ما هي الدلتا
حيث يكون الماء تكون الحياة، وهذا يتطبق بالتأكيد على مناطق دلتا الأنهار، هذه المناطق الصغيرة الغنية والوافرة الخيرات، والتي قامت بجانبها أقدم الحضارات الإنسانية وأعرقها من العراق إلى مصر وغيرهما. حيث تنتشر الدلتا في كل أنحاء العالم، لكن لا تتشكل عند كل نهرٍ فالأنهار سريعة الجريان غير مؤهلةٍ لتشكيل دلتا.
تعريف الدلتا
دلتا الأنهار هي أرضٌ منخفضةٌ، أو شكلٌ تضريسيٌّ يتشكل في فم النهر قرب مصبّه في مسطحٍ مائيٍّ أكبر منه أو محيط . وتكمن أهمية الدلتا الكبيرة للبشر والسمك والحياة البرية، فيما تحمله من مميزاتٍ كالتربة الخصبة والغطاء النباتي الكثيف والمتنوع.
وتأتي أهمية الدور الذي تلعبه في النظام البيئي أولًا لفهم طبيعة الأنهار؛ حيث يتم تعريف الأنهار على أنها مسطحاتٌ من الماء العذب تتدفق من ارتفاعاتٍ عاليةٍ عادةً باتجاه محيطٍ، أو بحيرةٍ أو نهرٍ آخر، وقد تعود أحيانًا إلى الأرض حتى.
تنبع معظم الأنهار من أماكنَ مرتفعةٍ حيث تنحدر الثلوج والأمطار وغيرها من الرسوبيات إلى خلجانٍ أو جداولَ صغيرةٍ، وتستمر هذه المجاري المائية الصغيرة بالانحدار إلى أبعد نقطةٍ لتلتقي أخيرًا وتشكّل أنهارًا.
تتجه الأنهار إلى المحيطات أو غيرها من المسطحات المائية الأكبر، وغالبًا ما تندمج مع أنهارٍ أخرى، وتشكل الدلتا الجزء الأدنى من هذه الأنهار، وفيها يتباطأ جريان النهر ثم يتفرّق ليكوّن مناطقَ جافةً غنيةً بالرسوبيات وأراض رطبة متنوعة حيويًّا.
تشكّل دلتا الأنهار
يعتبر تشكًل دلتا النهر عمليةً بطيئةً؛ فعندما تتدفق الأنهار نحو مصباتها من أماكنَ مرتفعةٍ، تقوم بترسيب الطين والطمي والرمل وجزئيات الحصى في المكان الذي تلتقي فيه مع المسطحات المائية الأكبر المستقرة هناك.
ومع مرور الوقت تتراكم هذه الجزيئات (تسمى طمي أو رسوبيات) في فم المصب متمددةً داخل المحيط أو البحيرة. وعندما تستمر هذه المناطق بالتوسع، يصبح الماء أكثر ضحالةً، وتبدأ تضاريسٌ بالارتفاع فوق سطح الماء بالتدريج، وتعلو عادةً مستوى سطح البحر.
عندما تحمل الأنهار ما يكفي من الرسوبيات لتشكيل هذه المناطق البارزة، فإن الماء المتدفق المتبقي يقسم بقوته أحيانًا هذه الأرض مشكلًا فروعًا مختلفةً تسمى ترعًا.
أهمية الدلتا
- لا تغطي دلتا الأنهار فعليًّا الكثير من مساحة الأراضي، لكنها تحتضن العديد من الموارد التي يعتمد عليها الإنسان والحيوان، ويحتضن بعضها ملايين الناس.
- تزود الكثير من البلدان بالطعام والمرافئ ووسائل النقل.
- من أكثر الأماكن المنتجة بيولوجيًّا في العالم، فتربتها غنيةٌ ونباتها أكثر ازدهارًا.
- تدعم مسامك السمك والقشريات والغابات والمحاصيل مثل الشاي والأرز.
- تعتمد النظم البيئية مثل الأراضي الرطبة والغابات الاستوائية على دلتا نهر مستقرة، كما تتكل الحيوانات كالطيور والحشرات وحتى الضواري الأكبر حجمًا على نظام الدلتا البيئي.
- الدلتا عنصرٌ من مجموعة تنظيف الطبيعة، فهي تعمل على امتصاص الجريان السطحي للأمطار والفيضانات بالإضافة إلى تصفية المياه التي تحملها.
- تؤثر تغيرات البيئة والمناخ على الدلتا؛ فعند تطور حفر القنوات في الأنهار أو الأراضي الرطبة بدأت تتزايد عمليات الحت والتعرية. ما يعني انجراف المزيد من الرسوبيات إلى البحر بسرعةٍ أكبر من تراكمها البطيء على أرض الدلتا. كما يهدد ارتفاع مستوى البحر والأعاصير الشديدة مناطق الدلتا الحساسة، وعند بدء الدلتا بالانغمار سيغمر الماء أراض أبعد من اليابسة.
