنها لا تؤثر على تقدمهم وانتقالهم للعام القادم، بل تكون حافزاً لهم لمواصلة التعلم والاهتمام بشكلٍ أكبر.
الاحتفالات في مدارس اليابان
قد اعتدنا أن نقيم حفل التخرج عند انتهاء المرحلة الجامعية لنستمتع بتلك اللحظة سبباً للفخر والفرح، وليس فقط للطالب إنما له ولذويه ومن يشاركه درب نجاحه.
في اليابان لا تقتصر هذه الاحتفالات على التخرج، إنما أيضاً تقام عند دخول المدرسة أو الكلية، حيث تقام حفلات ترحيبٍ مع بداية كل عامٍ دراسي؛ بالإضافة إلى حفلات التخرج المشجّعة.
هذه المراسم غير العادية تكسب الطالب ارتباطاً وثيقاً بمدرسته ورغبةً كبيرة في الدراسة والتفوق.
بعد المدرسة، هناك مدرسة
ضغط الامتحانات والتوتر والقلق النفسي الذي تسببه فترة الامتحانات أمرٌ اعتدنا عليه في مدارسنا، فـأسابيع الامتحانات مرهقة والدراسة الفردية أمرٌ صعب قد نتوه فيها وحيدين.
لدى اليابانيين مدارس مكثفة تتجسّد في البرامج التي تقام بعد المدرسة والتي تعين الطلاب على الدورات التدريبية والتعامل مع الامتحانات وتوجّههم للدراسة بشكلٍ مفيد.
المعلمون المتنقلون
الطالب عادةً هو الذي يغيّر فصله تبعاً للجدول الزمني والمقررات، لكن اليابان تخصص غرفةً معينةً لفصلٍ ما، يستقر الطلاب فيها ولا يتعيّن عليهم الانتقال حتى ينجزوا الفصل وينتهي الدوام؛ ويتوجب على المعلمين الانتقال بين الحصص من صفٍّ لآخر. الأمر عينه يطبّق في كثيرٍ من المدارس في الوطن العربي إلا أن العديد من البلدان الغربية تفعل العكس حيث يجلس المعلّم في صفّه ويتنقّل الطلاب بين الصفوف.
قواعد النظافة في مدارس اليابان
في مدارسنا، الطالب غير مسؤولٍ عن تنظيف الصف والتقاط القمامة عن الأرض، وهذا ما فسّر حاجةَ مدارسنا إلى عمّال نظافة وصيانة لإبقاء المدارس والجامعات نظيفة.
في اليابان، حيث الانضباط وتنمية إحساس الطالب بالمسؤولية هي الغاية، لا يوجد عمّال نظافة في المدراس، وهذه مهمة الطلاب أن يشمّروا عن سواعدهم وينظفوا أجزاء المدرسة بالكامل، جنباً إلى جنب مع المعلمين والموظفين لينتج جيلاً مسؤولاً في المجتمع.
يأكل المعلمون والطلاب معاً نفس الوجبة
هذه من الحقائق المهمة حيث يتعوّد الطلاب مع معلميهم على تناول وجبةٍ واحدة بغض النظر عما يفضلونه، يجلسون مواجهين بعضهم البعض، ما يجعل الصف مكاناً لتكوين الصداقات وليس فقط للتعلم، ينهون وجبتهم ويشارك الجميع بالتنظيف وإعادة كلّ شيء كما كان.
كيف لنا أن نجعل نهج المدارس العربية قريباً من مدارس اليابان؟
على الرغم من أن النقط السابقة المذكرة سهلة التطبيق إلا أنّها بالغة الأثر وتساهم حقّاً في بناء جيلٍ مسؤولٍ خلوق يساهم في بناء مجتمعه ولا أعتقد أن أيّاً منها يحتاج مجهوداً كبيراً ليُطبّق. فيما يلي أستعرض بعض النقاط الإضافية التي من شأنها -في حال تنفيذها- إحداث فرقٍ حقيقي في سويات التعليم في بلادنا.
لنركّز في التعليم على الجودة لا على الكمية
يقود الطلاب في اليابان العالم في مهارات الحساب والقراءة والكتابة، لأنهم لا يتعلمون عن ظهر قلب إنما من خلال التطبيقات والنشاطات وأحياناً اللعب، كما يلعب المدرس دور المعلم والمصحّح لمساعدة الطالب على حلّ أي مشكلةٍ تواجهه.
دعونا نبدأ مع طلابنا ونعلّمهم مهارات التعلم من خلال الفهم والإدراك، ونوصل لطلابنا المعلومات بطرقٍ مبسّطة وواضحة، وإذا توافرت الأدوات والمجسّمات لنسمح لهم بالمشاركة في اكتشاف المعلومة وإدراكها بأنفسهم.
لا يهم القدر الذي ينجزونه بقدر أهمية الفهم، ولنعلمهم أنّ الخطأ هو درب الصواب، ولو تدنت علاماتهم فهي فرصة لتصحيح الأخطاء وتجنب الثغرات في مرات قادمة.
