الحكايات بين الأدب والسينما: عن تحويل النص الأدبي إلى نص سينمائي!

الحكايات بين الأدب والسينما: عن تكسير الرواية إلى سيناريو
أحمد سامي
أحمد سامي

6 د

هذا واحد من المقالات التي أكتبها بمزيج من النشوة والفرح. دائمًا ما كانت السينما هي بوابتي نحو الانسلاخ عن أحزاني، ودائمًا ما كان الأدب هو المفتاح الذي يفتح تلك البوابة. أتذكر أن أول رواية حقيقية قرأتها في حياتي كانت (ديفيد كوبرفيلد) للمؤلف (تشارلز ديكنز). وبعدها شاهدت الفيلم المبني على أحداثها. ووقتها أدركت أن الأدب خلق للسينما، والسينما خلقت للأدب.. اليوم سوف نتحدث بهدوء وروية عن طريقة تكسير الرواية إلى سيناريو، متحدثين عن مفهوم الرواية من جهة، والسيناريو من جهة أخرى. وبالمنتصف نتطرق إلى عناصر التشابه والاختلاف بين كليهما، وما الخصائص التي تجعل كاتب سيناريو ما محترفًا عن غيره بالنسبة لتحويل النص الأدبي إلى نصّ سينمائي تشاهده مرئي في صالات السينما.


الحكايات بين الأدب والسينما

الحكايات بين الأدب والسينما: عن تكسير الرواية إلى سيناريو - السينما

الأدب والسينما: عن تكسير الرواية إلى سيناريو.

والجدير بالذكر أن كل ما سيُكتب في هذا المقال، هو نِتاج خبرتي في القراءة والتحليل سواء مجال الأدب أو السينما. ربما يتسق قولي مع المراجع الأكاديمية، وربما يختلف. لذلك لا تتحامل، للكل وجهات نظر، واليوم أقدم لكم خاصتي.


ما هي عناصر الرواية؟

الرواية ما هي إلا قصة طويلة جدًا. في العادة ما تكون القصة مكونة من ثلاثة عناصر أساسية: (توطئة – ذروة – انفراج)… في التوطئة، يقوم الكاتب بتقديم الشخصيات وزمن الأحداث والأماكن، وربما أيضًا تاريخ البلاد ذاتها، سواء كانت واقعية أو فانتازية. الهدف من التوطئة هو إدخال القارئ في عالم الرواية بشكلٍ يجعله لا يُدرك أنها خيالية، بل أنها واقع سيعيشه حتى آخر صفحة بالكتاب. إذا نجحت التوطئة، أكمل القارئ القراءة، وإذا فشلت، قذف الكتاب من النافذة. على سبيل المثال في سلسلة روايات (ذا هوبيت)، قام (تولكين) بتقديم عناصر عالمه في الفصل الأول، وقدم لنا أبرز معالم التاريخ والفئة المعينة من المخلوقات التي سنُكمل معها الأحداث، والتي هي (الهوبيتيين).

الحديقة الجوارسية

رواية “الحديقة الجوارسية”، من تأليف “مايكل كرايتون”.
رواية “الحديقة الجوارسية”، من تأليف “مايكل كرايتون”.

أما في الذروة، هنا نحن نتحدث عن وصول القصة إلى مرحلة العقدة الأساسية. في رواية (الحديقة الجوارسية)، قام (مايكل كرايتون) بتقديم الذروة في المنتصف، حيث اتسمت بالخطيّة في سرد الأحداث؛ فأتت الذروة بالمنتصف فعلًا. وذروة الرواية كانت خروج الديناصورات عن السيطرة، وتحوُّل الحديقة من حديقة بالجنة، إلى آتون بالجحيم.

وأخيرًا يأتي الانفراج، وهذا يكون الجزء الأخير من الرواية. وفيه يتم تقديم الحلول للعقدة الأساسية، وتتسم تلك المرحلة بالتقليل من توتر العقدة، ومحاولة زيادة نسبة الراحة لدى القارئ. وفي النهاية تصل الرواية إلى خاتمة. كانت خاتمة سعيدة أو حزينة، لا يهم، المهم أنها اتسقت مع فكرة العقدة سابقة الذكر.

هذا هو البناء العام للروايات في وجهة نظري، بالطبع الأمر يختلف حسب تصنيف الرواية ذاتها. في روايات الفانتازيا مثل (هاري بوتر)، يكون العالم متشعبًا بدرجة تسمح بإدخال فصول من كل مرحلة بداخل الأخرى؛ فلا تصير الحبكة خطيّة على الإطلاق. ونفس الأمر في روايات الإثارة والألغاز مثل أعمال (دان براون)، وهكذا.


ما هي عناصر السيناريو السينمائي؟

الحكايات بين الأدب والسينما: عن تكسير الرواية إلى سيناريو - السينما

الأدب والسينما: هناك مبادئ تؤخذ في الحسبان عند تحويل الرواية إلى سيناريو.

عناصر الرواية، هي نفس عناصر السيناريو السينمائي. لماذا؟ ببساطة لكون كليهما عبارة عن صور أخرى من (القصة). لكن الفكرة في كون الروايات مُطولة، والسيناريوهات مختزلة.

ماذا أعني بهذا الكلام؟ حسنًا، هنا ندخل في صلب الموضوع أخيرًا، ونشرع في الحديث عن طريقة تكسير الرواية الأدبية، إلى سيناريو سينمائي. هنا لن أتحدث عن الفنيّات الصغيرة والدقيقة في كتابة السيناريو، هذا اختصاص الأكاديميين. بل سأتحث من منظور شخص قرأ روايات وسيناريوهات، واستشف (بعقله) الذي قام به كاتب السيناريو من أجل إدخال النصّ الأدبي عالم السينما.


