الإيبيجينوم – علم التخلّق.. ما وراء علم الجينات !

الإيبيجينوم - علم التخلّق.. ما وراء علم الجينات ! 2
عبدالله شاهين
عبدالله شاهين

4 د

منذ أن اكتشف واطسون وكريك بنية الحمض النووي DNA  في عام 1952 اعتقد العالم أننا على مسافة خطوات قليلة اكتشاف سر الحياة في هذا الكون.

لقد نظر العلماء إلى الحمض النووي ليتلمسوا مسيرة التطور الطبيعي في الأنواع والتكاثر والأمراض الخلقية والوراثية التان طالما سببت لهما أرقا وأزمة في تعليل مسبباتها. لقد اعتقد الجميع أننا وبمجرد اكتشاف الخارطة الجينية كاملة أمامنا سنستطيع فك شيفرة الألغاز في العلوم الحيوية كافة.

لقد تمت لنا هذه الأمنية في عام 2003 حيث أعلن فريق مشروع الجينوم البشري الذي تأسس في 1984 أنه قد أصبح لديه خريطة شبه كاملة للجينات البشرية. “أخيراً” صرخ الجميع سعيدين بقربنا من تشخيص كل الأمراض عبر هذا التشخيص الدقيق، لكن سرعانما اكتشفنا أننا مازال بيدنا خارطة غير كاملة لسر الوجود.

سؤال ربما لم يخطر ببالك من قبل: لماذا لا يُصاب القلب بالسرطان ؟!

الإيبيجينوم

علم التخلق Epigenetics

ليكن سؤالنا كالتالي: نحن نعلم أن سوسن تمتلك خارطة جينية فريدة، وهذه الخارطة محفوظة في ال46 كروموسم الموجودة في نوايا الخلايا في جسم سوسن. حسن! كيف لخلايا الجلد وخلايا العضلات أن يكون لهما ذات التركيبة الجينية رغم الاختلاف الكبير في شكليهما ووظائف كل منهما؟

هذا هو الهدف الذي يقوم علم التخلق بالتصويب نحوه. إن لفظة Epigenetics  تعني بالاغريقية حول جينية. نشأ علم التخلق عبر دمج علم الجينات مع علم الأحياء التطوري ويعنى هذا المجال العلمي بالبحث في العوامل الموجودة داخل كل خلية و خارجها والتي تعطيها هويتها الخاصة.

لنعتبر أننا ننظر لتوأمين متطابقين ونرى أن أحدهم أصبح طبيباً حاد الطباع والآخر غدا سائق شاحنة مزوحاً، إن رحلتنا في معرفة التأثيرات العضوية والاجتماعية والنفسية والتربوية التي أدت لتولد شخصين مختلفين أتيا من ذات الخلية الملقحة وانتميا لذات العائلة والمدرسة. أجد أن هذا هو أقرب مثال لتشبيه هذا العلم وما يعنى بدراسته.

كل ما يجـب أن تعرفه عن أخطر أمراض البشرية .. السـرطان

 ماذا تعني الجينات لنا إذا؟

لقد كنا نعلم مسبقاُ أن كل الكائنات الحية تشترك ببعض المورثات الجينية. نحن والموز (نعم الموز وليس القرد) نشترك في 50% من الجينات. أما تقاربنا الجيني من الشمبانزي فهو 96%. هذا لا يعني أن الموزة هي كأختي وأن الشمبانزي هو تقريباً أنا أو توأمي الأكثر وسامة!

يشترك الأخوة في 50% من جيناتهم في العادة (إن لم يكونوا توائم) فكيف يحصل ذلك؟ تخيل أن خريطتنا الجينية هي علبة شكولاتة فاخرة بها 100 خانة صغيرة بمختلف الأشكال والأحجام وأن خريطة الموزة أيضا بها 100 خانة صغيرة متنوعة أيضاً.

كلتا العلبتين فارغتان من الشوكولاته. العلبتان تتشابه 96 خانة منها وتختلف 4 منها. ماذا عني أنا وأخي؟ حسن! لدينا أنا وأخي علبتا شوكولاته متطابقتان لكن قطع الشوكولاته في علبتي أعطتني ياها جدتي أم أبي بينما في علبة أخي قطع من الشوكولا المرة آتية من جدي والد أمي. هل وصلت الفكرة؟

جين الجييك!

نعلم الآن أن هنالك 24 ألف جين في الإنسان. نحن إذا أمام علبة شكولاته فيها 24 ألف خانة كل منها يمكن أن تسع قطعة فريدة من الشوكولاة. نسمع كل يوم عن اكتشاف جين جديد؛ جين للمثلية الجنسية وآخر للسمنة وثالث لحب الشوكولاته والسيارات الهجينة!