لنتفق معهم على أنّ الرياضيات لغة كالإنكليزية واليابانية
يرى اليابانيّون أنّ معرفة ماهية الشيء الذي يتعلمه الطالب سيساعده على تذكره بنسبة 90%، لذا يبتعدون عن نظام المحاضرات والسبورة، ويناقشون الطلاب وكأن الأرقام بالنسبة لهم أحرفاً ولغة يتم تبسيطها ليسهل التعامل معها.
لنأخذ بيد طلابنا وندلّهم على هذه الدرب، وليكن شرحنا لهم على قدر استيعابهم ولنخاطب عقولهم بشكلٍ فردي إن أمكن.
لنمكنهم من لغتهم الأم ونعلمهم لغة ثانية
في جميع أنحاء العالم قد يتعلم الطلاب حوالي 33 حرفاً، في اليابان عندما يغادر الطفل المدرسة الابتدائية فسيكون في حقيبته 1006 حروف، أما مع نهاية مرحلة التعليم الإلزامي سيكون قد تعلم 1130 حرفاً إضافياً بالإضافة إلى النصوص الصوتية التي تحتوي على مقاطع لفظية مختلفة.
لماذا لا نحرص على تعليم طلابنا للغة وقواعدها بشكلٍ جيّد؟ فلنهتم بإتقانهم لغةً ثانيةً إلى جانب لغتهم الأم، من خلال حلقات التعليم الجماعية، ولو استطعنا أن نستخدم بعض الوسائط التي تعيننا على ذلك كمسجّلات الصوت أو الحواسيب المدرسية.
لنشجع طلابنا على ارتداء الزي الرسمي للمدارس كما اليابان
لباس المدرسة الموحّد يجب ألا يخالفه أحد، عملاً بمبدأ أن النظام يطبّق على الجميع وسعياً للتركيز على التعلّم متجاهلين الفروق الاجتماعية، حبذا لو يستطيع المعلمون توحيد لباسهم في خطوةٍ متقدمة نحو تشجيع الطلاب على الالتزام والانضباط.
للأهل دورٌ مهم في هذه الخطوة كما يجب منع الطالب من الغياب إلا في الحالات الطارئة جداً، وتعميق انتماء الطالب للمدرسة من قبل الأهل والمعلمين ليتحول شعوره نحو المدرسة وكأنها منزله الثاني.
الأسلوب اللطيف هو الدرب الأقرب والأنجح
المعلم اللطيف محبوبٌ من قبل طلابه ويكون قريباً من قلوبهم، فلنجعل طلابنا يحبون المدرسة ويحبوننا ما يسهّل علينا العملية التربوية والتعليمية، ويساعدنا على المحافظة على الانضباط بسهولةٍ وسرعة.
لنقم بحملات تنظيفٍ جماعية
لنكن يداً بيد مع طلابنا في حملات تنظيف المدرسة ولنعلمهم أنّ هذه المهمة جماعية وعلى عاتق الكبير والصغير، ومرةً بعد مرّة سيدركون أن النظافة مهمتهم، فيتحملون مسؤولية أفعالهم، هذه العملية ذات بعدٍ اجتماعيٍ أكبر يهيئ الطالب إلى الحياة المستقبلية ومسؤولياتها.
لنمنع إخراج الطالب من الصف
الطفل هو مجرد طفلٍ في أي بلدٍ أو ثقافة، وغالباً ما تجد في كلّ صف طالباً أو اثنين يثيرون الشغب والفوضى. في معظم نظم التعليم في بلادنا أو في الغرب يتم إرسال الطالب خارج الفصل الدراسي؛ أما في اليابان فلا يجرؤ المدرس على أن يخرج طالباً من الصف بحسب الدستور الذي ينص على أن للناس جميعاً الحق في الحصول على تعليمٍ متساوٍ. بسبب ذلك اعتاد المعلمون اليابانيون المحافظة على هدوئهم والبقاء متماسكين خلال الدرس كي لا يفقد الطالب أي جانبٍ من الدرس.
دعونا نطبق هذه القاعدة ونستعين بقليلٍ من الصبر والحلم على مواقف يمكن تجاوزها بالحكمة، لنكسب طلابنا ونبقى بجانبهم.
كانت تلك نظرة على الحياة في مدارس اليابان التي تنقل لنا الثقافة اليابانية والمجتمع المتناغم الذي يشكل للعالم أجمع مثالاً يحتذى به في النظام والانضباط والتركيز على التعلم، مع الإصرار الذي يعدّ الطالب لمصاعب الحياة. ماذا لو نتعلم منهم قليلاً، وننقل بعضاً من تلك الميزات إلى صفوفنا على قدر إمكانياتنا وطاقة استيعاب طلابنا!
اقرأ أيضاً: نصائح هامة لتصبح مدرساً محترف
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.