ماذا لو: كان كوب الماء نصف الممتلئ، نصف فارغ بالفعل؟!
4 د
يستخدم كل المتفائلين المثل الشهير “انظر لنصف الكوب الممتلئ” كدلالة إلى وجود أمل دائمًا حتى في أحلك اللحظات، وأن كل شيء لا يخلو من مميزات كما لا يخلو من عيوب. وفي تصورهم الدائم، أن النصف الآخر من الكوب الممتلئ هو نصف فارغ. لكن، للعلم رأي آخر في هذا المثل الشهير.
فماذا يعني الفراغ في الفيزياء إذن؟ الفراغ Vacuum هو الحيز من المكان الخالي تمامًا من المادة، حيث لا يوجد حتى الهواء. وعند الفيزيائيين فحتى هذا الفراغ، على المستوى الكمي، يحتوى مادة ما. لكن بما أنه فراغ فله صفات فيزيائية مميزة. ونصف الكوب الذي يبدو فارغًا هو نصف ممتلئ بالهواء غير المرئي، ما يجعل الكل يعتقد أنه فارغ. فماذا سيحدث لو كان هذا النصف فارغًا بالفعل؟ ستجيب الفيزياء هذا السؤال كما جرت العادة في سلسلة “ماذا لو؟”.
احتمال حدوث هذا الأمر على الأرض مستحيل بالطبع، لكننا هنا سنُعمل خيالنا سويًا ونتصور السيناريوهات الممكنة. والمؤكد لنا أن هذا الفراغ لن يستمر ولو لحظات، لكن ما سيحدث سيختلف إذا أجبنا عن السؤال، أي نصف في الكوب هو الفارغ؟
سنتخيل المشهد الآتي، أنت الآن في مقهى مع زميل لك، وأمامك منضدة عليها ثلاثة أكواب، كل منها نصفه ممتلئ بالماء، الكوب الأوسط الكوب المعتاد، نصفه ماء Water ونصفه هواء Air. وعلى اليمين كوب آخر يشبهه، لكننا استبدلنا الهواء بفراغ. وعلى اليسار كوب مخالف يمتلئ نصفه العلوي بالماء والسفلي بالفراغ Vacuum . وسنتابع الأكواب لكل ميكروثانية، ابتداء من اللحظة صفر t=0.
لن يحدث شيء في أول بضع ميكرو أجزاء من الثانية، فحتى جزيئات الهواء المحيطة بالأكواب لن تكون قد تحركت. وجزيئات الهواء تتحرك بسرعة بضع مئات من الأمتار في الثانية الواحدة. ولكن بعضها تتحرك بسرعة أكبر من البقية. وبعد مرور مزيد من الميكرو أجزاء من الثانية، ستبدأ جزيئات الهواء الأسرع في دخول الفراغ في الكوب الأيمن.
بعد نحو 150 ميكرو جزء من الثانية سيبدأ الهواء في التدفق في الفراغ في الكوب الأيسر، بينما سيحوي فراغ الكوب الأيمن القليل جدًا من بخار ماء.
بعد بضع مئات من الميكرو أجزاء من الثانية، ستكون سرعة تدفق الهواء في فراغ الكوب الأيمن كبيرة جدًا، وسيملأ الهواء الفراغ، ويرتطم بقوة بسطح الماء، مسببًا موجة تصادمية سنتنشر في الماء والكوب قبل أن ترتد وتنتشر في الهواء مرة أخرى.
وستسبب الموجة في اهتزاز الكوبين المجاورين، قبل أن يسمعها الجالس بجوار الكوب كصوت صفعة شديدة وذلك بعد بضعة ميللي أجزاء من الثانية من حدوثها.
سيؤدي انكماش حجم الفراغ مع حركة الكوب والماء إلى زيادة ضغط الكمية القليلة من بخار الماء بداخله، ما سيبطئ من الغليان الذي حدث سابقًا وتسبب في تواجد بخار الماء، لكن هذا لن يحدث فارقًا.
سرعة حركة الكوب والماء تجاه بعضهما البعض ستكون كبيرة جدا الآن بعد نحو 8 ميللي جزء من الثانية. وسيؤدي هذا لارتطام الماء بقوة شديدة كالمطرقة في قاع الكوب.
ومن خصائص السوائل أنها غير قابلها للانضغاط، لكنها تنقل الضغط بشكل كامل، ولذلك فكل القوة التي سيصطدم بها الماء في قاع الكوب ستنتقل للقاع الزجاجي وتحطمه. ويسمى هذا التأثير بالمطرقة المائية، ويمكن إحداثه بسهولة على أي زجاجة مليئة بالماء كخدعة في الحفلات مثلًا، فعند الضرب بقوة كافية على فوهة زجاجة مليئة تتحرك الزجاجة لأسفل أسرع من السائل بداخلها مما يكون فراغ بين الاثنين، فيتسبب ضغط الهواء في تحريك السائل تجاه الفراغ بقوة شديدة كفيلة بتحطيم قاع الزجاجة. كما في هذا الفيديو
وفي حالة الكوب الأيسر، ستكفي القوة كافية لتحطيم حتى أقوى أنواع الأكواب. وسيرتطم القاع المنفصل بالمنضدة ليتحطم لشظايا صغيرة تتناثر في جميع الاتجاهات وتصيب كل الجالسين حول المنضدة. بينما سيستمر باقي الكوب في الطيران لأعلى. وكل هذا سيحدث وقد مر نحو نصف ثانية لا أكثر.
في اللحظة نفسها سيسمع الجالس حول المنضدة صوت التحطم والارتطام، كما سيتابع بعينيه الكوب المتحرك لأعلى تجاه السقف، والذي سيملك طاقة كافية ليصطدم بالسقف ويتحطم.
قبل أن تهبط الشظايا الزجاجية المتناثرة وتصيب الجالسين أيضًا.
وسيتكون المشهد النهائي من كوب أيمن نصف ممتلئ بالماء والنصف الآخر بالهواء، وكذلك الكوب الأوسط، مع كوب أيسر متحطم، ومجموعة من المصابين بشظايا زجاجية في وجوههم. وهنا تكمن العبرة من الموضوع، فعندما يكون الفرد متفائلًا سينظر للنصف الممتلئ، أما لو كان متشائمًا فسينظر للنصف الفارغ. وفي الحالتين سينحني الفيزيائي محاولًا الهرب من الإصابة بالشظايا الزجاجية المتناثرة.
المصدر: XKCD
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.