الوزن الزائد ليس وصمة عار… عن تجربتي في التنمر والـ Body Shaming!

أحمد سامي
أحمد سامي

7 د

مقال اليوم هو واحد من المقالات الحساسة جدًا على أراجيك بالمُجمل. دائمًا ما نتناول القضايا الجدلية بطريقة حيادية ومُنصفة قدر الإمكان، دون أن نضع حيزًا للخبرات أو التجارب الشخصية. لكن اليوم الأمر مختلف، لن نكون حياديين، لأن موضوع اليوم يتحدث عن التنمر على الهيئة الجسدية.

التنمر فعل سيئ جدًا ويجب التصدي له بكل الصور الممكنة، خصوصًا إذا كان موجهًا تجاه الهيئة الجسدية للفرد، والتي تُمثله في الأساس وتكون صورته الواقعية أمام الجميع. منذ فترة قصيرة تم نشر فيديو للإعلامية المصرية (ريهام سعيد)، مأخوذ من آخر حلقة لبرنامجها (صبايا الخير)، تقول فيه نصًا: “الناس التخينة ميتة، وعبء على أهلها وعبء على الدولة، وبتشوه المنظر”.

فيديو يوتيوب

ذلك بالطبع سبب موجة عارمة من الغضب لدى العرب عمومًا، لكون برنامجها محبوبًا لدى جميع أهل الأقطار العربية حصرًا. هنا هي تنمرت بشكلٍ مباشر على أصحاب الأوزان (وأنا منهم في الواقع). لذلك أتيت اليوم لأطرح موضوع الـ Body Shaming، أو التنمر على الهيئة الجسدية، طرحًا متوازنًا يعتمد على الميل لإنصاف الإنسان لكونه إنسانًا، وليس لكونه مجرد كرة ضخمة تسير في الشوارع لتهدم المباني كما يقول البعض.


ما هو الـ Body Shaming أو التنمر على الهيئة الجسدية؟ وما تأثيره على النفس البشرية؟

التنمر

التنمر على الهيئة الجسدية هو صورة من صور التنمر الشهيرة، وليست مُستحدثة في الواقع، بل متأصلة تأصل الحضارات والدول نفسها. الإنسان بطبيعته يحب ويكره الكثير من الأشياء، لكن التحضّر الإنساني هو الذي يُكبل المرء عن الأذى النفسي للآخرين.

من أمارات التحضر أن تزن كلامك قبل أن تقوله، وتُفكر في تأثيره على غيرك، وكيف له أن يؤثر عليه سلبًا إذا قيل بطريقة خاطئة. التنمر على الهيئة الجسدية هو وصم الطرف الآخر بالتخاذل والتكاسل و”السِمنة أو الرُفع”. وفي هذا التنمر توصف السمنة على أنها مرض عضال سيفتك بصاحبه بعد أيام، أو على أنها وسيلة سريعة للأذى البصري وهدم الصورة “المثالية” للدول المتحضرة.

التنمر بالمُجمل يكون تأثيره سلبيًّا جدًا على كل البشر، نحن في النهاية نحب أن نأخذ النصيحة بأسلوب “النصيحة”، لا بأسلوب التسفيه والتحقير والإذلال. أجل، الزيادة عن الوزن المثالي للجسد تجعل الإنسان عرضة للكثير من المضاعفات (إذا لم يهتم باختباراته الصحية)، لكن أن تقول: “أنت سمين، أنت عالة على المجتمع، أنت مجرد عبء، يجب أن تموت، أنت ميّت يا صاح”، تلك الجمل لن تجعلني أشرع في التخسيس فعلًا، تلك الجمل ستجعلني أكره جسدي لدرجة قد تصل في بعض الأحيان لقطع زوائد الدهون في الجسد بسكين حاد في محاولة للتخلص من “آفة العُهر المجتمعي” التي وصمتوني بها.

في دراسة بحثية رصينة على موقع NCBI الشهير، وصلوا إلى نتائج تُبرهن أن التنمر على الهيئة الجسدية مرتبط بشكل واضح وتام مع أعراض اكتئاب تطال المرء باستمرار وفي مراحل عمرية مختلفة. والأمر ظهر بشدة لدى شريحة كبيرة من طلّاب العام الجامعي الأول. وتقول الدراسة أن هذا النوع من التنمر في الصغر، يظل متخمرًا لدى الطفل والمراهق، حتى يصل إلى أعراض اكتئاب واضحة وشديدة في مرحلة الرشد الجامعي. هنا الحزن يؤثر على نظرة الإنسان لنفسه ولحياته ككل، مما قد يدفع البعض للانتحار أو التقوقع بداخل غرفهم دون احتكاك مع العالم الخارجي المتنمر، وهذا ينتج عنه قضاء تام على الحياة الاجتماعية للمرء.