- تؤدي تدخلات الإنسان في الدلتا للسيطرة على المياه كإقامة السدود إلى تغيراتٍ قاسيةٍ على الأنظمة البيئية فيها خلال فترةٍ قصيرةٍ. مثلًا، إقامة سدٍ على نهر الكولورادو في القرن 20 منعه من التدفق إلى بحر كورتس بالمكسيك. ما سبب معاناةً لأنواعٍ عديدةٍ كانت تعيش في دلتا النهر نتيجة اختفاء موطنها الأصلي بالكامل. أما في حالة دلتا النيل فقد قادت المبالغة في فرض السيطرة إلى جانب أمواج البحر المتوسط إلى الانهيار السريع للدلتا بشكلٍ لا يمكن ترميمه بسرعةٍ.
التضاريس الرئيسيّة
تشبه الدلتا جبل الجليد، حيث يوجد القسم الأكبر تحت سطح الماء.
- سهل الدلتا (Delta Plain): وهو أرضٌ ظاهرةٌ للعيان، واسعةٌ ومنخفضةٌ حيث يصب النهر في مسطحٍ مائيٍّ. تنتقل الترسبات إلى مسطحٍ مائيٍّ مفتوح (مثل ) عبر قنواتٍ متفرعةٍ من مجرى النهر الرئيسي. وتكون المكونات المتبقية تحت الماء.
- شريط الفم (Mouth Bar): ينشأ عند نهاية القناة المتفرعة وانخفاض سرعة المياه ما يؤدي إلى تراكم الرسوبيات.
- واجهة الدلتا (Deltafront): وهي جزءٌ ضحلٌ، يكون في قاع الانحدار، حيث الحت أو الرسوبيات والموج (المد والجزر).
- الدلتا الأمامية (Prodelta): هي الجزء الأعمق والأبعد عن الشاطئ والخاضع لتأثير الأمواج أو المد والجزر، ويكون فيها تراكم الرسوبيات أبطأ وتحتوي على الجزيئات الأصغر والأخف وزنًا.
أنواع الدلتا
هناك طريقتان رئيسيتان لتصنيف الدلتا؛ الأولى حسب التأثيرات التي تشكل الدلتا، والثانية حسب شكل الدلتا.
- حسب التأثير: هناك 4 أنواعٍ من الدلتا المصنفة حسب العمليات التي تتحكم بتراكم الطمي وهي: الدلتا التي تشكلها الأمواج، الدلتا التي يشكلها المد والجزر، دلتا جيلبرت ودلتا استورين.
- دلتا الأمواج: تتحكم حركة الأمواج بحجم وشكل الدلتا. ومثالها دلتا النيل (تشكلت من الأمواج البحر المتوسط) ودلتا السنغال (تشكلت من أمواج البحر الأطلسي).
- دلتا المد والجزر: تتشكل عادةً في المناطق التي تتعرض لمعدلٍ كبيرٍ من حركة المد والجزر. مثالها: دلتا جنكيز براهمابوترا الضخمة في الهند وبنغلاديش التي تشكلت من ارتفاع وانخفاض المد والجزر في خليج البنغال.
- دلتا جيليبرت: تتشكل عند مراكمة الأنهار لرسوبياتٍ كبيرةٍ وخشنةٍ. وتقتصر عادةً على الأنهار التي تصب في بحيراتٍ عذبةٍ.
- دلتا استوارين: تتشكل عندما لا يصب النهر مباشرةً في المحيط، ويشكل بدلًا من ذلك مصب نهر estuary. ومثالها النهر الأصفر الذي يشكل مصب نهر.
- حسب الشكل: جاء مصطلح دلتا من المحرف الإغريقي Δ على شكل مثلثٍ، وتسمى بذلك الدلتا التي تكون على شكل مثلثٍ أو مروحة الدلتا المقوسة (Arcuate) مثل دلتا النيل.
- الدلتا الحدباء (Cuspate): أو مستدقة الأطراف، وتشكلها الأمواج الأقوى، وهي بارزةٌ أكثر من المقوسة. وتأتي على شكل سن. مثل دلتا نهر التيبر.
- دلتا قدم الطائر: ليس لكل الدلتات شكلًا مثلثًا. فبعضها يكون على شكل قدم طائرٍ، لها عدة تفرعاتٍ متباعدةٍ مثل دلتا المسيسيبي.
- الدلتا المقلوبة (Inverted ]elta): تكون شبكة تفرعات الدلتا المقلوبة داخليةً بينما يصل فرعٌ واحدٌ من النهر فقط إلى المحيط أو المسطح المائي الآخر، مثالها: دلتا نهر ساكرامنتو - سان جواكين في كاليفورنيا.
- دلتا داخلية (Inland): تنتهي في سهل. وهي نوعٌ نادرٌ جدًا. مثل دلتا أوكافانجو في بوتسوانا، وهي واحدةٌ من عجائب الدنيا السبع الإفريقية. فمياه نهر أوكافانجو لا تصل أبدًا إلى مسطحٍ مائيٍّ آخر. حيث تنشر الدلتا الماء والطمي على سهلٍ منبسطٍ في صحراء كالاهاري قبل تبخره.
- الدلتا الهجورة (Abandoned Delta): تتشكل عندما يُنشئ النهر قناةً جديدةً تاركًا الأولى لتجف أو تركد، وتسمى العملية avulsion الفصل. ويحدث الفصل عندما يقل انحدار القناة ويتزايد تراكم الترسبات.