لماذا لا توجد رحلات جوية مباشرة بين أمريكا الجنوبية وشرق آسيا؟!
7 د
يبلغ التعداد السكاني في أمريكا الجنوبية حوالي 424 مليون نسمة، أي ما يعادل 5% من عدد سكان العالم، أما في آسيا، فيبلع العدد حوالي أربع مليارات و560 مليون نسمة، أي حوالي 57% من التعداد السكاني العالمي.
من الواضح أن التعداد السكاني الآسيوي يفوق الأمريكي بحوالي 10 أضعاف، كما أنه وكما هو معروف، فإن آسيا مركز أساسي للتجارة والاقتصاد العالمي، وأمريكا الجنوبية ذات شأن أيضًا، فلماذا لا يوجد رحلات جوية مباشرة بين أمريكا الجنوبية وشرق آسيا؟!
آسيا: اقتصاد عالمي واعد هناك
حاليًا، ترتبط فقط البرازيل وكوبا والمكسيك وبنما بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، بشكل خاص مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، طبعًا فهذه دول ذات حركة مرور عالية. هذا ما يضع أمريكا اللاتينية (تضم أمريكا اللاتينية أمريكا الجنوبية والوسطى) في موضع حرج، حيث سيكون مستقبلها بعيد كل البعد عن السوق التي ستصبح الأكثر أهمية خلال العقد المقبل.
ماذا نقصد بـ “السوق الأكثر أهمية”؟ حقيقةً، من المقرر أن تصبح منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهادئ الأكثر أهمية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2038. الصين وفيتنام وتايلاند والفلبين وماليزيا وإندونيسيا والهند، جميعها ستكون من بين أكبر 10 أسواق للنقل الجوي بين الاقتصادات الناشئة، وذلك وفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، أما الثلاثة الأخرى فهي روسيا والمكسيك والبرازيل.
على مدار العشرين عام القادمة، ستكون الصين والهند مصدر 44% من رحلات الركاب الإضافية جوًا، وسيكون لدى كليهما معدل تغيير سنوي مكون من رقمين في تكرار الرحلة، لذا يُعتبر سوق آسيا صفقة كبيرة بالنسبة للدول الأخرى. لكنّ ذلك لا يُعتبر خبرًا مفرحًا بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية، دعنا الآن نتكلّم عن أمريكا الجنوبية بشكل خاص، ذلك لا يصب في مصلحتها أبدًا.. لماذا؟ لأنه لا يمكنها الاستفادة من الموضوع، وسيهتز اقتصادها ربما! لكن لما لا يمكنها الاستفادة؟
اقرا أيضًا: ماذا تعرف عن عرب أمريكا اللاتينية؟
لماذا لا يتم تنظيم رحلات بين أمريكا الجنوبية وآسيا؟
هناك العديد من المعوقات التي تقف حاجزًا يمنع تنظيم رحلات مباشرة بين أمريكا الجنوبية وشرق آسيا، وتفرض الوقوف في عدة محطات للوصول. إليك في هذا المقال لمحة مبسّطة عن المعوقات.
المعوقات الجغرافية (المسافة الطويلة)
تُعد المسافة بين أمريكا الجنوبية وآسيا أطول طريق إقليمي عالمي، يمكن القول أنهما متقابلتان على سطح الكوكب. مثلًا، المسافة بين المكسيك وبكين 12,454.71 كيلومتر، وحاليًا، وشركة الطيران الوحيدة التي تعبر هذه المسافة هي خطوط هاينان الجوية (Hainan Airlines)، وتعمل مرة واحدة في الأسبوع، وتتوقف في تيخوانا بسبب الارتفاع الشاهق لمطار ميكسيكو سيتي. من جهة أخرى، يتصل جنوب الصين أيضًا بمكسيكو سيتي عبر فانكوفر (غالبًا سيتوقف هذا المسار). تعمل شركة طيران الصين أيضًا في أمريكا اللاتينية، تذهب فيها الرحلات إلى بنما عبر هيوستن، وإلى هافانا عبر مونتريال، وإلى ساو بولو عبر مدريد.
من بين كل المسارات السابقة المذكورة، يمكن الإحصاء بأنه هناك ثماني رحلات جوية أسبوعيًا من الصين إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، وإذا أضفنا رحلات الطيران من المكسيك إلى سيؤول وطوكيو، فسيرتفع إجمالي الرحلات إلى 22 رحلة أسبوعيًا إلى آسيا والمحيط الهادئ عامةً.
