لمتعددي الاهتمامات… لا تتخلَّ عن اهتماماتك مقابل التخصص والتمسك بمسار وظيفي واحد!
مقال بواسطة/ رؤى علوان – مصر
“أعتقد أنه لو كانت لديك القدرة والموهبة في طريق ما، فلديك القدرة والموهبة في كل الطرق. أنا لست صاحب سبع صنائع، ولكنني خبير في العديد منها. لا أشعر أن هناك ما لا يمكنني القيام به إذا أردت ذلك”
Evel Knievel
بمجرد نضجك والتحاقك بالمدرسة الثانوية، سرعان ما يبدأ المجتمع بما فيهم الأسرة الكريمة بملاحقتك، حتى تجد نفسك أمام مفترق طرق: المجتمع يفرض عليك التخصص، بينما نفسك لديها فضول لا يشبعه مجال واحد، ومواهب عدة لا يجيد التخصص توظيفها جميعًا. تتسرب الحيرة إلى عقلك، ويزداد الضغط الخارجي في السنوات الحاسمة. للأسف، لا يدرك المربون اختلاف الطبائع البشرية، فأنت مطالب باختيار مجال واحد وقطع كل الحبال التي تصلك بأي مجال آخر.
العلم يقول إن هناك نوعان من الحوافز للتعلم، حسب كل طبع بشري، فالبعض حافزه التخصص، وبه يتمكن من التركيز والإنتاج بشكل أكبر دون تشتت، والبعض الآخر حافزه التشعب في أكثر من مجال. والتشعب لا يعني المعرفة السطحية من كل مجال، ولكنه القدرة على الدمج بين أكثر من مجال بشكل احترافي ومبدع.
هذا ما أشارت إليه (إيميلي وابنيك) في خطابها لدى تيد الذي ألقته حول سبب وجود اهتمامات عدة لبعض الناس، أن من عادة متعدد المواهب أن يستهويه مجال ما، فيتعمق فيه ويقرأ ويطبق وينفق الوقت والجهد والمال، حتى يمل ويعتاد، فلا يعود يجد بالمجال صعوبة تحمسه، فيتجه لآخر، فيظن أنه وجد ما كان يبحث عنه طوال حياته، ويعيد الكرة حتى يصل لنفس النقطة، وهكذا.
فكيف لشخص متعدد الاهتمامات أن يتخذ لنفسه مهنة دائمة؟ كيف يلتزم؟ كيف يتأقلم على الروتين الوظيفي؟ ماذا يفعل باهتماماته الأخرى؟
مخاوف كثيرة، تجعله يُحجم عن استغلال إمكاناته، ويتراجع عن شغفه بتغيير العالم.
قدرات خارقة
متعدد المواهب شخصية باحثة، لديها إمكانات مهولة، فمن خلال اطلاعه على تخصصات كثيرة، يكتسب مهارات مختلفة تساعده على:
- رؤية الأشياء من منظور أشمل ورؤية أبعد.
- مواكبة الجميع.
- القيام بعدة أدوار، لن يحتاج لطلب العون من أحدهم، فهو يعلم الكيفية التي تمكنه من تنفيذ ما يريد. قد يحب أن يطلب العون لكنه لن يحتاج.
- التعلم السريع والقدرة على اكتساب المهارات الجديدة بسهولة. لديه الفضول والحماس دائمًا لتعلم الجديد بمجرد أن أصبح مبتدئًا شغوفًا بالأمر، ما يجعله خبيرًا ملهمًا يتعلم منه الجميع فيما بعد.
- القدرة على إقامة مشروعه الخاص. شخصية متعدد المواهب شخصية ريادية، تحب إضافة لمستها الخاصة، وترجمة أفكارها على أرض الواقع.
- الدمج بين الأفكار، ليحصل على فكرة خارقة مبدعة. وهذه أهم ما يتميز به هؤلاء مما لا يجيده المتخصصون، كما فعل ستيف جوبز عند صناعة أول Macintosh.
- التكيف والمرونة. لا تقف أمام حيلهم في حل المشكلات عوائق.
الحياة العملية (الرباعي القاتل)
أعداء متعددي الاهتمامات أربعة، وهم: المسار الوظيفي، والإنتاجية، وبناء الثقة، والوقت.
1- المسار الوظيفي:
بالنسبة لشخص عدوه اللدود هو التخصص، ما بالك بشعوره عندما يُرسم أمامه مسار وظيفي، لا بد أن يسير وفقه إلى نهاية محتومة، وعمل روتيني مزعج؟
العدو الأول لمتعدد الاهتمامات هو المسار الوظيفي، الذي يبدأه بحماس وشغف للتعلم، فإذا وجد أنه لم يعد يضيف شيئًا فريدًا، وأن هذا المجهود الذي يبذله انتقل إلى منطقة الراحة وأصبح عادة، فقد الحماس، وبحث عن مغامرة أخرى.