تجربتي الشخصية مع التنمر على الهيئة الجسدية

هناك الكثير من الكتاب لا يحبذون أن يحكوا قصصهم على القرّاء. حيث يجدون في الأمر نوعًا من السماح للآخرين باختلاس النظر لحياتهم الشخصية. هذا بالطبع حقهم، لكن الأمر مختلف بالنسبة لي. خصوصًا أن ما سأقوله الآن مرتبط جدًا بموضوع المقال.

أول عام تعرفت فيه على مصطلح الـ Body Shaming بتطبيقه العملي، كان العام الثاني من مرحلة الإعدادية. وقتها لم أكن اجتماعيًّا على الإطلاق، أجل كنت من هذا النوع الذي يأخذ شطيرة في الفسحة، ثم يهبط لأرض الملعب ليأكل وحيدًا، بينما ينظر لأقرانه يلعبون ويتعرقون لكنه لا يقدر على ذلك نظرًا لوزنه.

وقتها كان يتنمر عليّ من شخص بعينه، ودائمًا يقول أنني سمين “وعِجل” لدرجة لا تسمح لي بالمشي حتى. دائمًا ما كنت أذهب لأمي وأقص عليها ما حدث، لتُطبب جراحي وتزودني بالمزيد والمزيد من الطعام. حسنًا، هذه طريقة أي أم في الترويح عن طفلها، أليس كذلك؟

مرت المرحلة الإعدادية وأنا أتحمل التنمر، ودخلت الثانوية وأيضًا تنمروا عليّ. في ذاك الوقت كنت أزن 130 كيلو غرام. دخلت الجامعة، ومع المشي الكثير للمحاضرات والمعامل، صرت مع الوقت 110 كيلو غرام، وهذا وزني الحالي.

لكن في العطلة الصيفية للعام الثالث من الثانوية وقبل دخول الجامعة، كان هذا وقت الألم. كرهت جسدي جدًا، قلت أنهم سيتنمرون عليّ في الجامعة أيضًا، يجب أن أتصرف. ذهبت لصالة الألعاب الرياضية لمدة 3 شهور. لم يكن معي مدرب، وللأسف خرجت من تلك الشهور الثلاث بمجموعة كدمات مؤلمة، وآلام مُبرحة في القطنية لازمتني حتى وقت كتابة هذا المقال. قررت بعدها ارتداء الملابس الواسعة جدًا دون الاهتمام بالذوق أو شكل الملابس، فقط أنها تُواري عوراتي الجسدية من دهون وترهلات.

دخلت الجامعة وبالفعل تنمروا عليّ، لكن وجدت مجموعة أصدقاء لي. هؤلاء هم أول أصدقاء أحصل عليهم في حياتي، شعرت بالبهجة والفرحة العارمة وأنا أسير معهم دون أن يتحدث أحدهم عن وزني وهيئتي. وعندما اشتكيت لهم عن تنمر الآخرين تجاهي، ظلوا يحفزونني ويقولون أنها طبيعة السن، وأن الهبوط في الوزن ممكن مع الوقت، وأنك ما دمت صحيحًا فلا تأثير للوزن عليك، إلخ. وقتها كنت 130 كيلو، ودون أن أشعر هبطت 20 كيلو دون أن أهتم حتى بالأمر. بعدها بدأت بالاهتمام بمظهري وملابسي، بدأت أختار الملابس متوسطة الحجم، لا تُجسم جسدي بالكامل، ولا تُغطيني كشخص يحاول الهرب من جسده. وكل هذا نظرًا لبثهم الأمل بداخلي وأنهم جعلوني أتناسى آلامي النفسية بالتدريج.

وهذا ما أشارت إليه الورقة البحثية بالأعلى، قالوا أن وجود الأصدقاء والبيئة الصحية نفسيًّا عامل هام في تخطي مرحلة نبذ الذات، وبدء مرحلة تقبلها أو التغيير منها. وهنا أنتقل بكم إلى الجزء الثالث والأخير من مقال اليوم، كيف أتغلب على التنمر على الهيئة الجسدية، وكيف أتقبل نفسي بوضعي الحالي؟


كيف أتقبل نفسي وأبتعد عن تأثير التنمر على هيئتي الجسدية؟

التنمر


حياتك لك، وليست للآخرين

لا أحد يستطيع الحكم على حياتك أكثر منك. أنت صاحب الروح والعقل والجسد، أنت المالك الشرعي لهذه التركيبة الإنسانية الفريدة، والتي تُميزك أنت فقط، دونًا عن سواك. ببساطة لا يمكن أن يقول الطائر للسمكة: “أنتِ سيئة لأنكِ لا تستطيعين الطيران”، ولا يمكن أن تقول السمكة للطائر: “أنت أحمق لأنك لا تستطيع السباحة”. كل إنسان له مقومات ومقدرات حياتية تختلف عن الآخرين، وإذا كنت مرتاحًا مع مقومات وزنك، وصحيًّا أنت سليم، إذًا فليذهبوا للجحيم.