إذًا، قد يبدو مما سبق أن شركات الطيران في أمريكا اللاتينية لا تعطي اهتمامًا كبيرًا بآسيا والمحيط الهادئ. فمن بين أكبر أربع شركات طيران أمريكية لاتينية، والتي هي:
- مجموعة خطوط لاتام الجوية (LATAM).
- شركة الطيران أفيانكا ( Avianca).
- خطوط كوبا الجوية (Copa Airlines).
- شركة طيران المكسيك (Aeromexico).
فقط الأخيرة المكسيكية تذهب إلى آسيا، تدير رحلات يومية إلى سيؤول وطوكيو. تذهب خطوط لاتام أيضًا برحلات إلى أستراليا ونيوزيلندا. إذًا، تشكل المسافة الطويلة العائق الأول لوجود رحلات جوية مباشرة بين أمريكا الجنوبية وشرق آسيا.
لماذا يصعب الاتصال المباشر مع الصين مثلًا؟
منطقيًا، يجب أن تكون المكسيك ميناء دخول العديد من الرحلات الجوية إلى الصين، بحيث أنها أقرب دولة في أمريكا اللاتينية إلى الصين، ولكن مما سبق نستنتج أن هناك مؤشرات تقتضي انقطاع الاتصال المباشر بين البلدين، وأهمها صعوبة الوصل بينهما بسبب المسافة الكبيرة، فقط عدد قليل من الطائرات يمكنها قطع هذه المسافة الطويلة، طبعًا يأتي ذلك تبعًا لأهمية المنطقة المراد التواصل معها في أمريكا الجنوبية مثلًا. تُقدر المسافة بين شرق آسيا وأمريكا الجنوبية بحوالي 18 ألف كيلومتر، إذا عملت أي شركة طيران في هذا المسار بشكل مباشر، ستكون تلك أطول رحلة في العالم بلا توقف، وهذا ما يضعنا أمام مشكلة أخرى، وهي التكاليف.
اقرأ أيضًا: أكبر المطارات في العالم من بينها مطارات عربية!
العائق الثاني.. التكاليف الباهظة
من منظور اقتصاديّ أعمق، يُعتَبَر مطار بكّين في الصين أكثر مطارات القارّة الآسيويّة ازدحامًا، يقابله مطار ساو باولو في البرازيل، والذي يشهد حركة الملاحة الجويّة الأكثر كثافة في أمريكا الجنوبيّة كلّها. تبعًا لذلك، من المنطقيّ جدًّا وجود ارتباط فعليّ بين هذين المطارين ـ على سبيل المثال ـ في كلّ من القارّتين. لكن، ليس تحقيق هذا الأمر سهلًا كما افتراضه، بل إنّه على قدر من الصعوبة والتكلفة بشكل يجعل من المستحيل إنجازه تقريبًا.
إليك الأمر بلغة الأرقام. يبلغ طول مسافة الرحلة الجويّة المباشرة بين المطارَين آنفَي الذكر 10934 ميلًا (17600 كم)، وهو رقم كبير للغاية، حتّى في عصر التطوّر التقنيّ الذي نعيشه اليوم؛ فعلى سبيل المثال، وفي الوقت الراهن، إنّ أطول رحلة جويّة تجاريّة مباشرة، مُسيَّرة بانتظام، هي الرحلة التي تسيّرها شركة Singapore Airlines للخطوط الجويّة، بين مطارَي سنغافورة في آسيا، ومطار نيوآرك (Newark) في نيوجيرسي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة (أمريكا الشماليّة)، بمسافة طولها 9534 ميلًا (15343 كم)، ولمدّة 18 ساعة ونصف، بطائرة من نوع Airbus A350-900ULR تمتلك مدى طيران أقصى لمسافة 9700 ميل فقط. تلك تبقى أقل بفارق كبير من رحلة بين بكّين وساو باولو، والتي يفرض مسارها المباشر كذلك المرور بأجواء عدد كبير من الدول، وهذا يشمل مسافات شاسعة من البرّ الروسيّ، ما يعني تكلفة مضافة، نظرًا لارتفاع تكاليف مرور الرحلات في أجواء روسيا.