2- الإنتاجية:
حين نأتي للحديث عن العمل والإنتاجية لمتعددي الاهتمامات، نجد أن متعدد الاهتمامات هو الأكفأ دومًا في حالة أنه لديه العنصر الثاني لمعادلة الكفاءة، وهو الرغبة. أما العنصر الأول: القدرة، فهو أمر مفروغ منه لدى هؤلاء.
المشكلات المتعلقة بحياتهم العملية ليست تقنية بالمرة، ولكنها متعلقة بالشغف. إذا كان يستهويهم الأمر حقًا، سيعطونك الجودة والالتزام الذي تأمله.
3- بناء الثقة:
سيوف المجتمع، وظروف المعيشة، والتحديات الجديدة بين الحين والآخر، وتطلعاته العالية لتحقيق الكثير من التقدم في وقت سريع وفي أكثر من مجال، كل ذلك له تأثير سلبي على ثقته بنفسه، ويصعب عليه عملية البدء من جديد.
4- الوقت:
أحد أفظع الابتلاءات لهذه الفئة هو الوقت. فهم يفضلون الحرية والوقت المفتوح، وهذا يقلل من إنتاجيتهم. ما إن يشرعوا في القيام بعمل معين، حتى تخرج المشتتات من كل ناحية فيفشلون في إدارة أولوياتهم.
معادلة النجاح
سأطلعك على سر تتمكن به من التوفيق بين ما يمليه عليك فضولك، وبين تقدمك الوظيفي وحاجتك المادية، اسأل نفسك سؤالًا واحدًا: ماذا أحتاج لأعيش سعيداً ومرتاحاً فكرياً ومادياً؟
تحتاج إلى رسالة تعمل لأجلها، وتنوع يفرض عليك تحديات جديدة، ومال لتنفق منه.
في البداية، اعلم أنه ليس هناك ما يسمى بالمسار الوظيفي المناسب أو التخصص الدراسي المثالي لمتعددي الاهتمامات، لكن يمكنك الاختيار بين أربعة طرق ستسهل عليك الأمر كثيرًا:
الطريق الأول: تحويل اهتماماتك كلها إلى مشروع خاص متعدد الأوجه Group Hug Approach، فتصبح اهتماماتك دافعا لجلب الدخل، بدلًا من كونها عائقًا.
الطريق الثاني: التبديل بين الوظائف Slash Approach، بمعنى القيام بأكثر من وظيفة مستقلة، وهذا الطريق مناسب لمن لديهم القدرة على العمل في مجالات مختلفة جذريًا بشكل متكرر.
الطريق الثالث: “طريقة آينشتاين” Einstein Approach أو “الوظيفة الجيدة الكافية” أن تعمل في وظيفة ممتعة تمدك بالاستقرار، وعلى الهامش، تترك لك باقي الوقت والطاقة للتعمق في اهتماماتك. تماماً كما كان يفعل ألبرت آينشتاين، فقد كان يعمل لدى مكتب براءة اختراع، يدفع فواتيره، ويمنحه الوقت للعمل على نظرياته.
الطريق الرابع: التسلسل Sequential Approach، أي: التعمق في مجال ما لعدة سنوات ثم تبديله وبدء مسار وظيفي جديد. وهذا الطريق مناسب لهؤلاء الذين يفضلون التركيز في شيء واحد حتى ينتهوا منه ثم البدء في شيء جديد.
متعددي الاهتمامات يغيرون العالم
كثيرون ساروا على هذا النهج، وكثيرون غيروا العالم باهتماماتهم المتعددة، فقط اختر الطريق الذي يناسبك أكثر، ولا تخيفك الجامعة، فأمامك بحور العلم في جامعات العالم، والإنترنت. لا تكتفي أبدًا واشبع فضولك بالمزيد. أنت هنا لتعبّر عن نفسك من خلال اهتماماتك. هذا ما عرفه كبار العلماء والفنانين في العصور السابقة، مثل دافنشي وفرانكلين ونيوتن وشابلن بالتأكيد. وفي عصرنا أمثال عديدة كذلك مثل أوبرا وينفري وستيف جوبز.
إذن، أنت سليم الفكر، وتعدد المواهب والاهتمامات ليس شيئًا مريبًا بعد الآن. إنه طبع بشري، وكان طبع العظماء والرواد على مر التاريخ، فقط تعلّم كيف تحصل على الاستفادة القصوى من مهاراتك، ونظم وقتك، وجدد حماسك بين الحين والآخر بتجربة شيء جديد. وتذكر كلما شعرت بدفء الراحة، القِ بنفسك مجددًا في المحيط.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
أشكركِ على هذا المقال الرائع. أنا من هؤلاء متعددي الاهتمامات، وقد غيّرت مساري الوظيفي بالفعل أكثر من مرة. مقالك أفادني كثيرًا في التفكير في المرحلة القادمة.
خالص تحياتي