وزنك ربما أنت لست المتحكم فيه فعلًا

هناك الكثير من البشر تكون غددهم وهرموناتهم هي المتحكم الأول والأخير في وزنهم. ممكن الّا يأكلوا لأيام كاملة، ويجدون أنفسهم على نفس الوزن أو زادوا قليلًا. أو يأكلون الكثير والكثير، ويظل الوزن كما هو، بل يهبطون أكثر!

حسب هذه الدراسة على موقع NCBI أيضًا، نجد أن المايسترو المتحكم في عمليات الأيض (وبالتبعية المتحكم في تخزين الدهون أو حرقها)، هي مجموعة هرمونات تخرج من الغدة الدرقية – Thyroid Gland. أتتذكرون كوكب الشرق (أم كلثوم)؟ أتتذكرون ذلك المنديل الأبيض الذي اعتادت لفه حول رقبتها؟ أجل كان لديها تضخم في تلك الغدة، حيث أن موضعها فوق الحنجرة بالضبط.

التضخم بالمُجمل ينتج عنه اختلال في مستويات الهرمونات، وليس على الدوام يمكن ضبطها من خلال جرعات أدوية خارجية. وقتها تكون معدلات الحرق متغيرة، ويمكن أن يصير المرء سمينًا بشدة، أو رفيعًا بشدة.


الحياة هي التي أجبرتك على ذلك

ربما قارئ المقال الآن إمرأة متزوجة ولديها أطفال، وبالمصادفة قامت بعملية ولادة قيصرية، وفيها تم شق البطن شقًا لإخراج الجنين. ذلك الشق يسبب تشوهًا دائمًا في جلد البطن، والحمل يُسبب ترهلات جلدية عديدة لا يمكن التخلص منها إلا بعمليات تجميل باهظة جدًا. ستقولين لي: هل معنى أن أموالي لا تكفي لتلك العملية، أنني قبيحة؟ بالطبع لا يا عزيزتي. الحياة هي المسؤولة عن ذلك، وهذا لا يجب أن يجعلكي تكرهين نفسك على الإطلاق، بل أن تحبيها أكثر لأنها هي التي سمحت لكِ بالحصول على قرة عين.


أحِط نفسك بالإيجابيين

الإيجابي هو الشخص الذي يحب الخير لك دائمًا. إذا وجدك سمينًا، سيسألك: “هل قلبك يؤلمك؟ هل تشعر بثقل شديد في الحركة؟”. إذا كانت إجابتك نعم، سينصحك بالتخسيس، وإذا كانت إجابتك لا، سيسعد لأنك سعيد. الإيجابي هو الذي يهتم بالخير لك دون الحكم على هيئتك وأفعالك بمنظوره الشخصي البحت. أنت ما دمت سعيدًا وصحيًّا، انتهى الأمر، هو سعيد لك.


لا تخجل من الحديث عن مشاكلك، لكن مع الشخص المناسب

التنفيس هو وسيلة التقبل الأولى للنفس. التنفيس ربما لا يحل المشاكل، لكنه ينزع عن كاهلك ذلك العبء الثقيل من الأفكار المتداخلة. لكن ليس الجميع عبارة عن منصة جيدة للتنفيس. يمكنك التنفيس لصديقك المقرب، أو لمُعالج نفسي متخصص في الاستماع إلى مشاكل الآخرين دون الحكم عليهم بمعيار شخصي. المُعالج النفسي هو الذي يستطيع فك هذا التداخل الشديد، ويجعل أفكارك في صورة خيوط متوازية، مستقيمة، حتى تستطيع فهمها والتعامل معها بسلاسة ويسر.

ذو صلة

وفي الختام

التنمر على الهيئة الجسدية شيء سيء جدًا ومؤلم، ولا يجب على أي إنسان أن يوصم قرينه الإنسان بالعار لمجرد أنه غير مُحبذ إليه بصريًّا. النصيحة تُعطى في قالب كالحلوى، لكن إذا قذفت الآخرين بالحلوى على رؤوسهم، ستصير لهم كالجمرات الساخنة، وسيكرهونك تمام الكره.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة