دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس العادية.. ما مدى فاعليته وإيجابياته وسلبياته
تعتبر قضية دمج الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية من أكثر القضايا التعليمية التي شغلت قطاعاً كبيراً من الذين يعملون في المجال التعليمي، فلقد دارت مُناقشات عديدة حول إمكانية تطبيق الدمج في المدارس ومدى فاعليته وإيجابياته وسلبياته على كلٍّ من الطلاب العاديين والطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما سنتطرق إلى مُناقشته في هذا المقال.
ما هو الدمج؟
بداية ما هو تعريف الدمج؟ الدمج هو تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية مع أقرانهم العاديين وإعدادهم للعمل في المجتمع مع الأشخاص العاديين.
ومصطلح (الدمج) في أمريكا ظهر بظهور القانون الأمريكي رقم (94_142) لسنة 1975م الذي نص على ضرورة توفير أفضل أساليب الرعاية التربوية والمهنية لذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم العاديين.
وعرّف العالم التربوي (هيجارتي) مصطلح الدمج بأنه يعني تعليم الأطفال ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية بحيث يتم تزويدهم ببيئة طبيعية تضم أطفالا عاديين وبذلك يتخلصون من عزلتهم عن المجتمع.
أما كوفمان، فيرى أن الدمج يُعتبر أحد الاتجاهات الحديثة في التربية الخاصة، وهو يتضمن وضع الأطفال المتأخرين عقلياً بدرجة بسيطة في المدارس الابتدائية العادية مع اتخاذ الإجراءات التي تضمن استفادتهم من البرامج التربوية المقدمة في هذه المدارس.
ولتطبيق الدمج في المدارس يجب التأكد أولاً من تحقيق عدة شروط وهي:
1- تحديد نوع الإعاقة وشدتها ومدى الاستعداد النفسي للطالب المُراد دمجه، مما يستدعي تربية مُبكرة من الأسرة لمُساعدتهم للقيام بالوظائف الأساسية مثل التعبير عن النفس، والانتقال من مكان لآخر، والاعتماد على الذات في أداء المُهمات البسيطة.
2- إيجاد نسق من التواصل بين المُعلمين والآباء والمؤسسات المجتمعية الأخرى العاملة في هذا المجال بما يتضمن التوعية بالخدمات ونوعيتها ومشكلاتها وقضاياها وتدريب الأسرة والوالدين على المشاركة في برنامج المدرسة وفي الأنشطة ومُتابعة فعاليات البرنامج وكيفية التعامل مع الطفل المُدمج.
3- تدريب مُعلمي المدارس العادية كيفية التعامل معهم داخل الفصل الدراسي على ألا يزيد عددهم عن اثنين في الفصل الواحد، وأن يكون حجم الغرفة الصفية مُناسباً لحرية الحركة لنحقيق أهداف التعليم التعاوني والتنوع بالأنشطة لضمان مشاركة الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة.
4- توفير غرفة مصادر تتوفرّ فيها كل الوسائل اللازمة للتعامل مع الطلبة بإشراف مُعلم التربية الخاصة المؤهل للتعامل معىهؤلاء الطلبة، كما أنه من الهام إشراك أولياء الأمور في التخطيط بكافة مراحله، وإخطارهم بالأسس التي يجب مراعتها في تنفيذ برامج الدمج وآليات تنفيذ هذه البرامج.
وكما ذكرنا فإن هذا النظام له إيجابياته وسلبياته ومن أهم إيجابياته:
1- يمنح ذوي الاحتياجات الخاصة فرصة اكتساب خبرات واقعية متنوعة أثناء تعاملهم مع مشكلات مجتمعية، أثناء تفاعلهم مع أقرانهم العاديين، ومن ثم تتكون لديهم مفاهيم أكثر واقعية عن أنفسهم وعن الحياة والعالم الذي يعيشون فيه، من ثم تتهيأ لهم تنشئة اجتماعية سليمة. .