كلّ تلك العوامل تجعل من إنجاز رحلات مباشرة ـ ذات قيمة ـ بين القارتَين أمرًا صعبًا وبعيد المنال، ولربّما عديم الجدوى بعض الأحيان، إذ من غير الممكن حتّى الآن إتمام رحلة مباشرة دون التزوّد بالوقود جوًّا، مع الحاجة إلى تجهيزات خاصّة على الدوام، وفرض قيود على الحمولة وعدد المسافرين، ناهيك عن طول الرحلة وهواجس السلامة التي قد تظهر.
لكن، قد يكون هناك بصيص أمل يلوح في الأفق. في أكتوبر (تشرين الأوّل) من العام 2019، أنجزت Qantas (شركة الخطوط الجويّة الأستراليّة) أطول رحلة جويّة تجاريّة على الإطلاق، بين مدينتَي نيويورك في الولايات المتّحدة، وسيدني في أستراليا، في مشروع تجريبيّ أُطلق عليه اسم Project Sunrise، لرحلة طولها قرابة 10000 ميل، وامتدّت نحو 20 ساعة، لكنّ الشركة اضطرّت لفرض كثير من القيود على الحمولة وعدد المسافرين من أجل مراعاة ضوابط الوزن، ولم تضمّ الرحلة إلّا 49 مسافرًا، من بينهم طاقم الطائرة، ورغم كلّ ذلك، لا تكفي مثل هذه الرحلة لملء المسار الجويّ المباشر بين مطارَين رئيسيَين في كلّ من شرق آسيا وأمريكا الجنوبيّة.
إذن، تلك كانت أهمّ الأسباب التقنيّة والافتصاديّة التي تمنع وجود رحلات تجاريّة مباشرة بين شرق آسيا وأمريكا الجنوبيّة؛ فالقارّتان أبعد ما تكونا عن بعضهما على هذا الكوكب، كما أنّ التكنولوجيا التي تمكّن من إتمام الرحلات المباشرة دون الاضطرار للتزّود بالوقود جوًّا (ولو لمرّة واحدة على الأقلّ) لم تُستَحدَث بعد، فضلًا عن أنّ البنية التحتيّة والأماكن المجهّزة لتلك المهمّة ما تزال قاصرة تمامًا.
السبب الثالث.. حماية أشجار المطاط في جنوب شرق آسيا!
قد يكون هذا السبب مفاجئًا بالنسبة لك كما كان بالنسبة لي، نعم، أحد أسباب انعدام الرحلات المباشرة بين أمريكا الجنوبية وشرق آسيا هو بغرض حماية أشجار المطاط في آسيا من آفة الأوراق التي تصيب شجر المطاط، والتي يكون مصدرها أمريكا الجنوبية، وتسمى “سالْب SALB”، اختصارًا ل (South American Leaf Blight)، حيث قضت هذه الآفة على أشجار المطاط في أمريكا الجنوبية.
يعتمد إنتاج هذا النوع من الأشجار على الزراعة الأحادية بشكل مطلق. في المزارع، تكون كثافتها عالية جدًا والتنوع الجيني منخفض، وبالتالي، هذه الأشجار شديدة التأثر بالآفات، وهذا ما منع الرحلات بين المنطقتين، حيث وضعت منظمة الأغذية والزراعة مبادئ توجيهية لتقليل مخاطر انتشارها، وكانت ناجحة، فحتى الآن، لم يصل سالْب إلى جنوب شرق آسيا. وكما نعلم، المطاط هو حجر الأساس في الاقتصاد العالمي، فكيف إذا كان إنتاجه طبيعيًا من الشجر؟ لا يمكن الاستغناء عنه.
هل هناك حلول لإيجاد رحلات بين أمريكا الجنوبية وآسيا.
حقيقةً، لا يبدو أن شركات الطيران أو حتى الحكومات مهتمة بتعزيز الاتصال بين المنطقتين، فقد ألغت شركة طيران المكسيك طريقها إلى شنغهاي وكان أحد أسبابها هو عدم وجود الدعم الكافي من الحكومة المكسيكية، وحاولت الشركة لمدة 11 عام الحصول على فرصة ولم تستطع، بالإضافة إلى نقص في البنية التحتية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
هل توجد رحلات بين الصين ودول أمريكا اللاتينية عبر المحيط