التعامل مع الطفل الحساس وتعليمه.. كيف تفجرين مواهبه الكامنة خلف التوتر الزائد؟
7 د
التعامل مع الطفل الحساس يمثل تحديًا لأي أسرة، ليس فقط لحالة التوتر والعصبية الدائمة التي يكون فيها والانزعاج من أقل شيء، لكن لعدم انتشار طرق التعامل معه بالشكل الصحيح أيضاً، ففي حين تمتلئ المنصات ومحاضرات الخبراء بنصائح متنوعة عن كيفية التعامل مع الطفل العنيد أو السارق أو الكاذب أو حتى من يعاني من فرط الحركة، نجد إهمالًا تامًّا لنوعٍ آخر موجود في صمت، ويعاني باستمرار هو النوع شديد الحساسية.
فمن هو الطفل الحساس؟ وما هي أهم العلامات التي تميز هذا النوع؟ وكيف تتعاملين مع ابنك أو ابنتك إذا وجدت هذه العلامات؟ هذا ما سنتعرف عليه الآن.
من هو الطفل الحساس؟
يولد الطفل شديد الحساسية بجهازٍ عصبي تشعر أنّه على فوهة بركان، فمع أصغر المواقف ينفعل سواءً بالبكاء أو الصّراخ أو التأثّر الشديد والألم الداخلي، حتى إذا لم تلفت هذه المواقف أيًا من المحيطين به على الإطلاق، أو مرّوا عليها مرور الكرام، لكنها تترك أثرًا عميقًا في نفسه أكثر من غيره.
يشعر هذا الطفل بارتباكٍ كبير عند رؤية شخصٍ يتألّم أو يعاني، ويكون هذا الطفل إما هادئًا للغاية، وشديد الانطواء، وسهل التربية، ومطيعًا لأقصى درجة، أو يكون على العكس تمامًا شديد النشاط والحركة والعناد، وعادةً ما يُلاحظ أن الأطفال الحساسين يكونون شديدي التأثر بأيّ تغيراتٍ في بيئتهم العاطفية أو الجسدية.
ما هي العلامات التي تدل على أنّ طفلك حساس؟
تظهر علامات الطفل الحساس منذ وقتٍ مبكّر للغاية، ولا ينبغي الخلط بينها وبين صفاتٍ أخرى مثل العناد أو رفض السُلطة، وهذه أهم العلامات لتتعرفي على طبيعة شخصية طفلك الحساسة:
يشعر بالتعاطف الشديد تجاه الآخرين
من الطبيعي أن يشعر معظم الناس بالتعاطف مع الضعفاء أو المرضى أو من يحبونهم، ولكن الطفل الحسّاس تعاطفه يجعله دائمًا يضع احتياجات الآخرين قبل رغباته هو نفسه، وهذا قد يدفع البعض لاستغلاله على أساس أنّه عاجزٌ عن رفض أي طلبٍ وأنّه دائمًا يسعى لإرضاء الآخرين.
دائم العصبية
يمكن للروائح والأصوات العادية أو الحادة قليلًا أن تكون شديدة الإزعاج للطفل الحساس، وتجعله شديد العصبية، كما أن اللمس المفاجئ أو الأطعمة ذات النكهة ستجعله يتوتر، وفي حين يمكن لهذه الأشياء أن تؤثّر في الكثيرين إلا أنّ هذا التأثير يكون طويل الأمد على الطفل الحسّاس.
الرغبة في الانعزال
يبرع الطفل الحساس في الأنشطة الفردية أكثر، فتجده ماهرًا في الرياضات التي تعتمد على لاعبٍ واحد، أو عاشقًا للقراءة أو الموسيقى، ويرغب في الكثير من الأحيان في الجلوس بمفرده، لأن الآخرين يزعجونه بشدة دون حتى أن ينتبهوا، وبفرض انتباههم لانزعاجه، فإنّهم يُلقون باللوم عليه ويتهمونه “بالحساسية” وهذا يجعله يظل دائمًا في دائرةٍ مفرغة، فهو لا يتمكن من السيطرة على انزعاجه، وفي الوقت نفسه يقلل المحيطون به من أهمية هذا الانزعاج، هذا فضلًا عن محاولة البعض استثارته من البداية.
