الشاي وتأثيره: حروب تُقام وثورات تتأجج

الشاي وتأثيره: حروب تُقام، وثورات تتأجج
حسام سليمان
حسام سليمان

4 د

الشاي جزء لا يتجزأ من حياة البشر، وربما له تأثير ساحر على الفنانين كذلك.

أقداح الشاي، التي ارتفعت بمجامع علومها المُتخمرة، وعلى صوت الرَّشف المتلاحق عادت الملائكة السبعة إلى حرم الأسماع.

بهذه الكلمات عرَّف لنا الروائي والشاعر الكردي السوري سليم بركات، كوب الشاي وتأثيره حسب رأيه. أمّا نزار قباني الشاعر السوري المعروف فقد كان يتجهز بالشاي قبل أن يبدأ بالغزل والشعر والكلام المعسول، حيث قال:

 دعيني أصب لك الشاي، أنتِ خرافية الحسن هذا الصباح.

ولكن بالنسبة لكوب الشاي؛ فله حديث طويل في مقالنا اليوم، حيث أنه غيّر العالم إن صح التعبير. نعم قد تتفاجأ عزيزي القارئ، لذا جهِّز كوبًا من الشاي، لكي نبدأ بتاريخ الشاي العظيم.


تاريخ الشاي

الكاميليا الصينية، هو اسم النبتة التي تُصنع من أوراقها الشاي الأثيرة، ومن هذه المجموعة المتنوعة من الكاميليا تعود جميع أنواع الشاي غير العشبية في العالم، وتُصنَع النكهات المختلفة نتيجة طرق مختلفة لمعالجة الأوراق. يُقال أن أصل زراعة هذه النبتة يعود لشمال ميانمار ومقاطعتي يونّان وسيتشوان في الصين.

كما ذكرنا، قصة الشاي طويلة وبدأت منذ حوالي 5000 عام في الصين، وحسب الأسطورة الصينية فالإمبراطور شين نونج هو من اكتشف الشاي عن طريق الخطأ تقريبًا عام 3000 قبل الميلاد. وتقول القصة أن الإمبراطور وحاشيته خيَّموا في ظل شجرة ضخمة من نبتة الكاميليا الصينية، وأضرموا النار وأعدوا قدرًا كبيرًا بالماء المغلي. ونتيجة للحرارة الصادرة من النار، جفَّت بعض الأوراق، وفجأة هبَّت رياح شديدة بعدها، وتطايرت بعض الأوراق إلى الوعاء الكبير بالماء الساخن، الذي أصبح ذو لون ذهبي مميز كما وصدُرت عنه رائحة لذيذة. عندما حاول الإمبراطور شرب الماء، أسعده الطعم اللذيذ والرائحة، عندها أدرك على الفور التأثير المنعش المنعش وصاح تشا T’sa، والذي يعني: (إلهي) بالصينية، اعتمد الصينيون تشا كاسمٍ لهذا المشروب، وظل مستخدمًا إلى الآن.

رجل صيني أمام إبريق من أوراق الشاي

أصبح المشروب الناتج معروفًا بأسماء مختلفة باللغات الصينية، ولكن يُقدَر لقدراته الطبية الشائعة لتخفيف التعب، والتقليل عن النفس. وكان الرهبان البوذيون يلجأون لشرب الشاي بكميات كبيرة من أجل السهر، ومن بعده تأتي ساعات طويلة من التأمل. وحتى الطاويون استخدموه كمكون في إكسيرهم من الخلود، حيث أنه شاع لقرون كدواء قبل أن يصبح كشراب.

خرج الشاي من الصين وانتشر في العالم عبر عدة وسائل. فحسب السجلات التاريخية، فإن الرهبان البوذيون كانوا وسيلة النقل بالنسبة لليابان. كما قام التجار الصينيون بتصدير ورق الشاي لكل من إلى إيران والهند في وقتٍ مبكر، من 206 إلى 220 م خلال عهد أسرة هان. وفي القرن السابع عشر، استورد التجار الهولنديون أوراق الشاي إلى هولندا، ومن هناك انتشروا في جميع أنحاء أوروبا.