2- يمكّن الأطفال العاديين من ملاحظة أقرانهم ذوي الاحتياجات في المواقف التعليمية والاجتماعية عن قرب مما يؤدي إلى تحسين اتجاهات الأطفال العاديين نحو أقرانهم ذوي الاحتياجات الخاصة وزيادة تقبلهم له في المدرسة وفي الحياة العمليةبعد ذلك.
3- يُكسب هذا الأسلوب التعليمي للأطفال العاديين قيم إنسانية رفيعة مثل: تحملّ المسئولية وتقبلّ الآخر والتسامح والتغاضي عن العواقب التي قد يُسببها هؤلاء الطلاب المختلفين بالفصل الدراسي وكذلك التعاطف مع الغير قادرين ومُساعدتهم لتحقيق أهدافهم، وهو ما يخلق شخص واعي ومسئول ومُهتم بغيره في المجتمع.
4- ما يوجبه أسلوب الدمج من تعديلات في بيئة التعلم للوفاء بالحاجات الأساسية لذوي الاحتياجات الخاصة سواء كانت دراسية أو اجتماعية أو نفسية، أيسر وأجدى ما يوجبه أسلوب العزل من تعديلات فيها.
5- يعمل أسلوب الدمج على تحقيق الهدف من فلسفة التربية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة ، وهو العودة بهم إلى المجتمع لا عزلهم عنه، وكذلك وضع الطالب ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانه العاديين بالمدارس العادية يشعره بأنه يحيا في بيئته الطبيعية.
6- قد يُناسب أسلوب الدمج ظروف كثير من المجتمعات النامية التي تعجز قدراتها عن إعداد مؤسسات ومدارس خاصة تستوعب جميع المعاقين بها.
7- وبالإضافة إلى ما سبق يحقق أسلوب الدمج ما أوصت به عدد من المؤتمرات والمواثيق الدولية من أن للمعاق كافة الحقوق الإنسانية التي لأقرانه العاديين من هم في عمره الزمني مهما كان نوع الإعاقة التي لديه.
بعض السلبيات التي يجب الانتباه لها قبل دخول هذا الأسلوب حيز التنفيذ بالمدارس وهي:
1- زيادة غربة ذوي الاحتياجات الخاصة مما قد يعزز فقدان الثقة في أنفسهم وإحساسهم بالإحباط لقصور قدراتهم على متابعة الدروس مع بقية تلاميذ الفصل العاديين.
2- تثبيط همة الطالب العادي وذلك من خلال انخفاض التنافس بين الطلاب وتباطؤ قدرة الطالب العادي لكي تتماشى مع زميله المحتاج إلى العناية الخاصة.
3- الحاجة إلى كادرٍ تربويٍ (معلمين – مشرفين – موجهين – إداريين) معداً إعداداً جيداً، قد لا يكون توفيره ممكناً على الأقل في الوقت الراهن، فكثير من البلدان التي طبقت تجربة الدمج تعاني من هذه القضية.
4- قد يجعل هذا الأسلوب الأطفال العاديين يسخرون من أقرانهم ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يتسبب في معاناة نفسية مؤلمة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة إذا كان المجتمع غير مُعتاداً على تقبلّ الآخر وبالتالي لم يعتاد الآباء والأمهات على تربية أبنائهم على ضرورة ذلك وكيفية التعامل معه وهوما للأسف يحدث في مجتمعاتنا بشكل كبير.
وفي النهاية سواء اتفقنا أو اختلفنا مع أساليب دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس، فإنه يجب العلم بأن تنفيذه يستلزم أولاً اتخاذ العديد من الإجراءات وتهيئة الجو التعليمي المُناسب وكذلك تقبلّ المجتمع ككل للآخر كإرساء القيم الاجتماعية والإنسانية التي تسمح بتنفيذ ذلك في جو صحي مُناسب لكل الطلاب يُحقق لهم الاستفادة القصوى بدلاً من الإضرار بمصلحتهم وصحتهم النفسية، فيجب توخي الحذر والتأكد من تزويد المدارس والمناهج باستراتيجيات تُمكنّ المُعلم والطالب العادي من استيعاب طالب ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجه الفعالّ بالمنظومة التعليمية حتى يُحقق الاستفادة الحقيقية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.