يكره التغيير
من الصعب للغاية تغيير أي شيءٍ جذري أو حتى غير ضروري في الروتين اليومي للطفل الحساس، وهذا الأمر قد لا يتضح في بداية عمره، ولكن إذا حدث تغييرٌ في مدرسته، أو الذهاب لمنزلٍ جديد، أو بدء نشاطٍ مختلف، أو حتى قدوم طفلٍ جديد، فإنّ تأثير ذلك عليه يكون في غاية القسوة، لذا على الأبوين التدرّج في التغيير، ومحاولة تفهّم مشاعره، والاعتراف بها، ومساعدته على التخلّص منها دون تهكّمٍ أو سخرية، أو تقليلٍ من أهمية ما يشعر به.
الطفل الحساس يعشق الحيوانات
التعامل مع الحيوانات يعتبر من المنافذ التي تجعل الطفل الحساس يشعر بالراحة دون توترٍ أو عصبية، فسواءً القطط أو الكلاب أو العصافير أو السمك، فستجد الطفل الحساس يعيش عالمًا متكاملًا مع حيوانه الأليف، لدرجةٍ قد تُقلق أبويه من انعزاله، ولكن محاولة فكّ هذا الرابط العميق ستُقابل عادة بحالةٍ شديدة من الانهيار، سواءً الخارجي، أو ما هو أسوأ أن يكون الانهيار داخليًا، مما يؤثر على الصّحة الجسدية والنّفسية للطفل.
كيفية تقويم الطفل الحساس
الطفل الحساس ليس به عيب يحتاج إلى التقويم، ولكنّ كلّ ما يحتاج إليه هو الفهم العميق والتقبّل لمشاعره، فهو في النهاية غير مؤذٍ لا لنفسه ولا للآخرين، ولكنه فقط مختلفٌ عنهم، ومثلما ندعو جميعًا لنتقبل الاختلاف في أطفال التوحّد أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن التعامل مع الطفل الحساس أكثر سهولةٍ بمراحل، فهو طفلٌ طبيعي للغاية، ولكن لديه بعض الاختلافات التي يسهل للغاية تطويرها، ومن أهم طرق التعامل مع الطفل الحساس:
تقبُّل طبيعة الطفل الحساس
نعم، فأوّل خطوةٍ للتعامل مع الطفل الحساس بشكلٍ جيّد هو تقبّل طبيعته والتعامل مع أوقات التوتر بهدوءٍ قدر الإمكان، مع التعرّف على أساليب تقليل هذا التوتر والمشاعر الزائدة، والتأكد من أنّ ردود الفعل المبالغ فيها هي ما تجعله في الوقت ذاته يتعاطف مع الآخرين.
الحثّ برفقٍ على تعلّم مهاراتٍ جديدة
تشجيع الطفل الحساس على تعلم مهاراتٍ جديدة لا بد أن يكون بالتدريج وبرفقٍ شديد، فبدءًا من تعلم ركوب الدراجة وحتى السباحة أو الرياضات المختلفة، فهو سيتقبل الأمر إذا تم بالتدريج، وهذا سيقلّل من عصبيته ومشاعره المتدفّقة التي تكون عبارةً عن طاقةٍ زائدة ترغب في الخروج، لذا المهارات والرياضات المتنوعة ضرورية، لكن يجب أن تنبع الرغبة في ممارستها من داخله وليس بالإجبار.
توفير وقت للاسترخاء
يمكن للجدول اليومي المزدحم أن يزيد من توتر الطفل الحساس مقارنةً بأقرانه، لذا الانتقال من المدرسة إلى التدريب والواجبات المدرسية وربما المساعدة في المنزل كلّها قد تشكّل ضغطًا على أيّ طفل، ولكنها مع الطفل الحساس ستؤدي إلى انهياره.
لذا يجب توفير المزيد من الوقت لطفلك الحساس للاسترخاء في المنزل دون أوامرٍ أو تكليفات تشكل ضغطًا عصبيًا عليه خصوصًا مع عدم قدرته في الغالب على قول كلمة لا.
تعليمه التعبير عن المشاعر
من الصعب في بعض الأحوال فهم المشاعر تمامًا دون التعبير عنها، ويحتاج أيّ طفل عمومًا إلى تعليمه الطريقة الصحيحة للتعبير عن مشاعره سواءً بالكلمات أو بالأفعال المهذبة، فوجود اسمٍ لما يشعرون به سيجعلهم يتعاملون مع الموقف بشكلٍ أفضل.