إن قمنا بإحصائهم جميعاً فإننا سنكون أمام عدد كبير من قطع الشوكولاته بحيث يفوق القدرة الاستيعابية لعلبة الشيكولاته و لا يترك مجالا للجينات الأساسية كتلك التي تخلق بروتين العضلات وتحدد لون العينين. كيف يحدث ذلك إذاً؟؟

من المفترض أن كل جين يحمل شيفرة انتاج بروتين فريد؛ قطعة شوكولاته بشكل معين، وهنالك عدة أنواع من تلك القطعة الفريدة (كونها مصنوعة باليد ومن مواد أولية مخلتفة) ومنها ما قد يكون مختلفاً في لونها أو درجة مرارتها أو طعم الحشوة بداخلها.

ماذا عن جين الاعتلال الاجتماعي كمثال؟ لو نظرنا إليه سنرى أنه جين يحمل شيفرة بروتين مستقبل لأحد النواقل العصبية MAO-A و أن هنالك شيفرة مصنوعة بشكل فريد وأن هذه الشيفرة (أو وصفة تحضير تلك القطعة من الشوكولاته) لوحظت بشكل أكبر لدى من تم تشخيصهم بالاعتلال الاجتماعي. و كذا لوحظت شيفرات بقاعدة فريدة الترتيب مرافقة لعدة ظواهر نفسية وبيولوجية في البشر.

 هل امتلاك الجين حكم نهائي بامتلاك الحالة؟

الجواب هو لا وذلك ما حيّر العلماء ودفعهم لدراسة علم التخلق. هنالك جينات إن وجدت تزيد قابلية الشخص لحدوث سرطان معين ولكنها لا تعني أن نسبة حدوثه ستكون 100%. يسعى العلماء لدراسة العوامل التي تحدد ما إن كان هذا الجين سيعطي تأثيره الخاص أم لا.

يبدو أن تلك الجينات تزداد فاعليتها عندما تضاف إليها جزيئات الميثيل مما يزيد من قابلية ترجمتها لبروتينات وتقل فاعليتها عند غياب جزيء الميثيل قربها. هنالك دراسات عديدة تظهر أن غالبية العوامل التي تحدد احتمالية تفعيل الجين غير الطبيعي هي عوامل خارجية بيئية أو مرتبطة بالتغذية والتعرض لكيميائيات معينة.

لو استطعنا التلاعب بتلك الجينات وتثبيط الضار منها وتنشيط الجيد منها فإن هنالك المئات – بل ربما الآلاف – من الأمراض التي سننسى أنها كانت موجودة يوما ما…

المصادر
1، 2، 3، 4، 5

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

أمثلة غير موفقة وصياغة غير دقيقة للمعلومات. يبدو أن مدة إقامة كاتب المقال فى أمريكا قد أنسته اللغة العربية فلم يعد يحسن التعبير بها.

موضيع جميل جدا لاكن علي حسب ماظن ان الجينات ليست هي التي تحدد شخصية الشخص بل اظن انه يوجد تراكيب اصغر من الجينات داخل الحمض النووي هي التي تحدد الطبيعة للانسان مثل التصرفات الغير الاعتادية في الذرة والتي فسرت بعد اكتشاف الفيزياء الكمومية

(عبد الله شاهين طبيب يقيم حالياً في الولايات الم
تحدة الأمريكية. يعمل كأخصائي في أمراض الخمج والعناية المشددة في جامعة هارفرد ويقوم بالأبحاث في مجال استخدام الهواتف الذكية في التشخيص والعلاج الطبي السريري).
انت مثال للشاب العربي الطموح استمر اتمنى لك التوفيق و النجاح اخي عبد الله شاهيين..’

مقال اكثر من راااااائع
جزيت خيرا

يازنديق ياكافر ياخارج عن الأصول والقواعد الخ الخ الخ
بتخرج عن تفكيرنا وحياتنا وتتكلم عن جينات وتطور وخلافه !
لماذا لا تكتب عن إجازة نكاح الكائنات الفضائية والجن ؟ هذا مايهمنا بنسبة 95% من جمهور العرب
او اكتب هل يجوز تشميت العاطس عند نزلات البرد ام لا -_-
هذه ستكون اغلب تعليقات السادة الأفاضل من يبحثون عن (العلم) من العرب ,,
تحياتي لك شخصيا ولمقالك الأكثر من رائع 🙂 – لن تجد مثلها كثيرا 😀

ذو صلة