فروغ فرخزاد.. أن يكون المرء شاعرًا يعني أن يكون إنسانًا!
4 د
“كلكم رحلتم وبقيت أنا هنا وحيدة، تكاد تقتلني الوحدة”
لطالما كانت هذه الجملة هي ما ترد في أغلب رسائل فرخزاد، هاجس الوحدة ذاك الذي سكنها، سكن حياتها وأعمالها، وطغى على كثيرٍ من أشعارها.
ظهرت شخصية فروغ فرخزاد كواحدة من أعظم نساء زمنها وكواحدة من أعظم الشاعرات الشرقيات حتى يومنا هذا، كونها استطاعت أن تطوع بقصائدها أفكاراً وقضايا لم تكن لتتحدث بها نساء زمنها آنذاك، ولقدرتها على القيام بنقلة فكرية شعرية كبيرة في جانب الشعر النسوي الشرقي، مثلها مثل شاعرات غربيات أوروبيات وأمريكيات كن قادرات على أن يكسرن الحواجز الموضوعة على كتابة الشعر بالنسبة للنساء وتجاوزها ليصبحن بذلك رموزاً للحركات الأدبية النسوية، كان ساكستون وسيلفيا بلاث وغيرهن الكثيرات.
كيف أصبحت درية شفيق الرائدة الفعلية للحركة النسوية في مصر اسمًا منسيًّا؟!
فروغ فرخزاد… الشاعرة في عصر الذكور
فروغ فرخزاد هي شاعرة ومخرجة أفلام إيرانية وُلدت في العام 1934 وتزوجت في سن مبكر من عمرها، أنجبت طفلها الوحيد “كاميار” والذي شغل جزءًا كبيراً من أعمالها، وبعد زواجها بعامين تطلقت وحصل زوجها على حق الحضانة لابنها، وذلك ما دفع فرخزاد لإكمال مسيرتها الشعرية وإصدار ديوانها الشعري الأول. كان ديوانها “ميلاد جديد” هو أكثر دواوينها التي استطاعت من خلاله القيام بنقلة شعرية كبرى في تاريخ الشعر الفارسي الحديث، ما جعل منها رائدة الشعر الفارسي المعاصر.
إن ما جعل من شعر فرخزاد مميزاً هو كونها اعتبرت كتابة الشعر هو بوابتها نحو الوجود، بوابتها التي استطاعت من خلالها أن تعبر عن كل مكنوناتها وهواجسها، فأخذ شعر فرخزاد نصيباً كبيراً من الدراسة والاهتمام من جانب النقد والتحليل، لما كان يحتوي من معانٍ تعبر عن الجرأة والصراحة، كونه اتخذ منحىً جديداً من حيث طرحه لمواضيع كان يعدها المجتمع في حينها من غير اللائق لامرأة الحديث عنها، لكن فرخزاد اعتبرت الشعر مساحتها للكتابة بدون قيود، الأمر الذي جعل لشعرها القدرة على أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية آنذاك.
وبخلاف كون شعر فرخزاد بسيطاً، عفوياً يعرض مشاعرها الداخلية، ولا يحمل بداخله أي تكلف أو تبني إيدولوجية معينة تدمجها في شعرها كبعض الشعراء؛ كان صدقها هو ما أدى إلى شهرتها، حيث كانت تكتب أشعارها بكل عفويتها وبكامل حبها وإخلاصها. كما وقد وجدت عوامل أخرى أدت إلى تميز فرخزاد كانطلاقها من نقطة فارغة ونضالها بذاتها، فلم تكن كشاعرات أوروبا من قرأن شعر غيرهن واستلهمن من أعمال بعضهن البعض بل اعتمدت على ذاتها وبنائها لشخصها منذ بدء مسيرتها الشعرية.
خطئت خطيئة حافلة بالمتعة
عرضت فرخزاد في قصائدها مشاعرها بكل وضوح وعفوية كما اهتمت بمواضيع رئيسية كالحديث عن المرأة وعن المعاناة التي قد تعانيها، ففي قصيدتها “الخطيئة” تهتم فرخزاد بفكرة الجسد وهنا تُسقط كلمة الخطيئة على قصيدتها في إطار منظور المجتمع لمواضيع كهذه، وهو ما جعل من فرخزاد شخصية نسائية هامة في الشرق والغرب على صعيد واحد كونها كانت قادرة على فرض شعرها في ظل مجتمع اقتصر على تواجد الذكور في الواجهة دائماً، أو على نساء واكبن سير مركب الشعراء من الذكور في تبني قيم الذكورة المفروضة مجتمعياً والتقيد بأفكار ومواضيع محدودة، فكانت فرخزاد ترفض صورة المرأة التقليدية تلك وأصبحت الصوت الذي تحدث بصراحة أنثوية للمرة الأولى.
وفي قصيدة أخرى لها، قصيدتها “لنؤمن ببداية فصل البرد” تصف فرخزاد فيها وحدتها التي عانت منها في حياتها، فبعد طلاقها وحرمانها من طفلها وكل الخيبات التي تعرضت لها من أشخاص كثر من حولها، جعلت من موضوع الوحدة تيمة مميزة في شعرها.
“هأنذا امرأة وحيدة
في مستهل فصل قارس
في بداية إدراك الوجود الأرضي الملوث
ويأس السماء البريء الحزين
وعجز هذي الأيادي المتصابة كالإسمنت”
فلم تسعَ فرخزاد من خلال شعرها أن تظهر صورة أخرى عن حياتها بل كانت تتحدث من على لسانها بكل صراحة كواحدة من الناس العاديين ممن لديهم همومهم ومشاكلهم وأحزانهم تلك التي تتبادر بداخل أذهانهم، وهو ما تبنته فرخزاد في كتابتها، ما جعل لها زخم شعبي كبير لجمهور من المعجبين لأعمالها وإبداعاتها، وقد كانت هذه المهمة شاقة جداً لفروغ لما تعرضت له من الهجوم والنقد، لكن هذا لم يثنِ فرخزاد عن الكتابة فكانت تعتقد بأن الشعر إذا ما خالف حقيقة الشاعر وحقيقة حياته فإن شعره مقلدٌ زائف.
“أؤمن بأني شاعرة في كل الأوقات، أن يكون المرء شاعراً يعني أن يكون إنساناً”
لم تكن تدرك فروغ فرخزاد أن أشعارها هذه الدافئة، النابضة بالحياة والكاشفة عن وجه حياة امرأة تعيش حياة كحياة فرخزاد ستكون منطلقاً وصوتاً أنثوياً لنساء بلدها ولأخريات من العالم كله!
أشعارها التي تحمل أيضاً نصيباً هائلاً من الحب والإنسانية لتخبرنا بأنه برغم كل شيء سيبقى بداخلنا حب الحياة بكل معادلاتها وهو ما تجسد لنا في شعرها المليء بالبهجة والحزن وبالألم والأمل.
رؤيا حيادية للحركة النسوية بموجاتها الأربع.. ما لها وما عليها
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.