فإذا وجدت طفلك غاضبًا للغاية، فقولي له أنا أعلم أنّك غاضب، بحيث في المرة المقبلة التي يبكي فيها ويركل الأبواب، يقول لك مباشرة أنا غاضب أو حزين أو حتى محبط إذا فشل في تأدية شيءٍ مطلوبٍ منه.
تعلّم حل المشكلات
يشعر الطفل الحساس دائمًا أن مشكلته دون أي علاج، وقد يمتد هذا الشعور به حتى النضج، فجهازه العصبي مختلف وهذا يسبب له الكثير من التوتر، ولكن يجب أن يتعلم من الصغر أنه لا توجد مشكلة أيًا كانت ليس لها حل، والتوصل إلى هذا الحل سيخفف كثيرًا من عصبية وتوتر الشخص الحساس.
وهناك الكثير من مهارات حل المشكلات التي يمكنك تعليمها لطفلك بالتدريج مثل مهارة البحث والتقصي، فعندما يشعر طفلك بالغضب لأنّه لم يُنجز المطلوب جيدًا، فيمكن إرشاده إلى كيفية البحث عن الطريقة الصحيحة سواءً مع محركات البحث أو الكتب وغيرها.
وبالمثل إذا دخل في شجار مع زميل له، يجب تعليمه طريقة إدارة المخاطر سواء بتعلّم مهارة الدفاع عن النفس، أو اللجوء للشخص المسؤول سواء في المدرسة أو المنزل أو حتى رجل الشُرطة، فيجب أن يُدرك أن اللجوء إلى شخصٍ مسؤول سيوفّر له حماية، وليس عليه التوتر والقلق أو المحاولة الدائمة لإرضاء الآخرين على حساب نفسه.
التشجيع
يحتاج كل الأطفال إلى التشجيع لزيادة الثقة في أنفسهم، ويحتاج الطفل الحساس إلى جرعةٍ مضاعفة منه حتى إذا لم يحقق النجاح المطلوب، فيكفي تشجيع الجهود المبذولة لتجنب التوتر أو السيطرة على الأعصاب، ومن الضروري مدح جهوده في قول الحقيقة أو محاولة التغلب على الصعاب الدراسية.
التركيز على الانضباط وليس العقوبة
ليس معنى أن الطفل حساس هو أن تمر أخطاؤه دون عقوبة أو تنبيه، لكن يجب أن يتم الأمر بطريقةٍ صحيحة حتى نحصل على النتيجة المتوقعة ألا وهي التزام الطفل بالقواعد السلوكية الصحيحة وفي الوقت نفسه عدم تدمير شخصيته.
فليس من المفيد عمومًا أن يحدث تغييرٌ دائمٌ في القواعد للسيطرة على عصبية الطفل، وفي حين أن المرونة ضرورية، إلا أنه يجب وضع حدود وتنفيذ عقاب إذا تم تخطيها مثل تحطيم شيء عن عمد أو التسبب في أذية النفس أو الغير، والعقاب هنا يختلف وفقًا لعمر الطفل سواءً بالحرمان من لعبته المفضلة لبعض الوقت، أو الحرمان من المصروف الشخصي، ولكن الصوت المرتفع أو الضرب سيكون له أثرٌ عكسي شديد العنف على الطفل بعد ذلك بحيث يتحوّل من شخصٍ حساس إلى عدوانيٍ يكره كلّ من حوله.
وفي النهاية فإن تعليم الطفل الحساس والانتظام الدراسي عادةً لا يكون فيه أي مشكلات، فإن رغبته في الانعزال وسعيه لإرضاء الآخرين يجعله يلتزم بالمقررات الدراسية والواجبات بل يكون في العادة أكثر تفوقًا من أقرانه، ولكن هذا لا يعني أنّه سعيدٌ بما يفعل، لذا من الأفضل عدم تجاهل تلميحات الطفل الحساس برغبته في دراسة مادةٍ معينة أو ممارسة هوايةٍ ما، فهي كلها أمور ستقلل من عصبيته وانعزاله، وستجعله أكثر قابليةٍ للتفاعل مع المحيطين به وخصوصًا والديه وعائلته، وهذا بالتالي سيزيد من قدرته في التعبير عن مشاعره والتعرف على الأمور التي تزعجه وتلك التي يعشقها وتؤدي إلى هدوئه وتفوّقه سواءً في الدراسة أو الحياة الاجتماعية.
اقرأ أيضاً: لا تنعته بالغبي.. إليك بعض الخطوات للتعامل مع طفلك إن كنت تراه محدود الذكاء
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.