مبادئ تؤخذ في الحسبان عند تحويل الرواية إلى سيناريو

الحكايات بين الأدب والسينما: عن تكسير الرواية إلى سيناريو - السينما

الأدب والسينما: أنت توجه كلامك لمُمثل، لا لقارئ!

تكسير الرواية لخطوط عريضة، أهم من أي شيء

قبل أي شيء، تكسير الرواية هو أهم ما يجب التركيز عليه. الرواية في العادة تُقسم إلى فصول، وكل فصل به مجموعة من الأحداث. ومن أجل تحويلها إلى سيناريو جيد، يجب قراءة الرواية بتمعن شديد، وتكسير كل فصل منها إلى أفكار. في النهاية سيكون لدينا خط أحداث طويل يحتوي على تسلسل أفكار مأخوذ عن نفس تسلسل أحداث فصول الرواية.

هنا يمكن إعمال العقل قليلًا، وخلق الإثارة في حبكة مُقدمة للقرّاء في الأساس، لكن بفضل الإثارة ستروق لجمهور السينما. الإثارة تأتي دائمًا عن طريق وجود مجهول، في الروايات الخطيّة، يسهل توقع المجهول؛ فتقل الإثارة. ولتحويل رواية خطيّة إلى سيناريو، يعمل كاتب السيناريو على قلب الأفكار التي انتزعها من الفصول، وربطها بطريقة تختلف عن طريقة الرواية، لكن تظل منطقية، وعندما يتم تقديمها على الشاشة، يكون بها ربط أحداث موزون.


الرواية بها إطناب، والسيناريو به إيجاز

هذه قاعدة عامة عند تحويل أي رواية أو عمل أدبي، إلى سيناريو سينمائي أو مسرحي. مُجملًا الروايات تتسم بالسرد المُطول، والذي ينطوي على العديد من أساليب الوصف والشرح والتوضيح. حتى أنه عندما تشرع في التفريق بين كاتب وآخر، أبرز العناصر التي تضعها في الحسبان، تكون أسلوب الوصف.

والوصف من شده أهميته أيضًا تم تصنيفه وتقسيمه إلى فئات عديدة. هناك من يُطنب في وصف الأماكن، بينما يختزل في وصف المشاعر، والعكس صحيح. وهناك من يطنب في كليهما، أو يختزل. لذلك الوصف جزء لا يتجزأ من بنية الرواية، وعند نزعه، يتم تقليل عدد الكلمات بشدة، وتتحول الحكاية من رواية طويلة، إلى رواية قصيرة (نوفيلا)، أو قصة. لذلك في السيناريو، يتم بتر الإطناب تمامًا، وتُحول الرواية إلى قصة هزيلة للغاية، ثم إلى سطور مُتبادلة كطلق النيران.

لذلك في وجهة نظري، السيناريو عبارة عن رواية مُختزلة إلى قصة هزيلة. والقصة بدورها تُجرَّد تمامًا حتى تصل إلى ثلاثة عناصر أساسية (مكان – حوار – وصف محدود). وبذلك تصير لدينا صيغة السيناريو المعهودة المعتمدة على مكان للأحداث، وحوار دائر بين الشخصيات، مع وصف بكلمة أو كلمتين للحالة النفسية لكل شخصية قبل أو بعد إلقاء العبارة في الحوار.


أنت توجه كلامك لمُمثل، لا لقارئ

هذه مشكلة يقع فيها الكثير من كُتّاب السيناريو فعلًا: توجيه الكلام لقارئ، لا لمُمثل.. مَن المنوط بقراءة السيناريو؟ ممثل بالطبع. وما دور المُمثل؟ تجسيد السيناريو بدون شك. لذلك لا يمكن أن تكتب السيناريو بأسلوب تخيلي، بينما يجب أن تكتبه بأسلوب مباشر.

على سبيل المثال، لا يجب قول: “وقف (آرثر) على السلم العام، يرتدي حُلَّة بنية عتيقة، ويدخن غليونًا، بينما الحمام في الأعالي يطير، وصوت عصابة شباب الشارع يقترب إلى مسامعه بالتدريج. وهنا أخيرًا بعد طول انتظار، قرر الالتفات للخلف”.

يجب قول: “وقف آرثر على السلم، أشعل الغليون، والعصابة تقترب، ثم التفت للخلف”.

ذو صلة

هنا أنت اتبعت قاعدة الاختزال، وأيضًا وجهت الكلام مباشرة للمُمثل. كل ما على الممثل معرفته هنا هو الذي سيقوم به لا أكثر ولا أقل. لا يهمه لون الحُلَّة على الإطلاق، لأنه بالفعل سوف يرتديها بينما يقرأ السيناريو للمرة الأخيرة قبل أن يقف أمام الكاميرا. بجانب أن وصف الشخصيات يكون في خانة خاصة بمقدمة السيناريو، قبل أن يتم تقسيم القصة إلى مشاهد من الأساس.

عند الحديث عن الأدب والسينما، هل هذا يكفي؟ بالطبع لا.. توجد كتب ومجلدات كاملة في كيفية تحويل الرواية الأدبية إلى سيناريو سينمائي لتشاهده في صالات السينما، وبالتأكيد كلها أشمل وأعم من مقال اليوم. اليوم تحدثنا عن عناصر هامة يتم وضعها بالحسبان أثناء تحويل الرواية إلى سيناريو سينمائي، وتلك العناصر قدمتها من منظور شخصي، بناءً على تحليل كيفية تحويل روايات أدبية في الواقع، إلى أعمال سينمائية غاية في الروعة والجمال.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة