لدينا هنا شجرة باسم علمي “ديبتيريكس أودوراتا Dipteryx odorata” تنمو في أمريكا الوسطى وشمال أمريكا الجنوبية وتتبع عائلة البازلاء. هي شجرة غير معروفة لغير المتخصصين، لكن ثمرتها هي الأكثر شهرة وأهمية في عالم صناعة الطعام والعطور … حبوب تونكا Tonka Bean!
كما ترون في الصورة السابقة، هذه حبوب سوداء مستطيلة مكرمشة الجلد وبقلب راتنجي لكن ما لا تعرفونه أن لها نكهة ورائحة تجمع بين الفانيليا والكرز واللوز والقرفة الحارة والقرنفل وربما ندف صغيرة من قوس قزح كذلك! ليس هذا فحسب، بل إن مذاقها من القوة أن بُرادتها (وهي الطريقة التي يتم استهلاكها بها عادة) المستخرجة من حبّة واحدة تكفي 80 طبقًا!
هذا مكون غذائي يدعي الكثير من الخبراء أنه الألذ في العالم على الرغم من عدم معرفتك به؛ بل أنهم يشبهون تذوقه باستنشاق الأفيون! مع هذا، فهو ممنوع في عدد من الدول حول العالم، خاصة وفق مرسوم إدارة الغذاء والدواء FDA الأمريكية منذ عام 1954؛ والسبب هو المكون الكيميائي الذي يحويه فول التونكا وهو الكومارين Coumarin.
الكومارين مركب كيميائي نباتي ذو رائحة شبيهة بالفانيليا؛ ويتواجد بنسب متفاوتة في العديد من النباتات، ما فيها البقوليات، واللافندر والعرق سوس، والفراولة، والمشمش، والقرفة. حوالي 90% من العطور الحديثة تحتوي على الكومارين، ويمكنك الكشف بسهولة عنه عن طريق مراجعة قائمة المكونات على عبوة العطر؛ بالإضافة إلى استخدامه على نطاق واسع في صناعة المواد الغذائية والحلويات والتوابل وتبغ الغليون والسجائر حيث ترتبط رائحة الكومارين حاليًا بروائح التبغ فكلاهما ذو رائحة دافئة محببة للنفس.
حبوب التونكا تحتوي على 90% من الكومارين، وفي حبات فول التونكا الشائخة، سيمكنك ملاحظة بلورات بيضاء صغيرة عليها … هذا هو الكومارين في شكله الخام والنقي عمليًا! هكذا كان من البديهي أن يتم حظر استخدام الكومارين أو خلاصة التونكا من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في صناعة الغذاء، على الرغم من أنك ستجد الكومارين في القرفة مثلًا بنسبة 1%. لكن لمَ هذا الحظر على الرغم من الصفات الساحرة والمدهشة لحبوب التونكا والكومارين؟!
الموت اللذيذ!
على الرغم من أن حبوب التونكا محظورة بحكم القانون في الولايات المتحدة، فستظل قادرًا على الحصول عليها ضمن قوائم طعام أفضل المطاعم وأرقاها هناك. وفي الواقع، تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد لحبوب التونكا في العالم! من الواضح هنا أن مذاق ونكهة التونكا من الروعة أن يخاطر أكبر الطباخين وأشهرهم بتهريبها إلى البلاد واستخدامها في أطباقهم.
التهمة الموجهة لحبوب تونكا هو أنها، أو الكومارين في الواقع، سامة للغاية، وقد تسبب الموت إذا ما تناولتها بكميات كبيرة. لكن طالما تناولتها بشكل معتدل وعلى فترات متباعدة، فلن تلحظ منها إلا طعمها الرائع واللذيذ للغاية. في الواقع فتناول أي طعام مهما كان آمنًا بكميات أكبر من اللازم قد يؤدي إلى أضرار صحية بين متوسطة إلى خطيرة، فما بالكم بمادة سامة كالكومارين؟!