ما دور الشاي في الأحداث التاريخية؟

كان للشاي دورًا محوريًا في حدثين مهمين تاريخيًا، وهما حرب الأفيون الأولى، والثورة الأمريكية. تابع القراءة لتدرك أهمية ما تشربه!


حرب الأفيون

الشاي - حرب الأفيون

عندما وصل الشاي إلى بريطانيا، لاقى هذا المشروب انتشارًا على نطاق واسع بالعالم؛ وذلك بسبب النفوذ الواسع لبريطانيا العظمى آنذاك. ونتيجةً لهذا الانتشار ازدهرت تجارة الشاي بشكلٍ كبير جدًا. في البداية دفعت بريطانيا الفضة مقابل الشاي الصيني، ولكن عندما شعروا بأن الأمر بات مكلفًا اقترحوا مقايضة الشاي بمادة أخرى وهي الأفيون.

نعم الأفيون الذي سبب مشكلة صحية عامة في الصين، أدى الأفيون إلى إدمان الناس في الصين على المخدرات، لذلك أمر المسؤولون في الصين بتحطيم الشحنات البريطانية الضخمة من الأفيون؛ كإشارة عن رفضهم لهذه الصفقة. ونتيجة هذا التصرُّف قامت حرب الأفيون بين الدولتين التي أدت إلى حرب الأفيون. والتي جرت بدورها على مرحلتين: حرب الأفيون الأولى بين عامي 1840-1842، وحرب الأفيون الثانية بين عامي 1856-1860،

احتدم الصراع الصيني-البريطاني، والذي انتهى بهزيمة أسرة تشينغ وتنازلها عن ميناء مونغ كونغ لبريطانيا واستئناف التجارة، عبر معاهدة نانجينغ. والتي تضمنت بنودًا غير متكافئة، وأضعفت الحرب مكانة الصين العالمية لأكثر من قرن. لكن بعد الحرب عاد بيع الأفيون كما كان وأكثر، ثم أدّى ذلك إلى ازدهار اقتصاد بريطانيا. وهذا ما دفع الفرنسيين والأمريكان للدخول في هذا المجال أيضًا.

نتيجة لما حدث تراجع نفوذ الصين عالميًا، وباتت بريطانيا أقوى وأكثر امتدادًا من قبل.


حادثة حفلة شاي بوسطن

الشاي - حادثة حفلة شاي بوسطن

كانت المستعمرات الأمريكية تحت حكم البريطانيين، وكانت بوسطن أكثر المدن الأمريكية ازدهارًا في ذلك الوقت، ولكن الشعب كان يعاني من القوانين والضرائب المفروضة. لذا احتجّ المواطنون وبدأوا بمقاطعة البضائع البريطانية. ولكن زادت الأمور سوءًا، وصولًا لتاريخ (16 ديسمبر 1773). وفيه قام مجموعة من الوطنيين الأمريكيين -متنكرين في زي الهنود- برمي 342 صندوقًا من الشاي، تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية، من السفن إلى ميناء بوسطن. وباتت هذه الحادثة تُعرف بحفلة شاي بوسطن.

ذو صلة

هذه الحادثة مثّلت صفعة على وجه الإمبراطورية العظمى آنذاك، وكانت الشرارة التي أشعلت الثورة الأمريكية التي أدت إلى ولادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يحكم البريطانيون أمريكا بعدها. كما تعد تلك اللحظة الأهم في التاريخ الأمريكي اليوم، حيث تمثلت في صنع الحركة السياسية لحزب الشاي يا أصدقائي، والتي تشكلت في عام 2009 نتيجة لما يراه أتباعها على أنه تجاوز حكومي.

إذًا وكما رأينا، لولا الشاي لما زادت المملكة البريطانية نفوذًا ولن نعرف ربما لولا الشاي أيضًا لما حدثت الثورة الأمريكية. لذا فهذا الكوب الذي أمامك ليس كأي مشروب آخر، وإنما له من التاريخ ما يضاهي أي ملكٍ أو إمبراطور.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة